#آيات_استوقفتني_5
بسم الله نبدأ العام الخامس من هذه الدراسة
نستمر بإذن الله تعالى في استكمال مشروع "آيات
استوقفتني" في عامه الخامس.
ولمن فاته الموضوع نقول باختصار إن فكرة هذا
العمل، هي إلقاء الضوء على مجموعة من الآيات القرآنية والتفكّر فيها، للخروج بفهم
جديد أو التركيز على دلالة خافية، من خلال التفكّر والبحث وإعادة القراءة خلال
الشهر الفضيل. برجاء التوفيق من الله.
علماً بأن ما يرد في هذه المواضيع، هو مجموعة من
الاجتهادات الشخصية النابعة من البحث والمتابعة للعديد من المؤلفات والكتب
المختصة، على مدار سنوات طويلة، وهي بالتأكيد محاولة تحتمل الصواب والخطأ.
أتمنى عليكم مشاركة أفكاركم والتفاعل مع
الموضوعات، مع حرية مشاركتها أيضاً مع أصدقائكم.
ومن أجل الفائدة هذا الرابط يحتوي جميع
مشاركات الأعوام الماضية.
وقبل أن نشرع في استعراض الآيات، أود استرجاع
بعض الركائز الأساسية لمنهجية القراءة المعاصرة لكتاب الله عز وجل، والتي
تناولناها في الأعوام الماضية، وهي المنهجية التي نعتمد عليها في بحثنا هذا:
1.
*عدم استخدام
الترادف*، بمعنى أن الله عز وجل استخدم كل مفردة للدلالة على معنى خاص لا
يتم إلا باستخدام تلك المفردة، وإن أي تشابه في المعنى بين مفردات الكتاب يجب أن
يزول حتى يستبين المعنى السليم للآية ومراد الله منها.
على سبيل المثال *الوالد غير الأب، والرسول
غير النبي، والصلاة غير الصلوة، والعباد ليسوا العبيد، والقول غير النطق* والأمثلة
كثيرة، حيث يتم استخدام كل كلمة في مكانها المناسب لتدل على معنى خاص.
ملاحظة: لا يشترط ان يكون المعنى متقاطعاً أو
مختلفاً بين الكلمتين، بل عادةً ما يحمل دلالة مشتركةً فعلى سبيل المثال الصلاة هي
دوام الصلة بين العبد والله من حيث الذكر واستذكار الوصايا ..الخ، في حين جاءت
الصلوة للدلالة على شعيرة الصلاة الحركية، وهنا يتضح ان الصلاة ذات دلالة عامة،
بينما الصلوة لها دلالة خاصة.
2.
"ثبات
النص وحركة المحتوى"، بمعنى أن النص القرآني (الثابت في
نصّه) قادر على احتواء تراكم المعرفة البشرية وتطور العلوم. ولهذا اهمية كبيرة في
عدم تحديد النص القرآني بفهم عصر التنزيل وإقفال باب الاجتهاد فيه.
3.
*عدم
وجود إطناب وحشو زائد*، على عكس الأدب والشعر الجاهلي، فلكل كلمة
فائدة وإضافة للمعنى بحيث لا يكتمل فهمنا او تفسيرنا للآية دون أخذنا بالاعتبار
لكل كلمة وليس للمعنى العام فقط، وهذا يعني بالضرورة أننا إذا حذفنا كلمة ولم
يتغير فهمنا او تفسيرنا للآية فذلك يعني قصوراً في فهم تلك الآية.
4.
*انسجام
كلام الله وعدم وجود اضطراب في المعنى*، فحيثما وجد اشتباه في
تعارض الآيات، يكون ذلك دليلاً على مشكلة في الفهم، وهذه المشكلة هي التي أدّت
بالقول إلى وجود نسخ في آيات القرآن.
5. *صلاحية الكتاب لكل زمان ومكان وأنه رسالة
عالمية أبدية*، لهذا علينا حين نفسر القرآن ان لا نضع إطاراً زمكانياً أو
موضوعياً يقيّد من فهمنا، وبناء
عليه فإن محاولة قصر فهمنا للآيات بناء على مناسبات النزول سيؤدي الى فهم ناقص
وعاجز عن استيعاب التغيرات المعرفية.
ملاحظة: استخدمت كتب التراث مصطلح أسباب النزول، وهو
مصطلح خاطئ والصحيح مناسبة النزول، حيث ترافق نزول بعض الآيات مناسبة معينة ولكنها
ليست سبباً للنزول.
6.
*فهم الآيات من خلال
سياق النص الكلي*، حيث أن سلخ آية أو جزء منها عن النص
ومحاولة تفسيرها أو استنباط المعنى المجزوء، سيؤدي الى فهم خاطئ، حيث أن ترتيب سور
وآيات القرآن الكريم جاء من عند الله تعالى، وهو وقف لا يجوز تجاهله او محاولة
تفسير الآيات جزئياً.
وهذا
يفيد أيضاً بأن أي محاولة لفهم الآيات بناء على ترتيب النزول التاريخي، هي محاولة
محكوم عليها بالفهم الخاطئ.
7. *جمع الآيات موضوعيا (ترتيل الآيات)* ودراستها
من أجل ربطها موضوعياً والاجتهاد فيها على عكس ما فعله المفسرون الأوائل حين فسّروا
الآيات بناءً على الفهم التاريخي لها حسب ترتيب النزول، لا بالفهم الموضوعي لها.
إن
فهم القرآن ينبع من التبحّر في داخله والقراءة المتأنيّة بنيّة التدبّر وعرض بعض
الآيات على البعض الآخر لمقاربة الفهم وإزالة الشك، وإن فهم قواعد الخطاب القرآني
ككل، والأسلوب اللغوي، هو شرط لفهم آيات الكتاب.
وهذا الترتيل يتيح لنا فهم النصوص من خلال مقاربتها،
فالتنزيل الحكيم لا يناقض بعضه بعضا بل انه يفسر بعضه بعضا، وهذا الترتيل من شأنه أيضاً
أن يرفع شبهة الناسخ والمنسوخ، فكتاب الله لا ينسخ بعضه بعضاً، بل يُكمل بعضه
بعضاً.
وعطفاً
على هذا القول، فإننا نقول إن محاولة فهم مجموعة من الآيات أو موضوع معين في
الكتاب إعتماداً على البحث بالكلمات الدلالية في القرآن، دون أن يكون الشخص ملماً
بفهم القواعد الكليّة للقرآن الكريم، ودون أن يكون باحثاً ومطلعاً على كامل القرآن
هي محاولة ستؤول إلى فهم مشوّش وناقص بالتأكيد.
ودائماً
ما أعلق على هذه المحاولات بالقول، إذا كان الكاتب في مجالات الأدب والفن أو
العلوم أو التاريخ، يفقد مصداقيته حينما يكتب عن كتاب لم يقرأه شخصياً بالكامل
ويستوعب كل فصوله وأفكاره، او عندما يقوم بتحليل عمل فني لم يشاهده بنفسه، فما بالكم
بكتاب الله عز وجل!
8. *عدم الاعتماد كلية على النقل والمرويّات لتفسير آيات الكتاب* كما اعتمد عليها المفسرون الأوائل حين انحصرت مهمتهم في
تبيان المرويّات والتفضيل بينها، بل يجب إعادة فهم الآيات بمفهوم عصرنا ضمن قواعد تجمع
بين التفسير والتاويل.
9.
*استخدام
قواعد التفسير*
أولاً الالتزام
بقواعد اللغة العربية والاعتماد على معاجم اللغة للربط بين الكلمات وأصولها وبين
معانيها ودلالاتها، فالتنزيل الحكيم استخدم اللغة العربية كوعاء، ورغم أنه ارتقى بها
وأثرى مفرداتها اللغوية وأعطاها بعداً جديداً، إلا أنه لم يتعارض مع قواعد اللغة
ولم يقفز عنها.
ثانياً دراسة
مناسبات النزول وفهم الجيل الأول لها، لأن فهم مناسبات النزول وربط التنزيل
بالواقع المعاش ضروري لاستنباط الحكم الخاص للآيات، غير أن هذا الفهم
"الأولي" لا يجب أن يكون سقفاً لنا، إذ يجب علينا بعد ذلك، الاجتهاد في إدراك
الحكم العام للآيات كما نفهمه نحن في يومنا هذا، وكما يمكن تطبيقه ضمن قواعدنا
المعرفية وظروف عصرنا.
بمعنى آخر، علينا أن
نربط بين التنزيل الحكيم وواقعنا المُعاصر كما قام المسلمون الأوائل بفهمه وربطه
بواقعهم، لا العكس، فليس المطلوب اجترار أو استنساخ الواقع المعاش في القرن الأول
للهجرة.
10. التأمل والاجتهاد – حركة الذهن - (الربط المنطقي بين مُعطيات النص ومُعطيات العصر) وهو ما
يطلق عليه التأويل أو التدبّر، من خلال التأمل والاجتهاد الشخصي اعتماداً على
البصيرة والعلم والمعرفة.
فحين نقرأ عبارة (تأويل
الأحاديث) نفهم أن سيدنا يوسف كان يربط بين الحديث الذي يرويه الشخص عن رؤياه وبين
مآل هذه الرؤيا أي كيفية تحقّقها على أرض الواقع.
ونفهم أيضاً أن
سيدنا موسى عجز عن الربط بين تصرفات العبد الصالح وبين مفاهيمه الدينيّة وقيمه
الانسانية الذاتية، فوقع في نفسه ذلك الالتباس، وحين جاءه التبيان زال الالتباس
(ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً).
أما التأويل الذي
يعتمد على الميول الأيدلوجية والأهواء الشخصية دون نهج، فهو التأويل المذموم
والمنهي عنه (فأما الذين في قلوبهم مرض فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة
وابتغاء تأويله).
وما يساعدنا على
تحقيق ذلك الاجتهاد، أن نعامل التنزيل الحكيم بما يليق به من قدسيّة نصٍ وصلنا من
خالق هذا الكون، وهو بذلك لا بد أن يحتوي الدقة والبيان والتفصيل والاعجاز في
نظمه، لذا لا يصح معاملته معاملة الأدب أو الشعر .
ونبدأ إن
شاء الله تعالى بدءاً من يوم الغد، بأولى الوقفات التدبريّة مع التنزيل الحكيم.
أيمن
يوسف أبولبن
23-4-2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق