الجمعة، 25 نوفمبر 2011

الحب من أول نظرة



   
هذه المقولة القديمة والتي باتت إرثاً من موروثاتنا الشعبية، وأصبحت مثلاً مستخدماً في حياتنا اليومية، تكاد تكون واحدة من أهم النظريات التي تم البناء عليها وتطويرها ليتم إستخدامها في الكثير من المجالات المهمة في حياتنا .

   هل فكرنا يوماً في أبعاد هذه المقولة ومدى صدقها !؟ دعونا نفكر فيها قليلاً وببعض العمومية، بحيث لا نحصرها في حالة " الحب ". أكاد أجزم أننا جميعاً عشنا مثل هذه الحالة ولو لمرة واحدة في حياتنا، ألم يصدف أننا قابلنا شخصاً لأول مرة وشعرنا بالقبول الداخلي لهذا الشخص بغض النظر عن كونه رجلاً أو امرأة، وبغض النظر عن العمر ايضا، ألم يحصل اننا شعرنا بشعور غريب نحو شخص ما، ورغبنا في التعرف عليه أكثر والتقرب منه .

   وعلى الجانب الآخر، ألم نصادف أحياناً أشخاصاً وشعرنا تجاههم بمشاعر سلبية، قبل أن نفتح أي حوارٍ معهم !!؟؟

   هذه الحالة تُعرف بحالة تحليل الشخص المقابل بناءً على شخصيته او الكاريزما التي يتمتع بها، وياستخدام أدوات تحليلنا الشخصية دون أن نشعر، فنحن نقوم بالتقاط اشارات معينة من الاشخاص المحيطين بنا ومن أهمها نظرات العيون، حركات الجسد، تعبيرات الوجه، وحالة الشخص العامة سعيد مبتهج، عبوس … الخ، ونقوم بارسال هذه الاشارات الى الدماغ ليقوم بتحليلها، ومن ثم ارسال النتيجة، وهذه النتيجة اما أن تكون اشارات ايجابية، بأن هذا الشخص مقبول، هذا الشخص متوافق تماماً مع موروثاتك الاجتماعية والشخصية وتستطيع ان تتفاهم معه، أو اشارات سلبية مفادها أن هذا الشخص غير مُرحب به، بمعنى أن هذا الشخص وبناء على تحليل شخصيته لا يتوافق مع سماتك الشخصية، ولن يشكل حالة تجاذب او تناغم معك .

   وبناءً على هذه الرسائل الدماغية، نشعر نحن بهذا الشعور الغريب الذي ذكرته في البداية، وهو ما يؤدي الى تشكيل حالة " الحب من أول نظرة " أو لعلها تكون "الرفض من أول مرة" ، أليس ذلك غريباُ بعض الشيء !؟ وفي الحديث الصحيح : " الأرواح جنود مجندة . فما تعارف منها ائتلف . وما تناكر منها اختلف "
  
 ولكن من أين يأتي الدماغ بالمعايير المستخدمة في عملية التحليل !؟ باعتقادي الشخصي أن جانباُ كبيراُ من هذه العملية ما يزال غامضاً بالنسبة لنا، ولكني أعتقد أننا نلعب دوراُ كبيراُ هنا دون أن نشعر، فكل شخص فينا يقوم بتحديد السمات الشخصية التي ترضيه على مدار تجاربه في الحياة، أي أن عقلنا الباطن يقوم وعلى مدار الساعة بتخزين كافة المعلومات والاشارات ومشاعرنا الايجابية والسلبية تجاه الأشخاص والبيئة المحيطة بنا، ويقوم بتحليلها واستخلاص النتائج، ومن ثم تخزينها، ليقوم باستدعائها حين الحاجة .

   وبناءً عليه فمهارتنا في قراءة وتحليل الشخصيات التي تحيط بنا متفاوتة وتعتمد بشكل كبير على معاييرنا نحن، فالله سبحانه وتعالى قد وهبنا هذه الفطرة، وعلينا نحن أن نطورها ونستخدمها أفضل استخدام سواء في حالة تحليلنا لمن حولنا، أو حتى في حالة ارسال رسائل ايجابية لمن حولنا، وهذا ما بات يعرف حاليا بمهارات الاتصال واستخدام لغة الجسد، فبامكاننا ان نقوم بارسال رسائل "تطمينية" تماماُ كتلك الرسائل السياسية المتبادلة بين الدول، رسائل ايجابية عن شخصيتنا مفادها بأننا متفقون، متفاهمون، منفتحون على بعضنا البعض ولا اختلاف بيننا .

   وتعد مهارات الاتصال من أهم المهارات في فن الادارة الحديثة، ومن أهم مبادئها هو التمكن من ارسال رسائل ايجابية بالايماء، وبالاشارة وبالرموز، مفادها أننا متفهمون لاحتياجاتكم، قادرون على تلبيتها، واثقون من امكانية ارضائكم ، … الخ

  يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " تبسمك في وجه أخيك صدقة "، ولعل هذه من أول وأبسط مهارات الاتصال التي علمنا اياها ديننا الحنيف .
    من المهم على الصعيد الانساني، أن نقوم بدراسة معاييرنا من فترة لاخرى وتنقيحها و"فلترتها " ان صح التعبير، علينا ان نسأل أنفسنا دوماُ، لماذا نشعر بالارتياح مع هذا الشخص او ذاك، ولماذا نتجاهل هذا الشخص او ذاك، هل قمنا باستخدام المعايير الصحيحة !؟ أم اننا قيمنا هذا الشخص بناء على رغباتنا الشخصية او بناء على لونه او عرقه او دينه !؟ هل شعورنا بالفتور ناجم عن عدم رضانا عن مستواه الاجتماعي مثلاُ  !؟ ام انه ناجم فعلاً عن عدم تقبلنا لشخصيته الحقيقية وتنافرنا معه !؟
    فعلى سبيل المثال، لو أن شاباً في رحلة بحثه عن فتاة أحلامه التقى بفتاة شقراء جميلة ممشوقة القوام، فانه لا شعورياً سيشعر بالانجذاب نحوها، لا لشيء، سوى انها تتطابق مع الصورة النمطية الموجودة في خياله عن فتاة المستقبل، دون ان يعطي نفسه الفرصة للبحث عن صفاتها الشخصية ومعتقداتها، وحقيقة فُرصه في النجاح معها .
  
 علينا اولاً ان نكون أذكياء في تعاملنا مع الناس، وعلينا أن لا ننخدع بالمظاهر الزائفة، علينا أن ننظر خارج الاطار، ونعطي أهمية للتفاصيل الصغيرة في صياغة مشاعرنا وردود أفعالنا، وعلينا أن نؤمن بقلوبنا وباشاراتنا الباطنية، بشرط أن نكون واثقين من مكنوناتنا الشخصية وان معاييرنا وأدواتنا التي نستخدمها لا تشوبها شائبة، وان فطرتنا ما زالت سليمة.

  في النهاية أقول أننا ما دمنا في حالة توافق داخلي مع أنفسنا، وفي حالة استقرار نفسي واجتماعي، فإننا لن نواجه اي مشكلة في تفهمنا وتقبلنا للآخرين، ولن نواجه اي مشكلة في قبول الآخرين لنا كذلك، والعكس صحيح . 

أيمن أبو لبن
25-11-2011

الثلاثاء، 20 سبتمبر 2011

عذراً يا وطني الجريح



"عذرا ; يا وطني الجريح
 أضطررت لأن أشتري كفني في هذا العيد بدلا من الثياب الجديدة
 لأنني لن أحيا مادمت أنت الجريح"

  بهذه الكلمات يستقبل (حكم السباعي ) أحد مسعفي الهلال الأحمر في سوريا، نبأ اعلان ثبوت هلال عيد الفطر، وتتصدر هذه الكلمات صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، بدلاً من كلمات التهاني وأمنيات العيد الجديد .

   من يقرأ هذه الكلمات يشعر بأن السباعي كان يستشعر قرب أجله، ودنوه من اختتام مشواره في الحياة، أيام قليلة تمضي واذا بهذا المسعف يتلقى نبأ عن اصابات في مدينة حمص، يتوجه ضمن فريق الهلال الأحمر لنجدة المصابين، وما هي الا لحظات واذ بنيران الأمن السوري تخترق سيارة الاسعاف وتنال من جميع من كان فيها، كان نصيب السباعي سبعة رصاصات  كاملة، بنارها وبارودها، اخترقت جسده الطري، وأصابته في مقتل. عبثاً يحاول زملاءه اسعافه، وفي محاولة أخيرة يتم نقله الى بيروت للعلاج، الا أنه عاد محمولاً في كفن، هو ذاك الكفن الذي قرر السباعي شراءه بدلاً من بدلة العيد، ترى ماذا اشترى السباعي بدلا من حلوى العيد، هل يكون اشترى المسك والبخور ايضاً، او تراه عاين قبره قبل رحيله !؟  ماذا فعلت يا سباعي في أيامك الأخيرة ؟

 لم يكن السباعي يعاني مرضاً مزمناً، ولم يكن يعاني من حالات اكتئاب او ادمان، ولكنه كان يعاني من حالة  قهر عامة ألمت بشعبه، ورفض للواقع الذي يعيش فيه. السباعي مثال حي على كل وطني غيور يضع مصلحة الوطن العليا ومصلحة البلد فوق ما عداها، وفوق أغلى ما يملك في هذه الحياة روحه، السباعي -وهو وحيد لعائلته- قرر أن يتطوع ليعمل مسعفاً في فريق الهلال الأحمر، في ظل هذه الظروف الصعبة التي يعيشها الشعب السوري، حاول السباعي أن يكون بلسماً للجراح ومضمداً لها، كان يعمل على وقف الدم النازف وهو يعلم جيداً، أنه سيكون على خط المواجهة مع الشبيحة ومع عصابات الأسد .
   وفي المقابل كان رجال الأمن والجيش يضعون مصلحة النظام ورأس النظام فوق كل مصلحة، فوق الشعب وفوق القانون بل وفوق الوطن بأسره .

 يرحل السباعي ويترك لنا آخر ما كتبه عن مأساة شعبه :

ما الذي تغير , يا أخي ؟
لو أنك احتجت أن أتبرع لك بالدم
هل ستسألني عن طائفتي ؟؟؟
لو أن القدر جمعنا بخندق واحد في الحرب
هل سيكون رصاصنا الموجه للعدو مختلف العقيدة والطائفة
لو احتجت من يسعفك ليلا وما في الجوار غيري
هل أمتنع إن كنت من غير طائفتي
حين كنا نلعب سوية في حي واحد
لم يكن لألعابنا طائفتين
ما الذي تغير يا أخي
والحي هو نفسه والالعاب هي نفسها
ألم نتقاسم كثيرا رغيف خبزنا وحزننا وهمنا
كانت زاوية الحي تكفينا لنصنع منها عالما من الفرح
ماذا حدث الان وسوريا كبيرة جدا لتكون حيا واحدا
وتستوعب أحلام قوس القزح

   ترى لو كان السباعي أخاً أو صديقاً عزيزاً أو جاراً لنا، هل كنا سنكتفي بدور المشاهد والمتابع !؟ يا سباعي عذراً، أنا لا أعرفك، ولم يسبق لي أن التقيت بك شخصياً، ولم تجمعنا صفحات التعارف على الانترنت، ولكن هل تقبلني صديقاً على صفحتك الخاصة، تلك الموجودة في العالم الآخر حيث انت الآن !؟ ربما أتمكن في يوم من الأيام، ولعله يكون قريباً، أن أكتب لك على صفحتك، وأخبرك أن دمك ما راح هدراً، وأن أبناء شعبك يحتفلون بالحرية وبالخلاص من هذا النظام، وسأشاركك بعض الصور، هل تقبل بي صديقاً !؟


أيمن أبو لبن
20-9-2011

السبت، 17 سبتمبر 2011

غوّار…. ما أحوجنا لك




   دريد لحام الفنان السوري الكبير الذي عُرِف بأداء شخصية "غوّار الطوشة" المثيرة للجدل في أعمال فنية عديدة وناجحة ما زالت عالقة في أذهان جميع من شاهدها، منها على سبيل المثال لا الحصر، مسرحيات ضيعة تشرين، غربة، كاسك يا وطن و شقائق النعمان، والأعمال التلفزيونية المنوعة مثل صح النوم، ملح و سكر، ومقالب غوار بالاضافة الى فيلمي الحدود والتقرير. أقول ان هذا الفنان قد عانى في اواخر حياته الفنية من فتور أعماله، وعدم نجاحها فنياً وجماهيرياً مما اضطره الى الابتعاد عن الفن، حيث غاب عن الساحة الفنية منذ ما يقارب العشرين عاماً .
   وقد يكون لانفصال محمد الماغوط  عن دريد فنياً وابتعاده عن الساحة الفنية، الأثر الكبير في تدني مستوى أعمال دريد وتواضعها، لغياب الفكر والرؤية الفنية، ومما يُذكر ان محمد الماغوط هو أديب سوري معروف كتب الشعر، وألّف معظم أعمال دريد المسرحية والسينمائية، وبعض أعماله التلفزيونية وكان وراء النجاح الكبير لأعمال دريد لحام، الا أن خلافاً نشب بينهما على خلفية عرض مسرحية شقائق النعمان، والتي رأى الماغوط انها انحرفت كثيرا عن النص الأصلي الذي كتبه وخالفت رؤيته الفنية .
  
 كنت أحد الذين زحفوا الى مسرح جرش الجنوبي، في بداية التسعينات من القرن الماضي لمشاهدة آخر مسرحيات الفنان "صانع المطر"، وهي أول مسرحية يقدمها دريد بعد انفصاله عن الماغوط، وما زلت أذكر احتشادنا في المسرح قبل ساعات من عرض المسرحية، ووقوفنا لدقائق عديدة نصفق للنجم الكبير لحظة دخوله المسرح في مشهدٍ مهيب، وما زلت أذكر خيبة الأمل الكبيرة التي أحسسنا بها بعد انتهاء العمل، بسبب هبوط المستوى الفني للمسرحية، وكم كانت غُصّة مُرّة في الحلق، حين شاهدتُ أحد نجومي المفضلين وهو يستجدي ضحكات الجمهور، ويستخف بعقولهم .
   
   لم تكن تلك آخر الغصات التي زرعها هذا الفنان في نفوسنا، ولا أشدها تأثيراً على النفس، فمن يتابع تصريحات دريد لحام عن الأوضاع الحالية في سوريا، يُصاب بحالةٍ من الحيرة والذهول، هل هذا فعلاً هو نفس الشخص الذي كان يقف على المسرح ليحمل هموم المواطن العربي، من محيطه الى خليجه!! هذا المواطن المُهمش المقهور الثائر على قضايا الفساد في بلده، وعلى تعامل الاجهزة الأمنية مع ابناء البلد، المطالب ب "شوية كرامة بس " والصارخ في وجه ضابط المخابرات "المواطن خلق ليرفع راسه مو رجليه " هل هذا هو نفس الشخص الذي يقف الآن الى جانب النظام، الذي طالما أقنعنا أنه ينتقده، وهو الذي يعلم في حقيقة نفسه أن هذا النظام  قد مارس على مر عقود من الزمن وما يزال، كافة صنوف القهر والعنف والاضطهاد ضد شعبه .

    دريد لحام يُحيي الجيش على بطولاته ويقول أن دور الجيش هو حماية الأهالي وليس شن الحروب الخارجية، يا عزيزي أسمح لي أن أصحح لك، دور الجيش هو حماية الحدود والذود عن الوطن، وليس قهر المواطنين وتصفيتهم في الشوارع، دور الجيش هو استعادة الجولان المحتل، دور الجيش هو حماية أرض الوطن وسمائه، أين كان هذا الجيش الباسل حين قصفت اسرائيل ما يعتقد أنه مشروع مفاعل نووي -علماً ان ثمن الصواريخ التي اطلقت على هذا الموقع لا تساوي ثمن المعدات الموجودة فيه برأيي ، دور الجيش السوري هو المحافظة على كرامة المواطن وليس تمريغها في التراب .

   يتهم المتظاهرين بأنهم مُغرّرٌ بهم، وينصحهم بالقول "المال ينفذ "، ولكنه نسي أن يُذكِّرَ نفسه أولاُ، أن الأوطان تبقى والحكام يرحلون، الأوطان تبقى والكراسي تتبدل، الأوطان تبقى والشعوب تبقى والمناصب تزول.

   هل كان الخلل فينا نحن الجمهور، هل كنا مغفلين الى هذه الدرجة، كي نصدق ما كان يُقدم لنا على الشاشة وعلى دور المسرح، أم أن هؤلاء الفنانين المرتزقة، كانوا من الذكاء بما يكفي لتضليلنا !؟
   
من الواضح أن هؤلاء الفنانين هم عبارة عن مهرجين وأراجوزات، يؤدون أدوارهم على المسرح لكسب المال والشعبية والنجومية غير آبهين لمعاناتنا نحن عامة الشعب، لم تكن تعنيهم تلك الشعارات التي كانوا يطلقونها هنا وهناك، بل اشك في أنهم كانوا يدركون حقيقة ما يقولون، كانوا ينقلون ما يُكتب لهم بأداء خرافي، الى درجة الاقناع بحقيقة ما يقولون، ولكنهم وراء الكواليس كانوا يركبون السيارات الفارهة ويمتلكون القصور والخدم، ويسافرون على متن الدرجات الخاصة، وفي نفس الوقت يتحدثون عن معاناة رغيف الخبز!! ومع كل هذا كنا نصدقهم !؟
  
 كانت معاناتنا بالنسبة لهم عملاً فنياً ناجحاً، وكانت دماؤنا أوسمةً يحصدونها في المهرجانات، كانوا يأخذون الصور على نعوش ضحايانا، وكنا نصفق لهم !؟
   
يذكرني هذا بقصيدة جواز السفر لمحمود درويش حين يقول :

وكان جُرحي عندهم معرضاً
لسائحٍ يعشقُ جمع الصور

  بالفعل جراحاتنا أخذت أهميتها اليوم، لا لشيء ولكن لجمالية الصور التي التقطتها .
   سقط القناع عن أوجه هؤلاء المرتزقة، وظهرت بشاعة وجوههم الحقيقية، واكتشفنا بأنفسنا مدى سخافتنا عندما تعلقنا بأمثال هؤلاء !؟ وثبت لنا أن كل ما شاهدناه كان " تمثيل في تمثيل "

 يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح :
"سيأتى على الناس سنوات خداعات ، يصدق فيها الكاذب ، و يكذب فيها الصادق ، و يؤتمن فيها الخائن ، و يخون فيها الأمين ، و ينطق فيها الرويبضة . قيل : و ما الرويبضة ؟ قال : الرجل التافه ، يتكلم في أمر العامة"

  واللهُ قد ابتلانا في هذا الزمن برويبضات لا تعد ولا تحصى، فالراقصة اليوم تتحدث عن عمل الخير وعن موائد الرحمن، وصبي المكوجي يتحدث عن اسرائيل وقضية الشرق الأوسط !؟
  غوار الطوشة ما أحوجنا لك في هذه الأوقات، تُرى لو كانت حاضراً هل كنت ستقول " مطرح ما بتدوس بنركع وبنبوس " !!؟؟ م أنك كنت ستهتف وتقول "يا الله … ما النا غيرك يا الله "


أيمن أبو لبن
17-9-2011

الأحد، 11 سبتمبر 2011

محمود درويش ……. الغائب الحاضر




   محمود درويش الشاعر الفلسطيني الكبير الذي رحل عنا قبل عامين ونيف بعد معاناة طويلة مع المرض، يمثل حالة فريدة في شعره، شعر محمود درويش يختلف عن أشعار معاصريه في مضمونه وفي فكره وفي شكله، الشاعر الفلسطيني الكبير والذي تُرجمت أشعاره لأكثر من عشرين لغة ومن ضمنها العبرية، حمل معه هموم الوطن منذ نعومة أظفاره وحتى رحيله، ولكن ما يميز شعر محمود درويش انه يحمل طرحاً مختلفاً عما اعتدنا على سماعه من الأشعار الوطنية، حيث انه يرسم صورة الفلسطيني الانسان لا الثائر والمنتقم والمتوعد، انه يطرح هموم الوطن عبر مشاعر انسانية بحتة تدغدغ احاسيس المتلقي أياً كان لونه او جنسه او عرقه .

 عندما يتحدث درويش عن الوطن، يتحدث عن ذكريات الطفولة، عن الحب الأول، عن شقاوته صغيراً، عن مدرسته، عن قهوة الصباح عن الزيتون والزعتر، عن الأرض وعن الانسان عن عشقه لأمه وحنينه لها، عن ذكريات الوالد والجد.
   عندما يحاور درويش عدوه، يحاور الجانب الانساني فيه ويحاور العقل ايضا، لا يضع حواجز بينه وبين الاخر، هو يتقبل الآخر ، ويطلب بالمقابل ان يقبله عدوه .
يقول درويش في قصيدته " في ذكرى محمد الدرة " :

مُحمَّدْ،
ملاكٌ فقيرٌ على قابِ قوسينِ مِنْ
بندقيةِ صيَّادِه البارِدِ الدمِ.
من
ساعةٍ ترصدُ الكاميرا حركاتِ الصبي
الذي يتوحَّدُ في ظلِّه
وجهُهُ، كالضُحى، واضح
قلبُه، مثل تُفاحة، واضح
وأصابعُه العَشْرُ، كالشمعِ، واضحة
والندى فوقَ سروالهِ واضح…
كان في وسعِ صيَّادهِ أن يُفكِّر بالأمرِ
ثانيةً، ويقولَ : سـأتركُهُ ريثما يتهجَّى
فلسطينهُ دون ما خطأ…
سوف أتركُهُ الآن رَهْنَ ضميري
وأقتلُه، في غدٍ، عندما يتمرَّدْ!
* *
مُحمَّدْ،
يَسُوع صغير ينامُ ويحلمُ في
قَلْبِ أيقونةٍ
صُنِعتْ من نحاسْ
ومن غُصْن زيتونة
ومن روح شعب تجدَّدْ

 عندما يعشق محمود درويش، تجد لشعره مذاقا خاصا بعيدا عن الشعر العاطفي و قصائد الغزل المعروفة، العشق في أشعار درويش أغنية تنساب بين الكلمات، نسمة هواء عليلة تفوح من أبياته، لمسة حزن دافئة  واشتياق للوطن وللمرأة، عندما يكتب محمود درويش عن المرأة، تشعر أنه يكتب حباً في الوطن، وعندما يتغنى درويش بالوطن تشعر انه يغازل محبوبته !! .
يقول درويش في قصيدة "يطير الحمام .. يحط الحمام "

يطير الحمام
يحطّ الحمام
أعدّي لي الأرض كي أستريح
فإني أحبّك حتى التعب
صباحك فاكهةٌ للأغاني وهذا المساء ذهب
ونحن لنا حين يدخل ظلٌّ إلى ظلّه في الرخام
وأشبه نفسي حين أعلّق نفسي على عنقٍ
لا تعانق غير الغمام
وأنت الهواء الذي يتعرّى أمامي كدمع العنب
وأنت بداية عائلة الموج حين تشبّث بالبرّ حين اغترب
وإني أحبّك، أنت بداية روحي، وأنت الختام
يطير الحمام
يحطّ الحمام
أنا وحبيبي صوتان في شفةٍ واحده
أنا لحبيبي أنا. وحبيبي لنجمته الشارده
وندخل في الحلم، لكنّه يتباطأ كي لا نراه
وحين ينام حبيبي أصحو لكي أحرس الحلم مما يراه
وأطرد عنه الليالي التي عبرت قبل أن نلتقي
وأختار أيّامنا بيديّ كما اختار لي وردة المائده
فنم يا حبيبي ليصعد صوت البحار إلى ركبتيّ
ونم يا حبيبي لأهبط فيك وأنقذ حلمك من شوكةٍ حاسده
ونم يا حبيبي عليك ضفائر شعري، عليك السلام

   كان محمود درويش محباً للحياة في شعره، بعكس ما كنا نعرفه عن الأشعار الوطنية التي تُقدس الموت، محمود درويش كان له فكره الخاص، الذي تبناه ليبين للجميع ان الفلسطيني لا يقدم روحه فداء للوطن حبا في الموت، او حبا في الفداء ،وانما حبا في الحياة !! درويش قدم من خلال شعره نموذجاً للمناضل العاشق المحب للحياة، للفلسطيني الانسان .
   يقول محمود درويش في قصيدته " على هذه الأرض ما يستحق الحياة "

   على هذه الأرض ما يستحق الحياةْ:
نهايةُ أيلولَ
سيّدةٌ تترُكُ الأربعين بكامل مشمشها
ساعة الشمس في السجن
غيمٌ يُقلّدُ سِرباً من الكائنات
هتافاتُ شعب لمن يصعدون إلى حتفهم  باسمين
وخوفُ الطغاة من الأغنياتْ.
ويختم قصيدته بالقول :
سيدتي:
أستحق، لأنك سيدتي
أستحق الحياة
 وعندما يتحدث عن الموت ، تجد ان هناك فلسفة خاصة بالموت لديه ، فهو يتحدث عن الموت وكانه كيان حاضر يصارعه ويغلبه ، أوينكسر امامه في جولاته وصولاته معه ، يقول درويش في قصيدته " لا تعتذر عما فعلت "
لم يسألوا: ماذا وراء الموت؟
كانوايحفظون خريطة الفردوس أكثر من
كتاب الأرض، يشغلهم سؤال آخر
ماذا سنفعل قبل هذا الموت؟
قرب
حياتنا نحيا، ولا نحيا.
كأن حياتنا
حصص من الصحراء مختلف عليها بين آلهة العقار،
ونحن جيران الغبار الغابرون.
حياتنا عبء على ليل المؤرخ
"
كلما أخفيتهم طلعوا عليَّ من الغياب"…
حياتنا عبء على الرسام: "أرسمهم،
فأصبح واحداً منهم، ويحجبني الضباب".
حياتنا عبء على الجنرال
"
كيف يسيل من شبح دم؟"
وحياتنا هي أن نكون كما نريد.
نريد أن
نحيا قليلاً، لا لشيء
بل لنحترم القيامة بعد الموت.
واقتبسوا،
بلا قصد كلام الفيلسوف
"
الموت لا يعني لنا شيئاً. نكون فلا يكون
الموت لا يعني لنا شيئا . يكون فلا نكون"
ورتبوا أحلامهم بطريقة أخرى.
وناموا واقفين!!!

   لا أدري ما الذي دفعني لكتابة هذه السطور، غير أن مشاهدتي لبضع حلقات من مسلسل " في حضرة الغياب" عن سيرة محمود درويش استفزني، وزرع في داخلي غُصة من تواضع هذا العمل، واساءته " حسب رأيي " لمسيرة ولحجم هذا الشاعر الكبير، هذا الشاعر المناضل يستحق منا أكثر من ذلك، يستحق ان يُكرس له عمل وطني ضخم لعرض القضية الفلسطينية من خلال سيرته فدرويش أعظم من أن يتقمص شخصيته ممثل بحجم فراس ابراهيم، يُحسب لفراس ابراهيم تبنيه لفكرة انتاج هذا العمل، ولكن هذا لا يعني أنه مناسب للقيام بدور محمود درويش .
 
 في حضرة الغياب كان كبوة كبيرة للمخرج المعروف نجدت انزور، حيث لم يضف جديدا للعمل فظهر الممثلون وكأنهم مبتدئون، وظهر العمل وكأنه أُنجز على عجل، فأداء معظم الممثلين كان دون المستوى، والنص كان ضعيفا يفتقر الى رؤية واضحة والى خط ومسار فني للمسلسل، عتبي على كل القائمين على هذا المسلسل لأنهم قدموا لنا عملاً قزماً مقارنة مع حجم درويش .
  
محمود درويش الذي رثى زملاءه الذين سبقوه في المنيّة فأبدع لم يجد من يوفيه حقه في الرثاء، لا لقلة محبيه وأصدقائه ولكن لِعِظَم شخصيته !! .
  
 لا أجد ما يرثي فناننا الكبير غير ما أعتبره أنا رثاء الشاعر لنفسه فيما كتبه في جدلية الموت، في واحدة من أروع قصائده " الجدارية " والتي عبر فيها عن رحلة معاناته مع المرض ومع الموت، حيث ترجم فيها درويش تحديه للموت ودفاعه عن حقه في الحياة ، أقول يبقى ما كتبه في هذه القصيدة أعظم رثاء له :
  
 هذا البحرُ لي
هذا الهواءُ الرَّطْبُ لي
هذا الرصيفُ وما عَلَيْهِ
من خُطَايَ وسائلي المنويِّ … لي
ومحطَّةُ الباصِ القديمةُ لي . ولي
شَبَحي وصاحبُهُ . وآنيةُ النحاس
وآيةُ الكرسيّ ، والمفتاحُ لي
والبابُ والحُرَّاسُ والأجراسُ لي
لِيَ حَذْوَةُ الفَرَسِ التي
طارت عن الأسوار … لي
ما كان لي . وقصاصَةُ الوَرَقِ التي
انتُزِعَتْ من الإنجيل لي
والملْحُ من أَثر الدموع على
جدار البيت لي …
واسمي ، إن أخطأتُ لَفْظَ اسمي
بخمسة أَحْرُفٍ أُفُقيّةِ التكوين لي :
ميمُ / المُتَيَّمُ والمُيتَّمُ والمتمِّمُ ما مضى
حاءُ / الحديقةُ والحبيبةُ ، حيرتانِ وحسرتان
ميمُ / المُغَامِرُ والمُعَدُّ المُسْتَعدُّ لموته
الموعود منفيّاً ، مريضَ المُشْتَهَى
واو / الوداعُ ، الوردةُ الوسطى ،
ولاءٌ للولادة أَينما وُجدَتْ ، وَوَعْدُ الوالدين
دال / الدليلُ ، الدربُ ، دمعةُ
دارةٍ دَرَسَتْ ، ودوريّ يُدَلِّلُني ويُدْميني /
وهذا الاسمُ لي …
ولأصدقائي ، أينما كانوا ، ولي
جَسَدي المُؤَقَّتُ ، حاضراً أم غائباً …
مِتْرانِ من هذا التراب سيكفيان الآن …
لي مِتْرٌ و75 سنتمتراً …
والباقي لِزَهْرٍ فَوْضَويّ اللونِ ،
يشربني على مَهَلٍ ، ولي
ما كان لي : أَمسي ، وما سيكون لي
غَدِيَ البعيدُ ، وعودة الروح الشريد
كأنَّ شيئا ً لم يَكُنْ
وكأنَّ شيئاً لم يكن
جرحٌ طفيف في ذراع الحاضر العَبَثيِّ …
والتاريخُ يسخر من ضحاياهُ
ومن أَبطالِهِ …
يُلْقي عليهمْ نظرةً ويمرُّ …
هذا البحرُ لي
هذا الهواءُ الرَّطْبُ لي
واسمي -
وإن أخطأتُ لفظ اسمي على التابوت -
لي .
أَما أَنا - وقد امتلأتُ
بكُلِّ أَسباب الرحيل -
فلستُ لي .
أَنا لَستُ لي
أَنا لَستُ لي …


أيمن أبو لبن
11-9-2011

الثلاثاء، 12 يوليو 2011

لمن هذا الورد أيها العاشق ؟!




  المشهد الأول : بداية المشوار

   فتىً جامعيٌ يحملُ أوراقه الدراسية، يتبادلُ أطرافَ الحديثِ مع زميلته التي أحبّها منذ أولِ لقاءٍ جمعهما قبل أعوام، وهما الآن على وشكِ الافتراقِ بعد اكمال الامتحانات النهائية، بإنتظار حفل التخرج قريبا. في ذهنه الكثيرُ من الكلمات ولكنه يعجزُ عن لملمة أفكاره وصياغتها، وفجأة يتوجه اليها بالسؤال المباشر وبدون مقدمات : هل ما زلتِ تصرِّين على أن علاقتنا لا يجبُ أن تتجاوزَ حدود الزمالة ؟ هل هناك شخصٌ آخر في حياتك !؟
  
 تنظر اليه، وترتسم ابتسامةٌ خجولةٌ على وجهها ليزدادَ جمالاَ وإشراقاَ: كان الشكُ يُساورني، وكنتُ أخشى أن يمرَّ الوقتُ وتدق ساعةُ الفُراق ولمّا أُمتِّع لساني بترديد كلمة أٌحبُّكَ، كنتُ أخافَ أن يسرقني الوقتُ ولا تتمتَّع عينايَ بنجوى عينيك وهما تتلألآن بكلمة أٌحبُّكِ، ولكني كنت دائماً واثقةً من مدى حبَّك لي، وكنتُ على ثقةٍ بأنك ستكونُ قادراً على إستنطاقٍ ما بداخلي، وإرغامي على الاعترافٍ بكلٍّ ما أحبِسهُ في داخلي من حبٍ ومن عواطف جياشةٍ .
   لا أدري كيف جعلتني أُبادلُكَ الحبَّ، ولكني تجرعتُ الحبَّ من يديكَ جرعةً جرعةً كل يوم، كان حبي لك يزدادُ يوماً بعد يومِ، مع كل موقفٍ نبيلٍ لكَ ومع كلِّ ما عانيتهُ معي، مع كل عِنادي ، وتجاهُلي لنداءاتِ قلبي .
  أنا التي أيعنت مشاعري بماءِ نُبلِكَ، وما عاد صدري يتَّسعُ لحبك المكنون داخلي .
  
المشهد الثاني : بعد مضي  4 سنوات
  
 يقفُ الفتى في وداعِ حبيبتهِ بعد لقاءهما الأسبوعي، يقتربُ منها بينما هي بإنتظار سيارة أجرة تقلُّها، ويقول لها بصوتٍ خافتٍ : موعِدُنا القادمُ سيكونُ آخرَ موعدٍ لنا، وقبل أن يلتبسَ عليها الأمرُ يُسارعُ بالقول لأنني سأقومُ بخِطبتك بعدَ موعدنا القادم، تبتسمُ ابتسامةً خجولةً كعادتها، ولكنها لا تُبدي ما كان بانتظارهِ من علاماتِ الفَرَح، لا يُعير الأمرَ انتباهاً ويستطردُ في الحديث لقد أنهيتُ إعدادَ مُستلزمات الشقة، وأصبحت جاهزةً لاستقبالنا، وقد وفّرت مبلغاً من المالِ يكفي لمصاريفِ الخطبة، وبعد عامٍ من الآن سأكونُ جاهزاً لمصاريفِ الزواج، كما أن أبي مستعدٌ لمساعدتي في أي شيء، بقي أن أُفاتحه في موضوعنا ، وسأفعلُ ذلكَ قريباً .
تاتي سيارة الأجرة، تنطلقُ الفتاةُ مودِّعة، تُلوحُ له وتغادر مُسرعة .

   المشهد الثالث : الموعد الأخير

  يغادرُ الفتى مكان عملهِ مُسرعاً الى حيثُ اللقاءُ الأخير، وفي طريقهِ يمر بمحل ورود، ينتقي باقةَ ورد بعناية، يختارها وردةً وردة، ويطلبُ من صاحبِ المحل أن يصنعَ منها أجملَ باقة ورد، يطيرُ الفتى يُحلِّقُ، يشعرُ أنَّ قدميه لا تصلانِ الأرضَ، يصلُ قبلها كالعادة، يقفُ مُنتظراً أمامَ المقهى الذى يجمعهما، يمرُّ الوقتُ بطيئاً، ولا تظهر، لا يفقدُ الأملَ، يتمشى قليلاً، متجاهلاً نظراتِ المارة ويقرأُ في أعينهم ما يجولُ في خاطرهم " لمن هذا الورد أيها العاشق ؟"  يجولُ بنظره يميناً ويساراً بإنتظار بزوغ نجم حبيبته، لا يرى شيئاً، تضطربُ نبضاتُ قلبهِ، ولكنه يحتفظ برباطة جأشهِ، وبعد ساعتين من الإنتظار يُدرك أن حبيبتهُ لن تأتيَ اليومَ، هل كان فألاً سيئاً أن قال لها أنه الموعد الأخير !؟

المشهد الرابع : موعدٌ على الهاتف

  يجلسُ الفتى في الغرفةِ وحيداً، يُغلقُ البابَ على نفسهِ، يطلبُ الرقمَ الذي يحفظه عن ظهر الغيب، وينتظرُ سَماعَ صوتِها، يُحاولُ ان يبدو متماسكاً ويبدأ بالعتاب، لماذا !؟ ياتي الصوتُ من الطرفِ الآخر متماسكاً وواثقاً على غيرِ العادة: لم أعد أرغبُ في إستمرار العلاقة بيننا، أحلاميَ الوردية التي كنت أعيشها في لحظات خُلوتي، تصطدم بواقعٍ بعيد جداً عما كنت أطمح له، ضحيتُ من أجل حبنا بالكثير من أحلامي ولم أعد أستطعُ التضحيةَ بالمزيد، ما تعدُني بهِ لا يُشِّكلُ أدنى متطلباتِ سعادتي، يقعُ الفتى من هول المفاجاة، يفترشُ الأرضَ، ويبدأ بالحديث محاولاً أن يُحاورَ قلبها لا عقلها: أذكرُ أنك قلتِ لي يوماً، يكفيني في هذه الحياة أن تجمعنا غرفةٌ وحيدةٌ، نفترشُ فراشها الأرضي، يكفيني وجودك قُربي، كي أشعر بالسعادة، أتذكرين !؟ يختلُّ توازن أفكارها ولكنها سريعاً ما تستعيد توازنها وتقول بجُرأةٍ متناهية أعترفُ لكَ أنني ما عُدت أشعرُ بتلك العواطف التي كانت تدفعني لقول ذلك، في الحقيقة لم أعد أشعر بأني ما زلت أحبك كما كنت أفعل في الماضي القريب، ينهارُ الفتى، يبدأ بالبكاء والعويل، يخترقُ صوتهُ الجدرانَ وينتشر في المكان، يحاول الكلام  ولكن البكاء يمنعه، يحشرج صوته ولا يكاد يُبين، تمضي الدقائق وتنتهي المكالمة، ولكنها ما تزال تسمع صوتَ بُكائه يملأ غرفتها، تتأكد من إغلاق السماعة وتنتظر قليلاً لعلَّ الصوت يغيب، ينقطع الصوت ولكنه سُرعان ما يعود، لا تجد بُدّاً من إغلاق أذنيها كي لا تسمع أنينهُ، ولكنها لم تعلم وقتها أن صوت بكاء العاشق الولهان سيبقى يتردد في أصداء سمعها الى الأبد، إنها لعنةُ العاشق الذي كان يحمل أحلامه  باقةً من الورود، سُرعان ما تناثرت على أقدامِ المارة، الذين سارعوا بإلتقاطها، وهو متسمر مكانه، ينظر اليهم ببرود، وهم يبتسمون ويبادرونه بالسؤال: لمن هذا الورد أيها العاشق !؟


أيمن أبو لبن
12-7-2011