إستكمالاً
للحديث الذي بدأناه عن موضوع السنة، نتحدث اليوم عن #صحيح_البخاري
إنتشر في الآونة الأخيرة هاشتاغ
#تخاريف_البخاري على شبكات التواصل الإجتماعي وتناقله الكثيرون على صفحاتهم
الاجتماعية بل وتم إنشاء صفحة على الفيسبوك بعنوان تخاريف البخاري ، وتهدف في
الأساس الى إسقاط القدسية عن الأحاديث الصحيحة والتشكيك في صحتها وفي عملية تدوينها
ونقلها وتدقيقها وموافقتها للعلم والمنطق ..... الخ القائمة
في البداية أحب أن أوضح نقطة هامة بأن الإمام
البخاري في صحيحه لم يكن يهدف إلى جمع الأحاديث الشريفة وحفظها ، على عكس ما يظنه
الكثيرون ومنهم القائمون على صفحة تخاريف البخاري المشار اليها بالإضافة الى
الأخوة الذين يتناقلون البوستات المتعلقة بالموضوع، بل على العكس من ذلك فعملية
تدوين وحفظ الأحاديث الشريفة كانت في حياة الرسول وإستمرت في التداول إلى ما بعد
مماته، وكان الهدف من تدوين الأحاديث في كتاب واحد وشامل هو حصر الأحاديث الشريفة
الصحيحة والثابتة وإقصاء كل ما تم دسه وافتراؤه على النبي محمد ، وكان مقصد الإمام
البخاري هو عملية "التحقق" من الأحاديث المتداولة وفرزها وبيان الصحيح
منها. فهل كان هذا الرجل برأيكم رجلٌ يسعى إلى تخريب الدين ام أنه سعى إلى تصحيح
المفاهيم الخاطئة ؟!
الإمام
البخاري الذي يتهمه البعض بالخرافة والجهل كان إنساناً ورعاً حاد الذكاء واشتهر
بقوة ذاكرته وقدرته على الحفظ ، انتهج اسلوباً علمياً بحتاً في التحقق من الأحاديث
وتعلم علم الحديث والرواة وأضاف الكثير اليهما ووضع مؤلفات فيهما ، وقام بتقصي
رواة الأحاديث وصحة نسب الحديث الى سيدنا محمد ، وأسقط جميع الأحاديث التي تفتقد
الى سند في الرواية يصل الى سيدنا محمد ، وأسقط جميع الأحاديث التي نقلت عن رواة
غير ثقات ولا يُؤخذ بقولهم ، حتى انه أسقط سلسلة كاملة من الأحاديث لمجرد أنه شاهد
أحد الرواة وهو يقضي حاجته في الخلاء وهو في مواجهة الريح ، فعلم ان هذا الراوي لا
يتحرّى أسباب الطهارة فكيف له أن يتحرى الورع في نقل الأحاديث عن سيدنا محمد ؟!
الإمام
البخاري الذي تتهمونه أيها الأعزاء بالخرف والتخلف كان مُجدداً لعلمه وكان سابقاً
لزمنه فأين أنتم من علمه ومن صنيعه ؟! ماذا قدمتم للإسلام ؟! هل تعلمون كم من
الاسرائيليات قد تم حذفها من سلسلة الأحاديث بفضل ما فعله البخاري ؟ لقد ضم صحيح
البخاري أكثر من 7000 حديث صحيح من أصل 600 الف حديث متداولاً في عصره ! ألا يستحق
هذا العالم الجليل كلمة ثناء وشكر بدلاً من نعته بالرجل الخرف !!
أحد
أهم النقاط التي يرتكز عليها القائمون على مهاجمة صحيح البخاري أن تدوين الحديث
بدأ بعد 200 عام من وفاة الرسول وبهذا يكون الفارق الزمني بعيد جدا ويصبح من الصعب
التحقق من صحة الأحاديث وقد بينّا عدم صحة هذا ، ولكن من ناحية أخرى لو فرضنا
جدلاً بصدق هذه المقولة ، هل تعلم يا عزيزي أن الكتاب المقدّس "الإنجيل"
قد تم تدوينه بعد 400 عام من "وفاة" المسيح ؟! وهو كتاب مقدس يتخذه
أتباع الدين المسيحي (وهم أصحاب الديانة الأكثر إنتشاراً على سطح الأرض) كتاباً
مقدساً لهم .
أعود
وأقول إن الإمام البخاري كان عالماً ورعاً ومجدداً للدين على عكس ما يروج له البعض
، وقد كان مجتهداً وقام بما قام به كي يحفظ أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم
الصحيحة من الأحاديث المدسوسة وغير الصحيحة ، لقد إجتهد فأصاب وأخطأ وللمجتهد
نصيبه من إجتهاده فإن أصاب فله عشرة أضعاف ، وقد سنّ الإمام البخاري سنة حسنة بأن
إبتكر أسلوباً علمياً للتحقق من الأحاديث وجاب بلاد المسلمين للتحقق من صحة
الأحاديث فلقد سافر من المدينة الى مصر على راحلته للتأكد من صحة حديث واحد ! وعمل
ما بإستطاعته أن يعمل وترك باب الإجتهاد مفتوحاً لنا ، فماذا أضفنا نحن إلى علم
الحديث ؟! هل يكون مصيره ان نتهمه بالخرافة والتدجيل لأننا أغلقنا أبواب الإجتهاد
والتفكر والتعقل ؟! هل تلومونه على تقصيرنا نحن ؟!
لو
نطق الإمام البخاري اليوم، لأستشهد بالآية الكريمة على كل من أساء له واتهمه زوراً
وبهتاناً
((فَخَلَفَ
مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ
يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ
يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ))
أكثر
ما يثير حنقي أننا برغم كل الحداثة التي ندّعيها نقوم بنقد كل شيء بإسم التحرر ، ولا
يسلم منا أحد ، حتى علماء الأمة ومفكريها وفلاسفتها ، حيث أننا القومية الوحيدة
التي تهاجم علماءها وتحتقرهم في حين ان كل الأمم التي من حولنا تقدس علماءها وتبجلهم
رغم انهم لم يقدموا للبشرية أكثر مما قدمه علماؤنا
أيمن
أبولبن
27-12-2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق