*الصلوات الخمس في التنزيل الحكيم*
(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَوةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا
نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)
(132) سورة طه
من الأسئلة الجدلية التي شغلت تفكيري لفترة
طويلة واحتلت مساحة كبيرة من البحث كانت مسألة أحكام الصلاة والزكاة في التنزيل
الحكيم، وبالذات حكم الصلوات الخمس.
ونحن كمسلمين نتبع تعاليم سيدنا محمد فيما
يخص حكمي الصلاة والزكاة إذ لم ترد تفصيلات هذه الأحكام في الكتاب، فهل هذا صحيح
وما هو الدليل عليه؟
ثانياً : هل ورد في الكتاب تفصيل الصلوات الخمس
وأوقات الصلوات؟
السؤال الأول أجاب عليه د. محمد شحرور (رحمة
الله عليه) إجابةً شافيةً في كتابه (السنّة الرسوليّة والسنّة النبويّة) وأوجز ما
قال بصيغتي كما يلي:
السنة الرسولية هي السنة الواجب اتباعها من
قبل كل أتباع سيدنا محمد في كل العصور، وهي ما تتعلق بالرسالة. والدليل هو طاعة
الرسول الواردة في الكثير من الآيات القرآنية (وأطيعوا الله ورسوله).
أما السنة النبوية فهي اجتهادات النبي صلى
الله عليه وسلم في عصره من باب النبوّة وهذه واجبة الاتباع على من عاصره، فيما
تعتبر بالنسبة لمن لم يعاصره منهجية عامة للاجتهاد، والواجب هو اتباع المنهجية وليس
تقليدها. وهذا باب كبير لا أود الخوض فيه هنا.
اما بالنسبة لحكم الصلاة والزكاة بالتحديد، فقد
أمرنا الله سبحانه وتعالى بطاعة الرسول طاعة مباشرة وكانت تلك الطاعة منفصلة عن طاعة
الله حسب النص ومقرونة بالتحديد في حكمي الصلاة والزكاة، لاحظوا معي:
(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا
الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون) (56)سورة النور
إذاً نفهم من هذه الآية أن الله سبحانه
وتعالى أمرنا بإطاعة الرسول في حكمي الصلاة والزكاة طاعة مباشرة ومنفصلة عن طاعة
الله (دون الحاجة إلى نصوص تفصيلية)، وهذه هي الآية الوحيدة التي وردت فيها طاعة
الرسول منفصلة وقائمة بذاتها لأنها جاءت مرتبطة بأحكام الصلاة والزكاة.
ومن هنا نقول إن اتباع الرسول في جميع أحكام
الصلاة من ناحية مواقيتها وكيفية أدائها وعدد ركعاتها وكافة ما يخصها من أحكام هو
واجب منصوص عليه في الكتاب العزيز وأية محاولة للاجتهاد او التعديل فيها هي عصيان
لأوامر الله سبحانه وتعالى.
انتهى
والآن دعونا نبحث وإياكم عن السؤال الثاني،
هل وردت هناك اشارات أو دلائل في الكتاب الحكيم عن أوقات الصلاة وعددها؟
بسم
الله نبدأ وبه نستعين سائلين التوفيق
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ
اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ
لِلذَّاكِرِينَ) (114) سورة هود
من خلال فهمنا لهذه الآية فهي دليل على إقامة
صلاتي الفجر والمغرب (طرفي النهار) وأيضاَ صلاة العشاء (زلفاً من الليل) مع ترك
تحديد الوقت الفعلي للرسول صلى الله عليه وسلم كما أوحى له جبريل عليه السلام.
وأطراف النهار هي بدايته ونهايته فبداية النهار
هي الفجر (الخيط الأبيض من الخيط الأسود) ونهايته هي بداية الليل، وهو وقت الغروب
(المغرب).
(أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ
اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) (78)سورة الاسراء
في هذه الآية تظهر لنا صلاة الظهر بكل وضوح. دلوك
الشمس هو وصول الشمس الى كبد السماء وبداية نزولها باتجاه الغرب، وهو وقت الظهيرة.
وفيها أيضاً دليل على صلاة العشاء (غسق الليل)
والغسق هو ظلمة الليل
وهذه الآية تفيد عملياً بأن أوقات الصلوات هو
من وقت الظهر إلى العشاء مقسمة إلى عدد من الصلوات إضافة إلى صلاة الفجر، التي تم
الاشارة لها والحث على قراءة القرآن في وقت الفجر إلى طلوع الشمس.
(حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا
لِلَّهِ قَانِتِينَ) (238) سورة البقرة
في هذه الآية الأمر المباشر بالمحافظة على
الصلوات جميعها، مع ورود معنى جديد وهو الاشارة إلى الصلاة الوسطى، فإذا تبين لنا
من الآيات السابقة ورورد أربع صلوات (الفجر والظهر والمغرب والعشاء) إذا كان لا بد
أن تكون الصلاة الوسطى بين الظهر والمغرب وهي صلاة العصر.
وبهذا يكون الله سبحانه وتعالى قد أرشدنا إلى
الصلوات الخمس في كتابه العزيز وترك لرسوله الكريم تفاصيل أحكامها ومواقيتها وعدد
ركعاتها (كما أوحى له سيدنا جبريل)، ولكنه أمرنا بطاعة الرسول طاعة تامة في جميع
هذه الأحكام حتى لا يكون لنا حجّة ولغلق باب الاجتهاد فيها، فهي أحكام وقفية كما
وصلت لنا من الرسول صلى الله عليه وسلم. وكذلك الأمر بالنسبة لأحكام الزكاة.
هذا والله أعلم
أيمن يوسف أبولبن
5-5-2021