الأحد، 20 سبتمبر 2015

من قتل إيلان ؟!



فجّرت صورة الطفل السوري الغريق "إيلان" موجةً عارمة من التعاطف الإنساني مع أزمة اللاجئين السوريين وقفزت بهذه الأزمة الى قمّة أولويات الإتحاد الأوروبي والدول المحيطة بسوريا، وقد حرّكت صورة الطفل الصغير وهو ملقىً على شاطىء البحر جثةً هامدة مشاعر النشطاء على شبكات التواصل الإجتماعي وأشعلت سجالاً مُحتدماً بين شبيحة النظام من جهة والمتعاطفين مع الثورة السورية من جهة أخرى. وهذا يثبت أهمية الصورة في عصرنا الحالي والذي يعتمد بشكل كبير على الإعلام والصورة والمؤثرات البصريّة والقدرة على إيصال الفكرة بإستخدام لغة العصر، وكم من حرب اشتعل فتيلها بسبب صورة !

  مما لا شك فيه أن الحزن العميق الذي أحاط بكل من عاين هذه الصورة وغيرها من صور مأساة اللاجئين السوريين لا يقل بشكل من الأشكال عن الغصّة التي تولّدت من تناول شبيحة النظام ومثقفيه المأجورين لهذا الحدث بطريقة فاشيّة مُستفزّة، محاولين إلقاء اللوم على الثورة السوريّة ومن تسبّب بها، بل إنهم اعتبروا هؤلاء اللاجئين عبئاً إضافياً يمكن الإستغناء عنه، فلا وزن لهم ولا تأثير لغيابهم أو لموتهم. كتب أحد الشبيحة (( بدهم حريّة فليذوقوا طعم الحريّة )) وكتب أحد المناضلين والمدافعين عن النظام السوري إن خسارة هؤلاء المهاجرين لا تعد نزفاً ديموغرافياً لسوريا، وهذا يتّفق مع تصريحات النظام الرسميّة التي يعتبر فيها سوريا لمن يدافع عنها وليس لمن عارض النظام وطالب بالإصلاح.

ولم تكن المعارضة السورية أفضل حالاً عندما أبدت توجّسها من استيعاب الدول الأوروبية للمهاجرين السوريين بشكل يسمح بتفريغ سوريا من شعبها ليحل محلهم "مستوطنين" جدد من الموالين لإيران وسوريا، لقد تم القفز عن مشكلة المهاجرين السوريين الإنسانية للأسف وأصبحت المسألة مسألة خلاف ديموغرافي ونزاع سياسي بين فئتين، أما السوريين أنفسهم فلا بواكي لهم !

ومما يُذكر أن صحيفة شارلي ايبدو الفرنسية شاركت شبيحة النظام الاستهزاء بمأساة اللاجئين السوريين وغرق الطفل إيلان، حيث نشرت رسوماً كاريكاتورية تسخر من غرق إيلان، لتوجه بذلك صفعةً مؤلمةً لكل من تعاطف مع هذه الصحيفة تحت شعار حريّة التعبير وهو ما أسميته في مقالٍ سابقٍ لي (العهر الحضاري) ولا شيء يدعو للإستغراب في سخرية الصحيفة، على الأقل بالنسبة لي، لأن من يسمح لنفسه الاستهزاء بالنبي محمد وبمعتقدات الغير ويجد الدعم والمساندة من حكام ومثقفي وشعوب العالم أجمع بمن فيهم أتباع هذا النبي، يسهل عليه الاستهزاء بعد ذلك بدمنا وضحايانا وإنسانيتنا !!   

 أكثر ما يؤلم وينغّص القلب هو محاولة بعض المثقفين لوم السوريين أنفسهم على مأساتهم وعلى ما جلبوه لأنفسهم من انقسام وتشتّت جرّاء مطالبتهم بأدنى حقوقهم الإنسانية من عدل ومساواة وتعددية وحرية رأي، هل يُعقل أن تتداول الصالونات الثقافية وصفحات التواصل الإجتماعي محاولات إظهار الشعب السوري والشعب العربي بشكل عام بالجاهل الذي لا يعرف مصلحته وأنه قد فتح أبواب جهنم على نفسه بثوراته الشعبيّة !

التحليل المنطقي يفرض علينا أن نربط المقدمات بالنتائج وأن نستنتج المجهول من المعلوم، وبأدنى جهد من التحليل المنطقي سنجد أن الثورة السورية لم تكن سبباً لمآسي الشعب السوري بقدر ما كانت هي نفسها نتيجة لإضطهاد النظام السوري على مدى قرون من الزمان، فمن الذي يتحمل مسؤولية ما جرى ؟!

انه لمنطق عجيب وغريب أن نُحمّل الحركات الثورية التي قادت العالم نحو الأفضل، مآسي الديكتاتوريين الطغاة الذين وقفوا في مواجهة هذه الحركات، هل يتحمل تشي غيفارا مثلاً معاناة الشعوب المقهورة التي انتتفضت وثارت على حكامها المستبدين؟ هل يتحمل لوثر كينغ معاناة السود في نضالهم ضد العبودية والعنصرية وهل يتحمل نيلسون مانديلا ذنب الضحايا الذين قضوا في الحرب الأهلية في جنوب افريقيا؟ لقد قادت الثورات الشعبيّة وحركات التحرّر هذا العالم نحو الأفضل وما الأنبياء الا ثوّار ضد الجهل والعبودية والظلم، فهل يتحمل الأنبياء مسؤولية من قضى من المؤمنين في سبيل الإيمان بالرسالة ؟

 ولنا في التاريخ عبرة، لقد أمر سيدنا محمد أنصاره باللجوء الى الحبشة هرباً من استبداد قريش، وذهبوا لها عن طريق البحر، ولا نعلم حقيقةً هل ذهبوا وعادوا جميعهم بسلام ؟! ومن يتحمل ذنب معاناتهم ؟! من السهل بمكان خلط الأوراق وقلب الوقائع ومحاولة تجريم الضحية في زمن قلّت فيه الأمانة وندر فيه قول الحق.
 

لقد سبق وأن تنبأ أدباؤنا في الماضي بمأساة شعوبنا العربية الحاليّة والتي كانت في نظرهم حاصلة لا محالة، لأنهم كما سبق وأن أشرنا ربطوا المُقدّمات بالنتائج، فكتب نزار قبّاني تحديداً عن البحر الذي سيحمل على ظهره أفواج الثائرين العرب لأن بلادهم لن تتسع لهم، ورسم ناجي العلي ايقونته ( حنظلة ) وهو غريق على شاطىء البحر، في صورة تتشابه الى حد كبير بصورة الطفل الغريق إيلان، وحملت كتابات الماغوط الكثير عن غربة المثقف في وطنه وتنبأ بهجرتهم. هذا فيضٌ من غيض، ولكنه كافٍ للرد على مثقفي نظرية المؤامرة "السفسطائيين" الذين يحاولون قراءة التاريخ بالمقلوب وإلباس حركات التحرّر والتقدّم لباس التخلّف والعمالة.
  


  الى كل من يُبشّر بالصمود الوهمي وانتصار حلف المقاومة والممانعة، وهزيمة المؤامرة الامبريالية الصهيونية، ويا من تلومون الثورة ومسانديها على خراب البلاد وتهجير أهلها، لوموا أنفسكم ولا تلوموا الضحية وكفاكم تدنيساً للتاريخ !

  في النهاية، علينا جميعاً أن نتكاتف لتقديم يد العون والمساعدة لهؤلاء اللاجئين في أزمتهم الإنسانيّة، وعلينا الضغط على حكومات البلاد التي نقيم فيها والمؤسسات الإنسانية للمساعدة على احتواء هذه الأزمة والتخفيف من معاناة هؤلاء اللاجئين على قدر الاستطاعة، وأننا لنرجو الله أن ينتصر لهم قريباً مصداقاً لقوله تعالى (( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ*  الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ )) يا الله ما النا غيرك يا الله !


أيمن أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
18-9-2015



للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban

الخميس، 17 سبتمبر 2015

أفلاطون والعالم الآخر

أفلاطون الفيلسوف اليوناني المعروف وتلميذ سقراط


أنشأ مدرسته الخاصة في حديقة، خارج أثينا تحمل اسم البطل الإغريقي أكاديموس، ومن هنا نشأت تسمية الأكاديمية المعروفة حاليا
عالم الأفكار
اعتقد أفلاطون أن هناك عالما للأفكار وراء كل ما يحيط بنا، فوراء البشر هناك فكرة البشر، ووراء الجياد هناك فكرة الحصان وهكذا.
 أي أن هناك عالما آخر وراء عالم الحواس حيث توجد المثل العليا الأبدية وهو ما سمي ب #نظرية_الأفكار
وانطلاقا من هذه النظرية، قال أفلاطون أن الإنسان مُركّب من جزئين، جسد يخضع للتحولات الفسيولوجية ويرتبط بعالم الحواس وهو زائل، أما الجزء الآخر فهو النفس والتي هي مقر العقل وتستطيع أن ترى عالم الأفكار لأنها عاشت هناك قبل أن ترتبط بالجسد.
يقول أفلاطون : ( إن الناس تكتفي بالعيش بين الظلال غير مدركين أنها ليست إلا صورا، وأن النفس خالدة في عالم الأفكار )
وبهذا يكون أفلاطون قد وضع أقرب النظريات ل #العالم_الآخر وعلاقة الجسد بالنفس، وذلك في القرن الرابع قبل الميلاد ! !

 أيمن أبولبن
17-9-2015

الثلاثاء، 1 سبتمبر 2015

البحث عن الحقيقة الناقصة

البحث عن الحقيقة الناقصة




   أيمن أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

خلال الأسبوع الماضي قام تنظيم داعش بإعدام عالم الآثار السوري الدكتور "خالد الأسعد" بقطع رأسه ثم تعليق جثته في أحد الميادين العامة في مدينة تدمر الأثرية.

  اختلفت طرق تعاطي مستخدمي الشبكات الإجتماعية أو ما يطلق عليهم (النشطاء) مع هذه الحادثة كما اختلفت تغطية وسائل الإعلام لتفاصيل الحدث.

   بعض النشطاء نقل الخبر وركّز على تهمتين فقط من أصل خمسة تهم نشرتها داعش في حيثيات الحكم، وهاتان التهمتان هما: (( العمل في مجال الأصنام وحضور المؤتمرات التكفيرية )).
هذا الطرح بالذات وإبراز هاتين التهمتين دون غيرهما هو تسطيح للأمور لا يخلو من الجهل المبطن، هذا لا يعني بأي حالٍ من الأحوال أن داعش ليست تنظيماً ظلامياً يحارب الحضارة والثقافة، ولكن التركيز على هذه التهم دون غيرها سواءً بقصد أو بدون قصد يدل على تحيّز ومحاولة تسليط الأضواء على جزء معين من الحدث، بهدف اظهار التنظيمات الإسلامية عموماً والتنظيمات المتطرفة على وجه الخصوص بالتنظيمات الجاهلة المعادية للحضارة والعلم والمعرفة.


قسم آخر ركّز على تهمة التعامل أو التخابر مع شخصيات رسمية في المخابرات السورية بهدف التلميح الى ان الرجل قد لقي العقاب الذي يستحقه متناسين او متغافلين عن أن تنظيم داعش لا يملك صلاحية محاكمة افراد الشعب السوري على انتماءاتهم ولا يملك القدرة على التقصي واثبات التهم الموجهة لهم او اعطائهم حق الدفاع عن انفسهم.

بأي حق ينصب هذا التنظيم نفسه حاكماً بأمر الله ؟! ومن جهة أخرى من أباح لهذا التنظيم أو لغيره قطع رؤوس الناس وتعليق جثثهم أو صلبهم بإسم الله وفي سبيل إعلاء كلمته ؟! 

  الحقيقة التي لم يبحث عنها أيٌ من هؤلاء النشطاء، لأن الحقيقة في الغالب لا تعني لهم الكثير وجُلُّ اهتمامهم يقع على قطف بعض التفاصيل هنا وهناك لتعزيز رؤيتهم وأفكارهم المتأصلة عندهم، أقول ان الحقيقة تكمن بين السطور وفي التفاصيل التي وردت من بعض المصادر الإعلامية الموثوقة وبناءً على أنباء من مصادر مُقرّبة من الحدث، تتحدث عن اختطاف عالم الآثار واحتجازه لمدة يومين او ثلاثة قبل قتله وتعرّضه للتعذيب الوحشي بهدف الحصول على معلومات حول قطع أثرية مهمة جداً كان قد أخفاها حتى لا تقع في أيدي التنظيم، ولمّا فشل التنظيم في انتزاع اي معلومة تفيده تخلّص من الرجل ثم فبرك مجموعة من التهم وأطلقها كي يلتقطها الإعلام وبعض الناشطين ويملأوا بها فضاءاتهم الإفتراضية. أي أن ماكينة الإعلام الداعشية ان صح التعبير عرفت ما هي الرسائل التي ستتلقفها وسائل الإعلام ونشطاء الشبكات الإجتماعيّة وقذفتها لهم !

  أغلب الظن، وما أرجحه شخصياً أن الأسعد قد توفي تحت التعذيب (وهو رجل ثمانيني) مما أضطر قادة التنظيم إلى فبركة الموضوع بقطع رأسه ثم تعليق جثته.

   من السذاجة بمكان الإعتقاد أن تنظيم داعش هو مجموعة من الجهلة والمتخلفين حضارياً، هدفهم الوحيد هو إقامة كيان مستقل لهم عن طريق القتل والنهب والسلب وسبي النساء، في الحقيقة أن هذا التنظيم يضم في صفوفه العديد من الخبراء في مجال التسويق الإعلامي وعلم الإجتماع والعمليات الميدانية والبترول والآثار وغيرها من الميادين، ولديه قائمة طويلة من الأهداف قصيرة المدى وبعيدة المدى ومما يؤسف عليه أنه ماضٍ في طريقه بنجاح حتى الآن، وأحد أهم أهدافه هو السيطرة على الموارد الإقتصادية واستغلالها، ومن هذه الموارد (تجارة الآثار).

   تناول الإعلام ونشطاء الشبكات الإجتماعية للأخبار بات قريباً من برامج الفوتوشوب (القطع واللصق) ليس كيفما اتفق بل بناءً على رغبات شخصية في إيجاد ما يستسيغه الشخص أو ما يرغب أن يسمعه، فهو لا يهدف الى البحث عن الحقيقة أو المعرفة الكاملة بل هو يتعمد البحث عن المعرفة الناقصة والتركيز على جزء من الصورة وإغفال الباقي لتعميق أفكاره وتعزيز روايته الشخصية للأحداث الجارية حوله.

قبل أيام انتشر خبر تغيير حكومة حماس في غزة اسم مدرسة تحمل اسم الشهيد "غسان كنفاني" الى اسم "مرمرة"  (السفينة التركية التي حاولت فك حصار غزة عام 2010) تلقف هذا الخبر كل من يحمل ضغينة لحماس من الفصائل المختلفة وكل من تتقاطع رؤيته مع الإسلاميين عموماً وبدأت حملة نشر الغسيل الوسخ لتظهر من خلالها ما تكنه صدور هؤلاء، لقد تناسوا جميعاً في لحظة غضب أن حماس وجناحها العسكري يمثلون آخر ما تبقى من أمل للمقاومة الحقيقية في فلسطين المحتلة، لقد نسي هؤلاء أدوار البطولة التي لعبها الجناح المسلح لحماس في حرب غزة الأخيرة، والدور الصمودي في وجه الإحتلال الاسرائيلي رغم كل الحصار والتجويع والحروب المتتالية.

  لم تعط هذه الفئة من النشطاء نفسها فرصة ساعة واحدة للتأكد من صحة الخبر أو التحقق منه أو التريث قليلاً لفهم أبعاد الموضوع على أقل تقدير، ما هي سوى دقائق بمجرد ان مرّوا على الخبر مروراً سريعاً أو لمحوا احدى التغريدات أو البوستات حتى بدأوا بكتابة صفحات عريضة وتغريدات لا تنفد من انتقاد لحماس وللظلاميين الذين يريدون أن يمحوا تاريخ شهداء الأدب .... الخ القائمة !.

  ما لبث أن إتضح عدم صحة الخبر، وأن اسم " مرمرة" قد أطلق على مدرسة للإناث بمحاذاة مدرسة "غسان كنفاني".

لو أخطأت حماس أو غيرها في حق شاعر أو أديب أو شهيد أو أي مواطن فلتلعلو أصواتنا بالحق ولنوصل رسالتنا قوية واضحة وصريحة ولكن دون شتم وردح وقذف واتهام بالعمالة والخيانة، وذلك بعد التأكد من المعلومة وصحة الخبر وفهم أبعاد القضية.

الى متى سنبقى غوغائين بهذه الطريقة، نفتقد لأدنى شروط المصداقية في الكتابة أو نقل الخبر ؟! والى متى سنبقى انتقائيين في تعاطينا مع الأحداث الجارية حولنا. لا عجب أن يفشل الربيع العربي وتفشل كل محاولات النهضة طالما أننا نتعامل مع الأحداث بهذه السطحية والعبثية، وطالما أننا نصر على البحث عن الحقيقة الناقصة التي ترضي غرورنا !!

  

أيمن أبولبن
28-8-2015




للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban

الثلاثاء، 25 أغسطس 2015

قلوبهم معنا وسيوفهم علينا !


أيمن أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن


نظرة سريعة لأحوال المنطقة خصوصاً فيما يتعلق بأحوال سوريا والعراق كفيلة برؤية سرطان الفساد الذي يستشري بالمنطقة مرتدياً عباءة القوميّة تارة والوطنيّة ومعاداة الإمبريالية تارة أخرى.

   روسيا التي يعتبرها معظم القوميين والوطنيين العرب منارة الحرية وحامية حقوق المظلومين والمسحوقين من شعوب دول العالم الثالث، أمدّت الأسبوع الماضي النظام السوري بست طائرات ميغ بالإضافة الى صواريخ مضادة للدروع و مدافع وعتاد عسكري لمساعدته في إخماد الثورة السورية وإعادة سيطرته على البلاد بعد أن أفلتت زمام الأمور من بين يديه ودانت معظم مناطق البلاد لسيطرة الجيش الحر والتنظيمات المسلحة الأخرى بما فيهم تنظيم داعش، وقد جاء تأكيد النظام السوري على فهمه مضامين رسالة النظام الروسي بارتكاب مجزرة في حق المدنيين ذهب ضحيتها ما يزيد عن مئة ضحية عدا عن سقوط مئات الجرحى إثر قصفها سوقاً شعبياً في بلدة دوما.

   السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان فور سماع خبر إمداد النظام السوري بأسلحة وعتاد عسكري، متى استعمل النظام السوري ترسانته العسكرية ضمن مشروعه للمقاومة والممانعة ؟ أو بالأحرى متى وجه الجيش السوري فوهة بندقيته صوب الجولان المحتل أو شمال الضفة الغربية المحتلة ؟! لا يذكر التاريخ أن طلقة واحدة أطلقت من الأراضي السورية باتجاه الأراضي المحتلة سواءً من الجيش السوري الرسمي أو أي تنظيم آخر بما في ذلك الفصائل الفلسطينية منذ عام 1973 ومن المعلوم للجميع أن عتاد الجيش السوري لم يستخدم فعلياً إلاّ من خلال الثورة السورية وما تلاها من إدّعاءات بمحاربة الإرهاب.

إذاً، فأي مبرر أخلاقي أو وطني أو حتى إنساني يشفع لروسيا تزويدها هذا النظام بأسلحة حديثة وعتاد لا ينفذ ؟ وأي مبرر يسوقه القوميون والوطنيون الأحرار لإستمرار هذا النظام على رأس السلطة في سوريا بعد أن فشل في مشروع المقاومة المزعوم وفشل في إدارة البلاد ثم فشل في الحفاظ على وحدة أراضيه وتركها مشاعاً لكل من هبّ ودبّ مما تسبّب بقتل و تشريد الملايين من السوريين ؟!

المبررات الحقيقية التي نعرفها جميعاً ويغمض عينيه عنها كل قومي ويساري متعاطف مع الحلف الايراني الروسي وعملائه في المنطقة، هي مبررات سياسية وجودية تهدف الى إحداث تغييرات ديمغرافية في المنطقة لا تمت بصلة للخطاب الحماسي الرسمي والذي يتحدث عن المبادىء الإنسانية وشرعية النظام السوري والمؤامرات الخارجية لإسقاطه خدمة للكيان الصهيوني، بل إن إستمرار النظام السوري وشاكلته من الأنظمة هو في الحقيقة أكبر خدمة للمشروع الصهيوني.

على الجانب الآخر برز على السطح هذا الأسبوع الحراك الشعبي العراقي واسع النطاق ضد الفساد والطائفية وضد سياسات الطبقة الحاكمة ومن لفّ حولها، وتصاعدت مطالبات الجماهير بمحاكمة المسؤولين الفاسدين وعلى رأسهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي لا سيما بعد نتائج لجنة التحقيقات حول سقوط الموصل ، ولكن المدهش في الموضوع كان فجاجة النظام الإيراني في التدخل في شؤون جاره العراق، وإعلانه عبر أكثر من مناسبة دعمه لرموز الحكم (الفاسد) دون أي مراعاة لهوية هذا البلد العربي ولغيرة أبنائه وأشقائه العرب من هذا التزاوج غير الشرعي بين قيادة إيران والقيادات العراقية، بل إن الفجاجة الإيرانية بلغت حدّها بقيام مكتب المرشد الإيراني، علي خامنئي، باجراء اتصالات مع بعض القيادات والمسؤولين العراقيين - بمن فيهم رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي - وإبلاغهم رسالة مفادها ( إذا اقتربتم من المالكي سنخرب البلد على رؤوسكم !! )

  وكأن النظام الإيراني يرغب في أن يصنع من عملائه في المنطقة نسخة محلية من أبطال هوليوود الخارقين Untouchables ! )) ))



  واقع حال المثقفين العرب في بلادنا العربية وكل المتحمسين للحلف الايراني الروسي في المنطقة او ما يسمونه بحلف المقاومة والممانعة، هو مثال حي لإنفصام الشخصية أو الانفصال عن الواقع، ففي ظاهر القول تجدهم يدعون لمناهضة المشروع الصهيوني/الامبريالي في المنطقة، ودعم الدول المناهضة لهذا المشروع – حسب إعتقادهم هم – ولكن حقيقة ما تقوم به هذه الأنظمة على أرض الواقع لا يتعدى قتل وتشريد المواطنين الأبرياء بإسم المقاومة، و تكريس الطائفيّة والعنصريّة في البلاد، ناهيك عن الفساد المالي والإداري والضائقة الإقتصادية التي تعيشها هذه البلاد، مما يتناقض مع الأهداف التي يدّعون العمل على تحقيقها، حال هؤلاء المثقفين، كحال الدعايات التجارية في وسائل إعلامنا، حيث الفارق الشاسع بين حقيقة المنتج وما نراه على الشاشة !

  من المؤسف والمخجل أن تُستغل شعارات الوطنية والتحرّر وشعارات المقاومة والممانعة كما أستغل (( قميص عثمان )) من قبل، كلمة حق أريد بها باطل !

ويبقى السؤال القديم المتجدد برسم الإجابة، ما الفرق بين المثقف الذي يرتمي في أحضان البيت الأبيض وينادي بالديمقراطية والحريّة الأمريكية والرأسمالية وحقوق الإنسان، والمثقف الذي يرتمي في أحضان الكرملين وينادي بالإشتراكيّة وحقوق الشعوب المسحوقة والعدالة الإجتماعية طالما أن كليهما ينفذ بنود أجندة أجنبية ويحرص على مصالح سيده في المنطقة ؟!

 ما الفرق بين الجرائم التي أرتكبتها القوات الأمريكية في العراق، وبين الجرائم التي يرتكبها الجيش النظامي السوري والميليشيات الإيرانية وحزب الله بعتاد روسي ودعم لوجستي مخابراتي روسي ؟! ومن جهة أخرى ما الفرق بين هذه الأنظمة والجماعات الإرهابية مثل داعش ؟ ما الفرق بين من يبرر جريمته بأنها دفاع عن الوطن ضد الخونة والعملاء، أو من يبررها بنشر الحرية في العالم، أو من يبررها بالدفاع عن الإسلام ضد المرتدين والكفّار ؟!

إذا عجزنا عن إيجاد الفروقات، فإننا بالتأكيد لن نعجز عن رؤية الحقائق المشتركة بين كل هذه الأطراف والتي يمكن اختصارها بجملة واحدة : قلوبهم معنا في الظاهر، ولكن سيوفهم علينا في واقع الأمر !

أيمن أبولبن
22-8-2015






الأحد، 5 يوليو 2015

الدراما الرمضانيّة، إحترموا عقولنا !

أيمن أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن



   تحرص شركات الإنتاج التلفزيوني كل عام على إنتاج مسلسلات متميزة تمثل باكورة إنتاجها، لتُعرض في شهر رمضان أملاً في الحصول على أعلى نسب للمشاهدة والإستفادة من التجمع العائلي بعد الإفطار وحاجة العائلات لقضاء أمسيات جميلة، خصوصاً مع امتداد ساعات السهر إلى وقت السحور، وبالفعل شهدت مواسم الدراما الرمضانية خلال السنوات الماضية عرض أهم وأفضل الأعمال التلفزيونية والتي صاحبها أيضاً صعود نجم الدراما السورية بشكل سريع ولافت ممّا شكل مفاجأة مفرحة للجمهور العربي.

من المسلسلات التي شكلت علامة فارقة في الدراما التلفزيونية وعرضت في موسم رمضان مسلسل اخوة التراب، التغريبة الفلسطينية، الاجتياح، ليالي الحلمية، أيام شامية، الفصول الأربعة، آرابيسك وغيرها، ولكن مع تزايد المنافسة بين شركات الإنتاج المختلفة وارتفاع الطلب على المسلسلات من قبل القنوات الفضائية والتي تسعى الى ملىء ساعات بثها بكل ما يجذب انتباه المشاهد ويرفع من أعداد المشاهدين للقناة ومع ارتفاع حمّى الاعلانات التجارية واستعداد الشركات لدفع مبالغ طائلة لبث دعاياتها التجارية في المسلسلات التي تحقق اعلى مشاهدة، انقلبت صناعة الدراما العربية من صناعة الفن الجميل الى صناعة ما يعرف بالمسلسلات التجاريّة.

المراقب للدراما الرمضانية في الأعوام القليلة الماضية يلاحظ أن معظم المسلسلات التي تُعرض يتم انتاجها على عجل أو "سلقها على الماشي" حتى تتمكن من اللحاق بالموسم الرمضاني ناهيك عن تدنّي مستوى النصوص ومضمون القصة والتكرار الممل ومطّ الحلقات دون مضمون وبمشاهد لا تخدم الخط الدرامي للعمل. بحيث أصبح الهدف هو الكسب المادي وحسب، لا قيمة فنيّة ترجى من العمل ولا فائدة تنعكس على المجتمع، على عكس المتوقع والمرجو.

  لو راجعنا المسلسلات التي حققت نجاحاً على مستوى الجمهور والنقاد على حد سواء لوجدنا ان الدراما الناجحة عموماً ترتبط بالواقع وتتناول هموم ومشاكل الانسان والمجتمع، على إختلاف نوع الدراما التي يتم تقديمها، سواءً عن طريق تقديم أعمال تاريخيّة لاضاءة حقبة ماضية من التاريخ وابراز ايجابيات وسلبيات تلك الحقبة دون تجميل أو تشويه، أو عرض قصص واقعية تحاكي مشاكل وهموم المجتمع تدعو فيها للفضيلة وتحذر من المظاهر السلبية والسلوكيات المسيئة أو تستشرف المستقبل وتقدّم نبوءات مستقبلية لحال المجتمعات وتكون هذه النبوءة اما ايجابية بحيث تساعد المجتمع على تجسيد أهداف جميلة والسعي لتحقيقها أو سلبية تحذر من خطر الاستمرار في السلوكيات السلبية والانحدار نحو الهاوية.

من المؤسف أن الدراما العربية الحالية حين تتناول الماضي تُحرّفه او تشوّهه وعندما تصوّر الواقع تعطينا واقعاً لا يعيشه سوى قلة قليلة ونادرة، فإما ان يدور المسلسل حول عائلات ثرية وسيارات فارهة وجمال فتّان لنجوم ونجمات المسلسل، مما يدفع المشاهد وخصوصاً من فئة الشباب الى التصادم مع الواقع، واما ان يقتحم العمل العالم السفلي للمجتمعات ويأخذ كل ما فيه من فجاجة ويعرضه على انه من يوميات المواطن العربي الاعتيادية، وهذا ما يزيد من الفجوة بين الدراما العربية والواقع.

  تتكرّس هذه الفجوة بشكل واضح في الدراما الرمضانية لهذا العام، والتي باتت منفصلة تماماً عن الواقع ولا تقدّم للمشاهد أي فائدة أو قيمة فنيّة، ففي مسلسل بيت الحارة على سبيل المثال نرى أن العمل يبرز "نظرياً" العمل الوطني وإحياء القيم الشامية الأصيلة في حين أن معظم طاقم العمل يؤيد نظام الأسد ويقف ضد تطلعات الشعب السوري ! ليس هذا فحسب بل ان المسلسل بات مفصولاً عن الحقبة التاريخية لسوريا ويستعيض عن ذلك بتقديم قصص عن خبايا البيوت و "سواليف حصيدة" لا تسمن ولا تغني من جوع !



اما في الدراما المصرية فنجد ان الزعيم عادل إمام وبعد أن امضى سنين عمره وهو يصر على تجسيد شخصية محطم قلوب العذارى وساحر الجنس اللطيف رغم عدم امتلاكه اي مقومات ل "فتى الأحلام" يجسد لنا هذا العام شخصية اكاديمي يساري ثوري يؤيد تغيير النظام ويصبو لتحقيق العدالة والحرية والمساواة وهو نقيض شخصية عادل امام تماماً ! لا أحد سينسى موقف الممثل الشهير من ثورة يناير أو مواقفه المؤيدة للنظام المصري وتماهيه معه على طول مسيرته الفنيّة، فهل هذا استخفاف بعقول المشاهدين ام قلة اعتبار لأهمية آرائنا وقناعتنا ؟! ناهيك عن الصورة السلبية للثورة والقائمين عليها ولأحزاب المعارضة من يسار ويمين، كعادة كاتب العمل يوسف معاطي في التعامل مع هذه القضايا.

  يزداد سخط المُشاهد عندما يقرأ عن أجور الممثلين والميزانيات الضخمة للأعمال الدراميّة، هل تعلم عزيزي القارىء ان عادل امام تقاضى مليون جنيه مصري عن الحلقة الواحدة اي ما يعادل 4 مليون دولار عن العمل ؟!



من الملاحظ أيضاً، غياب القضايا التي تشغل بال المواطن العربي عن الساحة الدراميّة، قليلة هي الأعمال التي تتناول حقبة الربيع العربي وما صاحبها من هموم ومشاكل للمجتمعات العربية، مثل مشاكل اللاجئين السوريين او المعتقلين والسجناء السياسيين، أزمة الفكر الاسلامي، والطائفية والعنصرية.... الخ القائمة الطويلة من مشاكل وأوجاع الوطن العربي، وهنا يجب ان نرفع القبعة لبرنامج سيلفي للفنان غازي القصبي الذي يتناول سلبيات المجتمع السعودي والخليجي خاصة والعربي عامة ويتناول قضايا التطرف الداعشي والإرهاب، وكذلك برنامج خواطر في موسمه الأخير.

هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن جميع مسلسلات هذا العام هي دون المستوى، إذ لا يمكن لمتابع واحد ان يشاهد جميع المسلسلات ويحكم عليها، ولكن الحديث بشكل عام عن تدهور مستوى الدراما العربية إجمالاً وإعتمادها على الربح المادي والتسويق الجماهيري وإبتعادها عن الغاية الأساسية وهي إضافة قيمة فنيّة وتوجيه رسائل ذات قيمة للمجتمع.


أدعوكم الى اغلاق شاشات التلفاز وعدم متابعة أي مسلسل يستخف بعقولكم او مشاعركم، ويضر بالصحّة النفسيّة لأطفالنا وشبابنا، واحترام الوقت الذي نضيعه في مشاهدة هذه المسلسلات، علينا الإعتراف أن كل من يتابع هذه المسلسلات هو مساهم في نجاحها ودر الدخل والأرباح للقائمين عليها واصحاب الاعلانات التجارية، هذه دعوة لتوجيه رسالة حاسمة للعاملين على القنوات الفضائية والعاملين في مجال الدراما التلفزيونية، احترموا عقولنا !!

 
أيمن أبولبن
2-7-2015




الخميس، 18 يونيو 2015

الإصلاح الثقافي والديني


دراسة مهمة  في الاصلاح الثقافي والديني للدكتور محمد شحرور

 
قيّمة جداً وتستحق التأمل والتفكّر وانتهاج نهج الاصلاح بتغيير المفاهيم واعلاء قيم الحرية والعدالة والمساواة  

 
الحاجة الملحة للإصلاح الثقافي (الديني) في بلدان الشرقين الأدنى والأوسط – معهد العلاقات الثقافية الخارجية، ألمانيا
بسم الله الرحمن الرحيم
د. محمد شحرور

 
يسعدني في البداية أن أسجل شكري وإعجابي بالعاملين في معهد العلاقات الثقافية الخارجية في ألمانيا، أما شكري فعلى دعوتهم لي للمشاركة في فعاليات هذا المؤتمر. وأما إعجابي، فبهذه العناوين الدقيقة المتفائلة للمؤتمر: "مسارات التحول في بلدان الشرقين الأدنى والأوسط "، "الحاجة إلى إصلاحات في العالم العربي من ثلاث زوايا"، "هل يمكن تصدير الديموقراطية؟"، التي قرر واضعها ألا ينضم إلى قوافل المتشائمين الذين يشغلون حيزاً ملحوظاً من الشارع في بلدان العالمين العربي والإسلامي عامة، وفي بلدان الشرق الأوسط خاصة.
هناك "عمليات تحول" تجري، وهناك "مسارات تحول" تتشكل في بلدان الشرقين الأدنى والأوسط، تلك حقيقة أولى. وهناك "حاجة إلى إصلاحات سياسية واقتصادية وثقافية في العالم العربي"، وتلك حقيقة ثانية. وهناك محاولات – من أكثر من جانب – للتحكم في مسارات التحول هذه، وتوجيه عملياته ومراحله، من جهة، ولوضع قائمة بأولويات الإصلاحات المطلوبة من جهة أخرى، وتلك حقيقة ثالثة. وهناك أخيراً أسلوب في التحكم، وقائمة بالأولويات، يصوغها كل جانب وفق مصالحه ورؤيته لما يجب أن تكون عليه الأمور، وتلك حقيقة رابعة.
والطريف أن "موضة" الإصلاحات هذه شاعت في الشهور الأخيرة في عدد من دول العالم بما فيها دول المنطقة، تحول معها الإصلاح لدى الدارسين المنظرين في حقول السياسة والاقتصاد والثقافة إلى مصطلح غامض فضفاض، تختلف دلالته من بلد لآخر، ومن نخبة لأخرى ضمن البلد الواحد. مصطلح يتدرج تأويله – شأن العديد من المصطلحات الأخرى كالديموقراطية والإرهاب – على مدرج طيفي متعدد الألوان. فمثلاً الملالي المعارضين في إيران يطلقون على أنفسهم اسم الإصلاحيين.
ولكن، هل يعتبر تغيير الألبسة الموحدة لطلاب المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية – كما حصل في سوريا واليمن هذا العام – إصلاحاً ثقافياً؟ وهل يعتبر تغيير أغلفة كتب المناهج الدينية وتبديل عناوينها – كما حصل في السعودية – إصلاحاً دينياً؟ وهل يعتبر حل الوزارات وإعادة تشكيلها – كما حصل في سوريا – إصلاحاً سياسياً؟ هل يعتبر السماح لبعض التيارات السياسية والمدنية بإصدار صحف ونشرات إصلاحاً ديموقراطياً في بلدان تحكمها الرقابة الأمنية من جانب والأحكام العرفية من جانب آخر؟.
طبقاً للرؤية البريطانية كما شرحها السيد مونرو الديبلوماسي العجوز على شاشة الجزيرة، يبدأ الإصلاح بنسيان الماضي والتعامل بواقعية مع الحاضر القائم. إنها نفس الرؤية الأمريكية التي انطلق منها السيد باول حين أعلن مؤخراً أن المشكلة في الشرق الأوسط – وفي فلسطين المحتلة تحديداً – بدأت في عام 1967. ونحن – بشكل طبيعي وأساسي – ندعو إلى استذكار الحاضر والتعامل معه بواقعية، وإجراء قطيعة معرفية مع التراث مع المحافظة على استمراريته التاريخية، أما نسيان الماضي، ونسيان كل ما حصل قبل عام 1967 فأمر يمكن أن نطلق عليه ما شئنا من عناوين وأسماء ما عدا الإصلاح.
بتاريخ 1/9/2002، ألقيت محاضرة في "منتدى الحوار الديموقراطي" بدمشق بعنوان "مفهوم الحرية والعدالة في الإسلام". انتقدت فيها الداعين إلى الإصلاحات في العالم العربي الإسلامي لإعطائهم الأولوية للإصلاح السياسي، ورأيت – وما زلت أرى – أن الإصلاح الفكري والثقافي، ومن ضمنه الفكري الديني، أحق بالأولوية.
في الواقع، حين أدعو إلى "إصلاح فكري ثقافي ديني أولاً" إنما أفعل ذلك رداً على دعاة الإصلاح السياسي الذين يتجاهلون – لسبب أو لآخر – أهمية العامل الديني في تشكيل الثقافة العربية والفكر العربي، أهمية تبدو واضحة الأثر والتأثير في الحاضر والماضي، أهمية لا ينفع التجاهل في نفي وجودها. فالإصلاحات يجب أن تسير – كما أرى – على نسق في وقت واحد معاً وليس على رتل. بعبارة أخرى لا يجوز – بل لا يمكن عملياً – إخضاع الإصلاحات لقائمة أولويات.
من هنا، يصبح واضحاً تماماً ما أعنيه بقولي إن الدين هو المُكوّنُ الأساسي في الثقافة العربية، وإن أي إصلاح ثقافي في العالم العربي لابد وأن يمر عبر بوابة إصلاح ديني، اعتدت أن أسميه في كتاباتي "إصلاحاً دينياً"، يتم من خلال قراءة الأحكام والنصوص الدينية قراءةً معاصرةً بعيداً عن التفاسير والاجتهادات التراثية.
لقد تحالف – منذ القرن السابع الميلادي – هامانات المؤسسة الدينية مع فراعين المؤسسة السياسية على تحويل ما جرى من أحداث وما ساد من ثقافة وفقه في القرنين السابع والثامن إلى دين يقر الاستبداد ويكرسه، ويربط طاعة الحاكم المستبد بطاعة الله والرسول، ويلزم الناس بطاعة "ولي الأمر" وفق تعاليم تلبس أحياناً لباس الحديث النبوي، وأحياناً أخرى لباس الأحكام الفقهية، كحديث نبوي يزعم حذيفة بن اليمان فيه أن النبي قال "اسمع وأطع ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك" وكغيره من أحكام فقهية تقول "الطاعة لمن غلب"، "إذا ظلمك الأمير فعليه الوزر وعليك الصبر"، "سلطان تخافه الرعية خير للرعية من سلطان يخافها".
وكان يحصل أحياناً أن يجد فقهاء البلاط أنفسهم أمام آية قرآنية تكشف مقاصدهم المذهبية والطائفية والسلطوية، وتفضح توجهاتهم في إضفاء الشرعية على حكم المستبد، فيلجأون إلى تفسير الآية وتأويلها بشكل يغطي هذه التوجهات وتلك المقاصد. كما فعلوا بآية الإرث إرضاءً لبني العباس الذين استولوا على مقاليد الحكم بالقوة والعنف حين اعتبروا أن الولد الذكر هو الذي يحجب الإرث عن الأعمام أما الأنثى فلا تحجب. وكان هذا الرأي الفقهي كافياً في حينه لإخراج فاطمة وزوجها الإمام علي من اللعبة السياسية. وكما فعلوا بآية الشورى، حين اعتبروا الشورى مُعلمة وليست ملزمة، وكان هذا التفسير – وما زال – كافياً لنسف المقصد الإلهي للشورى من أساسه.
هذه الثقافة التراثية الفقهية بالذات – التي امتدت وتراكمت زهاء ثلاثة عشر قرناً، بدءاً من معاوية وانتهاء بالسلطان عبد الحميد العثماني مروراً بالأمويين والعباسيين والفاطميين والأيوبيين والمماليك والعثمانيين – هي التي نعيشها ونعيش عليها اليوم. وحين أطاح أتاتورك بنظام الخلافة منذ قرن تقريباً، لم يكن ذلك غيرة على الديموقراطية والعدل والمساواة التي ذبحها حكم الفرد المستبد باسم الخلافة، فقد ذهبت الخلافة كشكل، وبقي مضمونها الاستبدادي حياً في الفكر العربي والإسلامي، فمصطلح المستبد العادل ما زال شائعاً في الثقافة العربية الإسلامية وهذا ما جعل كثير من الناس إلى الآن لا يقاومون الحكم الاستبدادي إذا تم تحت شعار العدالة، الأمر الذي يفسر لنا عدداً من الظواهر لا يمكن تفسيرها بدونه:
1 – عدم وجود فقه دستوري في التراث، وبالتالي انعدام الوعي الدستوري لدى الناس. والسبب هو أن الفقه الدستوري يحتاج إلى إبداع، والإبداع معدوم في ثقافتنا الموروثة القائمة أساساً على النقل والتلقين والتقليد.
2 – في عام 1860 وضع الفرنسيون دستوراً لتونس بعد احتلالها، وحصلت انتفاضة في تونس وكان أول طلباتها إلغاء الدستور.
3 – عدم احتجاج أحد في سورية عام 1973 على المادة 93 من الدستور المطروح حينها للتصويت، والتي تنص على أن رئيس الجمهورية لا يخضع للمساءلة، وبلغت نسبة الموافقين حسب ما نشرته الصحف 99%. بينما بالرغم من أن حزب البعث حزب علماني اضطر أن يذكر في المادة 3 أن دين رئيس الجمهورية الإسلام، وأن الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع.
4 – عدم وجود إحساس عميق وراسخ بقيمة الحرية في الوعي الجمعي الإنساني التراثي عامة والعربي والإسلامي خاصة، هذه القيمة التي تبلورت جوانبها وأخذت معانيها على مختلف المرتسمات في العصور الحديثة. أما تراثياً فقد اختلطت مع العدالة والمساواة. فالثورة الفرنسية – كما أراها – حركة إصلاح ضخمة تهدف في جوهرها إلى المساواة، ومثلها الثورة البلشفية في روسيا، حركة إصلاح تهدف إلى العدالة.
لقد ظلت الحرية زمناً طويلاً لا تعني في الفكر أكثر من نقيض للرق، فالحر هو الذي لا يباع ويشترى في أسواق النخاسة. لكننا لا نشك أبداً في أن عمر بن الخطاب، ثاني الخلفاء الراشدين، حين أطلق منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً عبارته المشهورة "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً"، كان سابقاً لعصره في استشفاف معنى العدالة والمساواة ضمن مصطلح الحرية، فهو لم يقصد استنكار استعباد الناس بالرق، بدليل أن نظام الرق كان سائداً في عصره، ولم نسمع أنه فعل شيئاً كخليفة لإلغائه. وبرغم ذلك بقي في التراث الفقهي الإسلامي أن الحر هو نقيض الرق لا أكثر من ذلك.
5 – انعدام الشعور لدى الإنسان العربي بأنه يعيش في ظل أحكام عرفية تتجدد آلياً كلما انتهت مدتها، تزعم السلطات الحاكمة المستبدة أنها لازمة لحماية الناس من أخطار الصهيونية حيناً، والشيوعية حيناً، والعلمانية حيناً، وطمس الهوية القومية حيناً والحضارة الغربية الفاسدة أحياناً أخرى.
6 – عدم قدرة الفكر الإسلامي على التمييز بين الإسلام الأصل كما نزل على قلب النبي (ص) والتطبيق التاريخي لهذا الإسلام، أي بين التنزيل الحكيم وكتب التفسير والحديث والفقه، بين إسلام جاء ليتمم مكارم الأخلاق وليؤكد كرامة الإنسان، وإسلام يعتبر كل الآخرين كفرة. بين إسلام يفتح أبواب الإبداع على مصاريعها، وإسلام يختزل التاريخ والجغرافيا ويقيد العقل بنصوص تراثية يزعم سدنتها أنها تحوي الحقيقة المطلقة في كل زمان ومكان.
7 – عدم قدرة الفكر الإسلامي العربي التاريخي حتى الآن على تحويل قيم الحرية والعدالة والشورى إلى مؤسسات، فبقيت مجسدة من خلال أشخاص بعينهم.
والسؤال الآن: كيف يعقل أن نسأل – أو نبحث – عن إصلاحات سياسية في مجتمعات تقولب وعيها وتشكل فكرها عبر القرون على النحو الذي ذكرناه؟
لقد بدأت في النصف الثاني من القرن الماضي تظهر مشاريع حداثة وتحديث في المنطقة، منها الماركسي ومنها الاشتراكي ومنها القومي والبعثي والليبرالي، ومنها ما هو مزيج من هذا وذاك. لكنها باءت كلها بالفشل، وانتهت بانهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية، وكان أحد أسباب فشلها تجاهل أهمية العامل الديني في تشكيل الفكر والثقافة. وظهرت بالمقابل شعارات تنادي "بحاكمية الله" وبأن "الإسلام هو الحل"، وباءت كلها بدورها بالفشل حتى الآن، ولم تنتج سوى المزيد من الاستبداد والمزيد من العنف الذي بلغ ذروته في أحداث 11/9 في الولايات المتحدة. وكان السبب الوحيد لفشلها انطلاقها من أرضية فقه إسلامي تراثي تاريخي توهمت أنه يحوي الحقيقة المطلقة وهي بالذات ضحية ثقافة مريضة.
والسؤال الآن: كيف يمكن – بعيداً عن الأطر الموروثة – استنباط مفاهيم مثل: التعددية، الحقوق الدستورية، الانتخابات، التمثيل البرلماني، فصل السلطات، حقوق المرأة، المساواة وتكافؤ الفرص.. وغيرها، من القرآن الأصل، وزرعها في العقل العربي المسلم بدلاً من جذور رسختها قرون وقرون من الاستبداد السياسي والديني والثقافي والمعرفي؟ مثل: الكافر، المرتد، الزنديق..
الولايات المتحدة، رغبة منها بعدم تكرار ما حدث يوم 11/9، تدعو إلى "إصلاحات"، وكان يمكن لدعواتها الإصلاحية هذه أن تثمر – نظراً لاتفاقها بالمصادفة مع دعوات الإصلاحيين في الداخل – لو أنها تبنت الأسلوب الفرنسي والألماني والبريطاني إلى حد ما، المتمثل في موقف الاتحاد الأوربي من الأوضاع في المنطقة، وقامت بإصلاحات ثقافية فكرية على مدى طويل، على رأسها ترسيخ حقوق الإنسان والحرية في الوجدان العربي، يتمكن معه وبعده أصحاب العلاقة المستهدفين بالإصلاح من إصلاح أنفسهم.
وفي تصوري أن الولايات المتحدة قد تنجح بالقوة العسكرية في إزاحة نظام ما واستبداله بنظام آخر، وفي احتلال هذا البلد وزرع قواعدها في ذاك، لكن ذلك كله سيبقى يحمل اسماً آخر لا علاقة له بالإصلاح. قد تعتقد أمريكا – مع كثير من التفاؤل – أنها نجحت مع طالبان وصدام حسين.. ولكن ماذا تفعل مع بقية الدول في المنطقة، وكلها بلدان يحمل كثير من الناس فيها الفكر الطالباني وفكر الملالي وتحمل أنظمتها الحاكمة الفكر الصدامي؟ الفكر والثقافة هما الموجه الأول والأخير للسلوك، تلك حقيقة أولى. والإصلاح الثقافي والفكري – بما فيه تصحيح المفاهيم الدينية – أمر لا يتم بين ليلة وضحاها بفعل قوة عسكرية خارجية قاهرة، وتلك حقيقة ثانية. ولعل يلتسين وغورباتشيف خير مثال يؤكد ما نقول، فقد كان غورباتشيف يحلم منذ أيام دراسته الثانوية بإصلاح النظام في روسيا، أي قبل 35 عاماً من إعلانه (البيريسترويكا ). نقول هذا نقلاً عنه شخصياً في العديد من مقابلاته الصحفية.
هناك إذاً من يدعو إلى الإصلاح في الداخل والخارج، ويرى أنه ممكن، سواء في ضوء رؤية أمريكية أو رؤية أوربية. لكن هناك بالمقابل من يرى فيه "مجرد عباءة إصلاحية" تخفي تحتها استعماراً جديداً يهدف إلى طمس الهوية العربية وتفريغ الإسلام من مضمونه. وهناك إلى جانب هؤلاء وأولئك شريحة أخرى، رصدها الدكتور فيصل قاسم في إحدى حلقات برنامجه على شاشة الجزيرة، ترى الإصلاح مستحيلاً لا أمل فيه ولا فائدة منه، وأنه بالأساس "عملية تجميل" لأنظمة متفق على بقائها، فالعلة في رأيهم كما يقول روبيسبيير متجذرة في الرأس لا علاج لها إلا بالقطع.
ومن هنا يجد المتأمل المراقب الدارس نفسه أمام معان وتطبيقات إصلاحية، تختلف واحدتها عن الأخرى باختلاف المنادين بالإصلاح والداعين إليه أو الرافضين له. أما أنا فأقول إن للإسلام الحالي أربعة جوانب: قيمي وشعائري وتشريعي وجانب رابع هو الجانب السياسي وفيه تكمن المأساة.
أما الجانب القيمي – مجسداً بالمثل العليا عموماً في التنزيل الحكيم وبالوصايا العشر خصوصاً في سورة الأنعام 151، 152، 153 – فليس محل خلاف، لأنها قيم يحترمها البوذي ويقدسها المسيحي بذات الدرجة التي يحترمها فيها المسلم ويقدسها.
وأما الجانب الشعائري – بما فيه من صلاة وصيام وزكاة وحج – فهو أيضاً ليس محل خلاف، إذ لكل ملة شعائرها التي تشبه في المضمون شعائر كل الملل الأخرى وإن اختلفت في الشكل. فالمسلم يصلي ويصوم، والمسيحي يصلي ويصوم، المسلم يزكي ويحج إلى الكعبة في مكة، والبوذي يتصدق وله كعبة خاصة به يحج إليها.

 

(( ملاحظة: البوذية ليست دين سماوي وبوذا ليس نبياً، وأحسب أن الكاتب قصد الإشارة الى تنوّع طقوس العبادات بين البشر ))

 

تبقى الإشكالات قائمة حصراً في الجانبين التشريعي والسياسي، ليس بين الأمة الإسلامية والأمم الأخرى وحسب، بل بين طوائف ومذاهب الأمة الإسلامية ذاتها. ففيهما يتجلى – تطبيقاً وممارسة – الانحراف والتحريف في فهم التنزيل السماوي الموحى، وفيهما يتجسد الفقه التراثي كأداة من أدوات الاستبداد الديني تدعم الاستبداد السياسي وتبرره، وتجعل من هامانات المؤسسة الدينية حراساً على جسر العلاقات بين الإنسان وربه، وبينه وبين الآخرين، لا يمر أمر في الاتجاهين إلا بإذنهم. أو كأداة بيد من يمارس العنف باسم الإسلام معارضاً رجال الدين والسياسة معاً، علماً أن كليهما يحمل نفس المرجعية، وكلاهما انتقائي يختار من التراث ما يناسبه وما يؤيد موقفه.
ثمة من يظن أن بالإمكان تحقيق إصلاحات يتم فيها استبعاد العامل الديني، أو تحييده، كما حصل في الغرب، وأن بالإمكان إقناع الناس بأن حاجتهم إلى برلمانات وتعددية حزبية وصحافة أكبر من حاجتهم إلى مجالس للإفتاء. لهؤلاء أقول، إن الدين في المنطقة العربية والإسلامية هو المكون الأساسي للثقافة والمحرك الأساسي للسلوك. ولا بد لتأصيل وترسيخ هذه المفاهيم من إصلاح إبداعي ديني لتصبح هذه المفاهيم جزءاً منه، خاصة وأن رسوخ الفقه التراثي التقليدي يقاوم ويعرقل أية محاولة للإصلاح والتصحيح.
من جهة أخرى، حين نجح الإصلاح في الغرب كانت السلطة الدينية بيدها تعيين الحكام والملوك والأمراء، أما عندنا فالوضع مقلوب، فالسلطة السياسية هي التي تعين أعضاء المؤسسة الدينية بدءاً من خادم الجامع وانتهاء بالمفتي العام وتنفق عليها. وما الحركات السياسية الدينية بالأساس إلا احتجاجاً على هذا الوضع. فنحن نرى بشكل واضح كيف اجتمعت السلطة الدينية والسياسية معاً في سلطة واحدة بيد طالبان في أفغانستان وبيد الملالي في إيران. وهذا ما يطمح إليه كثير من الحركات السياسية الإسلامية التي تحمل رصيداً شعبياً كبيراً حتى ولو لم تمارس العنف.
في ضوء هذا كله، وضمن ما سمح لي به المجال من شرح مدى الحاجة الملحة إلى إصلاح ثقافي فكري ديني بشكل عام، دون التطرق إلى آليات هذا الإصلاح وخطواته ومراحله، تاركاً الفرصة لأصحاب المداخلات عبر الحوار لرسمها وتحديدها، أقول:
أعطني وعياً فكرياً لدى الناس بأهمية الحرية والعدالة والمساواة، والتركيز على أولوية الحرية كما أرادها الله لهم في تنزيله الحكيم، وعياً رافضاً لأوهام الجبرية التي تحوله إلى دمية على مسرح عرائس، يقاتل في سبيل حرية الآخرين ورفع الظلم عنهم، بغض النظر عن انتمائهم الديني والعرقي والسياسي، ولن تبقى في ضوء هذا الوعي إشكالات تضطرك إلى البحث عن إصلاحات. وستنقلب الأطروحة التراثية السابقة إلى "حاكم يخاف من الرعية خير للرعية من حاكم تخافه".

والحمد لله رب العالمين.
معهد العلاقات الثقافية الخارجية – ألمانيا

 

تم توثيق هذه الدراسة في كتاب (( الإسلام، الأصل والصورة المنشور عام 2014 )