تشير تسريبات "سنودن"
بكل وضوح وصراحة أن تنظيم الدولة الاسلامية ما هو الا صنيعة مشتركة للمخابرات
الأمريكية والبريطانية والاسرائيلية، فيما تبدو الأهداف من زرع هذا التنظيم في قلب
الشرق الأوسط عديدة ومتنوعة ولا تقتصر على إشعال الاقتتال الطائفي في المنطقة،
فيما تشير التسريبات الى أن خليفة التنظيم "أبو بكر
البغدادي" قد تلقّى تدريبات مُكثّفة على مدار عام من
قبل الموساد لتمكينه من تنفيذ مهمته التي أُطلق عليها اسم "عُش
الدبابير" نسبة إلى المنظمة التي ستسقطب المتطرفين
الاسلاميين من جميع دول العالم.
وبالعودة الى الظروف
الغامضة التي رافقت نشوء هذه الجماعة المتطرفة، وتسلسل الأحداث على أرض الواقع،
نجد أن هذا التنظيم لم يُفلح في تحقيق أي من الأهداف التي ادّعى أنه يناضل من
أجلها، بل على العكس تماماً كانت النتائج تصب دائماً في مصلحة الأنظمة
الديكتاتورية في المنطقة وبالتالي تصب في مصلحة اسرائيل، فبعد سلسلة من التظاهرات
السلمية للقبائل والعشائر السُنيّة في العراق التي عانت الأمرّين من جبروت المالكي
وتعنّته الطائفي، وبعد أن بات من الواضح أن الأمور فلتت من قبضة المالكي، وأن رياح
التغيير قادمة لا محالة، أخذ تنظيم داعش زمام المبادرة وقام بمصادرة إرادة القبائل
السنية وتصدّرَ الأحداث لمواجهة المالكي "عسكرياً"
وبهذا انقلبت الأمور 180 درجة، خسرت العشائر السنيّة ورقة الثورة السلمية، وخسرت
تأييد المتعاطفين من حولها، ثم وجدت نفسها محصورةً في خندق داعش والتطرف دون أن
يكون لها باقة ولا بعير، وعلى الجهة المُقابلة قام الغرب بتسليح الجيش العراقي ليزداد
قوةً في مواجهة داعش، كما أعطى الضوء الأخضر لإيران "وحلفائها"
للتدخل عسكرياً في العراق والحد من خطورة داعش ، ليس هذا فحسب بل لاقت هذه الخطوات
إستحساناً من دول وشعوب المنطقة على حد سواء، وبهذا تغلغل نفوذ إيران والجماعات
الشيعية المتطرفة في العراق، وأزدادا الأمر سوءاً على الجماعات السنيّة.
خلال الشهور الماضية تم إمداد
الأكراد وقوات البشمركة بالعتاد والعدّة على مرأى ومسمع الجميع، دون أن يعترض أحد،
ودون أن تثور ثائرة المنظمات الدولية، أومجلس الشيوخ الأمريكي، وأحزاب المعارضة
هنا وهناك، الا يتبادر للأذهان سؤالٌ مُحير، منذ متى تقوم أمريكا بتزويد ميليشيات
مًسلّحة "غير نظامية"
بالسلاح علناً وعلى رؤوس الأشهاد، دون إعتراض أو حتى إستفسار ؟!
أما في سوريا، ففي الوقت
الذي كانت فيه الثورة السورية تحقق مكاسب على الأرض، وتُنشىء علاقات "حُسن
جوار" مع المدنيين والأهالي في المدن والقُرى المًحررة، ظهرت الجماعات
الإرهابية وعلى رأسها داعش لتصبح وبالاً على السوريين وتذيقهم أشد أنواع التنكيل
والتعذيب مما أنساهم مرارة الواقع الذي عاشوه تحت حكم الأسد، وأدى في النهاية الى
كُفرهم بالثورة السورية ولعنهم اليوم الذي انطلقت فيه شرارة الربيع العربي، خسرت
الثورة السورية الكثير من التأييد والتعاطف بسبب داعش، وحقق النظام الكثير من
النقاط الحاسمة على مستوى المجتمع الدولي والسياسة الخارجية، ليس هذا فحسب بل قامت
بعض الفصائل التي انشقت عن الجيش السوري بإعادة المناطق التي تسيطر عليها للجيش
السوري من جديد -بعد التعهد بالعفو عنهم-، حتى لا تسقط هذه المناطق في يد داعش !
ومن المثير للجدل
والدهشة، ما يحصل من تنسيق أمني بين قوات النظام السوري وقوات داعش، ومن الأمثلة
الأكثر شيوعاً على ذلك، حين تخوض القوات النظامية معارك ضارية مع الجيش الحر، تبقى
داعش خارج دائرة الصراع، وما أن تنسحب القوات السورية من منطقة المعارك، حتى
تدخلها داعش، لتحرق الأخضر واليابس وتروّع الأهالي وتشردهم وتدحر الجيش الحر،
وهكذا دواليك !
من أطرف الأخبار التي
سمعتها، أن داعش تبيع النفط السوري والغاز من المناطق التي تسيطر عليها للحكومة
السورية، وتقوم الحكومة السورية بدفع أثمان هذا النفط عبر وسطاء، أو عبر إتفاقات
سريّة مع التنظيم مقابل خدمات عسكرية ميدانية مُتبادلة بين الطرفين. وهكذا تتحقق
مصلحة مشتركة بين الطرفين من وجهة نظري، داعش تُزوّد الحكومة السورية بالبترول حتى
تستمر في مزاولة أعمالها، والحكومة السورية تموّل داعش للقضاء على ما تبقّى من
الثورة السورية !
بالنظر الى ما تُحقّقه
داعش على الأرض، يَسهُل علينا أن نُدرك الأهداف من زرع هذا التنظيم، ومعرفة من
المُستفيد من وجود هذا التنظيم، ومن ثم نستطيع أن ندرك، أن الحرب المزعومة على هذا
"البُعبُع" ما هي الا حصاد لما تم زرعه،
ومحاولة قطف الثمار التي نضجت كما قال الحجاج : (اني أرى
رؤوساً قد أينعت وحان قطافها)، فأمريكا اليوم تُعلنها
صراحةً أنها تدعم المعارضة المعتدلة في سوريا وأنها لن تسمح بقيام أي تنظيم أو أي
دولة تُهدد حلفاءها في المنطقة "وعلى رأسهم اسرائيل"
فأمريكا هي من تحدد ما هو تعريف الارهاب ومن هو الارهابي المتطرف، ومن يمثل الطرف
المُعتدل كذلك، أما أهداف الحرب على داعش فسوف تتّسع لتشمل كل ما هو ارهابي من
وجهة نظر أمريكا، في تمهيد لانهاء الصراع في سوريا واقامة نظام ديمقراطي مدني
"شكلي" تشترك فيه كل الأطياف "بما
فيها حزب البعث" ولا يكون فيه خاسر والأهم أن لا
يكون هناك أي مُنتصر.
في الحقيقة لا تُقلقني الحرب
على الارهاب، بقدر ما يُقلقني أن الشعب السوري لم يستطع أن ينتصر في معركته لا
سلمياً ولا عسكرياً -لأسباب خارجة عن ارادته-، وأن السبيل الوحيد لتغيير نظام
الحكم في البلد هو لبس عباءة الأمريكان، وإن حصل هذا فسيكون المسمار الأخير في نعش
الربيع العربي،
أيمن أبولبن
30-09-2014