((وَهُوَ ٱلَّذِى يَتَوَفَّىٰكُم بِٱلَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا
جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰٓ أَجَلٌ مُّسَمًّى ۖ
ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ))
سورة الأنعام (60)
كما أشرنا في منشورات سابقة وفي المنهجية
التي نعتمدها، فإن لكل كلمة معنى محدداً يختلف عن غييرها من المفردات، وتحدثنا أيضاً
عن الموت والوفاة والفرق بينهما، وهنا يتحدث الله سبحانه وتعالى عن
"الوفاة" التي تحدث عند النوم ثم بعثنا إلى الحياة من جديد إلى أن يحين
أجل الموت وحينها يكون الرجوع النهائي إلى الله. ولكن الذي استوقفني في هذه الآية
هو قوله تعالى
"ثم ينبئكم بما كنتم تعملون" وكما
أشرنا سابقاً فإن النبأ يكون من علم الغيب (من خارج النطاق المعرفي للمتلقي)، ومنه
جاءت النبوة (الاتيان بأنباء من علم الغيب) فكيف تكون أعمالنا من علم الغيب لنا،
وبماذا سينبئنا الله؟
اقتصرت التفسيرات التراثية على حصر هذه الجملة
بالجزاء والموافاة بالحساب. وهو جزء بسيط من المعنى الكلي.
ولعلنا إذا استرجعنا قصة العبد الصالح مع
سيدنا موسى، لزال بعض الغموض، ففي هذه القصة لم يصبر سيدنا موسى على أفعال العبد
الصالح ووجد فيها تناقضاً بين الرسالة التي يحملها وما علمه الله، وبين هذه
التصرفات التي تبدو في ظاهرها خارجة عن كل القيم والأعراف والتعاليم السماوبة،
وحين وصل الأمر إلى الفراق، قال العبد الصالح لسيدنا موسى: (سأنبئك بتأويل ما لم
تسطع عليه صبراً)
فالنبأ من العبد الصالح كان مجهولا عند سيدنا
موسى أي أنه من علم الغيب بالنسبة له. والتأويل هو ربط الأسباب بالنتائج والأحداث
بطريقة منطقية تزيل كل غموض وسوء فهم.
وحين يقول الله سبحانه وتعالى (ثم ينبئكم بما
كنتم تعملون) كان واجباً ان يكون هذا العلم غيباً بالنسبة لنا، أي أنه ليس ما كنا
نعمل وإنما خفايا ما كنا نعمل، الوجه الآخر للأحداث التي حصلت لنا وكيفية تعاملنا
معها.
سينبئنا الله سبحانه وتعالى بأسرار حياتنا
وتجاربنا والاختبارات التي تعرضنا لها، الشدائد والمحن، أسبابها ونتائجها، سيخبرنا
عن المرض والغربة والفشل والضيق والفقدان والحاجة والحروب والظلم ولكنه سيبئنا عن
الوجه الآخر لهذا الأحداث، وعن حكمة الله وعفوه ولطفه.
ثم سينبئنا عن أثرنا في هذه الحياة، ماذا أفدنا وماذا استفدنا، سينبئنا عن أثر أعمالنا،
بدءاً من الكلمة الجميلة أو القبيحة ونهاية بأخلاقنا الكليّة وضررنا أو نفعنا
للناس، عن الايجابيات التي زرعناها والسلبيات التي نشرناها، عن الضيق الذي فرجنا
به عن الآخرين، وعن المصائب التي تسببنا بها عن علم وعن قصد أو بلا علم أو قصد!
سينبئنا بأثر أعمالنا التي لم نكن نعلم عنها
شيئا.
(أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون)
ومن هنا تأتي ضرورة تصفية الحسابات أولاً بين
الله وعباده من جهة، ثم بين البشر جميعا من جهة أخرى، فتنتهي الخلافات وتعاد
الحقوق لأصحابها فتصفى النفوس ولا تعد هناك مظلمة أو حسد أو بغض.
وهذا بالنهاية يقودنا إلى النتيجة النهائية
الإجمالية عن أعمالنا وجزائنا. وصدق الله العظيم حين قال :
(كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)
وقبل دخول الجنة ينزع الله فتيل الغل والبغض
من نفوس أهل الجنة فلا يعد هناك لا شحناء ولا بغضاء وهذه هي قمة الصحة النفسية
والسلام الداخلي.
(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ
إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ)
اللهم اجعلنا ممن حسنت أعمالهم واستبشروا
بلقائك.
هذا والله أعلم.
أيمن يوسف أبولبن
24-4-2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق