الثلاثاء، 1 سبتمبر 2015

البحث عن الحقيقة الناقصة

البحث عن الحقيقة الناقصة




   أيمن أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

خلال الأسبوع الماضي قام تنظيم داعش بإعدام عالم الآثار السوري الدكتور "خالد الأسعد" بقطع رأسه ثم تعليق جثته في أحد الميادين العامة في مدينة تدمر الأثرية.

  اختلفت طرق تعاطي مستخدمي الشبكات الإجتماعية أو ما يطلق عليهم (النشطاء) مع هذه الحادثة كما اختلفت تغطية وسائل الإعلام لتفاصيل الحدث.

   بعض النشطاء نقل الخبر وركّز على تهمتين فقط من أصل خمسة تهم نشرتها داعش في حيثيات الحكم، وهاتان التهمتان هما: (( العمل في مجال الأصنام وحضور المؤتمرات التكفيرية )).
هذا الطرح بالذات وإبراز هاتين التهمتين دون غيرهما هو تسطيح للأمور لا يخلو من الجهل المبطن، هذا لا يعني بأي حالٍ من الأحوال أن داعش ليست تنظيماً ظلامياً يحارب الحضارة والثقافة، ولكن التركيز على هذه التهم دون غيرها سواءً بقصد أو بدون قصد يدل على تحيّز ومحاولة تسليط الأضواء على جزء معين من الحدث، بهدف اظهار التنظيمات الإسلامية عموماً والتنظيمات المتطرفة على وجه الخصوص بالتنظيمات الجاهلة المعادية للحضارة والعلم والمعرفة.


قسم آخر ركّز على تهمة التعامل أو التخابر مع شخصيات رسمية في المخابرات السورية بهدف التلميح الى ان الرجل قد لقي العقاب الذي يستحقه متناسين او متغافلين عن أن تنظيم داعش لا يملك صلاحية محاكمة افراد الشعب السوري على انتماءاتهم ولا يملك القدرة على التقصي واثبات التهم الموجهة لهم او اعطائهم حق الدفاع عن انفسهم.

بأي حق ينصب هذا التنظيم نفسه حاكماً بأمر الله ؟! ومن جهة أخرى من أباح لهذا التنظيم أو لغيره قطع رؤوس الناس وتعليق جثثهم أو صلبهم بإسم الله وفي سبيل إعلاء كلمته ؟! 

  الحقيقة التي لم يبحث عنها أيٌ من هؤلاء النشطاء، لأن الحقيقة في الغالب لا تعني لهم الكثير وجُلُّ اهتمامهم يقع على قطف بعض التفاصيل هنا وهناك لتعزيز رؤيتهم وأفكارهم المتأصلة عندهم، أقول ان الحقيقة تكمن بين السطور وفي التفاصيل التي وردت من بعض المصادر الإعلامية الموثوقة وبناءً على أنباء من مصادر مُقرّبة من الحدث، تتحدث عن اختطاف عالم الآثار واحتجازه لمدة يومين او ثلاثة قبل قتله وتعرّضه للتعذيب الوحشي بهدف الحصول على معلومات حول قطع أثرية مهمة جداً كان قد أخفاها حتى لا تقع في أيدي التنظيم، ولمّا فشل التنظيم في انتزاع اي معلومة تفيده تخلّص من الرجل ثم فبرك مجموعة من التهم وأطلقها كي يلتقطها الإعلام وبعض الناشطين ويملأوا بها فضاءاتهم الإفتراضية. أي أن ماكينة الإعلام الداعشية ان صح التعبير عرفت ما هي الرسائل التي ستتلقفها وسائل الإعلام ونشطاء الشبكات الإجتماعيّة وقذفتها لهم !

  أغلب الظن، وما أرجحه شخصياً أن الأسعد قد توفي تحت التعذيب (وهو رجل ثمانيني) مما أضطر قادة التنظيم إلى فبركة الموضوع بقطع رأسه ثم تعليق جثته.

   من السذاجة بمكان الإعتقاد أن تنظيم داعش هو مجموعة من الجهلة والمتخلفين حضارياً، هدفهم الوحيد هو إقامة كيان مستقل لهم عن طريق القتل والنهب والسلب وسبي النساء، في الحقيقة أن هذا التنظيم يضم في صفوفه العديد من الخبراء في مجال التسويق الإعلامي وعلم الإجتماع والعمليات الميدانية والبترول والآثار وغيرها من الميادين، ولديه قائمة طويلة من الأهداف قصيرة المدى وبعيدة المدى ومما يؤسف عليه أنه ماضٍ في طريقه بنجاح حتى الآن، وأحد أهم أهدافه هو السيطرة على الموارد الإقتصادية واستغلالها، ومن هذه الموارد (تجارة الآثار).

   تناول الإعلام ونشطاء الشبكات الإجتماعية للأخبار بات قريباً من برامج الفوتوشوب (القطع واللصق) ليس كيفما اتفق بل بناءً على رغبات شخصية في إيجاد ما يستسيغه الشخص أو ما يرغب أن يسمعه، فهو لا يهدف الى البحث عن الحقيقة أو المعرفة الكاملة بل هو يتعمد البحث عن المعرفة الناقصة والتركيز على جزء من الصورة وإغفال الباقي لتعميق أفكاره وتعزيز روايته الشخصية للأحداث الجارية حوله.

قبل أيام انتشر خبر تغيير حكومة حماس في غزة اسم مدرسة تحمل اسم الشهيد "غسان كنفاني" الى اسم "مرمرة"  (السفينة التركية التي حاولت فك حصار غزة عام 2010) تلقف هذا الخبر كل من يحمل ضغينة لحماس من الفصائل المختلفة وكل من تتقاطع رؤيته مع الإسلاميين عموماً وبدأت حملة نشر الغسيل الوسخ لتظهر من خلالها ما تكنه صدور هؤلاء، لقد تناسوا جميعاً في لحظة غضب أن حماس وجناحها العسكري يمثلون آخر ما تبقى من أمل للمقاومة الحقيقية في فلسطين المحتلة، لقد نسي هؤلاء أدوار البطولة التي لعبها الجناح المسلح لحماس في حرب غزة الأخيرة، والدور الصمودي في وجه الإحتلال الاسرائيلي رغم كل الحصار والتجويع والحروب المتتالية.

  لم تعط هذه الفئة من النشطاء نفسها فرصة ساعة واحدة للتأكد من صحة الخبر أو التحقق منه أو التريث قليلاً لفهم أبعاد الموضوع على أقل تقدير، ما هي سوى دقائق بمجرد ان مرّوا على الخبر مروراً سريعاً أو لمحوا احدى التغريدات أو البوستات حتى بدأوا بكتابة صفحات عريضة وتغريدات لا تنفد من انتقاد لحماس وللظلاميين الذين يريدون أن يمحوا تاريخ شهداء الأدب .... الخ القائمة !.

  ما لبث أن إتضح عدم صحة الخبر، وأن اسم " مرمرة" قد أطلق على مدرسة للإناث بمحاذاة مدرسة "غسان كنفاني".

لو أخطأت حماس أو غيرها في حق شاعر أو أديب أو شهيد أو أي مواطن فلتلعلو أصواتنا بالحق ولنوصل رسالتنا قوية واضحة وصريحة ولكن دون شتم وردح وقذف واتهام بالعمالة والخيانة، وذلك بعد التأكد من المعلومة وصحة الخبر وفهم أبعاد القضية.

الى متى سنبقى غوغائين بهذه الطريقة، نفتقد لأدنى شروط المصداقية في الكتابة أو نقل الخبر ؟! والى متى سنبقى انتقائيين في تعاطينا مع الأحداث الجارية حولنا. لا عجب أن يفشل الربيع العربي وتفشل كل محاولات النهضة طالما أننا نتعامل مع الأحداث بهذه السطحية والعبثية، وطالما أننا نصر على البحث عن الحقيقة الناقصة التي ترضي غرورنا !!

  

أيمن أبولبن
28-8-2015




للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق