الثلاثاء، 10 مارس 2015

ويسألونك عن المقاومة والممانعة



 

تبنّى النظام السوري نظرية المؤامرة لبناء خطة دفاعية استراتيجية في وجه المظاهرات الشعبية والمطالبات بالعدل والمساواة والحرية، وتعتمد هذه النظرية على فرضيّة قيام المعسكر الغربي بإستهداف حلف (إيران،حزب الله، سوريا) بسبب وقوفه ضد المخطط الامريكي الاستعماري في المنطقة، وعدائه لاسرائيل وللإمبريالية الامريكية، لا سيما مع تصاعد الطموح الإيراني في إمتلاك السلاح النووي.

 

تطورت هذه النظرية سريعاً لتحمل إسم "المؤامرة الكونيّة" حيث ادّعى الرئيس بشار الأسد أن سوريا تتعرض لمؤامرة كونيّة تستهدف إسقاط آخر معاقل المقاومة والممانعة في المنطقة، وسرعان ما تلقفت وسائل الإعلام الموالية للنظام السوري هذا المصطلح ليصبح مادة إعلاميّة دسمة.

 

وتفترض هذه النظرية أن الصحوة العربية والمظاهرات الشعبية الحاشدة التي شهدها العالم العربي وأدّت إلى قلب نظام الحكم في عدة عواصم عربية، ما هي إلا نتاج مؤامرة أمريكية وتواطىء من بعض أحزاب المعارضة وعلى رأسها "الإخوان المسلمون" لتمهيد الطريق أمام أعوان أمريكا للوصول إلى الحكم وترسيخ سيادة امريكا وإسرائيل في المنطقة، ولاقت هذه النظرية رواجاً كبيراً لدى اليسار العربي وتيار القومية العربية، ثم سرعان ما تغيّرت هذه النظرية، نتيجة أحداث العنف التي شهدتها بلدان الربيع العربي، وأصبحت تتبنّى مقولة أن أمريكا إبتدعت الربيع العربي لتدمير البلاد العربية وإدخالها في آتون حروب أهليّة وطائفيّة تنهك الأنظمة وتعمل على تدمير مقدرات الشعوب مما يفتح المجال امام التمدّد الإسرائيلي ويفتح الباب على مصراعيه أمام إستعمار غربي جديد.

 


 

لن أجادل كثيراً في تفنيد نظرية المؤامرة، خصوصاً أن المنطقة العربية قد تعرّضت لعدة مؤامرات خارجية، وباتت الشعوب العربيّة تنام وتصحو على أحاديث المؤامرات والخيانات. ولكني سأفترض جدلاً أن كل ما يقال عن المؤامرة الأمريكية الأمبرياليّة في المنطقة هو صحيح، وسأتحدث عن ادعاءات النظام السوري بما يخص حلف المقاومة والممانعة.

 

بالعودة إلى تاريخ الحروب التي شهدتها المنطقة في نهاية القرن الماضي، نجد أن إيران تسبّبت بالحرب العراقية الايرانية نتيجة تهديدها المستمر لجارتها العراق وإعتداءاتها على الحدود المشتركة بينهما، مما نتج عنه صراع أمتد لثمانية أعوام كانت نتائجه كارثية على البلدين وعلى المنطقة، وخلال هذه الحرب قامت إيران بالتعاون مع الدولة الصهيونية لتوريد الأسلحة والعتاد العسكري لها، وهو ما يعرف بفضيحة "إيران غيت".


 

وتسبّبت حرب الخليج الأولى بنشوء نزاع عراقي كويتي على آبار النفط الحدودية خلال فترة الحرب، نتجت عنها "حرب الخليج الثانية"، والتي أسفرت عن تدمير القدرات والمُقدّرات العراقية ومعاناة البلاد من حصار اقتصادي طويل الأمد أدى إلى مجاعة عامة وتفشي للأمراض والأوبئة، ثم إكتملت حلقة التآمر الإيراني بالتواطىء مع أمريكا لإحتلال العراق وإسقاط نظام صدّام حسين، وإغراقه في مستنقع الطائفيّة والقتل على الهويّة.

 

تاريخ إيران في المنطقة يشهد أنها قد تعاونت مع الدولة الصهيونية، وتعاونت مع أجهزة الإستخبارات المركزيّة، ثم تعاونت عسكريّا مع أمريكا، وأنها الحاكم الفعلي للعراق الآن، والداعمة للحوثيين الإنقلابيين في اليمن، وهي من أشعلت الفتنة الطائفية في البحرين بصبغة سياسيّة، وهي التي تحتل الجزر الإماراتية الواقعة على مضيق هرمز، وبرغم كل هذه الحقائق ما زلنا مقتنعين أن إيران متحالفة معنا نحن العرب !!

 

أما عن سوريا فحدّث ولا حرج، من المعروف أن سوريا انضمت الى الحلف الغربي بقيادة امريكا ضد جارتها وشقيقتها العراق في "حرب الخليج الثانية" وشاركت بقوات برية على الأرض، وساهمت في حصار العراق بدور كبير وأساسي من خلال إحكام غلق الحدود الممتدة بين البلدين، وساهمت في فتح الباب على مصراعيه لتواجد القوات الامريكية على الاراضي العربية، فأين نحن من محاربة المخطط الأمريكي الإستعماري في المنطقة!؟
 
 

وفي مقابل التعاون السوري في الحرب على العراق، غضّت أمريكا الطرف عن التوغّل السوري في لبنان، ولم تمانع من إستمرار وجود قوات سورية في لبنان، إلى أن انفجرت أزمة إغتيال رفيق الحريري.

 

والحديث عن الملف اللبناني، يوضح التناقض المذهل للخطاب السوري، فسوريا التي تنادي بالوحدة العربية والخروج من عباءة الاستعمار، قامت بممارسة الإستعمار الفعلي لأرض جارتها لبنان لأكثر من ثلاثين عاماً، و دخلت في آتون الاختلافات الحزبية والعقائدية في البلد، مما زاد من حدة التوتر الداخلي في لبنان، وساهم في إضعاف الدولة اللبنانية وجيشها، وتزايد قوة حزب الله المدعوم من إيران. وشهدت أيام "الاحتلال" السوري للبنان قمعاً عاماً للحريات واعتقالاً للصحفيين المعارضين للوجود السوري، وتعذيبهم، وصولاً إلى نفيهم خارج البلاد.

 


 

   أما عن المقاومة الفلسطينية ودعم سوريا لها، فبالرغم من ايواء سوريا للفصائل الفلسطينية على أرضها، الا أنها دفعت هذه الفصائل جميعها للإنشقاق عن "فتح"، والإنضمام تحت لوائها لإمتلاك أوراق ضغط مهمة تستخدمها وقت الحاجة، خاصة في المفاوضات وطرح الحلول على الطاولة، وليس أدل على ذلك من عدم قيام أي مناوشات عسكرية على الحدود السوريّة الإسرائيلية أو أي عملية تسلل أو تنفيذ لهجمات فدائية إنطلاقاً من الأراضي السورية، فعن أي مقاومة يتحدثون ؟!

 

ولا بد من الإشارة في الملف الفلسطيني إلى أن أصابع الاتهام تشير الى تورط القوات السورية في مذبحة "تل الزعتر" التي راح ضحيتها 3000 لاجىء فلسطيني في لبنان أيام الحرب الأهلية.

 

أما على صعيد التعاون بين أجهزة المخابرات السورية والمخابرات الأمريكية، فقد كشفت تقارير أن المخابرات الأمريكية قد إستعانت بأجهزة مخابرات "صديقة" في المنطقة من ضمنها (سوريا) بعد أحداث سبتمبر 2001، في مجال استجواب المتهمين في قضايا الإرهاب وإستخدام كل وسائل التعذيب المحظورة في سبيل الوصول إلى معلومات مفيدة في "الحرب على الإرهاب"، أي أن مراكز المخابرات السورية، قد تحولت إلى ما يشبه فرع من "سجن غوانتانامو"، فعن أي ممانعة يتحدثون ؟!

 

وفي مقابل هذا التعاون الإستخباراتي، غضت الولايات المتحدة الطرف عن ممارسات التعذيب الممنهجة التي قام بها النظام السوري ضد شعبه في أحداث القامشلي 2004، وسجن صيدنايا 2008، وتم تجاهل عدد كبير من التقارير الرسمية والحقوقية التي تشير الى عدة وقائع مثبتة تم التحقق منها، تشير الى إنتهاك السلطات السورية كل مواثيق حقوق الإنسان وكل الأعراف والمواثيق الدولية في هذا المجال.

 

بعد هذا الإستعراض السريع لتاريخ التعاون الأمريكي الإيراني السوري في المنطقة، هل هناك من شك في أن المصالح السياسية هي التي تحكم العلاقات بين الدول، وأن المبدا الوحيد الثابت في سياسة هذه الدول هو "الغاية تبرر الوسيلة" حتى لو كانت هذه الوسيلة هي التحالف مع "الشيطان الأكبر" أو مع الدولة الصهيونية نفسها، وأن إستخدام شعار المقاومة والممانعة وتأجيج مشاعر الشعوب ضد الربيع العربي ودفع هذه الشعوب للتقوقع داخل إطار نظرية المؤامرة، ما هو إلا خطة استراتيجية تنتهجها هذه الأنظمة، للبقاء في سدة الحكم !!

 

إن من يعتقد أن حلف المقاومة والممانعة المزعوم هو ملاذ الأحرار في المنطقة، وهو السبيل الوحيد للوقوف في وجه المشروع الغربي، كمن يستجير من الرمضاء بالنار.

 

أيمن أبولبن
9-3-2015

 


 

رابط المقال على القدس العربي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق