من المواضيع المنتشرة بشدة على صفحات
التواصل الاجتماعي هذه الأيام موضوع السنة النبوية والحديث الشريف. أود القاء
الضوء على بعض النقاط التي قد تكون غائبة عن أذهان البعض، محاولاً التحدث باختصار،
وأبدأ بالحديث عمّن ينقل الأحاديث الشريفة الصحيحة ويعلق عليها بتعليقات ساخرة
مثل:
هذا الكلام اللي رجعنا لورا
شوفوا شو بيحكوا عن
........
هذه هي المرأة في نظرهم
معتقدات بالية وقديمة ما زالت تسيطر علينا
... الخ الكلام
ملاحظة: أقصد بالحديث الصحيح ليس النقل عن
رواة ثقات فقط بل تصحيح العلماء له وموافقته لمقاصد الشريعة وعدم مخالفته لما ورد
في القرآن
في البداية يجب التوضيح أن لكل واحد فينا
مكوناته السلوكية الخاصة به وأيدولوجيته التي يتبناها، والنابعة من ثقافته وتجاربه
في الحياة، ولكل واحد فينا حرية الاختيار بما في ذلك حرية الاعتقاد وهذا هو أساس
تكليف البشر ومحاسبتهم وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب، وبناء عليه فإن اقتناع أي شخص
بحديث معين أو إتباع سنة معينة تنبثق من هذا المبدأ، ((مبدأ حرية الاختيار)) .
يقول الله تعالى: ((وقل الحق من ربكم فمن
شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر))
مهما بلغت درجة ظنك بعدم صحة حديث ما، أو
عدم اقتناعك الفكري به فإن هذا لا يعني بالضرورة عدم ورود هذا الحديث عن النبي صلى
الله عليه وسلم أو عدم صحته، فنحن جميعاً لا نصل الى درجة الفقه العليا من الدين
والتي تتطلب الاطلاع والادراك الكامل لكافة جوانب الدين من قرآن وسنة وأقوال علماء
ومقارنة وجهات النظر، وبما أننا لم نصل بعد الى هذه الدرجة، فالأجدر بنا ألاّ
نُسفّه من أي حديث أو نتقوّل عليه وكأنه كلام عابر ليس له مصداقية، من وجهة نظري
الشخصية أنه يكفينا أن نتخذ قراراً فردياً داخلياّ بعدم العمل بفحوى هذا الحديث من
منطلق فردي وعدم الأخذ به، عملاً بمبدأ حرية الاعتقاد التي كفلها الاسلام لنا،
وعلينا أن نتحمل تبعات هذا الاعتقاد سواءً الايجابي منها أو السلبي، ومع التقدم
الفكري والحضاري والعلمي، قد يثبت بالفعل عدم صحة هذا الحديث أو على العكس يتبين
لنا أننا كنا غافلين عن الحقيقة، وأن الحديث صحيح بالفعل، لأننا في النهاية نحكم
على الأشياء من منطوق عصرنا فقط، والذي يتغير مع مرور الزمن، فما كان ثابتاً قبل مائة
عام أصبح اليوم من الخرافات، والعكس صحيح.
أما في حالة وجود تعارض من وجهة نظرنا بين
الحديث و الثابت من القرآن أو عموم التعاليم الإلهية فلنا أن نناقش ونبين ذلك
وندفع بالدليل العلمي أو الفقهي أو العقلي على عدم صحة هذا الحديث، دون تجريح أو
سخرية أو انتقاص، وهذا ما يقوم به العلماء بالفعل، ولنا أن نستشهد بموقع الدرر
السنية الذي يقوم بعمل جبار يتضمن دراسة كل الأحاديث من حيث الموضوع والفحوى ويبيّن
توافقها الكلي مع احكام الشريعة وما هو ثابت من القرآن وقد قام برد أحاديث عديدة
رغم صحة روايتها ورغم ورودها في الصحيح من الأحاديث، ومع مرور الوقت سيكون هناك
((فلترة)) لكل الأحاديث الضعيفة والمتعارضة مع مقاصد الشرع.
ولكن هذا العمل هو عمل مؤسسي يقوم به
مختصون، ولا يخضع للأهواء الشخصية كما يفعل غالبنا، فمعظم التعليقات بردّ هذا
الحديث أو ذاك والواردة على صفحات التواصل الاجتماعي المختلفة تعبر عن وجهة نظر
شخص معين وتتمثل بعدم توافق فحوى الحديث مع معتقداته الشخصية.
لو
قلنا أن نسبة ظنك بعدم صحة حديث ما، هي نسبة عالية جداً، لنقل أنك ترجح عدم صحة
هذا الحديث، كم نسبة تأكدك، هل تصل الى 90%؟ حتى لو وصلت الى 99% هناك احتمال واحد
بالمئة أن يكون هذا الحديث صحيحاً، تخيل معي أنك ستقف بين يدي الله عز وجل وسيسألك
أأنت قلت هذا عن نبيك محمد؟، ماذا ستجيب؟
مهما تفتّق ذهننا بإجابات عديدة ومتنوعة،
لن تزيد الواحد فينا الا خجلاً وصَغاراً
!!
كنت دائماً ما أذكر نفسي، أن الله تعالى
سيسأل الأنبياء والرسل عمّا فعلوه وسيحاسبهم على مرأى من جميع البشر فكيف بنا نحن
عامة البشر ؟!
يقول الله تعالى ((وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني
وأمي إلهين من دون الله))
لقد وصل بنا الأمر أن يعتقد كل واحد فينا
أن علمه المتواضع يفوق علم باقي البشر وتخوّل لنا أنفسنا أن ننتقد ونفنّد كل ما يخطر
على بالنا، بناءً على فرضيات افترضناها أو فكر اعتقدناه!
أيمن أبولبن
20-12-2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق