الثلاثاء، 23 ديسمبر 2014

جدل في السعودية بعد ظهور زوجة رجل دين معروف مكشوفة الوجه على التلفزيون‏

رجل دين و#داعية كان يشغل منصب رئيس #هيئة_الأمر_بالمعروف في #مكة_المكرمة ظهر برفقة زوجته على قناة ام بي سي دون أن تغطي وجهها فقامت الدنيا ولم تقعد

الشيخ #أحمد_الغامدي لم يأت بمنكر وزوجته كانت ترتدي #الحجاب_الاسلامي المتفق عليه من قبل غالبية العلماء والمتعارف عليه في كافة بلداننا الاسلامية ، فلماذا هذا الهجوم غير المبرر عليه ؟!
إن #تغطية_الوجه غير متفق عليه عند #الفقهاء في حين أن جمهور العلماء قد اتفق على أن الوجه واليدين من الزينة المباح كشفها ، أما تغطية الوجه فهي فضيلة وليست واجباً ، بل اني أقول انها #عادة_اجتماعية فرضتها الظروف المعيشية في بعض البلدان وارتبطت بعد ذلك بالدين  

  هناك بعض المتشددين الذين يأخذون من الدين قشوره الخارجية دون النظر الى جوهر الدين والمقاصد الأساسية له ، وأظن -أرجو أن أكون مخطئا- أننا لو سألنا أحد هؤلاء الذين هاجموا الشيخ الغامدي حول ما اذا كان يهتم بالدرجة الأولى بتغطية زوجته أو ابنته أو أخته لوجهها أم أنه يهتم بالتزامها بالصلاة لكانت الاجابة انه يهتم بمظهرها ومراعاتها لعادات المجتمع أكثر مما يهتم بالتزامها بواجباتها الدينية ، وهذه مصيبة ما بعدها مصيبة.

لقد أصبحنا نخشى من #عادات_المجتمع حتى ولو لم تكن من الدين والشرع ، على حساب أساسيات الدين.

أرجو متابعة الغامدي وحواره حول مجموعة من المواضيع مثل تغطية وجه المرأة والاختلاط في المجتمع وزينة المرأة



السنة النبوية والأحاديث الشريفة


من المواضيع المنتشرة بشدة على صفحات التواصل الاجتماعي هذه الأيام موضوع السنة النبوية والحديث الشريف. أود القاء الضوء على بعض النقاط التي قد تكون غائبة عن أذهان البعض، محاولاً التحدث باختصار، وأبدأ بالحديث عمّن ينقل الأحاديث الشريفة الصحيحة ويعلق عليها بتعليقات ساخرة مثل:
هذا الكلام اللي رجعنا لورا
شوفوا شو بيحكوا عن ........
هذه هي المرأة في نظرهم
معتقدات بالية وقديمة ما زالت تسيطر علينا ... الخ الكلام
ملاحظة: أقصد بالحديث الصحيح ليس النقل عن رواة ثقات فقط بل تصحيح العلماء له وموافقته لمقاصد الشريعة وعدم مخالفته لما ورد في القرآن
في البداية يجب التوضيح أن لكل واحد فينا مكوناته السلوكية الخاصة به وأيدولوجيته التي يتبناها، والنابعة من ثقافته وتجاربه في الحياة، ولكل واحد فينا حرية الاختيار بما في ذلك حرية الاعتقاد وهذا هو أساس تكليف البشر ومحاسبتهم وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب، وبناء عليه فإن اقتناع أي شخص بحديث معين أو إتباع سنة معينة تنبثق من هذا المبدأ، ((مبدأ حرية الاختيار)) .
يقول الله تعالى: ((وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر))
مهما بلغت درجة ظنك بعدم صحة حديث ما، أو عدم اقتناعك الفكري به فإن هذا لا يعني بالضرورة عدم ورود هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عدم صحته، فنحن جميعاً لا نصل الى درجة الفقه العليا من الدين والتي تتطلب الاطلاع والادراك الكامل لكافة جوانب الدين من قرآن وسنة وأقوال علماء ومقارنة وجهات النظر، وبما أننا لم نصل بعد الى هذه الدرجة، فالأجدر بنا ألاّ نُسفّه من أي حديث أو نتقوّل عليه وكأنه كلام عابر ليس له مصداقية، من وجهة نظري الشخصية أنه يكفينا أن نتخذ قراراً فردياً داخلياّ بعدم العمل بفحوى هذا الحديث من منطلق فردي وعدم الأخذ به، عملاً بمبدأ حرية الاعتقاد التي كفلها الاسلام لنا، وعلينا أن نتحمل تبعات هذا الاعتقاد سواءً الايجابي منها أو السلبي، ومع التقدم الفكري والحضاري والعلمي، قد يثبت بالفعل عدم صحة هذا الحديث أو على العكس يتبين لنا أننا كنا غافلين عن الحقيقة، وأن الحديث صحيح بالفعل، لأننا في النهاية نحكم على الأشياء من منطوق عصرنا فقط، والذي يتغير مع مرور الزمن، فما كان ثابتاً قبل مائة عام أصبح اليوم من الخرافات، والعكس صحيح.

أما في حالة وجود تعارض من وجهة نظرنا بين الحديث و الثابت من القرآن أو عموم التعاليم الإلهية فلنا أن نناقش ونبين ذلك وندفع بالدليل العلمي أو الفقهي أو العقلي على عدم صحة هذا الحديث، دون تجريح أو سخرية أو انتقاص، وهذا ما يقوم به العلماء بالفعل، ولنا أن نستشهد بموقع الدرر السنية الذي يقوم بعمل جبار يتضمن دراسة كل الأحاديث من حيث الموضوع والفحوى ويبيّن توافقها الكلي مع احكام الشريعة وما هو ثابت من القرآن وقد قام برد أحاديث عديدة رغم صحة روايتها ورغم ورودها في الصحيح من الأحاديث، ومع مرور الوقت سيكون هناك ((فلترة)) لكل الأحاديث الضعيفة والمتعارضة مع مقاصد الشرع.


ولكن هذا العمل هو عمل مؤسسي يقوم به مختصون، ولا يخضع للأهواء الشخصية كما يفعل غالبنا، فمعظم التعليقات بردّ هذا الحديث أو ذاك والواردة على صفحات التواصل الاجتماعي المختلفة تعبر عن وجهة نظر شخص معين وتتمثل بعدم توافق فحوى الحديث مع معتقداته الشخصية.
  لو قلنا أن نسبة ظنك بعدم صحة حديث ما، هي نسبة عالية جداً، لنقل أنك ترجح عدم صحة هذا الحديث، كم نسبة تأكدك، هل تصل الى 90%؟ حتى لو وصلت الى 99% هناك احتمال واحد بالمئة أن يكون هذا الحديث صحيحاً، تخيل معي أنك ستقف بين يدي الله عز وجل وسيسألك أأنت قلت هذا عن نبيك محمد؟، ماذا ستجيب؟
مهما تفتّق ذهننا بإجابات عديدة ومتنوعة، لن تزيد الواحد فينا الا خجلاً وصَغاراً !!
كنت دائماً ما أذكر نفسي، أن الله تعالى سيسأل الأنبياء والرسل عمّا فعلوه وسيحاسبهم على مرأى من جميع البشر فكيف بنا نحن عامة البشر ؟!

يقول الله تعالى ((وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله))

لقد وصل بنا الأمر أن يعتقد كل واحد فينا أن علمه المتواضع يفوق علم باقي البشر وتخوّل لنا أنفسنا أن ننتقد ونفنّد كل ما يخطر على بالنا، بناءً على فرضيات افترضناها أو فكر اعتقدناه!

أيمن أبولبن
20-12-2014


الخميس، 18 ديسمبر 2014

الضباب يعلو فوق تمثال الحرية


   تم الإعلان في الأسبوع الماضي، عن تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي حول التعذيب الذي مارسته الإستخبارات المركزية في عهد الرئيس السابق "جورج بوش" بعد أحداث سبتمبر 2001، وقد سبّب هذا التقرير حرجاً للإدارة الأمريكية لتضليلها الرأي العام من خلال إخفائها أو تقليلها من وحشية أساليب الإستجواب وإنتزاع الإعترافات بإستخدام وسائل تعذيب وتهديد مختلفة، ليس هذا فحسب بل يُكذّب التقرير إدعاءات الإستخبارات بحصولها على معلومات مهمة وحسّاسة نتيجة إستخدامها التعذيب في التحقيقات. وخَلُصَ التقرير الى أن التعذيب لم يكن ذا فاعلية تذكر في إحباط الهجمات الإرهابية، على عكس ما كان رائجاً !!
   قد يقول البعض أن هذا التقرير لا يُضيف شيئا جديداً حول ما يعرفه الجميع عن وحشية الإستجوابات التي قامت بها الاستخبارات المركزية والظروف غير الإنسانية التي يعيشها المعتقلون، ولكن أهمية التقرير تكمن في أن هذه النتائج رسمية ومُوثّقة وصادرة عن جهة رسمية ذات إختصاص، وبالتالي تكتسب المعلومات الواردة في التقرير والنتائج التي خلص اليها مصداقية عالية، وهذا ما يُميز هذا التقرير عن التقارير الصحفية والاعلامية المستقلة التي تناولت هذا الموضوع من قبل أو حتى التسريبات التي طالت الاستخبارات المركزية، وتلقفتها وسائل الإعلام المختلفة، واستفادت منها صناعة السينما في تضمين الأفلام السينمائية مشاهد تحاكي هذه التحقيقات. 

   ومما يذكر أن صُنّاع القرار في الإدارة الأمريكية قاموا بدفع صُنّاع السينما الى إنتاج وتقديم أفلام مُوجهة تهدف الى إيصال رسالة الى الشعب الأمريكي مفادها: نحن لا نختار أن نقوم بهذه الأفعال، ولا نحبذ أن نقوم بها، ولكننا نزاولها عند الحاجة فقط، بل ومُرغمين، ولولا هذه الأفعال "القذرة" التي نقوم بها من أجلكم، لما كنتم تعيشون في أمن وسلام الآن، مستمتعين بأشعة الشمس على شواطىء البحر، وما كان أولادكم يلهون في أمان. لا تدعوا عواطفكم تتحكم بأفعالكم، ولا تصدقوا دموع التماسيح!، فمهما بلغت قساوتنا ووحشيتنا، فإنها لن تصل أبداً الى وحشية هؤلاء الإرهابيين !
ولقد سعت الإدارة الأمريكية في عهد بوش الى تبرير التعذيب بإسم الوطن، بل وحاولت أيضاً إيجاد مخارج قانونية لإستخدام التعذيب بشكل شرعي، سواءً باستخدام أراضي لا تخضع للقوانين الأمريكية، أو إستخدام محققين خاصين لا صلة للإستخبارات المركزية بهم، أو حتى الإستعانة بأجهزة مخابرات أجنبية في مراكز الإعتقال "السوداء".
   ويجب كذلك أن لا ننسى أن الإدارة الأمريكية صادرت حريات المواطنين وأجازت التنصت على مكالماتهم وأخترقت خصوصياتهم وسَنّت العديد من القوانين التي تندرج تحت ما يعرف يالأحكام العرفية، وهذا يناقض مبادىء الحلم الأمريكي القائم على أساس الحرية والديمقراطية، والقانون الذي لا يتجاوزه أحد، وصيانة الدستور.
  المشهد في أمريكا الآن يعكس الإنقسام الحاصل بين مُعسكرين، المعسكر الأول يتبنّى مبدأ إحترام حقوق الإنسان، وعدم إستخدام التعذيب في التحقيقات، إعتماداً على الأيدلوجية الأمريكية التي تقول أن إحترام القوانين، وإحترام كرامة الإنسان، هو أحد أركان هذا البلد، ومُكوّن أساسي من مكوناته، يجب الإلتزام به مهما كانت الظروف، ومهما كانت الشكوك والتي قد تصل الى درجة اليقين، وأن الإنسانية يجب أن تبقى هي السمة الغالبة في المجتمع. ويمارس أصحاب هذا المعسكر مختلف وسائل الضغط على الحكومة والمخابرات، ويطالبون بمحاكمة المُتسببين، وإغلاق مراكز التحقيق "السوداء" المنتشرة في العالم، وعلى رأسها سجن غوانتانامو.
   في حين تقول وجهة النظر الأخرى: لا قيود، لا محظور، ولا حدود للتعامل مع هؤلاء المجرمين الإرهابيين، المهم في النهاية هو الحصول على المعلومات وبأية طريقةٍ كانت، سواءً بتعذيب المتعقلين أو حتى بتعذيب زوجة وأطفال المتهمين امام أعينهم!! كلُّ شيءٍ مُباح، ما دام ذلك يصب في مصلحة الوطن، وحماية أبناء الوطن.
  وهذا الانقسام يبدأ من قمة الهرم وينتهي بالطبقة العامة من الشعب، وهو ما يُثبته تصريح "ديك تشيني" الأخير والذي يقول فيه أنه لو رجع فيه الزمن الى الوراء لأعاد إنتهاج نفس السياسات، ويقول أيضاً أن الإستخبارات المركزية قامت بما يلزم، وهذا ما يشير الى تعايش هؤلاء المسؤولين مع جرائمهم، وتقبّلهم لها بكل أريحية، بل وإيمانهم المطلق بما يفعلون.
    في نهاية الأمر، ما يؤكده الواقع أن المُعسكر الأول الذي ينادي بمراعاة حقوق الإنسان، يتضاءل وينضمر، بل وينكمش تدريجياً ليصبح مُهمشاً وغير فاعلٍ في تسيير الأمور وترجيح الكفة، وفي نهاية الأمر يتوارى عن الصورة مع أول تهديد حقيقي لأمنه وإستقراره وحياته، حتى لو كان شعوره بالأمن على حساب إنتهاك خصوصية الغير، وإستباحة أعراضهم ودمائهم، بغض النظر عن جنسية هذا الآخر أو أصوله وديانته.
   وهذا ما يثبت أن الحلم الأمريكي لا يتعدى كونه "حُلم" يتصادم مع الواقع، وغير قابل للتطبيق، الحلم الأمريكي هو "سيستم" جميل من الخارج، فارغ من الداخل، ينطبق عليه القصة الرمزيّة التي تحكي عن إفتتاح محل تجاري ضخم، مختص ببيع الدجاج في أحد الأحياء السكنية، وعند زيارة أهل الحي للمكان يتفاجئوا بروعة المكان ودقة التنظيم، ومدى الحرص على النظافة وأناقة الموظفين، بالإضافة الى وجود الإشارات التوضيحية في كل مكان: إختيار نوع الدجاج، فحص الدجاج والوزن، قسم تقطيع الدجاج، قسم المحاسبة..الخ ولكن عند محاولة أحد الزبائن شراء الدجاج المفضل لديه، يتفاجىء بالموظف يقول له: لا يوجد لدينا هذا النوع من الدجاج، في الواقع نحن لا نقدم الدجاج إطلاقاً، ولكن أود أن أسألك: هل أعجبك النظام المتبع لدينا ؟ عزيزي، ما هو رأيك ب " السيستم "؟!
الحرية الأمريكية المزعومة، يتم إختراقها من أجل الوطن، والعدالة والمساواة منحة تُوهب وتُرَد عند الحاجة، أما القانون فيتم إعادة صياغته كي يُطابق شروط المرحلة الحاضرة، أما الديمقراطية فهي لمن يستحقها، المهم في النهاية هو الإبقاء على "السيستم"!
أيمن أبو لبن
12-12-2014



الثلاثاء، 9 ديسمبر 2014

إذا أردنا أن نعرف ماذا يحصل في تل أبيب، فعلينا أن نعرف ماذا يحدث في واشنطن





هناك عبارة شهيرة للصحفي "حسني البورزان" أحد شخصيات الأديب السوري محمد الماغوط في مسلسل "صح النوم"، تقول: "إذا أردنا أن نعرف ماذا يجري في إيطاليا فعلينا أن نعرف ماذا يجري في البرازيل". وهذه العبارة التي تبدو بادئ الأمر مجرّد "إفّيه" كوميدي يستخدم في المسلسلات، إلا أنها في واقع الأمر تنُمّ عن نظرة فلسفية تحليلية عميقة، تُساعد على إلقاء الضوء على العديد من الأمور الغامضة والمُبهمة في حياتنا اليومية وفي أحوال الشرق الأوسط، بعد ربطها بأحداث بعيدة في المكان ولكنها متشابهة معها في الظروف والأحوال.


من الواضح لأي باحث في الشؤون التاريخية والسياسية، وجود قواسم مشتركة كثيرة بين نشأة أمريكا وقيام دولة اسرائيل، فمن حيث المبدأ كانت الفكرة الأساسية خلف قيام هاتين الدولتين هي تملّك أرض الغير، واستبدال شعب بشعب وثقافة بثقافة، لتحقيق الوعد الإلهي "الأرض الموعودة"، ومن ناحية التطبيق، هناك تشابه يصل إلى حد التطابق في التضحية بالآخر وقتل النساء والأطفال والأبرياء والاستيلاء على أراضي الغير وإجلاء السكان الأصليين وتهجيرهم قسراً، والحنث بالعهود والاتفاقيات، ثم تعذيب الأسرى وقتلهم، وصولاً إلى تشويه الحقائق وقلب الوقائع وتزييف التاريخ وتصوير الخصم بصورة المجرم "الإرهابي".


عند مشاهدتي لفيلم " آفاتار Avatar " قبل سنوات قليلة، لم تُبهرني الصورة المًتقنة للفيلم ولا التقنيات الحديثة المًستخدمة بقدر ما أبهرني المغزى الكامن بين سطور الحكاية واقترانه بالغزو الأوروبي للقارة الأمريكية، ولا أدري كيف استرجعت سريعاً قصيدة محمود درويش " خطبة الهندي الأحمر " التي تربط ضمنياً بين مأساة الشعب الفلسطيني ومأساة الشعوب الهندية، محمود درويش كان يدرك تماماً مدى العلاقة بين المشروعين، الحلم الأمريكي من جهة ، وإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين من جهة أخرى، والخطبة المُشار إليها هنا هي خطبة الاستسلام التاريخية التي ألقاها زعيم الهنود الحُمر عام 1854.


وكما أدرك محمود درويش الشاعر الفلسطيني أن مأساة شعبه، ما هي إلا صورة مُكرّرة عن مأساة الشعوب الهندية، لم يكن غريباً أن يدرك أحفاد الشعب الهندي هذه الحقيقة، ونستدل على ذلك بقول أحد نشطاء الهنود الحاليين:

"هذه واحدة من الإبادات الكثيرة التي واجهناها وسيواجهها الفلسطينيون، إن جلاّدنا المُقدّس واحد"


من المهم لنا أن ندرك أن العلاقة بين أمريكا وإسرائيل تتعدّى حدود السياسة ولعبة المصالح المشتركة لتصل إلى العقيدة الفكرية "الأيديولوجيا" المشتركة بين من يحكم واشنطن ومن يحكم تل أبيب ، خصوصاً عندما نعلم أن "جورج واشنطن" الرئيس الأمريكي الأسبق كان أول من أسس فكرة الاستيطان واستقطاع الأراضي من أصحابها الأصليين وإعطائها للمستعمرين والتوسع داخل أراضي الغير بقصد دفعهم الى الهروب والتخلّي عن أراضيهم، ومن ثم تبدأ جولات من المفاوضات الماراثونية التي يتم فيها إعطاء وعود "بعدم التمدّد" أكثر والالتزام بخط الحدود الجديدة، ثم ما تلبث هذه الوعود أن تسقط وتتداعى كأوراق الخريف وهكذا دواليك. ألا يتطابق هذا حرفياً مع ما يحدث حالياً في الضفة الغربية ؟!


يقول أحد زعماء الهنود عن الرئيس الأمريكي "جورج واشنطن" تحديداً ما يلي:


" يا أخوتي، لقد سمعتُ من الأب الأعظم أحاديث بديعة، لكنها كلها كانت تبدأ وتنتهي:


إنزح قليلاً فأنت قريبٌ مني!"


من المهم أن ندرك أن الإدارة الأمريكية ترى في دولة إسرائيل نسخة حديثة عنها وامتداد طبيعي لها، وكأنها تنظر إلى ألبوم صور طفولتها، وإن أي تهديد لإسرائيل أو زعزعة للكيان الصهيوني يعني تلقائياً زعزعة الحلم الأمريكي وأحقيّته في الوجود، وهذا بالضبط ما يخشاه البيت الأبيض ويدفعه الى الدفاع المستميت عن وجود إسرائيل وأحقيّة اليهود في إقامة دولتهم المزعومة، الأمر من وجهة نظري يتعدّى بكثير نفوذ اللوبي الصهيوني والسيطرة الإعلامية لليهود، ودعم أصحاب رؤوس الأموال المتنفذين في أمريكا للمشروع الصهيوني.


يجب علينا أن لا نغفل كذلك عن حقيقة أن الموروثات السلوكية تنتقل من جيل الى جيل عبر الزمن، وهي عبارة عن خزّان مليء بالتجارب والخبرات يلازمنا عندما نأتي الى هذه الحياة ونتأثر به ويصبح عاملاً أساسياً في تكوين شخصياتنا دون أن نشعر، وهذا هو جوهر نظرية "الميراث النفسي" للعالم "كارل يونج"، وبناءً على هذه النظرية فإن جميع الأفكار التي آمن بها جورج واشنطن والمستوطنون الأوائل لقارة أمريكا ما زالت تسري في عروق الأمريكان في هذا العصر، وهذا ما تعكسه الحقائق على أرض الواقع، ونجده واضحاً للعيان من خلال تاريخهم الحديث مهما حاولوا تجميل حضارتهم.


أدعوكم في النهاية إلى قراءة واقتناء كتاب "أمريكا والإبادات الجماعية" للكاتب السوري منير العكش، والذي يحتوي على توثيقات تاريخية وتفصيلات مهمة عن نشأة أمريكا، وتاريخها الدموي ويُعتبر من أهم الكتب التي تميط اللثام عن زيف الحلم الأمريكي وقباحته، وأختم مقالي ببضع كلمات وردت في خطبة الهندي الأحمر قبل 160 سنة:

"كيف نستطيع أن نبيع أو نشتري السماء ودفء الأرض؟ ما أغرب هذه الأفكار! كيف نبيع حبّات الماء ونحن لا نملكها؟ كل شبر من تراب هذه البلاد مقدّس عند شعبي .... لا بدّ أن تُعلّم أبناءكَ (أبناء الرجل الأبيض) أن أديم الأرض تحت أقدامهم من رُفات أجدادنا، بذلك يحترمون الأرض، علّمهم ما عَلّمنا أبناءنا أن هذه الأرض أُمّنا وأن المكروه الذي يصيبها سوف يصيب أبناء الأرض، إذا بصق الإنسان على الأرض فإنما يبصق على نفسه"



أيمن أبولبن

5-12-2014


رابط المقال على القدس العربي

الأحد، 30 نوفمبر 2014

عيد الشكر، القصة التي لم تُروَ



إحتفل الأمريكان قبل يومين بعيد الشُكر  Thanksgiving"، والذي يصادف يوم الخميس الأخير من شهر نوفمبر من كل عام، وهي مناسبة يستذكر فيها المواطن الأمريكي أجداده الإنجليز القُدامى الذين إكتشفوا القارة الأمريكية وسبروا أغوارها وحرثوا أرضها ونعموا بخيراتها، وإحياءً لمناسبة أول موسم حصاد بعد وصول الإنجليز الى أراضي أمريكا، تجتمع العائلة الأمريكية في هذا اليوم من كل عام على مائدة العشاء وتتناول طبقَ الديك الرومي " Turkey bird " الذي يذبحونه قرباناً الى الله بهذه المناسبة، ولا يبقى مع نهاية هذا اليوم سوى ديك رومي واحد على قيد الحياة يتم تقديمه للرئيس الأمريكي الذي يعفو عنه ويُبقي على حياته.



كان المُكتشفون الأوائل للقارة الأمريكية يُسمّون "الحُجّاج" فقد كانوا يعتبرون هذا العالم الجديد بديلاً عن أورشليم والأرض المُمقدّسة لذلك أسموه بادىء الأمر "بلاد كنعان"، ومن هنا جاء الجانب الديني لهذه المناسبة وهو شكرهم لله على نجاتهم من ظُلم "فرعون بريطانيا" ونجاتهم من رحلة التيه في البحر ثم وصولهم إلى "أرض الميعاد".
   لقد علّمتنا الحياة أن التاريخ يكتبه المنتصرون، وأن لكل رواية أو حكاية، هناك قصة لم تُروَ، تُمثّل وجهة نظر الضحية، وعادةً ما تكون هذه الرواية هي الجانب المُظلم الذي يحاول المنتصر اخفاءه، فما هي حقيقة "عيد الشكر" لو قُدّرَ للضحية أن تروي قصتها، والضحية هنا، هو بالتأكيد ذلك الرجل الهندي مالك الأرض الأصيل، الذي تم إجلاؤه وتصفيته والتضحية بسلالته كي ينعم الرجل الأبيض القادم من رواء البحار، بخيرات هذه القارة.
 لقد وصل "الحُجّاج" بادىء الأمر الى مدينة بليموث في ولاية ماساتشوستس، حيث أنقذهم الهنود من الموت جوعاً وأولموا لهم، وهذه الوليمة أصبحت فيما بعد "عيد الشُكر" في حين أن الهنود كانوا يحتفلون بها قديماً بمناسبة بدىء موسم الحصاد، لقد قام الهنود الأوائل بتعليم "الحُجّاج"  زراعة الذرة والحبوب، ومهارات صيد السمك وكيفية تسميد الأرض، حيث لم يكن لدى هؤلاء الغزاة أدنى فكرة عن الزراعة وفلاحة الأرض أو إستخراج خيراتها، بل أن عدداً لا بأس به منهم قد مات بعد وصولهم الى القارة الأمريكية نتيجة الجوع، ولم ينقذهم سوى مساعدة أصحاب الأرض الأصليين، الذين مدّوا للمستوطنين يد المساعدة وشاركوهم أرضهم وخيراتهم الطبيعية، فماذا كانت النتيجة سوى عضّ اليد التي قدمت لهم العون، وإبادة أصحاب الأرض عن بكرة أبيهم !!
   عندما تبحث في أوراق التاريخ، ستصاب بالذهول حين تعلم أن الهنود كان تعدادهم 18 مليوناً تقلّصوا جراء الإجتياح الأوروبي والبريطاني الى رُبع مليون فقط، لقد أصبحوا أثراً بعد عين بعد إستخدام جميع أنواع الإبادات الجماعية التي تخطر على عقول البشر ، وعلى سبيل المثال لا الحصر: الإبادة الجرثومية ونشر الأمراض، إقتلاع الأشجار، حرق البيوت والأراضي وقطعان الماشية،القضاء على سكان بعض القرى بالكامل وتهجير  البعض الآخر إلى مناطق بعيدة قاسية المناخ، أو حبسهم في معتقلات لا تتوافر فيها أدنى شروط المعيشة الإنسانية وتعرضهم للتصفية الجسدية المُمنهجة.  
من سخرية القدر ومن المُضحك المُبكي، أن يتم تصوير أمريكا على أنها " بلد الهجرة والأمل وتعدد الأعراق والمعتقدات والحرية والدستور وميثاق حقوق الإنسان" وأن تصبح الهجرة الى أمريكا أقصى أحلام هذا الجيل، متناسين أن هذا الغزو هو الأصل لكل تاريخ أمريكا، وأن تاريخ أمريكا يعيد نفسه، من جرائم الحرب في هيروشيما وناغازاكي الى عملية العنقاء في حرب فيتنام عام 67 (قام الجنود الأمريكان بقطع رؤوس عشرين ألف من الفيتكونغ المعتقلين)،مروراً بجرائم الحرب في العراق وسجن أبو غريب، إلى آخر القائمة التي تقطر دماً.
لقد وصل بهم الأمر الى شن حملة " تذويب ثقافي" لطمس كل ملامح "الهنديّة" من الهنود، بل إنهم حاولوا "عَقر" النساء الهنديات في سبعينات القرن الماضي وقد نجحوا في الوصول الى ما يقارب 40% من النساء قبل ان يتم إكتشاف هذا البرنامج وتوقيفه بعد التستر على القائمين عليه كالعادة.وما  تسمية الأشياء بمُسميّات هنديّة مثل "توما هوك" أو "تشيروكي" إلا تعبيرٌ لا إراديّ عن عقدةٍ دفينةٍ لديهم تطاردهم، وستستمر في ملاحقتهم عبر العصور مُتنقلةً من جيلٍ إلى جيل،
لقد تصور الأمريكان، أنهم في حلٍ أخلاقي وإنساني من جرائمهم لمجرد اختلاف الخصم بثقافته، لقد أعتبروا الآخر  متوحشاً ويجب التضحية به كي تستمر الحضارة الراقية وتنتشر في العالم، لقد أسقطوا على خصومهم على مرّ الزمان، أسوأ خصالهم هُم، ونعتوهم بأنهم أرهابيون يجب إبادتهم حتى تسلم البشرية والحضارة العالمية من وبائهم، وهذا هو ديدنهم منذ نشأتهم وحتى الآن، إن تكرار هذه الجرائم البشعة لم يكن عبثياً بل هو ضرورة من ضرورات إستمرارية ما يُسمّى بالحُلم الأمريكي.
أختم مقالي  بكلمات كتبها أحد أحفاد الهنود بمناسبة عيد الشكر عام 1970 في مدينة بليموث، وتم منعه من القاء كلمته بعد عرضها على لجنة الإحتفال:
((هذا يومُ عيدٍ لكم وحدكم، إنه ليس عيدي، انني أنظر إلى ما حدث لشعبي بقلبٍ مُنفطر، فبعد يومين أو ثلاثة من وصول الحُجّاج ، بدأوا بسرقة قبور أجدادي، ونهب ما لديهم من ذرة وقمح وحبوب، لقد شاهد قائد شعبي ما فعله الحُجّاج ، ومع ذلك فإنه هو وشعبه رحبوا بالمستوطنين وأبدوا لهم خالص الود، لم يكن يعلم أن الحُجّاج بعد أقل من خمسين سنة سوف يبيدون الشعوب الهندية وسوف يقتلونهم بالبنادق أو بالأمراض...... إنني حزين وهذا ليس عيدي))
أيمن أبولبن

29-11-2014

الاثنين، 24 نوفمبر 2014

سر عداء هتلر لليهود، وهل عدو عدوي هو صديقي بالضرورة ؟




   من المعروف للجميع مدى العداء الذي ناصبه هتلر لليهود، وما المحرقة النازية لليهود "الهولوكوست" إلا عارضٌ لهذا العداء، ولكن السؤال الغامض والذي حيّر الكثيرين ما هو السر وراء هذا العداء ؟!

   كعادة التاريخ، لا توجد أجوبةٌ واضحةٌ ومحددة لكثير من الأسئلة الغامضة والمحيرة، ولكن بالعودة إلىى كتب التاريخ وخصوصاً فيما يتعلق بتوثيقات الحروب العالمية، نجد أن هذا العداء الواضح للعيان ما هو إلا نتيجةٌ لعداءٍ فكريٍ خفي بين مدرستين حاولتا السيطرة على العالم وموارده الإقتصادية والبشرية أملاً في تحقيق حلم "العالم الجديد"  على شاكلة الحلم الأمريكي المعاصر، ونحن هنا نتحدث عن الشيوعية بإتخاذها شعار "الطبقة العاملة" والنازيّة وتبنّيها لنظرية "العِرق الآريّ". ولكن ما هو دور اليهود هنا ؟!

    تأثّر هتلر في شبابه بالفيلسوف الألماني "كارل ريتر" مؤسس نظرية "سيادة العِرق الآريّ" التي إنبثقت عنها فكرة النازيّة، وقد إعتبر ريتر أن الشيوعيّة هي أكبر خطر على البشريّة أو بمعنى أدق هي أكبر خطر على مشروع السيادة الألمانية للعالم، وبسبب تعمقه الكبير في دراسة التاريخ والعلوم السياسيّة فقد بنى قناعة تامة بأن اليهود هم من أسسوا حركة الماسونيّة العالمية التي يسيطر عليها أصحاب رؤوس الأموال العالميين -وجُلّهم من اليهود- بهدف إقامة دولة عالمية شاملة تأتمر بأمرهم، وذهب ريتر الى أبعد من ذلك حين أعلن أن الشيوعية هي ألعوبة وصنيعة ماسونية يهدفون من خلالها الى نشر الفكر الإلحادي وفض عروة الأديان لتسهيل جمع الإنتماءات للحركة الماسونية بغض النظر عن العِرق والدين والجنس لتحقيق الهدف النهائي وهو السيادة على العالم، مُشيراً إلى أن كارل ماركس مؤسس نظرية الشيوعية وصاحب كتاب "مبادىء الشيوعية" هو يهودي الأصل.

   كانت فلسفة كارل ريتر تعتمد بشكل أساسي على العداء لليهود والشيوعية وتمجيد العِرق الآري ، وكان يهدف الى تأسيس الحركة النازية من خلال إقناع الشعب الألماني بتفوقه على الأجناس البشرية الأخرى أو الأجناس الساميّة ( نظرية العِرق الألماني السيّد )، والتركيز على ان المانيا هي وحدها القادرة على حماية العالم من خطر الشيوعية، وقد إقترح في رؤيته أن يتم إخضاع دول أوروبا لسيطرة المانيا إقتصادياً ثم عسكرياً وأن يتم إنشاء طابور خامس في هذه الدول مهمته التمهيد للسيطرة الألمانية ومجابهة التنظيمات السريّة الأخرى وعلى رأسها الشيوعية ، وكان الهدف النهائي هو القضاء التام على الشيوعية واستئصال شأفة العِرق اليهودي عن بكرة أبيه، وهذا ما حاول فعله هتلر وفشل فيه في الأمتار الأخيرة من الحرب.

  ولو تَتبّعنا تسلسل الأحداث التاريخية نجد أن هتلر الذي نشأ يتيماً وعاش في فقر ٍ وأوضاعٍ معيشيةٍ صعبة وعانى من الازدراء والدونيّة ، قد رأى في الجيش الألماني طوق النجاة الذي يبحث عنه، فتطوّع فيه ليخوض غمار الحرب العالمية الأولى ظنّا منه أن المانيا منتصرة لا محالة، ولكن ظنه خاب وعانى الأمرّين من هزيمة المانيا وإستسلامها، وكانت هذه الهزيمة هي البداية الحقيقية لهتلر في عالم السياسة، الذي دخله لتحقيق أطروحة كارل ريتر التي اقتنع بها وآمن بها حرفياً، وبهذا نستطيع القول أن النازيّة كانت على خلاف متجذّر مع الشيوعية ومع اليهود حتى قبل نشأتها.

    ولعل السبب الرئيس وراء فضولي في البحث عن سر العداء الخفي بين هتلر واليهود، هو الإجابة عن سؤال عمّا إذا كان هتلر عدواً لليهود وصديقاً للعرب والمسلمين، خصوصا وأن الدولة العثمانيّة تحالفت مع المانيا في الحرب العالمية الأولى، والجواب القاطع هو لا، فالأيدولوجيّة التي تجرّعها هتلر تقضي بالعداء للجنس السامي ككل، بل إنه يمجد العِرق الآري ويؤمن بسيادة العِرق الألماني للعالم،ويحتقر كل ما هو دون ذلك ناهيك أن معتقدات هتلر  تخالف معتقداتنا كعرب ومسلمين،بل إنها تخالف ناموس الكون، ومن الخطأ الوقوع في فخ الإعجاب بما فعله هتلر باليهود لمجرّد أننا في حالة عداء وحرب مع دولتهم المزعومة.

  هناك فرق كبير بين محاربة الفكر الصهيوني (فكرة إنشاء وطن قومي لليهود على أرضنا) ومحاربة اليهود بناءً على خلفيتهم الدينية أو العِرقية – والذي نشترك معهم فيه على كل حال- ، فليس من حق أحد إفناء جنس أو جماعة دينية أو عِرقية، أو حتى حرمانها من حقوقها المتساوية مع بقية البشر.

  ما دفعني الى الكتابة في هذا الموضوع، هو هذا الهوس المنتشر في شبكات التواصل الإجتماعي في عالمنا العربي حول هتلر وما فعله باليهود، وكيل الثناء والمديح له وكأننا نشاطره نفس الأفكار والعقيدة، ألا تكفينا كل المصائب التي ارتكبناها بإسم الإسلام، لنبحث عن جرائم الإنسانية في الغرب ونتغنّى بها ونحن لا ناقة لنا فيها ولا بعير ؟!

أيمن أبولبن

16-11-2014

الثلاثاء، 18 نوفمبر 2014

كان "أبوعمار" أكثرَ شيءٍ جدلا !

في الذكرى العاشرة لوفاة "الختيار"


كان "أبوعمار" أكثرَ شيءٍ جدلا !


هناك عبارة شهيرة حُفرت في ذاكرتي منذ نعومة أظفاري وعايشتها انا شخصياً "الفلسطيني يولد فتحاوي على الفطرة" وهذا بالفعل كان حال أغلب الفلسطينيين صغاراً وكباراً، في الوطن والشتات ، ما لم يكن هناك تجربة خاصة في أحد التنظيمات الأخرى او لأحد المؤثرين على قرار هذا الفلسطيني -وبالأخص من المقربين جداً- فإن ميوله ستكون فتحاوية بالفطرة، وبهذا تكتمل المقولة " ما لم يُحزّبه أحد !"
  
منذ نعومة أظفاري وأنا أنظر ل "فتح العاصفة" بأنها المُمثل الشرعي والوحيد للمقاومة الفلسطينية ، وكان أبو عمّار بالنسبة لي هو ذلك القدّيس الذي إقترن بالقضية ونسي كل ملذّات الحياة، وكانت صورته بالكوفية الفلسطينية رمزاً للبطولة والكفاح الفلسطيني، كانت تختزل في داخلها كل الفلسطينيين وكل المقاومين، كان أبو عمّار بالنسبة لمعظم الفلسطينيين ، الأب الحاني الذي يجمع لمّ كل الفصائل وكل التيّارات تحت جناحيه.

  مع إنطلاقة الانتفاضة الأولى كنت ما زلت فتىً غضاً في المرحلة الثانوية من المدرسة، أذكر أني ذهبت إلى حفل في قصر الثقافة – في عمّان- لدعم الإنتفاضة وتخلّل الحفل إلقاء بعض القصائد الوطنيّة، كان الجو مشحوناً بالمشاعر الثوريّة والحماسة منقطعة النظير،تقدّم أحد الشعراء وقال : ((هذه القصيدة مُهداة للفلسطيني المُقاوم، للمواطن الفلسطيني البسيط، ليست لرمز معين أو قائد، أو.. أو.. )) . إستغرب الحضور ما قاله الشاعر ولكن مع القائه للقصيدة إستحضرت في داخلي صورة الرمز " أبو عمّار " –دون أن أدري- ولم أجد في ذلك أي ضير، فلم يكن هناك أي فرق بالنسبة لي بين المُقاوم الفلسطيني البسيط "الذي يقصده الشاعر" وبين الرمز والقائد أبو عمّار ، ويبدو أن باقي الحضور ذهبوا الى أبعد مما ذهبت أنا ، فبدأوا بترديد الهتافات لأبي عمّار في المسرح، توقف الشاعر قليلاً ثم قال : ((أقول ثانيةً هذه القصيدة ليست لقائد معين بل هي لكل فلسطيني يقاوم بحجر، مع إحترامي لكل القادة )). كان هذا الشاعرُ ذكياً بما يكفي كي يدرك تلك المتلازمة في ذهن الجمهور والفلسطينيين بشكل عام بين القائد الرمز وصورة المُقاوم ، ولكن الجمهور - وأنا منهم - كان ساذجاً بما فيه الكفاية لإختزال كل النضالات والعذابات والتضحيات في صورة شخصٍ واحدٍ أحد !.

   للحقيقة لم تتغير هذه الصورة النمطية في ذهني سوى مع مؤتمر مدريد، أصبحت أرى الأمور بمنظورٍ مختلف وأهتزت صورة القائد البطل والرمز ، بل وصورة المنظمة بشكل عام و"فتح" بشكل خاص، وبدأت لأول مرة أتساءل عن التناقض بين المبادىء الوطنية والميثاق الوطني وعن "فلسطين من البحر الى النهر" ، وبين ما أسمعه وأراه من تنازلات وتفاهمات وإعترافات .....الى آخر القائمة، ولكن الصدمة التي أذهلتني ومزّقت كل ما يخص تلك الصورة النمطية في ذهني ، كانت صدمة أوسلو، فقد كانت بحق "شعرة معاوية" بالنسبة لي، وكان حالي يومها ينطبق عليه قول الشاعر :
يا فُؤَادِي لَا تَسَلْ أَيْنَ ٱلْهَوَى
 كَانَ صَرْحًا مِنْ خَيَالٍ فَهَوَى
اِسْقِنِي وَٱشْرَبْ عَلَى أَطْلَالِه

  
   قبل أيام قليلة، مرّت الذكرى العاشرة لوفاة " أبو عمّار " ، وكانت هذه المناسبة مُنازلةً بين فريقين الأول يرى " أبو عمّار " في صورة القائد المُلهم الذي حفظ القضية من النسيان وجعلها حاضرةً في المحافل الدولية، ووقف في وجه كل المؤامرات لتصفية القضية وانهائها ، وكان هو الفدائي الأول وصاحب الطلقة الأولى ، وهو من قاد الكفاح المسلّح وأبقى على الآمال بتحقيق الحلم الفلسطيني  وهو ذلك الناسك الذي مات وهو لا يملك سوى بدلة عسكرية "مرثيّة "، وهو الذي حمل همّ القضية أينما حلّ ، ومات مغدوراً لأنه كان شوكةً في حلق أعدائه.

  ويرى الفريق الثاني أنه خائنٌ تخلّى عن مبادئه وتنازل عن ثلاثة أرباع الوطن واعترف بدولة العدو وبيهودية الدولة، بعد أن شارك في تصفية كل زعماء المقاومة وبقي هو وحيداً على شاكلة "البطل" في أفلام هوليوود، وكان سمساراً يتاجر بالقضية ، وبنى ثروةً تُقدّر بالمليارات لا يعرف أحدٌ مصيرها الى اليوم ، الى آخر القائمة من التهم.
    
شخصياً أعترف أني لم أعايش ولم أقرأ عن شخصية جدليّة حيّرت الملايين بقدر "الختيار"  فتارةً تسمع أنه يهوديّ ابن يهودية ولد في حارة اليهود، ثم تسمع أنه ناسكٌ متعبدٌ يقوم آناء الليل ويُسبّح أطراف النهار، والأطرف من ذلك أني قرأت عن أحد القساوسة الأجانب أن عرفات في آخر سنين عمره كان مهتماً جداً بالتحول الى المسيحية ، وأنه قرأ كثيراً عن تعاليم الدين المسيحي وعن "الخلاص" ، ويقول هذا القسيس أنه يأمل أن يرى أبو عمار في الجنة، هذا على إعتبار أن القسيس يبدو واثقاً من دخوله هو الجنة !

المشكلة أن كل صاحب وجهة نظر لديه مجموعة كبيرة من التوثيقات والشهادات الحيّة والمعاصرة لحياة أبو عمار، وليس مجرد كلاماّ في الهواء وهذا دليل على مدى غموض شخصية أبو عمار ودهائه وحنكته، سواء إتفقنا معه أو اختلفنا، وسواء رأيناه بصورة ملاك أو شيطان !!

  بعيداً عن كل هذا ، لست أهدف عبر هذه السطور الى كشف حقيقة أبو عمار أو القاء الضوء على معلومات خافية عن القارىء، بقدر ما هو تعبيرٌ عن الضجر والضيق من تطرّف الفريقين في تناول شخصية أبوعمار وإعطائها أبعاداً خارج إطار الإنسانية، في النهاية لنا أن نختلف أو نتفق مع هذا الرئيس الراحل ولنا أن نلومه ونهاجمه أو  أن نؤيده ونحزن لفراقه، ولكنه في النهاية أدّى دوره ومضى ، ولن يفيد القضية في شيء، إثباتُ أنه بطل أو خائن ، والأهم من ذلك أن علينا التخلّص من عقدة "الشخصنة" والبحث الدائم عن الرمز والقائد الأسطورة في شخص إنسان، فنحن في النهاية بشر لا نملك الكمال ولا العصا السحرية ، لسنا بإنبياء ومُخلّصين ، الى متى سنبقى عاكفين على رموز نحن صنعناها ومجّدناها فأصبحت بديلاً عن الدين و الوطن و التاريخ والهوية !! القضية الفلسطينة أكبر بكثير من الوقوف عند أبو عمّار ، فإذا كان أبو عمّار بطلاً فإن فلسطين ولاّدة ولن تعجز نساؤنا على إنجاب غيره، وإذا كان مجرماً وخائناً فأروني ماذا صنعتم أنتم للقضية ؟!

   أما آن لنا أن نخرج من إطار تأليه الزعماء أو شيطنتهم ؟! فاذا كان هناك نصرٌ أو نجاح، نسبنا هذا النصر العظيم للقائد العظيم الذي لولاه لما انتصرنا، وإذا فشلنا أو خسرنا معركة علّقنا فشلنا وخيبتنا على شمّاعة هذا الزعيم الخائن العميل !! متى سيكون لنا وأتحدث هنا عن العالم العربي بشكل عام، متى سيكون لنا مؤسسات وطنية واستراتيجيات واضحة بعيداً عن التفرّد والزعامة والحزب الواحد والصوت الواحد والجريدة الواحدة ؟! متى سنتخلص من عقدة " الزعيم" التي تلاحقنا حتى في ثوراتنا على الزعامات !!!
أيمن أبولبن

17-11-2014