الأربعاء، 5 مايو 2021

*آيات استوقفتني 5 (6) الصلوات الخمس*


 

*الصلوات الخمس في التنزيل الحكيم*

 

(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَوةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)

 

 (132) سورة طه

 

من الأسئلة الجدلية التي شغلت تفكيري لفترة طويلة واحتلت مساحة كبيرة من البحث كانت مسألة أحكام الصلاة والزكاة في التنزيل الحكيم، وبالذات حكم الصلوات الخمس.

ونحن كمسلمين نتبع تعاليم سيدنا محمد فيما يخص حكمي الصلاة والزكاة إذ لم ترد تفصيلات هذه الأحكام في الكتاب، فهل هذا صحيح وما هو الدليل عليه؟

 

ثانياً : هل ورد في الكتاب تفصيل الصلوات الخمس وأوقات الصلوات؟

 

السؤال الأول أجاب عليه د. محمد شحرور (رحمة الله عليه) إجابةً شافيةً في كتابه (السنّة الرسوليّة والسنّة النبويّة) وأوجز ما قال بصيغتي كما يلي:

 

السنة الرسولية هي السنة الواجب اتباعها من قبل كل أتباع سيدنا محمد في كل العصور، وهي ما تتعلق بالرسالة. والدليل هو طاعة الرسول الواردة في الكثير من الآيات القرآنية (وأطيعوا الله ورسوله).

 

أما السنة النبوية فهي اجتهادات النبي صلى الله عليه وسلم في عصره من باب النبوّة وهذه واجبة الاتباع على من عاصره، فيما تعتبر بالنسبة لمن لم يعاصره منهجية عامة للاجتهاد، والواجب هو اتباع المنهجية وليس تقليدها. وهذا باب كبير لا أود الخوض فيه هنا.

 

اما بالنسبة لحكم الصلاة والزكاة بالتحديد، فقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بطاعة الرسول طاعة مباشرة وكانت تلك الطاعة منفصلة عن طاعة الله حسب النص ومقرونة بالتحديد في حكمي الصلاة والزكاة، لاحظوا معي:

 

(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون)  (56)سورة النور

 

إذاً نفهم من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بإطاعة الرسول في حكمي الصلاة والزكاة طاعة مباشرة ومنفصلة عن طاعة الله (دون الحاجة إلى نصوص تفصيلية)، وهذه هي الآية الوحيدة التي وردت فيها طاعة الرسول منفصلة وقائمة بذاتها لأنها جاءت مرتبطة بأحكام الصلاة والزكاة.

 

ومن هنا نقول إن اتباع الرسول في جميع أحكام الصلاة من ناحية مواقيتها وكيفية أدائها وعدد ركعاتها وكافة ما يخصها من أحكام هو واجب منصوص عليه في الكتاب العزيز وأية محاولة للاجتهاد او التعديل فيها هي عصيان لأوامر الله سبحانه وتعالى.

 

انتهى

 

والآن دعونا نبحث وإياكم عن السؤال الثاني، هل وردت هناك اشارات أو دلائل في الكتاب الحكيم عن أوقات الصلاة وعددها؟

 بسم الله نبدأ وبه نستعين سائلين التوفيق

 

(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ) (114) سورة هود

 

 

من خلال فهمنا لهذه الآية فهي دليل على إقامة صلاتي الفجر والمغرب (طرفي النهار) وأيضاَ صلاة العشاء (زلفاً من الليل) مع ترك تحديد الوقت الفعلي للرسول صلى الله عليه وسلم كما أوحى له جبريل عليه السلام.

 

وأطراف النهار هي بدايته ونهايته فبداية النهار هي الفجر (الخيط الأبيض من الخيط الأسود) ونهايته هي بداية الليل، وهو وقت الغروب (المغرب).

 

 

(أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) (78)سورة الاسراء

 

في هذه الآية تظهر لنا صلاة الظهر بكل وضوح. دلوك الشمس هو وصول الشمس الى كبد السماء وبداية نزولها باتجاه الغرب، وهو وقت الظهيرة.

وفيها أيضاً دليل على صلاة العشاء (غسق الليل) والغسق هو ظلمة الليل

وهذه الآية تفيد عملياً بأن أوقات الصلوات هو من وقت الظهر إلى العشاء مقسمة إلى عدد من الصلوات إضافة إلى صلاة الفجر، التي تم الاشارة لها والحث على قراءة القرآن في وقت الفجر إلى طلوع الشمس.

 

(حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) (238) سورة البقرة

 

في هذه الآية الأمر المباشر بالمحافظة على الصلوات جميعها، مع ورود معنى جديد وهو الاشارة إلى الصلاة الوسطى، فإذا تبين لنا من الآيات السابقة ورورد أربع صلوات (الفجر والظهر والمغرب والعشاء) إذا كان لا بد أن تكون الصلاة الوسطى بين الظهر والمغرب وهي صلاة العصر.

 

وبهذا يكون الله سبحانه وتعالى قد أرشدنا إلى الصلوات الخمس في كتابه العزيز وترك لرسوله الكريم تفاصيل أحكامها ومواقيتها وعدد ركعاتها (كما أوحى له سيدنا جبريل)، ولكنه أمرنا بطاعة الرسول طاعة تامة في جميع هذه الأحكام حتى لا يكون لنا حجّة ولغلق باب الاجتهاد فيها، فهي أحكام وقفية كما وصلت لنا من الرسول صلى الله عليه وسلم. وكذلك الأمر بالنسبة لأحكام الزكاة.

 

هذا والله أعلم

 

 

أيمن يوسف أبولبن

5-5-2021

#آيات_استوقفتني

الاثنين، 3 مايو 2021

*آيات استوقفتني 5 (5)*

 


*الفتى والفتاة*

 

(وَلۡیَسۡتَعۡفِفِ ٱلَّذِینَ لَا یَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ یُغۡنِیَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱلَّذِینَ یَبۡتَغُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ مِمَّا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡ فَكَاتِبُوهُمۡ إِنۡ عَلِمۡتُمۡ فِیهِمۡ خَیۡرࣰاۖ وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِیۤ ءَاتَىٰكُمۡۚ وَلَا تُكۡرِهُوا۟ فَتَیَـٰتِكُمۡ عَلَى ٱلۡبِغَاۤءِ إِنۡ أَرَدۡنَ تَحَصُّنࣰا لِّتَبۡتَغُوا۟ عَرَضَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۚ وَمَن یُكۡرِههُّنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِنۢ بَعۡدِ إِكۡرَ ٰهِهِنَّ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ)

سورة النور 33

 

 

كما ذكرنا سابقا وكما هو موضح في المنهجية التي نتبعها فإن التنزيل الحكيم يستخدم كل مفردة بمعنى خاص ومميز لها بحيث تنفرد كل مفردة في القران الكريم بمعناها الذي لا يتشابه مع غيرها من المفردات.

 واليوم نتحدث عن مفردة الفتى والفتاة وجمعهما الفتيان والفتيات. ونذكر بالأخص الآية موضوع منشورنا هذا اليوم (ولا تُكرهوا فتياتكم على البغاء)

 

للوهلة الأولى قد يظن البعض ان الفتيات هنا بمعنى البنات وبهذا يكون تفسير الآية ولا تكرهوا بناتكم على البغاء. وهو تفسير غريب و شاذ ولا ينسجم مع واقع الايات ولا مع واقع التنزيل الحكيم. وقد ورد في التفاسير القديمة أن المقصود هنا هو الإماء (أنثى العبد).

 

ولو دققنا في مجمل ايات القران الكريم بحثاً عن مفردة فتى وفتاة لوجدنا الاتي:

 

(وإذ قال موسى لفتاه)

(وقالت نسوة في المدينة إمرأت العزيز تراود فتاها عن نفسه)

 

إذاً هنا وبدلالة النص الفتيان و الفتيات هم العاملون في وظائف خدماتية، حيث يقتضي عملهم أن يكون مقابل أجرة أو مقابل خدمات معيشية (إقامة ومأوى وطعام) ويعني أيضا الالتزام بالصحبة او بالمكان او الرفقه بينهم وبين صاحب العمل اي ان هناك اتصال بين هؤلاء العمال وبين رب العمل. فالمقصود هنا هي العمالة التي تعمل مباشره لخدمتكم، وبمعنى العصر (العمالة الوافدة).

 

لاحظوا معي جمال وتناسق التنزيل الحكيم، في سورة يوسف تبدأ الآية بالقول (ودخل معه السجن فتيان) ويبدو ظاهر القول بأن الفتيان هنا تدل على مرحلة عمرية أي بمعنى شابّان، ولكن انظر عندما أجاب سيدنا يوسف على سؤالهما:

 

(أما أحدكما فيسقي ربّه خمراً) لاحظ معي كيف يتناسق الرد مع كون هذين الشخصين هما من العمالة التي تعمل لدى مرؤوسين وأصحاب أعمال، وهذه الاشاره لم ترد تفصيلاً في سابق الآيات إلا أننا ومن واقع فهمنا لمفردة فتى ومن واقع جواب سيدنا يوسف نفهم أن رفيقيه في السجن هما أجيران يعملان بالأجرة أو بالسُخرة.

 

وفي نفس السورة عندما أصبح يوسف عزيزاً لمصر جاءت الآية (وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم) ويقصد هنا بالحديث الخدم أو العمّال الذين يعملون عنده.

وبهذا يستسيغ القول: بما أن طبقة أصحاب العمل تمتلك السلطة على طبقة العمالة التي تعمل لديها فهي تمتلك سلطة الإكراه ومن هنا تأتي فرصة إجبار "العاملات" على ممارسة الفاحشة إما بالمباشرة الجنسية مع صاحب العمل أو على الممارسة مقابل المال (البغاء)، وهو ما لا يتفق مع التعاليم الدينية ولا الفطرة الانسانية، لهذا جاء هذا النهي مفصلاً في هذه الآيات، فهو يدخل في باب الاكراه على الفاحشة ويدخل أيصاً في باب الترويج للمحرمات حتى لو كان دون مشاركة صاحبه.

 

إذاً هذه الآية موجهة للناس الذين ينساقون وراء شهواتهم (إما شهواتهم الجنسيه أو شهوة جني المال من وراء الاستعباد) وتسوّل لهم أنفسهم تسخير هذه العمالة المستضعفه التي لا تملك من امرها شيئاً في أمور غير أخلاقية.

 

ملاحظة: وردت في القرآن الكريم مفردة "فتية" في سورة الكهف للدلالة على الشباب المؤمن الصالح، وتم تمييزها عن (فتيان و فتيات) (إنهم فتيةٌ آمنوا بربهم وزدناهم هدى).

 

 هذا والله أعلم

 

 

أيمن يوسف أبولبن

3-5-2021

#آيات_استوقفتني_5

الجمعة، 30 أبريل 2021

*آيات استوقفتني 5 (4)*

 

*رحمة الله*

 

(مَّا یَفۡتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحۡمَةࣲ فَلَا مُمۡسِكَ لَهَاۖ وَمَا یُمۡسِكۡ فَلَا مُرۡسِلَ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ) سورة فاطر 2

 

يقول الله سبحانه وتعالى أن ما يفتح به على الناس من رحمة فلا مانع لها. والرحمة هنا واسعة تشمل جميع جوانب الحياة بدءاً من الجوانب المادية من خير ونعيم ورزق ....الخ  والمعنوية منها من فرح وسعادة ورضا وأمن داخلي، وتشمل الجوانب الروحانية والهداية الى الصراط المستقيم كذلك.

 

وما يمنعه الله سبحانه وتعالى ويمسكه من رحمته فلا يسستطيع أحد من المخلوقات تغيير أمر الله ولا أن ينال هذه الرحمة.

 

ما استوقفني في هذه الآية هو الآتي

 

يقول الله سبحانه وتعالى (مَّا یَفۡتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحۡمَةࣲ فَلَا مُمۡسِكَ لَهَاۖ)

 

في حالة العطاء استخدم الله سبحانه وتعالى لفظ "رحمة" الدالة على الكثرة والجمع، وجاء الجواب بصيغة المؤنث الدال على الكثرة والجمع (فلا ممسك لها)

 

ولكن حين أشار الله سبحانه وتعالى إلى قبض الرحمة ومنعها جاءت الصيغة بالمفرد، لاحظوا معي

 

(وما يمسك) أي ما يمسك من رحمته (جزء من كل)

فلا مرسل له (فلا مرسل لهذا الجزء الممنوع من الارسال)

 

(قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)

 

في حين لو أردنا صياغة هذه الآية لغويا لتثبيت معنى أن كل ما يرسله الله من رحمة فلا مانع له وكل ما يمنعه فلا موصل له (وهو المعنى الظاهري للآية) لكان وجب استخدام (لها) في كلتا الحالتين (لا ممسك لها – لا مرسل لها).

 

وهذا ما يؤكد دقة اللفظ واستخدام المفردات في كتاب الله عز وجل، وهو ما يليق بكتاب كتبه وأنزله خالق وناظم هذا الكون.

 

الله سبحانه وتعالى معطاء كريم يفتح على عباده (المؤمن منهم والكافر) بالخيرات والعطايا والرزق والموارد الطبيعية دون تقتير، وهو حريص كل الحرص على حيواتهم وشؤونهم.

 

(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)

(قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)

 

وحين يمسك لحكمة لا يعلمها إلا هو، لا يمنع سوى جزءاً بسيطاً من مجموع عطاياه

 

(وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ)

 

 فإذا صبر المرء واحتسب ذلك عند الله سبحانه وتعالى عوضه الله خيرا من ذلك في الدنيا وفي الآخرة.

 

 

من فطنة المرء المؤمن الايمان المطلق برحمة الله في الكون وأنه هو المدبر وهو من يصرف الأمور، وأن الكون وأحداثه ليست عبثية وإنما جاءت على قدر، والمطلوب في كلتا الحالتين (العطاء او الامساك) هو شكر النعمة وصونها والصبر على فقدها، فالله سبحانه وتعالى هو المعطي وهو المانع.

 

 

 

 أيمن يوسف أبولبن

30-4-2021

 

#آيات_استوقفتني_5

الخميس، 29 أبريل 2021

*آيات استوقفتني 5 (3)*


*الروح* *روحنا* *روح القُدُس*

 

وردت آيات كثيرة بلفظ "الروح" بألف التعريف في إشارة إلى سيدنا جبريل، (نزل به الروح الأمين) وفي هذا إشارة واضحة إلى أن سيدنا جبريل موكل من الله سبحانه وتعالى بأمر الروح في الكون لذا وصفه الله سبحانه وتعالى بوصفه الوظيفي إذا جاز التعبير .

 

لاحظوا معي أن الله سبحانه وتعالى وصف مد البشر بسر الحياة بأنه نفخ من روح الله (نفخت فيه من روحي) وحين تحدث عن سيدنا جبريل وصفه تارة ب "الروح" وتارة بعطف الروح على الذات الإلهية "روحنا"  وتارةً أخرى ب "روح القُدُس".

 

  (فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا) 

(قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ)

 

والقُدُس في اللغة من القداسة والطُهر.

 

ملاحظة أخرى: وردت آيات عدة تحدثت عن تأييد الله سبحانه وتعالى لسيدنا عيسى ب (روح القُدُس) دون باقي الأنبياء. وقد ورد لفظ "روح القُدُس" في القرآن الكريم في أربعة مواضع ثلاثة منها كانت في تأييد سيدنا عيسى، وواحدة عن تنزيله للقرآن على قلب سيدنا محمد (النحل 102) أعلاه.

 

 (ولقد آتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس) 

 

 وهذه إشارة جلية إلى أن تشكيل سيدنا عيسى متفرد ومتميز كما كانت عملية خلقه متفردة، وأن الطاقة الروحية لدى سيدنا عيسى والمستمدة من الله سبحانه وتعالى تختلف من حيث طاقتها وقدراتها عن باقي البشر.

فما هو دلالة قوله تعالى (وأيدناه بروح القُدُس)  (إذ أيدتك بروح القُدُس) ؟

 

في هذا دلالة واضحة على تأييده بالقدرة على مد المخلوقات بسر الحياة بأمر الله وبإذنه تعالى، فكان يحيي الموتى ويخلق الطير.

 

تأملوا معي هذه الآية العجيبة والمتناسقة مع حديثنا عن ألفاظ الروح المختلفة في القرآن الكريم، والذي يتوافق معها فهمنا بإذن الله

 

(وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي)

 

لاحظوا مجددا لفظة النفخ ولكن هنا كان السر الالهي من عطايا الله سبحانه وتعالى لسيدنا عيسى عن طريق تأييده بروح القُدُس (جبريل) والموكل بروح الله في الكون.

 

 

هذا والله أعلم   

 

 

أيمن يوسف أبولبن

29-4-2021

 

#آيات_استوقفتني_5

الاثنين، 26 أبريل 2021

*آيات استوقفتني 5 (2) الروح*

 

*الروح*

 

سبق لنا الحديث عن الموت والوفاة، وعن النفس والجسد، فما هي الروح؟.

 

قلنا من قبل أن التي تموت هي النفس، بينما الجسد يفنى ويتحلل، وأن الجسد مجرد وعاء للنفس، التي تحيا وتموت بأمر الله، فيحيا الجسد بها ويمارس نشاطاته، أو يتوقف عن الحياة ويفنى. فما هي الروح؟

 

﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ الحجر: 29

 

الروح هي باختصار إكسير الحياة، هي سر الحياة الذي يمد الجسد بالطاقة اللازمة لممارسة حياته، وبدونها يتوقف الجسد عن العمل.

 

فالوفاة تحدث حين تنقطع هذه الروح عن الجسد وقد يحدث هذا قضاءً وقدراَ أو بفعل فاعل (القتل والحوادث) التي يتعطل فيها الجسد ولا يعود قادراً على العمل وفي كلتا الحالتين تكون النتيجة موت النفس ومفارقتها للجسد، الذي يصبح بلا حياة فيتحلل ويفنى.

 

ومصدر هذه الطاقة وإكسير الحياة الغامض فهو بلا شك الله سبحانه وتعالى أما الكيفية التي تعمل بها فهي ما زالت في علم الغيب بالنسبة لنا. ولكن هذه الطاقة او الروح ليست متفردة لكل شخص، ففي حين ان المرء يتميز بجسده وصفته الخلقية، كما يتميز بنفسه التي تختلف حسب طبيعة خلقه  وحسن إيمانه أو عدمه

(ونفسٍ وما سواها فألهمها فجورها وتقواها)

 

إلا أن الروح التي تمدنا بالحياة لا تصطبغ بشخصيتنا لأنها من الله وقد نسبها الله إليه وليس لأي أحد من خلقه.

 

(ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا ) التحريم : 12

 

لاحظوا معي (من روحي) (من روحنا)

وفي علوم الفيزياء وحسب قانون حفظ الطاقة فإن الطاقة لا يمكن استحداثها من العدم ولا تنعدم ولكن يمكن تحويلها من شكل لآخر. فالروح مصدرها الله سبحانه وتعالى وهي لا تنضب ولا تنعدم ولا تنقص، وقطعها أو فصلها عن أي مخلوق يعني موته، فنحن نحيا بروح الله.

 

لذا كان حقا قوله تعالى (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي)

 

وهذا يقودنا إلى القول بأن جميع المخلوقات وكافة أشكال الحياة تستمد أسباب حياتها من روح الله، فإذا انقطعت هذه الروح بأمر الله انتهت الحياة، ، فالكون كله يحيا بروح الله.

وما يميز الجنس البشري عن بقية المخلوقات ليست الروح بل النفس، فالنفس هي مستقر الارادة الانسانية وحرية القرار التي حملت على اكتافها الرسالة السماوية.

 

 (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)

 

 

لذلك كان حقا قوله تعالى (ومن قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا) فالقتل يكون للنفس وليس للجسد ولا للروح، لاحظوا كيف استخدم القتل للنفس ثم جمعها على الناس، ولو كانت عقوبة القتل على قتل الأحياء أو الأجساد لتساوت باقي المخلوقات مع البشر في الحكم. لاحظوا معي دقة البيان والوصف واستخدام المفردات.

 

وفي المنشور القادم سنتكلم إن شاء الله عن لفظ *الروح* *روحنا* *روح القُدُس*

 

هذا والله أعلم   

 

 

أيمن يوسف أبولبن

26-4-2021

 

 

 #آيات_استوقفتني_5

 

السبت، 24 أبريل 2021

*آيات استوقفتني 5 (1) بماذا سينبئنا الله؟*


 

((وَهُوَ ٱلَّذِى يَتَوَفَّىٰكُم بِٱلَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰٓ أَجَلٌ مُّسَمًّى ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)) سورة الأنعام  (60)

 

كما أشرنا في منشورات سابقة وفي المنهجية التي نعتمدها، فإن لكل كلمة معنى محدداً يختلف عن غييرها من المفردات، وتحدثنا أيضاً عن الموت والوفاة والفرق بينهما، وهنا يتحدث الله سبحانه وتعالى عن "الوفاة" التي تحدث عند النوم ثم بعثنا إلى الحياة من جديد إلى أن يحين أجل الموت وحينها يكون الرجوع النهائي إلى الله. ولكن الذي استوقفني في هذه الآية هو قوله تعالى

 

"ثم ينبئكم بما كنتم تعملون" وكما أشرنا سابقاً فإن النبأ يكون من علم الغيب (من خارج النطاق المعرفي للمتلقي)، ومنه جاءت النبوة (الاتيان بأنباء من علم الغيب) فكيف تكون أعمالنا من علم الغيب لنا، وبماذا سينبئنا الله؟

 

اقتصرت التفسيرات التراثية على حصر هذه الجملة بالجزاء والموافاة بالحساب. وهو جزء بسيط من المعنى الكلي.

ولعلنا إذا استرجعنا قصة العبد الصالح مع سيدنا موسى، لزال بعض الغموض، ففي هذه القصة لم يصبر سيدنا موسى على أفعال العبد الصالح ووجد فيها تناقضاً بين الرسالة التي يحملها وما علمه الله، وبين هذه التصرفات التي تبدو في ظاهرها خارجة عن كل القيم والأعراف والتعاليم السماوبة، وحين وصل الأمر إلى الفراق، قال العبد الصالح لسيدنا موسى: (سأنبئك بتأويل ما لم تسطع عليه صبراً)

فالنبأ من العبد الصالح كان مجهولا عند سيدنا موسى أي أنه من علم الغيب بالنسبة له. والتأويل هو ربط الأسباب بالنتائج والأحداث بطريقة منطقية تزيل كل غموض وسوء فهم.

 

وحين يقول الله سبحانه وتعالى (ثم ينبئكم بما كنتم تعملون) كان واجباً ان يكون هذا العلم غيباً بالنسبة لنا، أي أنه ليس ما كنا نعمل وإنما خفايا ما كنا نعمل، الوجه الآخر للأحداث التي حصلت لنا وكيفية تعاملنا معها.

 

سينبئنا الله سبحانه وتعالى بأسرار حياتنا وتجاربنا والاختبارات التي تعرضنا لها، الشدائد والمحن، أسبابها ونتائجها، سيخبرنا عن المرض والغربة والفشل والضيق والفقدان والحاجة والحروب والظلم ولكنه سيبئنا عن الوجه الآخر لهذا الأحداث، وعن حكمة الله وعفوه ولطفه.

 

ثم سينبئنا عن أثرنا في هذه الحياة،  ماذا أفدنا وماذا استفدنا، سينبئنا عن أثر أعمالنا، بدءاً من الكلمة الجميلة أو القبيحة ونهاية بأخلاقنا الكليّة وضررنا أو نفعنا للناس، عن الايجابيات التي زرعناها والسلبيات التي نشرناها، عن الضيق الذي فرجنا به عن الآخرين، وعن المصائب التي تسببنا بها عن علم وعن قصد أو بلا علم أو قصد!

سينبئنا بأثر أعمالنا التي لم نكن نعلم عنها شيئا.

(أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون)

 

ومن هنا تأتي ضرورة تصفية الحسابات أولاً بين الله وعباده من جهة، ثم بين البشر جميعا من جهة أخرى، فتنتهي الخلافات وتعاد الحقوق لأصحابها فتصفى النفوس ولا تعد هناك مظلمة أو حسد أو بغض.

وهذا بالنهاية يقودنا إلى النتيجة النهائية الإجمالية عن أعمالنا وجزائنا. وصدق الله العظيم حين قال :

(كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)

 

وقبل دخول الجنة ينزع الله فتيل الغل والبغض من نفوس أهل الجنة فلا يعد هناك لا شحناء ولا بغضاء وهذه هي قمة الصحة النفسية والسلام الداخلي.

(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) 

 

 

اللهم اجعلنا ممن حسنت أعمالهم واستبشروا بلقائك.

 

هذا والله أعلم.

 

أيمن يوسف أبولبن

24-4-2021

 

 #آيات_استوقفتني_5

الجمعة، 23 أبريل 2021

آيات استوقفتني الجزء الخامس


 

#آيات_استوقفتني_5

 

بسم الله نبدأ العام الخامس من هذه الدراسة

 

نستمر بإذن الله تعالى في استكمال مشروع "آيات استوقفتني" في عامه الخامس.

ولمن فاته الموضوع نقول باختصار إن فكرة هذا العمل، هي إلقاء الضوء على مجموعة من الآيات القرآنية والتفكّر فيها، للخروج بفهم جديد أو التركيز على دلالة خافية، من خلال التفكّر والبحث وإعادة القراءة خلال الشهر الفضيل. برجاء التوفيق من الله.

 علماً بأن ما يرد في هذه المواضيع، هو مجموعة من الاجتهادات الشخصية النابعة من البحث والمتابعة للعديد من المؤلفات والكتب المختصة، على مدار سنوات طويلة، وهي بالتأكيد محاولة تحتمل الصواب والخطأ.

 

أتمنى عليكم مشاركة أفكاركم والتفاعل مع الموضوعات، مع حرية مشاركتها أيضاً مع أصدقائكم.

ومن أجل الفائدة هذا الرابط يحتوي جميع مشاركات الأعوام الماضية.

 

الجزء الرابع

 

الجزء الثالث

 

الجزء الثاني

 

الجزء الأول

 

 وكل عام وأنتم وأحبابكم بألف خير

 

وقبل أن نشرع في استعراض الآيات، أود استرجاع بعض الركائز الأساسية لمنهجية القراءة المعاصرة لكتاب الله عز وجل، والتي تناولناها في الأعوام الماضية، وهي المنهجية التي نعتمد عليها في بحثنا هذا:

 

1.     *عدم استخدام الترادف*، بمعنى أن الله عز وجل استخدم كل مفردة للدلالة على معنى خاص لا يتم إلا باستخدام تلك المفردة، وإن أي تشابه في المعنى بين مفردات الكتاب يجب أن يزول حتى يستبين المعنى السليم للآية ومراد الله منها.

 

على سبيل المثال *الوالد غير الأب، والرسول غير النبي، والصلاة غير الصلوة، والعباد ليسوا العبيد، والقول غير النطق* والأمثلة كثيرة، حيث يتم استخدام كل كلمة في مكانها المناسب لتدل على معنى خاص.

ملاحظة: لا يشترط ان يكون المعنى متقاطعاً أو مختلفاً بين الكلمتين، بل عادةً ما يحمل دلالة مشتركةً فعلى سبيل المثال الصلاة هي دوام الصلة بين العبد والله من حيث الذكر واستذكار الوصايا ..الخ، في حين جاءت الصلوة للدلالة على شعيرة الصلاة الحركية، وهنا يتضح ان الصلاة ذات دلالة عامة، بينما الصلوة لها دلالة خاصة.

 

2.     "ثبات النص وحركة المحتوى"، بمعنى أن النص القرآني (الثابت في نصّه) قادر على احتواء تراكم المعرفة البشرية وتطور العلوم. ولهذا اهمية كبيرة في عدم تحديد النص القرآني بفهم عصر التنزيل وإقفال باب الاجتهاد فيه.

 

3.     *عدم وجود إطناب وحشو زائد*، على عكس الأدب والشعر الجاهلي، فلكل كلمة فائدة وإضافة للمعنى بحيث لا يكتمل فهمنا او تفسيرنا للآية دون أخذنا بالاعتبار لكل كلمة وليس للمعنى العام فقط، وهذا يعني بالضرورة أننا إذا حذفنا كلمة ولم يتغير فهمنا او تفسيرنا للآية فذلك يعني قصوراً في فهم تلك الآية.

 

4.     *انسجام كلام الله وعدم وجود اضطراب في المعنى*، فحيثما وجد اشتباه في تعارض الآيات، يكون ذلك دليلاً على مشكلة في الفهم، وهذه المشكلة هي التي أدّت بالقول إلى وجود نسخ في آيات القرآن.

 

5.     *صلاحية الكتاب لكل زمان ومكان وأنه رسالة عالمية أبدية*، لهذا علينا حين نفسر القرآن ان لا نضع إطاراً زمكانياً أو موضوعياً يقيّد من فهمنا، وبناء عليه فإن محاولة قصر فهمنا للآيات بناء على مناسبات النزول سيؤدي الى فهم ناقص وعاجز عن استيعاب التغيرات المعرفية.

 

ملاحظة: استخدمت كتب التراث مصطلح أسباب النزول، وهو مصطلح خاطئ والصحيح مناسبة النزول، حيث ترافق نزول بعض الآيات مناسبة معينة ولكنها ليست سبباً للنزول.

 

6.     *فهم الآيات من خلال سياق النص الكلي*، حيث أن سلخ آية أو جزء منها عن النص ومحاولة تفسيرها أو استنباط المعنى المجزوء، سيؤدي الى فهم خاطئ، حيث أن ترتيب سور وآيات القرآن الكريم جاء من عند الله تعالى، وهو وقف لا يجوز تجاهله او محاولة تفسير الآيات جزئياً.

وهذا يفيد أيضاً بأن أي محاولة لفهم الآيات بناء على ترتيب النزول التاريخي، هي محاولة محكوم عليها بالفهم الخاطئ.

 

7.     *جمع الآيات موضوعيا (ترتيل الآيات)* ودراستها من أجل ربطها موضوعياً والاجتهاد فيها على عكس ما فعله المفسرون الأوائل حين فسّروا الآيات بناءً على الفهم التاريخي لها حسب ترتيب النزول، لا بالفهم الموضوعي لها.

إن فهم القرآن ينبع من التبحّر في داخله والقراءة المتأنيّة بنيّة التدبّر وعرض بعض الآيات على البعض الآخر لمقاربة الفهم وإزالة الشك، وإن فهم قواعد الخطاب القرآني ككل، والأسلوب اللغوي، هو شرط لفهم آيات الكتاب.

 وهذا الترتيل يتيح لنا فهم النصوص من خلال مقاربتها، فالتنزيل الحكيم لا يناقض بعضه بعضا بل انه يفسر بعضه بعضا، وهذا الترتيل من شأنه أيضاً أن يرفع شبهة الناسخ والمنسوخ، فكتاب الله لا ينسخ بعضه بعضاً، بل يُكمل بعضه بعضاً.

 

وعطفاً على هذا القول، فإننا نقول إن محاولة فهم مجموعة من الآيات أو موضوع معين في الكتاب إعتماداً على البحث بالكلمات الدلالية في القرآن، دون أن يكون الشخص ملماً بفهم القواعد الكليّة للقرآن الكريم، ودون أن يكون باحثاً ومطلعاً على كامل القرآن هي محاولة ستؤول إلى فهم مشوّش وناقص بالتأكيد.

 

ودائماً ما أعلق على هذه المحاولات بالقول، إذا كان الكاتب في مجالات الأدب والفن أو العلوم أو التاريخ، يفقد مصداقيته حينما يكتب عن كتاب لم يقرأه شخصياً بالكامل ويستوعب كل فصوله وأفكاره، او عندما يقوم بتحليل عمل فني لم يشاهده بنفسه، فما بالكم بكتاب الله عز وجل!

 

8.     *عدم الاعتماد كلية على النقل والمرويّات لتفسير آيات الكتاب* كما اعتمد عليها المفسرون الأوائل حين انحصرت مهمتهم في تبيان المرويّات والتفضيل بينها، بل يجب إعادة فهم الآيات بمفهوم عصرنا ضمن قواعد تجمع بين التفسير والتاويل.

 

9.     *استخدام قواعد التفسير*

 

أولاً الالتزام بقواعد اللغة العربية والاعتماد على معاجم اللغة للربط بين الكلمات وأصولها وبين معانيها ودلالاتها، فالتنزيل الحكيم استخدم اللغة العربية كوعاء، ورغم أنه ارتقى بها وأثرى مفرداتها اللغوية وأعطاها بعداً جديداً، إلا أنه لم يتعارض مع قواعد اللغة ولم يقفز عنها.

 

ثانياً دراسة مناسبات النزول وفهم الجيل الأول لها، لأن فهم مناسبات النزول وربط التنزيل بالواقع المعاش ضروري لاستنباط الحكم الخاص للآيات، غير أن هذا الفهم "الأولي" لا يجب أن يكون سقفاً لنا، إذ يجب علينا بعد ذلك، الاجتهاد في إدراك الحكم العام للآيات كما نفهمه نحن في يومنا هذا، وكما يمكن تطبيقه ضمن قواعدنا المعرفية وظروف عصرنا.

بمعنى آخر، علينا أن نربط بين التنزيل الحكيم وواقعنا المُعاصر كما قام المسلمون الأوائل بفهمه وربطه بواقعهم، لا العكس، فليس المطلوب اجترار أو استنساخ الواقع المعاش في القرن الأول للهجرة.

 

10. التأمل والاجتهاد – حركة الذهن - (الربط المنطقي بين مُعطيات النص ومُعطيات العصر) وهو ما يطلق عليه التأويل أو التدبّر، من خلال التأمل والاجتهاد الشخصي اعتماداً على البصيرة والعلم والمعرفة.

فحين نقرأ عبارة (تأويل الأحاديث) نفهم أن سيدنا يوسف كان يربط بين الحديث الذي يرويه الشخص عن رؤياه وبين مآل هذه الرؤيا أي كيفية تحقّقها على أرض الواقع.

ونفهم أيضاً أن سيدنا موسى عجز عن الربط بين تصرفات العبد الصالح وبين مفاهيمه الدينيّة وقيمه الانسانية الذاتية، فوقع في نفسه ذلك الالتباس، وحين جاءه التبيان زال الالتباس (ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً).

 

أما التأويل الذي يعتمد على الميول الأيدلوجية والأهواء الشخصية دون نهج، فهو التأويل المذموم والمنهي عنه (فأما الذين في قلوبهم مرض فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله).

 

وما يساعدنا على تحقيق ذلك الاجتهاد، أن نعامل التنزيل الحكيم بما يليق به من قدسيّة نصٍ وصلنا من خالق هذا الكون، وهو بذلك لا بد أن يحتوي الدقة والبيان والتفصيل والاعجاز في نظمه، لذا لا يصح معاملته معاملة الأدب أو الشعر .

 

 

ونبدأ إن شاء الله تعالى بدءاً من يوم الغد، بأولى الوقفات التدبريّة مع التنزيل الحكيم.

 

أيمن يوسف أبولبن

23-4-2021