الثلاثاء، 17 مارس 2015

نبوءة الجعفري تتحقق مع الذكرى الرابعة للثورة السوريّة



 

 

بعد أن قمنا بتناول موضوع الثورة السوريّة في ذكراها الرابعة في مقالتين سابقتين، نستعرض اليوم أبرز أحداث بدايات الثورة السوريّة في محاولة لتحليل موقف النظام السوري من الأحداث، والاستراتيجيّة التي إستخدمها في مواجهة الإحتجاجات الشعبيّة والقضاء على الثورة السوريّة دون القيام بتقديم أي تنازلات سياسيّة أو محاولة توفير جو ديمقراطي يساعد على إمتصاص الغضب الجماهيري وينتقل بالبلاد إلى مرحلة التعدّدية الحزبيّة، والتمثيل الشعبي.

 

في يوم 18 آذار من عام 2011 انطلقت مسيرات شعبية ضخمة في درعا تحت شعار "جمعة الكرامة" احتجاجاً على الاعتقالات الواسعة التي قامت بها السلطات السوريّة ضد أطفال درعا وعدة شباب في مختلف المدن السوريّة، ولم يختلف رد النظام عن سابق عهده، فقام الجيش بفض الاعتصامات والتظاهرات بالقوّة، وحاصر محافظة درعا بالدبّابات والمدرّعات. ولكن المظاهرات بقيت في تصاعد، واستمرت الاحتجاجات الشعبيّة وامتدّت الى معظم القرى والمدن السوريّة بعد أسبوع تحت شعار "جمعة العزّة" ثم تعدّدت الشعارات واشتعلت الاحتجاجات كالنار في الهشيم، وبقيت دمشق العاصمة الأقل تأثراً بالأحداث رغم أنها شهدت العديد من المظاهرات والمواجهات مع الشرطة والجيش.

 


 

من يقرأ أحداث تلك المرحلة بعمق دون التركيز على الأحداث التي تطفو على السطح، يتأكد بأن النظام السوري اتخذ استراتيجية واضحة ومحدّدة منذ البداية، ترتكز على ثلاثة نقاط أساسيّة: استخدام العنف والبطش دون حدود أو محدّدات، عدم التفاوض أو تقديم تنازلات سياسيّة "حقيقيّة" والاكتفاء بالشعارات الشكليّة الخالية من المضمون، عدم الإعتراف بالمعارضة والإعتماد على نظرية المؤامرة لتخوين كل من ينادي بالإصلاحات أو "إقصاء الآخر" بالمعنى الحرفي للكلمة، وكان الهدف الأساسي من وراء هذه الاستراتيجية هو القضاء على الاحتجاجات في أسرع وقت ممكن دون إعطاء أي فرصة لتكرار ما حصل في تونس ومصر، وارتكبت القوات النظاميّة والميليشيات المسلّحة بالإضافة إلى عصابات "الشبيحة" عدّة جرائم ومجازر وإنتهاكات لا يصدقها عقل ولا يتصورها بشر مردّدة شعار "الأسد أو نحرق البلد".

 

كان لافتاً تدخّل ميليشيات شيعيّة من خارج سوريّا لصالح النظام منذ اندلاع إحتجاجات درعا، وقد تم توثيق ذلك عبر الصور وشهادات أهل المنطقة عدا عن الكتابات الطائفية على جدران درعا ومساجدها السنيّة، وكان من اللافت أيضاً إستخدام الرصاص الحي لتفريق المظاهرات منذ اليوم الأول، مما أدّى إلى إصابة المتظاهرين إصابات قاتلة ومباشرة، وقامت قوات النظام بنشر القنّاصة على سطوح المباني ليمارسوا هوايتهم في قنص ضحاياهم وكأنهم يلعبون لعبة إلكترونيّة في عالم إفتراضيّ.

 

((لقد كان واضحاً للعيان أن النظام تعامل مع المتظاهرين كإقطاعي، انقلب عليه عُمّاله بعد أن أسبغ عليهم من نِعَمه وأرادوا أن يسلبوه أرضه، فكان ردّه قاسياً ليجعل منهم عبرةً لمن يعتبر)).


 

وتكريساً لإستراتيجيّة النظام، قامت القوات العسكريّة بإعتقال وتعذيب أطفال في عمر الورود، ثم جرى قتلهم بعد ذلك والتمثيل في جثثهم، والأنكى من ذلك ، أن الجثث تسلّم لذويها من قبل السلطات بكل دمٍ بارد، لتوصيل رسالة مفادها (هذا هو مصير كل من يجرؤ على نقد النظام أو التفكير في تغييره)، ومن الأمثلة على فظاعة وقسوة النظام في هذه المرحلة استشهاد الطفل حمزة الخطيب تحت التعذيب ثم قطع أعضائه التناسليّة، وذبح المطرب إبراهيم قاشوش "مغنّي الثورة" وقطع حنجرته ثم إلقاء جثّته في نهر العاصي، كما قام شبيحة النظام بكسر أصابع رسام الكاريكاتير علي فرزات لرسومه المناهضة للنظام، وتلا ذلك قتل المُصوّر فرزات جربان واقتلاع عينيه بعد تصويره لمظاهرات حمص، عدا عن اقتحام البيوت والقتل الجماعي والوحشي لعائلات بأكملها وذبحهم ذبح النعاج.

 


 

ولكن هذه الاستراتيجية أثبتت فشلها في لجم المعارضة والحد من الاحتجاجات الشعبيّة، التي نمت وخرجت عن سيطرة النظام، فكان لا بد من تعديل هذه الاستراتيجية، لتتماشى مع تطور الأحداث، لذا بدأ النظام السوري العمل بجديّة على دفع الثورة السوريّة التي استمرت لمدة ستة شهور دون ان يحمل فيها المتظاهرون أي سلاح، لتحويلها إلى مُعارضة مُسلّحة، ليسهل بعد ذلك التعامل معها عسكريّاً وإسقاط تهمة الإرهاب والتطرّف عليها، تمهيداً لدخول البلاد في مواجهة مسلّحة بين معسكرين، معسكر الجيش النظامي ومعسكر قوى الظلام والإرهاب، وهنا يضرب النظام السوري عصفورين بحجر واحد، يقضي على الثورة الشعبيّة من جهة بتحويلها إلى ميليشيات مسلحة، ومن جهة أخرى يكسب تعاطف طيف واسع من الشعوب العربية المفتونين بنظرية المؤامرة والمخدوعين بكذبة المقاومة والممانعة، ويكسب كذلك دعم دول العالم الغربي لوجود عدو مشترك، الا وهو الإرهاب والتطرّف، ومن يتابع تصريحات النظام السوري في تلك الفترة بالذات وبالأخص بشار الجعفري، وحديثه عن وجود القاعدة في سوريّا وأن المجتمع الدولي تقع عليه مسؤولية حماية سوريا والسوريين من الإرهاب والتطرّف، يعي ذلك جيداً، وهو ما يفسّر الإنفلات الأمني المُفاجىء على الحدود السوريّة والإنتشار السريع والتوغل العميق للجماعات المُتطرّفة داخل المناطق السوريّة.

 

من المؤسف أن الثورة السورية وقعت في الفخ وإنتقلت بالفعل إلى مرحلة المعارضة المُسلّحة، لأسباب عدّة تضاف إلى ما ذكرناه سابقاً على رأسها تقاعس الأنظمة العربية عن نجدة الشعب السوري ووضع حد لمجازر النظام، تلاه تقاعس دولي واضح وإنشقاق في مجلس الأمن حول إستخراج قرارت حاسمة ناهيك عن عدم وجود رغبة دولية حقيقية لنجدة الشعب السوري المغلوب على أمره. وزاد الطين بلّة دعم دول الجوار للمعارضة المسلّحة وتقديم العون لها، مما سمح بشق صف الثورة السورية السلمية وإنسلال الجماعات المتطرفة إلى ساحة الصراع في سوريا، قابله دعم روسيا وإيران والعراق وحزب الله للنظام السوري ومدّه بالأفراد والمال والعتاد، مما فتح البلاد على مصراعيها للإقتتال الطائفي. وبلغت الأمور ذروتها مع منتصف عام 2013 بإعلان قيام تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وسيطرته على مساحات واسعة من سوريا والعراق.

 

ومع مرور الذكرى الرابعة للثورة السوريّة، تتحقق مساعي النظام السوري وتثبت "نبوءة" الجعفري صحتها، بتكوين التحالف الدولي ضد الإرهاب (داعش والنصرة وغيرها من التنظيمات)، وهو الهدف الذي سعى اليه النظام السوري منذ وقت بعيد، وبهذا يتبقّى هدف واحد على أجندة النظام السوري وهو إعتراف دولي بشرعيّة حرب نظام الأسد ضد الإرهاب، وإنضمامه رسميّاً إلى التحالف الدولي، وبهذا يكون النظام السوري وبمعاونة أتباعه من المثقفين والمقاومين والممانعين قد طووا صفحة الثورة السوريّة إلى الأبد، ليتفرّغوا بعد ذلك للمعركة الكبرى، أقصد معركة تحرير الأقصى بلا شك !!

 


أيمن أبولبن
16-3-2015

 
رابط المقال على القدس العربي

الثلاثاء، 10 مارس 2015

ويسألونك عن المقاومة والممانعة



 

تبنّى النظام السوري نظرية المؤامرة لبناء خطة دفاعية استراتيجية في وجه المظاهرات الشعبية والمطالبات بالعدل والمساواة والحرية، وتعتمد هذه النظرية على فرضيّة قيام المعسكر الغربي بإستهداف حلف (إيران،حزب الله، سوريا) بسبب وقوفه ضد المخطط الامريكي الاستعماري في المنطقة، وعدائه لاسرائيل وللإمبريالية الامريكية، لا سيما مع تصاعد الطموح الإيراني في إمتلاك السلاح النووي.

 

تطورت هذه النظرية سريعاً لتحمل إسم "المؤامرة الكونيّة" حيث ادّعى الرئيس بشار الأسد أن سوريا تتعرض لمؤامرة كونيّة تستهدف إسقاط آخر معاقل المقاومة والممانعة في المنطقة، وسرعان ما تلقفت وسائل الإعلام الموالية للنظام السوري هذا المصطلح ليصبح مادة إعلاميّة دسمة.

 

وتفترض هذه النظرية أن الصحوة العربية والمظاهرات الشعبية الحاشدة التي شهدها العالم العربي وأدّت إلى قلب نظام الحكم في عدة عواصم عربية، ما هي إلا نتاج مؤامرة أمريكية وتواطىء من بعض أحزاب المعارضة وعلى رأسها "الإخوان المسلمون" لتمهيد الطريق أمام أعوان أمريكا للوصول إلى الحكم وترسيخ سيادة امريكا وإسرائيل في المنطقة، ولاقت هذه النظرية رواجاً كبيراً لدى اليسار العربي وتيار القومية العربية، ثم سرعان ما تغيّرت هذه النظرية، نتيجة أحداث العنف التي شهدتها بلدان الربيع العربي، وأصبحت تتبنّى مقولة أن أمريكا إبتدعت الربيع العربي لتدمير البلاد العربية وإدخالها في آتون حروب أهليّة وطائفيّة تنهك الأنظمة وتعمل على تدمير مقدرات الشعوب مما يفتح المجال امام التمدّد الإسرائيلي ويفتح الباب على مصراعيه أمام إستعمار غربي جديد.

 


 

لن أجادل كثيراً في تفنيد نظرية المؤامرة، خصوصاً أن المنطقة العربية قد تعرّضت لعدة مؤامرات خارجية، وباتت الشعوب العربيّة تنام وتصحو على أحاديث المؤامرات والخيانات. ولكني سأفترض جدلاً أن كل ما يقال عن المؤامرة الأمريكية الأمبرياليّة في المنطقة هو صحيح، وسأتحدث عن ادعاءات النظام السوري بما يخص حلف المقاومة والممانعة.

 

بالعودة إلى تاريخ الحروب التي شهدتها المنطقة في نهاية القرن الماضي، نجد أن إيران تسبّبت بالحرب العراقية الايرانية نتيجة تهديدها المستمر لجارتها العراق وإعتداءاتها على الحدود المشتركة بينهما، مما نتج عنه صراع أمتد لثمانية أعوام كانت نتائجه كارثية على البلدين وعلى المنطقة، وخلال هذه الحرب قامت إيران بالتعاون مع الدولة الصهيونية لتوريد الأسلحة والعتاد العسكري لها، وهو ما يعرف بفضيحة "إيران غيت".


 

وتسبّبت حرب الخليج الأولى بنشوء نزاع عراقي كويتي على آبار النفط الحدودية خلال فترة الحرب، نتجت عنها "حرب الخليج الثانية"، والتي أسفرت عن تدمير القدرات والمُقدّرات العراقية ومعاناة البلاد من حصار اقتصادي طويل الأمد أدى إلى مجاعة عامة وتفشي للأمراض والأوبئة، ثم إكتملت حلقة التآمر الإيراني بالتواطىء مع أمريكا لإحتلال العراق وإسقاط نظام صدّام حسين، وإغراقه في مستنقع الطائفيّة والقتل على الهويّة.

 

تاريخ إيران في المنطقة يشهد أنها قد تعاونت مع الدولة الصهيونية، وتعاونت مع أجهزة الإستخبارات المركزيّة، ثم تعاونت عسكريّا مع أمريكا، وأنها الحاكم الفعلي للعراق الآن، والداعمة للحوثيين الإنقلابيين في اليمن، وهي من أشعلت الفتنة الطائفية في البحرين بصبغة سياسيّة، وهي التي تحتل الجزر الإماراتية الواقعة على مضيق هرمز، وبرغم كل هذه الحقائق ما زلنا مقتنعين أن إيران متحالفة معنا نحن العرب !!

 

أما عن سوريا فحدّث ولا حرج، من المعروف أن سوريا انضمت الى الحلف الغربي بقيادة امريكا ضد جارتها وشقيقتها العراق في "حرب الخليج الثانية" وشاركت بقوات برية على الأرض، وساهمت في حصار العراق بدور كبير وأساسي من خلال إحكام غلق الحدود الممتدة بين البلدين، وساهمت في فتح الباب على مصراعيه لتواجد القوات الامريكية على الاراضي العربية، فأين نحن من محاربة المخطط الأمريكي الإستعماري في المنطقة!؟
 
 

وفي مقابل التعاون السوري في الحرب على العراق، غضّت أمريكا الطرف عن التوغّل السوري في لبنان، ولم تمانع من إستمرار وجود قوات سورية في لبنان، إلى أن انفجرت أزمة إغتيال رفيق الحريري.

 

والحديث عن الملف اللبناني، يوضح التناقض المذهل للخطاب السوري، فسوريا التي تنادي بالوحدة العربية والخروج من عباءة الاستعمار، قامت بممارسة الإستعمار الفعلي لأرض جارتها لبنان لأكثر من ثلاثين عاماً، و دخلت في آتون الاختلافات الحزبية والعقائدية في البلد، مما زاد من حدة التوتر الداخلي في لبنان، وساهم في إضعاف الدولة اللبنانية وجيشها، وتزايد قوة حزب الله المدعوم من إيران. وشهدت أيام "الاحتلال" السوري للبنان قمعاً عاماً للحريات واعتقالاً للصحفيين المعارضين للوجود السوري، وتعذيبهم، وصولاً إلى نفيهم خارج البلاد.

 


 

   أما عن المقاومة الفلسطينية ودعم سوريا لها، فبالرغم من ايواء سوريا للفصائل الفلسطينية على أرضها، الا أنها دفعت هذه الفصائل جميعها للإنشقاق عن "فتح"، والإنضمام تحت لوائها لإمتلاك أوراق ضغط مهمة تستخدمها وقت الحاجة، خاصة في المفاوضات وطرح الحلول على الطاولة، وليس أدل على ذلك من عدم قيام أي مناوشات عسكرية على الحدود السوريّة الإسرائيلية أو أي عملية تسلل أو تنفيذ لهجمات فدائية إنطلاقاً من الأراضي السورية، فعن أي مقاومة يتحدثون ؟!

 

ولا بد من الإشارة في الملف الفلسطيني إلى أن أصابع الاتهام تشير الى تورط القوات السورية في مذبحة "تل الزعتر" التي راح ضحيتها 3000 لاجىء فلسطيني في لبنان أيام الحرب الأهلية.

 

أما على صعيد التعاون بين أجهزة المخابرات السورية والمخابرات الأمريكية، فقد كشفت تقارير أن المخابرات الأمريكية قد إستعانت بأجهزة مخابرات "صديقة" في المنطقة من ضمنها (سوريا) بعد أحداث سبتمبر 2001، في مجال استجواب المتهمين في قضايا الإرهاب وإستخدام كل وسائل التعذيب المحظورة في سبيل الوصول إلى معلومات مفيدة في "الحرب على الإرهاب"، أي أن مراكز المخابرات السورية، قد تحولت إلى ما يشبه فرع من "سجن غوانتانامو"، فعن أي ممانعة يتحدثون ؟!

 

وفي مقابل هذا التعاون الإستخباراتي، غضت الولايات المتحدة الطرف عن ممارسات التعذيب الممنهجة التي قام بها النظام السوري ضد شعبه في أحداث القامشلي 2004، وسجن صيدنايا 2008، وتم تجاهل عدد كبير من التقارير الرسمية والحقوقية التي تشير الى عدة وقائع مثبتة تم التحقق منها، تشير الى إنتهاك السلطات السورية كل مواثيق حقوق الإنسان وكل الأعراف والمواثيق الدولية في هذا المجال.

 

بعد هذا الإستعراض السريع لتاريخ التعاون الأمريكي الإيراني السوري في المنطقة، هل هناك من شك في أن المصالح السياسية هي التي تحكم العلاقات بين الدول، وأن المبدا الوحيد الثابت في سياسة هذه الدول هو "الغاية تبرر الوسيلة" حتى لو كانت هذه الوسيلة هي التحالف مع "الشيطان الأكبر" أو مع الدولة الصهيونية نفسها، وأن إستخدام شعار المقاومة والممانعة وتأجيج مشاعر الشعوب ضد الربيع العربي ودفع هذه الشعوب للتقوقع داخل إطار نظرية المؤامرة، ما هو إلا خطة استراتيجية تنتهجها هذه الأنظمة، للبقاء في سدة الحكم !!

 

إن من يعتقد أن حلف المقاومة والممانعة المزعوم هو ملاذ الأحرار في المنطقة، وهو السبيل الوحيد للوقوف في وجه المشروع الغربي، كمن يستجير من الرمضاء بالنار.

 

أيمن أبولبن
9-3-2015

 


 

رابط المقال على القدس العربي

السبت، 28 فبراير 2015

في الذكرى الرابعة للثورة السوريّة، من دَرْعا بدأت الحكاية وسقط حاجز الخوف



 

 

 في مثل هذه الأيام من عام 2011 عمّت سماء سوريا سحابة الربيع العربي وبالأخص درعا، حاملةً معها بشائر الحريّة والعدل والمساواة التي حَلُمَ بها الشعب السوري على مدار عقود من الزمان ولم يجرأ يوماً البوحَ بها، في تلك الآونة كان النقاش في أوجه في الصالونات السياسيّة والثقافيّة عن الربيع العربي والنجاحات المدويّة للشعبين التونسي والمصري في قلب نظام الحَكم وفرض إرادة الشعب المُغيّبة من دهور، أذكر أني تناقشت مع بعض الأصدقاء السوريّين والعرب عن إحتماليّة قيام الشعب السوري بالتظاهر والخروج للساحات العامة للمطالبة بنيل حقه الأساسي في حرية التعبير، وما زلت أذكر التخوّف من بطش النظام السوري ومن المذابح التي ستحصل إذا طفت المطالبات بالحريّة إلى السطح، الكل كان يعلم جبروت وبطش النظام السوري ومعظمنا عايش أو قرأ تاريخ هذا النظام في أحداث سجن تدمر وأحداث حماة الدموية في ثمانينات القرن الماضي، عدا عن إستمراريّة نظام بشار الأسد على نفس المنهج دون تغيير بدليل أحداث القامشلي عام 2004 وأحداث سجن صيدنايا عام 2008.

 

ولكن المفاجأة حصلت، وخرج أطفال درعا ليعبّروا عمّا بداخل أجيالٍ من الشعب السوري من قمع ومصادرة للحريّات، وكتبوا على جدران درعا كلمات ولكنها ليست كالكلمات، كان وقع المفاجأة في الشارع العربي عظيم ولكن وقع الصدمة كان أعظم في أروقة حزب البعث الحاكم والقصر الجمهوري، وكان الردّ عنيفا كما كان متوقعاّ واستخدم النظام اللغة الوحيدة التي يتقنها ويحفظها عن ظهر غيب، القوة ولا شيء سوى القوة والرد العسكري، إعتقالات وتعذيب، فض الإعتصمات بقوّة، حصار للمناطق الملتهبة، وخطاب سياسي إعلامي يستخدم ذات الأسطوانة البالية المشروخة، مؤامرة خارجيّة، المشروع الإمبريالي في المنطقة، إستهداف آخر معاقل المقاومة والممانعة في المنطقة، سنقاوم وننتصر .... الخ الكلام الذي حفظناه عن ظهر الغيب.

 

في الخطاب الأول للرئيس لم تفارق الإبتسامة مُحيّاه "الساذج" ولم يكفّ عن توزيع الإبتسامات والتظاهر بخفّة الدم، وكأنّ ما يجري في البلاد لا يعنيه، وأن دم الضحايا وأرواح الشهداء الذين سقطوا لا وزن لها عنده، لم يُقدّم إعتذاراً ولم يوجه لوماً للأجهزة الأمنية ووعد بإصلاحات من فئة "سوفَ". لم يفكر بلقاء أهل درعا أو زيارة المنطقة، وهذا كان مؤشرٌ صادم على أن النظام لا يريد أن يسمع ولا يريد أن يُغيّر، وكل من يطالب بأي حق من حقوقه هو خائن وعميل للمشروع الإمبريالي، إما أن يُقتل أو يُعتقل أو يعتذر ويعترف بجريمته.

 

قد يكون الحديث عن مؤامرة خارجية مُناسباً لدولة وفّرت لمواطنيها العيش الكريم، وسمحت لهم بحريّة التعبير وممارسة الديمقراطيّة، أما الحديث عن مؤامرة خارجية مع كل ما نعلمه من ممارسات الدولة البوليسيّة وما تؤكده الأرقام، وإستمرار العمل بقوانين الطوارىء أوما يعرف بالأحكام ىالعرفية في البلاد منذ ستينات القرن الماضي، فهو أشبه بحجّة واهية لتحريف الثورة السورية عن مسارها.
وللحديث عن الأرقام والإحصائيات، فقد ذكرت احصائيات رسمية للأمم المتحدة أن نسبة الفقر بلغت في سوريا 30% مع نهاية عام 2010 (أي قبل إندلاع الإحتجاجات الشعبيّة)، ووصلت معدلات الفقر في القرى والأرياف الى نسبة 60% وتشير التقارير الى وجود فجوة عالية جداً في توزيع الثروات حيث تصرف الشريحة الأفقر من السوريين 7% فقط من الإنفاق العام بينما الشريحة الأغنى يصرفون 45 %، ويعتمد معظم المواطنون على المهن الحرة أكثر من اعتمادهم على الوظائف العلمية، هذا برغم اعتماد مبدأ التعليم الالزامي في المدارس، والتعليم المجاني في الجامعات السورية في ظل اعتماد الاشتراكية كمبدأ من مبادىء الدولة.
   وتعتبر نسبة القوى العاملة في سوريا من أعلى النسب في المنطقة ولكن سوء توزيع الثروات وإقتصارها على فئة معينة بالاضافة الى الفساد المالي والاداري وانخفاض كفاءة التعليم واعتماد المحسوبية في التوظيف بالاضافة الى قلة برامج التدريب، وشُح وسائل التكنولوجيا الحديثة، وضعف اللغة الانجليزية كل هذا أدّى الى تعطيل هذه القوى العاملة وعدم الاستفادة منها، بل ان سوريا عانت من بطالة تفوق 15%حينها، وتشير الدراسات الى أن أكثر من 35% من خريجي الجامعات يعملون بمهن أو وظائف لا تتوافق مع شهاداتهم العلمية، وكل هذه الدراسات نُشرت قبل إندلاع الاحتجاجات بعدّة أشهر.
   ووفق دراسة نشرها منتدى الاقتصاد العالمي عام  2010 وشملت 139 دولة، احتلت سوريا المرتبة 97 في التقييم العام، على اعتبار ترتيب الدول من الأفضل الى الأسوأ تصاعدياً، واليكم بعض المؤشرات وترتيب سوريا بين بقية الدول :
·         المرتبة رقم 116 من ناحية الرشاوى والأموال غير القانونية
·         المرتبة رقم 95 من ناحية البنية التحتية
·         المرتبة رقم 133 من حيث اعتماد الكفاءة في تولي المناصب الادارية
·         المرتبة رقم 109 من حيث جودة نظام التعليم
·         المركز الأخير من حيث البرامج التدريبية للعاملين
·         المرتبة رقم 126 من حيث توافر وسائل التكنولوجيا
  هذه الأرقام توضح بشكل لا يدع مجالاً للشك الأوضاع المُتردية التي يعيشها الشعب السوري من ناحية الحالة الاقتصادية وحقوق الانسان ونوعية الحياة، والحُرّيات العامة، ناهيك عن الواسطة والمحسوبية الحزبية والفساد المالي والاداري .
  النظام السوري قام بالاستيلاء قديماً على مُقدرات الشعب بإسم الاشتراكية، ثم استولى عليها حديثاً باسم الإنفتاح والرأسمالية، ويُصرُّ على ترديد شعارات رنّانة طواها الزمن منذ أعوام، في محاولة لإيهامنا بوجود مؤامرة للقضاء على هذا النظام، وأن إستمراره يصب في مصلحة المنطقة وشعوبها وخصوصاً تيار المقاومة، وما زال هذا النظام ومعه مجموعة من اليساريين والقوميين العرب يعيشون بعقلية ستينات القرن الماضي ويريدون أن يُقنعونا أن هذا النظام قادر على إحلال الديمقراطية في البلاد وقيادتها نحو مستقبلٍ مُشرق في ظل تعددية ومواطنة حقيقية وشفافيّة، ولكني أؤكد لهم أن هذا النظام سيسقط وستسقط معه كل أكاذيبه، ولن يبقى منها سوى قصص توضع في كتب التاريخ للتندّر وإثارة جو من السخرية والكوميديا السوداء!
كان هذا إستعراض للحالة السوريّة مع بداية إندلاع الإحتجاجات الشعبيّة، وسنحاول إلقاء الضوء في المقال القادم على كذبة حلف المقاومة والممانعة كجزء من استراتيجية النظام في بناء نظرية المؤامرة.

 

أيمن أبولبن
27-2-2015

الثلاثاء، 24 فبراير 2015

تجربة سجن ستانفورد والتجربة الداعشيّة



 

في سبعينات القرن الماضي قام عالم النفس الأمريكي "فيليب زيمباردو" بتجربة نفسيّة مهمة تحت إشراف جامعة ستانفورد وبتمويل من البحرية اﻻمريكية، كان الهدف منها دراسة التغيّرات النفسيّة والسلوكيّة على الأفراد عند إمتلاكهم للسلطة المطلقة، وحين يتعرضون للقهر والقمع والكبت، وعُرفت هذه التجربة بإختبار "سجن ستانفورد".

تم استخدام متطوعين لتنفيذ التجربة، حيث تم تقسيمهم إلى مجموعتين، سجّانين و مساجين، وتم استخدام بناء مشابه للسجن يحتوي على زنانزين جماعية وانفرادية تستخدم للعقاب. قبل بدء التجربة تلقى السجّانون بعض الأوامر في كيفية ضبط الأمن والمحافظة على النظام وإمتلاك السلطة وضرورة إشعار المساجين بأن النظام يسيطر عليهم وعلى حياتهم وأنهم لا يملكون أي حرية شخصية ولا أي سُلطة في هذا المكان، ومع بدء التجربة تُركت مجموعة المتطوّعين تحت المراقبة ولكن دون تدخل مباشر.
بعد أسبوع واحد فقط، تم إيقاف التجربة نظراً للنتائج الكارثيّة والصادمة التي آلت إليها، حيث تنامى شعور الساديّة لدى السجّانين خصوصا في اﻷوقات التي ظنوا أنهم غير مُراقَبين فيها، كما سرى شعور بالتعسّف لدى المساجين، وقام بعضهم بالعصيان وإعلان اﻻضراب عن الطعام، وقام البعض الآخر بالتخطيط للهروب من السجن، بينما عانى بعضهم من إنهيارات نفسية وشعور بالرعب مما أدى إلى ظهور حاﻻت إنهيار عصبي وأمراض نفسية مختلفة.
الخلاصة تقول: إذا توافرت ظروف القوة والسلطة المُطلقة للإنسان فإنها ستؤدي به إلى التعسّف والظُلم، وفي المقابل يؤدي الشعور بالظُلم والتعسّف إلى ظهور أمراض نفسية متعددة يكون نتيجتها، إما التأقلم مع الظروف المُحيطة والإنصياع لها مع كبت مشاعر الذُل والقَمْع، أو الثورة بكل الوسائل الممكنة بغض النظر عن شرعية هذه الوسائل أو العواقب المترتبة على إستخدامها.
هناك تشابه يصل إلى حد التطابق بين متلازمة السلطة والديكتاتورية في منطقتنا العربية وبين نتائج هذه التجربة، بل إن ظهور الجماعات المتطرفة (داعش وأخواتها) وتماديها في العنف وممارسة صنوف مختلفة من أساليب التعذيب والقهر وما وصلت اليه اليوم من ساديّة وتسلّط وتجرّد من كل معاني الإنسانية ما هو إلا نتيجة طبيعية لشعور المُنتمين إلى هذه الجماعات بأن الله قد وكّلهم مهمة ضبط النظام على هذه البسيطة وان من حقهم ردع وقتل كل من يخالفهم أو يعوقهم من تنفيذ هذه الرسالة.
بداية المشكلة في تجربة سجن ستانفورد كانت بتطبيق الأفكار التي سمعها السجّانون من القائمين على التجربة وتعاملهم معها كنص مُجرّد دون إعمال للعقل أو محاولة تطبيق روح النص بدلاً من تطبيق النص بحرفيته، وهذا ما أدى إلى تشاحن وتصادم بين السجّانين والمساجين وتفاقم الأمر إلى أن وصل إلى الإنفلات الأمني الذي تطلب وقف التجربة، وهو ما يحدث فعلياً على ارض الواقع من قبل الدواعش حالياً. نحن أمام أفراد قد تم السيطرة عليهم عقلياً وباتوا أشبه بالمُنوّمين مغناطيسياً، ينفذون ما يقال لهم من أمرائهم وفي داخلهم إيمان مطلق بأن ما يقال لهم صادر من خالق هذا الكون والمسؤول عنه، فينفذون هذه الأوامر دون اي تردد او تفكير أو مجرد لحظة عابرة من صحوة الضمير !
لو رجعنا للتاريخ الإسلامي بعيداً عما يقوله المُغرضون والمعارضون للسلطة الدينية وبعيداً عن أوهام الجماعات المتطرفة، لرأينا أن النصوص الدينية أتت لخدمة الإنسان وتمكينه من ممارسة حياته على هذه الأرض بأمثل طريقة، وأن الاستسلام والإنقياد الى أوامر الله تعالى -وهو المعنى المُبسّط للإسلام- لا يتعارض مع الإجتهاد والتحرّر الفكري وتفسير النصوص بما يضمن خدمة البشرية وتقدّمها، وهناك عدّة أمثلة من سيرة الصحابة أنفسهم في كيفية التعامل مع النص والإجتهاد في تطبيقه، وليس أدل على ذلك من سيرة سيدنا عمر بن الخطاب أحد الخلفاء الراشدين الذي كان رائد الإجتهاد والتحرّر الفكري في العالم الإسلامي، ومثالاً للإلتزام وتطبيق الشرع في ذات الوقت، حيث إجتهد سيدنا عمر بتعطيل إقامة حد السرقة في عام الرمادة، خوفاّ من الوقوع في الشبهات كون السارق في ظل ظروف المجاعة لم تتوافر له ظروف الحياة الكريمة، ولم يرتكب السرقة لسبب سوى الحاجة للبقاء على قيد الحياة. لقد أدرك سيدنا عمر أن واجب الدولة هو ضمان العيش الكريم للمسلم قبل ان تبدأ في إقامة الحدود وفرض العقاب.
وكذلك اجتهد سيدنا عمر في وقف العمل بوهب العطايا للذين أعلنوا إسلامهم حديثاً بُغية تعزيز إيمانهم وهو ما يعرف "بالمؤلفة قلوبهم" لأنه أدرك أن الإسلام بات قوياً وليس بحاجة إلى إستمالة هذه الفئة إلى الإسلام، واستشهد بقول الله تعالى : (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).

هذه أمثلة قليلة، وفيضٌ من غيض على كيفية تعامل الصحابة مع النص وتطبيق روح النص بدلاً من تطبيق النص حرفياً، أو بمعنى أدق، تطبيق مقاصد الشريعة ومُجمل التعاليم الدينيّة بدلاً من الوقوف عند حرفيّة نص بذاته بتجرّد ودون إدراك لمُجمل النصوص. ويُلاحظ أن علماء المسلمين لم يُنكروا هذا الإجتهاد على سيدنا عمر أو على غيره ولم يُكفّروه أو يعلّقوا له حبال المشنقة، كما هو حاصل حالياً في عالمنا العربي والإسلامي مع كل مُجتهد ومُستنير.
قد يقول قائل أن ظاهرة التطرف هي نتيجة لمُسبّبات كثيرة منها إستبداد الأنظمة القمعيّة في المنطقة، بالإضافة إلى إقصاء الأغلبية المُعتدلة ومصادرة حق الشعوب بالتعبير عن آرائهم بحرية، وهذا صحيح لا خلاف عليه، وقد تحدّثنا عنه سابقاً، ولكنه لا يُعفي هذه الجماعات من المسؤولية الكاملة في قيامهم بتكرار نفس "التجربة" مع إستبدال الأدوار فقط، حيث إنتقلوا لأداء دور السجّان بعد أن كانوا يؤدون دور المسجون، وكرّروا نفس الأخطاء التي إرتكبتها السلطة في حق شعوب المنطقة !
في تجربة سجن ستانفورد، تم تعليق ضوء أحمر في أماكن مُخصصة في مكان التجربة، وكانت إنارة هذا الضوء بمثابة إعلان عن وقف التجربة من قبل اللجنة المُشرفة، ويبدو أن شعوب المنطقة العربيّة باتت بإنتظار اللحظة الحاسمة التي تُعلن عن وقف تجربتها المريرة، والحقيقة أن الإختبار التي تخضع له هذه الشعوب هو إختبارٌ مُضاعف ومُركبّ، فالشعوب العربية وقعت ضحيّة لفكّي كمّاشة، جماعات متطرفة تعتقد انها وصيّة من الله على البشر، وسلطات ديكتاتورية قمعية تعتقد بانها هي الله !

 

أيمن أبولبن
23-2-2015

 

رابط المقال على القدس العربي

الثلاثاء، 17 فبراير 2015

السنة النبوية 4


إستكمالاً لحديثنا عن موضوع #السنة_النبوية و #الحديث_الشريف
من البديهيات لأي نقاش هو البحث عن القواسم المشتركة ونقاط الإتفاق والإبتعاد عن نقاط الإختلاف، ومن هذا المنطلق كثيراً ما دخلت في نقاشات مع بعض الأصدقاء، سواء عبر اللقاءات الشخصية أو عبر العالم الإفتراضي حول موضوع السنة النبوية والأحاديث الشريفة، وكنت دوماً أؤكد أن القرآن هو المرجعية الأساسية للإسلام، وهو بمثابة دستور المسلمين، وكنت أظن أن هذا الأمر مفروغ منه ومُتفق عليه كما يوحي لي الطرف الآخر، ولكن ما لفت إنتباهي ان معظم من يتناول موضوع صحة الأحاديث الشريفة من عدمها وينادي بضرورة إستثناء السنة النبوية من مرجعيات الدين والإعتماد على القرآن فقط ، لا يعملون بالقرآن أصلاً !!
فما هي الفائدة المرجوة من النقاش على فرض أننا اتفقنا في موضوع السنة النبوية إذا كنا مختلفين في موضوع أحكام القرآن إبتداءً !!
على سبيل المثال، هناك من يحاور في أمور جدليّة تعتبر من مواضيع الترف الفكري، ويطالب بإقصاء السُنّة نهائياً حاملاً شعار #تخاريف_البخاري ثم يتبين لي من النقاش معه بأنه لا يُطبّق مبادىء الإسلام الخمسة !!
واذا تناقشنا في أحكام #القرآن الواردة بنصوص قطعيّة، يقول ان هذه الأحكام هي أحكام رجعية وغير انسانية !
وهناك من الأخوات اللواتي يسعين الى مناقشة كل ما هو موضع إختلاف بين العلماء حول المرأة، ويضعن جانبا أساسيات الدين من صلاة وصوم وزكاة ولا يُتقنّ شيء من هذه الأمور، بل إنهن يعجزن عن الإجابة عن أي سؤال حول أساسيات هذه العبادات، في الوقت الذي يملكن فيه معلومات وفيرة عن المواضيع الجدليّة!
يقول الله تعالى في محكم تنزيله ((أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى)) ، كيف لنا أن نقفز الى مناقشة أمور تعتبر أنها ترف فكري، في حين أننا نخالف صريح القرآن؟! هل الأولوية عند المرأة هي الصلاة ام اللبس الشرعي ؟! هل الأولويّة عند الرجل هي الحديث عن الحُجامة أو علامات الساعة في السنّة مثلاً، أم ترك المعاصي ؟!
دعونا نتفق على أساسيّات الدين بادىء الأمر، وننتهي عن المُحرّمات ونحتكم إلى القرآن ثم نتفرّغ بعد ذلك للحديث عن الإختلاف حول السنة، وأنا متيقّن أننا إذا أتفقنا على الأساسيّات لن يكون من الصعب أن نتفق على باقي الأمور.
أيمن أبولبن
17-2-2015

الاثنين، 16 فبراير 2015

الدبّ الروسي في الواجهة من جديد

من الملاحظ مؤخرا إتخاذ روسيا مواقف متشددة ومُجاهرتها بإختلافها مع السياسة الأمريكية سواءً فيما يخص منطقة الشرق الأوسط أو حتى القضايا العالمية المختلفة، وقد برز هذا على السطح في القضية الأوكرانية وجزيرة القرم، حيث اتخذ بوتين قراراً بالتدخل العسكري وفَرْض الأمر الواقع رغم كل التحذيرات الأمريكية و الأوربية وهذا ما أعاد للأذهان صورة الإتحاد السوفييتي القوي أيام الحرب الباردة، خصوصاً مع سياسة المُهادنة التي ينتهجها أوباما ويعتمد فيها على الحلول التوافقية والسلميّة بعيداً عن التصادمات والمشاحنات إلا إذا استدعى الأمر ذلك.
وقد كان لهذا التصعيد من حدّة الموقف الروسي صدىً واسعاً لدى اليساريين في العالم العربي، الذين ما زالوا يُمنّون النفس بعودة الدول الإشتراكية إلى الواجهة من جديد والوقوف في وجه المخطط الإمبريالي، ولكن هل هذا بالفعل هو واقع الحال؟ وهل روسيا قادرة على استعادة أمجادها من جديد، ومزاحمة أمريكا على السيادة العالمية.
للإجابة على هذا التساؤل علينا أن نسترجع أسباب دخول الإتحاد السوفياتي عهد "البيريسترويكا" ومن ثم تفكك جمهوريات الإتحاد السوفياتي مطلع التسعينات، وإنهيار المعسكر الشرقي بسقوط جدار برلين. وبإختصار فإن أهم الأسباب وراء تفكك الجمهوريات السوفياتية كان الضعف الإقتصادي بشكل عام وعدم الموازنة بين الواجهة السياسية العسكرية والجانب الإقتصادي للدولة، وبمقارنة بسيطة بين موازين القوى في العالم آنذاك نجد ان القوة العسكرية الأمريكية كانت متفوقة على القوة العسكرية السوفياتية إلى حد ما ولكن هذا التفوق لم يكن بالتفوق الكاسح الذي يسمح بحسم الإنتصار، خصوصاً أن الإتحاد السوفياتي كان يملك من الأسلحة الرادعة ما يكفي لإرغام الولايات المتحدة بالتفكير مليّاً قبل أن تبدأ أي مواجهة عسكرية محتملة، وهو ما كان يُعرف إصطلاحاً "بتوازن الرُعْب" هذا بالإضافة إلى قوة المعسكر الشرقي الذي يضم الدول الإستراكية والشيوعية المنضمة تحت لواء المعسكر السوفياتي.

  أما السبب الثاني والأهم هو تفكك النظام الشيوعي الإشتراكي من الداخل وفشل جميع الأفكار الماركسية والإشتراكية في إمتحان الواقع وصولاً إلى مرحلة الإفلاس السياسي والمعنوي، مما أدى إلى تخلّي الشعوب عن إيمانها بهذه الأفكار وحماسها لها، وتفاقمت مشاكل تطبيق الشيوعية مما أدى إلى أنقسام في الرؤية بين التيار الإصلاحي بقيادة غورباتشوف من جهة، والحرس القديم الذي كان يدفع بإتجاه إعادة الإتحاد السوفياتي الى النظام الشيوعي من جهة أخرى، مما أدى في النهاية الى تفكك الإتحاد السوفياتي إلى جمهوريات صغيرة.

وبمقارنة أسباب إنهيار الإتحاد السوفياتي مع حال روسيا اليوم، نجد أن لا شيء قد تغير البتة، فلا الأوضاع الإقتصادية في روسيا تسمح بالعودة إلى الواجهة من جديد، ولا وجود لمشروع " ايديولوجي" حقيقي يستطيع ان يجمع الشعب الروسي وباقي دول الشرق للدخول في مواجهة مع الغرب أو على أقل تقدير مواجهة سياسية مباشرة بين المعسكرين الغربي والشرقي، والدليل على ذلك هو الإنقسام الواضح في الشأن الأوكراني وجزيرة القرم.

ولا بد من الإشارة إلى التدهور الإقتصادي الخطير الذي حصل في روسيا نهاية العام الماضي بسبب إنخفاض سعر برميل النفط، والذي يعتبر تهديداً حقيقياً قد يؤدي بالفعل الى تعطيل الإقتصاد الروسي وإنهياره التدريجي، وتحاول روسيا الآن فعل كل ما بوسعها من أجل عودة الأسعار الى حدود 100 دولار للبرميل، ولكن هذا لن يكون إلا عبر الرضا الأمريكي وموافقة البيت الأبيض، وليس أدل على تفاقم الأزمة الإقتصادية في روسيا من إنخفاض الروبل الروسي رغم قرار البنك المركزي رفع أسعار الفائدة.

    وبغض النظر عن السبب وراء إنخفاض أسعار النفط، سواءً كان ذلك مقصوداّ بهدف إضعاف روسيا أم أنه تلاقي مصالح لا أكثر بين أمريكا ودول أوبك، فإن النتيجة واحدة وهي أن روسيا دولة تابعة إقتصادياً وليست صاحبة قرار. وبالأخذ بعين الإعتبار العقوبات الإقتصادية المفروضة من الغرب بسبب تعنّت الرئيس بوتين في أوكرانيا فإن هذا يشير إلى تنامي الإحتمالات بإنهيار الإقتصاد الروسي في وقت قريب، خصوصاً مع إغلاق باب الإقراض الخارجي، ونفس الكلام ينسحب على إيران حليفة روسيا في المنطقة التي تعاني الأمرّين من جرّاء تبعات برنامجها النووي.

   يبدو أن ما فشلت الإدارة الأمريكية من تحقيقه بالسَطْوة والزعامة الدولية ستستطيع تحقيقه بالورقة الإقتصادية، وهذا مؤرق للغاية، إذا أخذنا بالإعتبار أنه سيمهّد الطريق لعقد صفقات تراضي بين الطرفين ( أمريكا وروسيا )، يحقق فيه الطرف الأقوى "أمريكا" أهدافه السياسية في أوروبا والغرب أولاً والشرق الأوسط ثانياً، فيما يرمي بطوق النجاة للمتهور "بوتين" كي يحفظ روسيا من إنهيار إقتصادي شامل، ويحفظ شعبيته من الإنهياركذلك، أما الخاسر الأكبر فستكون الدول العربية، التي دفعت في الماضي فاتورة التنازلات الروسية.

  في الختام لا بد من طرح تساؤل مُحيّر، هل دول العالم العربي عاجزةٌ عن تشكيل حلف إقتصادي سياسي مؤثر، في ظل الإنسحاب التدريجي للإدارة الأمريكية من المنطقة وعدم رغبتها في إدارة الصراع هنا، وفي ظل تنامي النفوذ الإيراني وصعود النجم التركي، ورغبة روسيا في التوغل في المنطقة من جديد ! وهل دور مثقفينا في ظل هذه الظروف الحرجة تعليق الآمال على تنامي الدور الروسي وما يُسمى زورا وبهتاناً "حلف المقاومة والممانعة" ، وهل يقتصر دورنا في المرحلة الحالية على تداول صور بوتين على مواقع التواصل الإجتماعي والتغني ببطولاته، ورفع شعارات الماركسيّة بإنتظار بزوغ فجر روسيا من جديد؟!


 قبل أن نُمنّي النفس بعودة الدبّ الروسي إلى الواجهة من جديد، دعونا نصارح انفسنا بالمنجزات التي تحققت للدول الحليفة للمعسكر الشرقي في المنطقة منذ الحرب الباردة وحتى الآن، بما في ذلك حلف المقاومة المزعوم، ماذا قدمت هذه الدول لشعوبها سوى نُسخة ستالينية بوليسية أمنية، هزيلة إقتصادياً، لا تعترف بالديمقراطية والتعدّدية، وتعتمد على حكم الحزب الواحد والجريدة الواحدة!. 

أيمن أبولبن
15-2-2015
 رابط المقال على القدس العربي

 

http://www.alquds.co.uk/?p=296169


 

صفحة الكاتب على الفيسبوك

 

https://www.facebook.com/ayman.kalimat

الأحد، 15 فبراير 2015

يوم أمضيته مع الديكتاتور


ديلي تلغراف: يوم أمضيته مع الديكتاتور

 
14 فبراير/ شباط 2015

 


 
يقول بوين إن أكثر تصريحات الأسد إثارة للجدل كانت نفيه القاطع لاستخدام القوات السورية للبراميل المتفجرة.
تراجع اهتمام الصحف البريطانية الصادرة السبت بالشأن العربي وشؤون #الشرق_الأوسط، ولكن رغم هذا الشح أفردت صحيفة ديلي تلغراف صفحة كاملة للمقابلة التي أجراها جيرمي بوين محرر شؤون الشرق الأوسط في بي بي سي مع الرئيس السوري #بشار_الأسد.
وفي مقال بعنوان "يوم أمضيته مع الديكتاتور" يقول بوين إن الرئيس السوري بشار الأسد عادة ما يستقبل ضيوفه في قصر للضيافة في ملحق بمجمع القصر الرئاسي.
ويصف بوين موقع المجمع الرئاسي قائلا إنه شيد في قمة تل في #دمشق في معزل عما يجري في المدينة ذاتها. ويقول إنه نظرا لأنه مر في طريقه بمناطق تسيطر عليها المعارضة ولا تبعد أكثر من خمسة أميال عن القصر الرئاسي، يعلم أن هذه العزلة التي يوحي بها القصر ليست حقيقية.
ويصف بوين أيضا استقبال الأسد له قائلا أنه بدا له دمثا للغاية. ويقول إنه من الصعب التحدث إلى الأسد بصورة غير ودية، إذ يكثر من الابتسام الهادئ عند الحديث كما أنه دائما ما ينتحي جانبا ليسمح لضيوفه بالمرور قبله.
أما عن تأثير السنين وما دار في سوريا في الأعوام الأربعة السابقة على ملامح الأسد ووجهه، فيقول بوين إن وجه الأسد (49 عاما) لم تكسه التجاعيد أو مظاهر القلق والفكر رغم ما يحدث في سوريا.
ويقول إنه إذا ما قارنا وجه بعض الزعماء الغربيين الذين تنعم بلادهم بالاستقرار ووجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما عند توليه الرئاسة ووجهه الآن، لبدا لنا الأمر غاية في الغرابة، إذ إن وجه الأسد لم تعله علامات الكبر أو القلق.
ويقول بوين إنه عندما ذكر الأسد بواجبه، وفقا لقوانين الحرب، بحماية المدنيين، دافع الأسد باستماتة عما قامت به القوات المسلحة السورية وعما قام به هو شخصيا طوال الحرب التي قتل فيها نحو 200 ألف شخص وشرد عدة ملايين.
ويضيف بوين أن الأسد رفض الأدلة التي تشير إلى حدوث مظاهرات سلمية في ربيع 2011 وأصر على أن المتظاهرين استخدموا العنف القاتل منذ البداية. أما برهانه على ذلك فهو ما وصفه بالأعداد الكبيرة من القتلى في صفوف الشرطة.
ويقول بوين إن أكثر تصريحات الأسد إثارة للجدل كانت نفيه القاطع لاستخدام القوات السورية للبراميل المتفجرة ضد المدنيين وفي المناطق المدنية. كما وصف الأسد تصريحات الأمم المتحدة بأن قواته تعوق وصول مواد الإغاثة إلى المناطق المحاصرة بأنه "دعاية" تروجها الأمم المتحدة ضده. ويقول بوين إن الأسد بدا مقتنعا للغاية بما يقوله.
أما عن موقف الأسد مما يحدث في بلاده، فيقول بوين إنه يصر على أنه يحارب الإرهاب الذي تموله جهات أجنبية وتدفعه الأيدولوجيا الدينية المتطرفة، ويصر على أن العالم بأسره يجب أن يقتنع برؤيته للأمر.

 
تعليق:

 
هذا يؤكد ان هذا الرجل منفصل تماماً عمّا يحدث في سوريا ويعيش في عالم خاص من الأوهام المبنيّة على مُعطيات أجهزة مخابراته وايديولوجيته التي تربّى عليها في حزب البعث والدولة البوليسية التي أنشأها والده

 
(( بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ))

 
وهذا يعيدنا إلى حديثنا عن الثورة السورية في بداياتها (مع قرب ذكرى إنطلاقتها الرابعة)، حين قلت أن كل عاقل ووطني ومخلص في وطننا العربي، وكل قومي ويساري عليه ان يدرك جيداً أن حزب العبث بهذه العقليّة لا يمكنه أن يستمر في حُكم بلد مثل سوريا وأن هذا النظام يسابق الزمن كي يؤجل لحظة إنهياره ليس إلا، وأن أفضل شيء ممكن عمله هو تقصير فترة إستمرار هذا النظام في الحكم، وسرعة التحوّل السلمي الى حكومة وحدة وطنيّة تقود الفترة الإنتقاليّة، حفاظاً على سوريا البلد وسوريا الشعب وحفاظاً على وطننا العربي

 
أعلم جيداً أن هذا الكلام لم يستوعبه كثيرون وقتها، وأن البعض ما زال حتى الآن يحاول دغدغة العواطف بالحديث عن حلف المقاومة والممانعة وإستخدام التطرف والإرهاب فزّاعة للتخويف من مستقبل سوريا ما بعد الأسد، ولكني متأكد من حقيقة واحدة واضحة بالنسبة لي وضوح الشمس ، أن هذا النظام سيسقط وسيذهب إلى مزبلة التاريخ قريباً، هذا ما تعلّمناه من التاريخ ، وهذا ما قالته الأديان جميعها ، وهذا هو منطق الإنسانيّة جمعاء، ومنطق الحق والصواب في العالم أجمع.

 

 

 
أيمن أبولبن

 

 
#سوريا #الثورة_السورية #الربيع_العربي