الثلاثاء، 20 سبتمبر 2011

عذراً يا وطني الجريح



"عذرا ; يا وطني الجريح
 أضطررت لأن أشتري كفني في هذا العيد بدلا من الثياب الجديدة
 لأنني لن أحيا مادمت أنت الجريح"

  بهذه الكلمات يستقبل (حكم السباعي ) أحد مسعفي الهلال الأحمر في سوريا، نبأ اعلان ثبوت هلال عيد الفطر، وتتصدر هذه الكلمات صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، بدلاً من كلمات التهاني وأمنيات العيد الجديد .

   من يقرأ هذه الكلمات يشعر بأن السباعي كان يستشعر قرب أجله، ودنوه من اختتام مشواره في الحياة، أيام قليلة تمضي واذا بهذا المسعف يتلقى نبأ عن اصابات في مدينة حمص، يتوجه ضمن فريق الهلال الأحمر لنجدة المصابين، وما هي الا لحظات واذ بنيران الأمن السوري تخترق سيارة الاسعاف وتنال من جميع من كان فيها، كان نصيب السباعي سبعة رصاصات  كاملة، بنارها وبارودها، اخترقت جسده الطري، وأصابته في مقتل. عبثاً يحاول زملاءه اسعافه، وفي محاولة أخيرة يتم نقله الى بيروت للعلاج، الا أنه عاد محمولاً في كفن، هو ذاك الكفن الذي قرر السباعي شراءه بدلاً من بدلة العيد، ترى ماذا اشترى السباعي بدلا من حلوى العيد، هل يكون اشترى المسك والبخور ايضاً، او تراه عاين قبره قبل رحيله !؟  ماذا فعلت يا سباعي في أيامك الأخيرة ؟

 لم يكن السباعي يعاني مرضاً مزمناً، ولم يكن يعاني من حالات اكتئاب او ادمان، ولكنه كان يعاني من حالة  قهر عامة ألمت بشعبه، ورفض للواقع الذي يعيش فيه. السباعي مثال حي على كل وطني غيور يضع مصلحة الوطن العليا ومصلحة البلد فوق ما عداها، وفوق أغلى ما يملك في هذه الحياة روحه، السباعي -وهو وحيد لعائلته- قرر أن يتطوع ليعمل مسعفاً في فريق الهلال الأحمر، في ظل هذه الظروف الصعبة التي يعيشها الشعب السوري، حاول السباعي أن يكون بلسماً للجراح ومضمداً لها، كان يعمل على وقف الدم النازف وهو يعلم جيداً، أنه سيكون على خط المواجهة مع الشبيحة ومع عصابات الأسد .
   وفي المقابل كان رجال الأمن والجيش يضعون مصلحة النظام ورأس النظام فوق كل مصلحة، فوق الشعب وفوق القانون بل وفوق الوطن بأسره .

 يرحل السباعي ويترك لنا آخر ما كتبه عن مأساة شعبه :

ما الذي تغير , يا أخي ؟
لو أنك احتجت أن أتبرع لك بالدم
هل ستسألني عن طائفتي ؟؟؟
لو أن القدر جمعنا بخندق واحد في الحرب
هل سيكون رصاصنا الموجه للعدو مختلف العقيدة والطائفة
لو احتجت من يسعفك ليلا وما في الجوار غيري
هل أمتنع إن كنت من غير طائفتي
حين كنا نلعب سوية في حي واحد
لم يكن لألعابنا طائفتين
ما الذي تغير يا أخي
والحي هو نفسه والالعاب هي نفسها
ألم نتقاسم كثيرا رغيف خبزنا وحزننا وهمنا
كانت زاوية الحي تكفينا لنصنع منها عالما من الفرح
ماذا حدث الان وسوريا كبيرة جدا لتكون حيا واحدا
وتستوعب أحلام قوس القزح

   ترى لو كان السباعي أخاً أو صديقاً عزيزاً أو جاراً لنا، هل كنا سنكتفي بدور المشاهد والمتابع !؟ يا سباعي عذراً، أنا لا أعرفك، ولم يسبق لي أن التقيت بك شخصياً، ولم تجمعنا صفحات التعارف على الانترنت، ولكن هل تقبلني صديقاً على صفحتك الخاصة، تلك الموجودة في العالم الآخر حيث انت الآن !؟ ربما أتمكن في يوم من الأيام، ولعله يكون قريباً، أن أكتب لك على صفحتك، وأخبرك أن دمك ما راح هدراً، وأن أبناء شعبك يحتفلون بالحرية وبالخلاص من هذا النظام، وسأشاركك بعض الصور، هل تقبل بي صديقاً !؟


أيمن أبو لبن
20-9-2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق