دريد
لحام الفنان السوري الكبير الذي عُرِف بأداء شخصية "غوّار الطوشة" المثيرة للجدل في أعمال فنية عديدة
وناجحة ما زالت عالقة في أذهان جميع من شاهدها، منها على سبيل المثال لا الحصر،
مسرحيات ضيعة تشرين، غربة، كاسك يا وطن و شقائق النعمان، والأعمال التلفزيونية
المنوعة مثل صح النوم، ملح و سكر، ومقالب غوار بالاضافة الى فيلمي الحدود والتقرير.
أقول ان هذا الفنان قد عانى في اواخر حياته الفنية من فتور أعماله، وعدم نجاحها
فنياً وجماهيرياً مما اضطره الى الابتعاد عن الفن، حيث غاب عن الساحة الفنية منذ
ما يقارب العشرين عاماً .
وقد يكون لانفصال محمد
الماغوط عن دريد فنياً وابتعاده عن الساحة الفنية، الأثر الكبير في
تدني مستوى أعمال دريد وتواضعها، لغياب الفكر والرؤية الفنية، ومما يُذكر ان محمد
الماغوط هو أديب سوري معروف كتب الشعر، وألّف معظم أعمال دريد المسرحية
والسينمائية، وبعض أعماله التلفزيونية وكان وراء النجاح الكبير لأعمال دريد لحام،
الا أن خلافاً نشب بينهما على خلفية عرض مسرحية شقائق النعمان، والتي رأى
الماغوط انها انحرفت كثيرا عن النص الأصلي الذي كتبه وخالفت رؤيته الفنية .
كنت أحد الذين زحفوا الى مسرح جرش الجنوبي،
في بداية التسعينات من القرن الماضي لمشاهدة آخر مسرحيات الفنان "صانع
المطر"، وهي أول مسرحية يقدمها دريد بعد انفصاله عن الماغوط، وما زلت أذكر
احتشادنا في المسرح قبل ساعات من عرض المسرحية، ووقوفنا لدقائق عديدة نصفق للنجم
الكبير لحظة دخوله المسرح في مشهدٍ مهيب، وما زلت أذكر خيبة الأمل الكبيرة التي
أحسسنا بها بعد انتهاء العمل، بسبب هبوط المستوى الفني للمسرحية، وكم كانت غُصّة
مُرّة في الحلق، حين شاهدتُ أحد نجومي المفضلين وهو يستجدي ضحكات الجمهور، ويستخف
بعقولهم .
لم تكن
تلك آخر الغصات التي زرعها هذا الفنان في نفوسنا، ولا أشدها تأثيراً على النفس،
فمن يتابع تصريحات دريد لحام عن الأوضاع الحالية في سوريا، يُصاب بحالةٍ من الحيرة
والذهول، هل هذا فعلاً هو نفس الشخص الذي كان يقف على المسرح ليحمل هموم المواطن
العربي، من محيطه الى خليجه!! هذا المواطن المُهمش المقهور الثائر على قضايا
الفساد في بلده، وعلى تعامل الاجهزة الأمنية مع ابناء البلد، المطالب ب "شوية كرامة بس " والصارخ في وجه ضابط المخابرات "المواطن خلق ليرفع راسه مو رجليه " هل هذا هو نفس الشخص الذي يقف الآن الى
جانب النظام، الذي طالما أقنعنا أنه ينتقده، وهو الذي يعلم في حقيقة نفسه أن هذا
النظام قد مارس على مر عقود من الزمن وما يزال، كافة صنوف القهر والعنف
والاضطهاد ضد شعبه .
دريد
لحام يُحيي الجيش على بطولاته ويقول أن دور الجيش هو حماية الأهالي وليس شن الحروب
الخارجية، يا عزيزي أسمح لي أن أصحح لك، دور الجيش هو حماية الحدود والذود عن
الوطن، وليس قهر المواطنين وتصفيتهم في الشوارع، دور الجيش هو استعادة الجولان
المحتل، دور الجيش هو حماية أرض الوطن وسمائه، أين كان هذا الجيش الباسل حين قصفت
اسرائيل ما يعتقد أنه مشروع مفاعل نووي -علماً ان ثمن الصواريخ التي اطلقت
على هذا الموقع لا تساوي ثمن المعدات الموجودة فيه برأيي ، دور الجيش السوري هو
المحافظة على كرامة المواطن وليس تمريغها في التراب .
يتهم المتظاهرين بأنهم
مُغرّرٌ بهم، وينصحهم بالقول "المال ينفذ "، ولكنه نسي أن يُذكِّرَ
نفسه أولاُ، أن الأوطان تبقى والحكام يرحلون، الأوطان تبقى والكراسي تتبدل،
الأوطان تبقى والشعوب تبقى والمناصب تزول.
هل كان الخلل فينا نحن
الجمهور، هل كنا مغفلين الى هذه الدرجة، كي نصدق ما كان يُقدم لنا على الشاشة وعلى
دور المسرح، أم أن هؤلاء الفنانين المرتزقة، كانوا من الذكاء بما يكفي لتضليلنا !؟
من الواضح أن هؤلاء الفنانين هم عبارة عن مهرجين
وأراجوزات، يؤدون أدوارهم على المسرح لكسب المال والشعبية والنجومية غير آبهين
لمعاناتنا نحن عامة الشعب، لم تكن تعنيهم تلك الشعارات التي كانوا يطلقونها هنا
وهناك، بل اشك في أنهم كانوا يدركون حقيقة ما يقولون، كانوا ينقلون ما يُكتب لهم
بأداء خرافي، الى درجة الاقناع بحقيقة ما يقولون، ولكنهم وراء الكواليس كانوا
يركبون السيارات الفارهة ويمتلكون القصور والخدم، ويسافرون على متن الدرجات الخاصة،
وفي نفس الوقت يتحدثون عن معاناة رغيف الخبز!! ومع كل هذا كنا نصدقهم !؟
كانت
معاناتنا بالنسبة لهم عملاً فنياً ناجحاً، وكانت دماؤنا أوسمةً يحصدونها في
المهرجانات، كانوا يأخذون الصور على نعوش ضحايانا، وكنا نصفق لهم !؟
يذكرني هذا بقصيدة جواز السفر لمحمود درويش حين
يقول :
وكان جُرحي عندهم معرضاً
لسائحٍ يعشقُ جمع الصور
بالفعل جراحاتنا أخذت أهميتها اليوم،
لا لشيء ولكن لجمالية الصور التي التقطتها .
سقط
القناع عن أوجه هؤلاء المرتزقة، وظهرت بشاعة وجوههم الحقيقية، واكتشفنا بأنفسنا
مدى سخافتنا عندما تعلقنا بأمثال هؤلاء !؟ وثبت لنا أن كل ما شاهدناه كان " تمثيل في تمثيل "
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث
الصحيح :
"سيأتى على الناس سنوات خداعات ، يصدق فيها
الكاذب ، و يكذب فيها الصادق ، و يؤتمن فيها الخائن ، و يخون فيها الأمين ، و ينطق
فيها الرويبضة . قيل : و ما الرويبضة ؟ قال : الرجل التافه ، يتكلم في أمر العامة"
واللهُ قد ابتلانا في هذا الزمن
برويبضات لا تعد ولا تحصى، فالراقصة اليوم تتحدث عن عمل الخير وعن موائد الرحمن،
وصبي المكوجي يتحدث عن اسرائيل وقضية الشرق الأوسط !؟
غوار الطوشة ما أحوجنا لك في هذه
الأوقات، تُرى لو كانت حاضراً هل كنت ستقول " مطرح ما بتدوس بنركع وبنبوس
" !!؟؟ م أنك كنت ستهتف وتقول "يا الله … ما النا غيرك يا الله "
أيمن أبو لبن
17-9-2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق