الاثنين، 24 نوفمبر 2014

سر عداء هتلر لليهود، وهل عدو عدوي هو صديقي بالضرورة ؟




   من المعروف للجميع مدى العداء الذي ناصبه هتلر لليهود، وما المحرقة النازية لليهود "الهولوكوست" إلا عارضٌ لهذا العداء، ولكن السؤال الغامض والذي حيّر الكثيرين ما هو السر وراء هذا العداء ؟!

   كعادة التاريخ، لا توجد أجوبةٌ واضحةٌ ومحددة لكثير من الأسئلة الغامضة والمحيرة، ولكن بالعودة إلىى كتب التاريخ وخصوصاً فيما يتعلق بتوثيقات الحروب العالمية، نجد أن هذا العداء الواضح للعيان ما هو إلا نتيجةٌ لعداءٍ فكريٍ خفي بين مدرستين حاولتا السيطرة على العالم وموارده الإقتصادية والبشرية أملاً في تحقيق حلم "العالم الجديد"  على شاكلة الحلم الأمريكي المعاصر، ونحن هنا نتحدث عن الشيوعية بإتخاذها شعار "الطبقة العاملة" والنازيّة وتبنّيها لنظرية "العِرق الآريّ". ولكن ما هو دور اليهود هنا ؟!

    تأثّر هتلر في شبابه بالفيلسوف الألماني "كارل ريتر" مؤسس نظرية "سيادة العِرق الآريّ" التي إنبثقت عنها فكرة النازيّة، وقد إعتبر ريتر أن الشيوعيّة هي أكبر خطر على البشريّة أو بمعنى أدق هي أكبر خطر على مشروع السيادة الألمانية للعالم، وبسبب تعمقه الكبير في دراسة التاريخ والعلوم السياسيّة فقد بنى قناعة تامة بأن اليهود هم من أسسوا حركة الماسونيّة العالمية التي يسيطر عليها أصحاب رؤوس الأموال العالميين -وجُلّهم من اليهود- بهدف إقامة دولة عالمية شاملة تأتمر بأمرهم، وذهب ريتر الى أبعد من ذلك حين أعلن أن الشيوعية هي ألعوبة وصنيعة ماسونية يهدفون من خلالها الى نشر الفكر الإلحادي وفض عروة الأديان لتسهيل جمع الإنتماءات للحركة الماسونية بغض النظر عن العِرق والدين والجنس لتحقيق الهدف النهائي وهو السيادة على العالم، مُشيراً إلى أن كارل ماركس مؤسس نظرية الشيوعية وصاحب كتاب "مبادىء الشيوعية" هو يهودي الأصل.

   كانت فلسفة كارل ريتر تعتمد بشكل أساسي على العداء لليهود والشيوعية وتمجيد العِرق الآري ، وكان يهدف الى تأسيس الحركة النازية من خلال إقناع الشعب الألماني بتفوقه على الأجناس البشرية الأخرى أو الأجناس الساميّة ( نظرية العِرق الألماني السيّد )، والتركيز على ان المانيا هي وحدها القادرة على حماية العالم من خطر الشيوعية، وقد إقترح في رؤيته أن يتم إخضاع دول أوروبا لسيطرة المانيا إقتصادياً ثم عسكرياً وأن يتم إنشاء طابور خامس في هذه الدول مهمته التمهيد للسيطرة الألمانية ومجابهة التنظيمات السريّة الأخرى وعلى رأسها الشيوعية ، وكان الهدف النهائي هو القضاء التام على الشيوعية واستئصال شأفة العِرق اليهودي عن بكرة أبيه، وهذا ما حاول فعله هتلر وفشل فيه في الأمتار الأخيرة من الحرب.

  ولو تَتبّعنا تسلسل الأحداث التاريخية نجد أن هتلر الذي نشأ يتيماً وعاش في فقر ٍ وأوضاعٍ معيشيةٍ صعبة وعانى من الازدراء والدونيّة ، قد رأى في الجيش الألماني طوق النجاة الذي يبحث عنه، فتطوّع فيه ليخوض غمار الحرب العالمية الأولى ظنّا منه أن المانيا منتصرة لا محالة، ولكن ظنه خاب وعانى الأمرّين من هزيمة المانيا وإستسلامها، وكانت هذه الهزيمة هي البداية الحقيقية لهتلر في عالم السياسة، الذي دخله لتحقيق أطروحة كارل ريتر التي اقتنع بها وآمن بها حرفياً، وبهذا نستطيع القول أن النازيّة كانت على خلاف متجذّر مع الشيوعية ومع اليهود حتى قبل نشأتها.

    ولعل السبب الرئيس وراء فضولي في البحث عن سر العداء الخفي بين هتلر واليهود، هو الإجابة عن سؤال عمّا إذا كان هتلر عدواً لليهود وصديقاً للعرب والمسلمين، خصوصا وأن الدولة العثمانيّة تحالفت مع المانيا في الحرب العالمية الأولى، والجواب القاطع هو لا، فالأيدولوجيّة التي تجرّعها هتلر تقضي بالعداء للجنس السامي ككل، بل إنه يمجد العِرق الآري ويؤمن بسيادة العِرق الألماني للعالم،ويحتقر كل ما هو دون ذلك ناهيك أن معتقدات هتلر  تخالف معتقداتنا كعرب ومسلمين،بل إنها تخالف ناموس الكون، ومن الخطأ الوقوع في فخ الإعجاب بما فعله هتلر باليهود لمجرّد أننا في حالة عداء وحرب مع دولتهم المزعومة.

  هناك فرق كبير بين محاربة الفكر الصهيوني (فكرة إنشاء وطن قومي لليهود على أرضنا) ومحاربة اليهود بناءً على خلفيتهم الدينية أو العِرقية – والذي نشترك معهم فيه على كل حال- ، فليس من حق أحد إفناء جنس أو جماعة دينية أو عِرقية، أو حتى حرمانها من حقوقها المتساوية مع بقية البشر.

  ما دفعني الى الكتابة في هذا الموضوع، هو هذا الهوس المنتشر في شبكات التواصل الإجتماعي في عالمنا العربي حول هتلر وما فعله باليهود، وكيل الثناء والمديح له وكأننا نشاطره نفس الأفكار والعقيدة، ألا تكفينا كل المصائب التي ارتكبناها بإسم الإسلام، لنبحث عن جرائم الإنسانية في الغرب ونتغنّى بها ونحن لا ناقة لنا فيها ولا بعير ؟!

أيمن أبولبن

16-11-2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق