الأحد، 11 أبريل 2010

كلُّ الأشياءِ كانت.... مُوَدِّعة



      كانت النظراتُ كلُّها  مُودِّعة ، والعيونُ التي رافقتني ، وهي تستجمعُ آخر الصور لي لتُبقيها في ذاكرتها الحيّة ، كانت أيضاً مُودِّعة ، كلُّ الأيادي التي صافحتني كانت مُودِّعة ، تمدُّ يدايَ بدفىءِ الوداع ، و تذيبُ بعضاً من المشاعرِ المتجمّدة.
   كلُّ الأحضانِ التي غمرتني كانت مُودِّعة ، كلُّ الأيادي التي لوّحت لي كانت مُودِّعة ، كلُّ النسماتِ التي داعبت شعري ، كلُّ الاشجارِ التي اصطفّت على جانبِ الطريقِ ، كلُّ الابتساماتِ التي ارتسمت على الوجوه ، كلُّ الكلماتِ ، كلُّ الاشياء ، كانت مُودِّعة.

    مضى عامانِ  على الطائرة التي أقلّت جُروحي ، وحملت همّيَ المزروعَ في حقيبتي ، مضى عامانِ  على مرورِ شريط ذكرياتي كومضاتِ نورٍ متلاحقةٍ أمامي ، تتراءى لي عبر نافذةِ الطائرة ، هناك في المدى البعيدِ .

 مضى عامانِ على رجفةِ قلبي في إنتظار ساعةِ الرحيل ، مضى عامانِ على كلماتِ الوداع ، سنشتاق لك ، لا تنسى أن تُطمأننا عنك ، لا تقلق على شيءٍ وراءكَ .

 مضى عامانِ على التنهّداتِ والحسراتِ ، مضى عامانِ ، على إنفطار القلب ، على البُعد ، على فُراق الأهل والأصدقاء ، مضى عامانِ على أُمسية الوداعِ ، مضى عامانِ على رحيلي عن أخوتي ، وأصدقائي ، مضى عامانِ عليّ هنا.

 مضى عامانِ على بُكاء ولدي الصغير ، متسائلاً لماذا تودّ السفر يا أبي !؟ ، غيرَ مقتنعٍ بكل الأسبابِ التي ذكرتها له ، مضى عامانِ على دمعات أمي ، وبكائها ، وصوتها المتقطِّع حُزناً ، مضى عامانِ على وداع زوجتي لي ، غير مصدقةٍ أن ساعةَ الوداع قد حانت .

 مضى عامانِ على وداع ابنتي شهد ، كانت قد جاوزت الرابعة من عُمرها بقليل ، ولم تكن تعي ما يحصل ، لا معنى للسفر عندها ، طلبت مني ان أحملها ، وأرفعها لتلمِسَ السقف ، حملتها وقبّلتها ، ثم سألتني متى ستأتي الطائرة الى بيتنا لتأخذنا عندك ؟

 هل ما زالت العصافيرُ تزرو شباّك غرفتي ، هل ما زالت تذكُرني ؟ هل ما زالت أشعة الشمس تخترق الشبابيك وتزعج النائمين كل صباح ، ماذا حلّ بالحمامة التي وضعت بيضها على شباّك حمّامنا ؟ هل خرج صغارها الى النور ؟ كيف هو حيُّنا ؟  هل ما زالت رائحةُ المناقيشِ اللذيذة تفوحُ منه صباح كل يوم جمعة ؟ هل ما زالت الاشياءُ الجميلةُ التي تركناها ، جميلةً كما كانت ؟ هل يفتقدني احبائي كما أفتقدهم ، أم أن عجلة الحياة لم تُفسح لهم المجال للشعور بالفقدان ، هل يذكرني أصدقائي كما أذكرهم ، هل يحتفظون بصورتي في قلوبهم  كما أفعل أنا ؟ أم أن البُعد يُغيُّر ما في القلوب ؟

غريبةٌ هي الدنيا ، عندما تتحكّم في مشاعرنا وفي أحاسيسنا ، غريبةٌ هي !!

  كان الطريقُ الى المطارِ موحشاً ، الوقت يمضي مُسرعاً ، وسيارة أخي هي الأخرى تنطلقُ مسرعةً ، تخترق الأزمان نحو نقطة اللا عودة ، كلّ شيء مضى بسرعة ، وها أنذا أقف على مدخل المسافرين ، نظرتُ الى ورائي ، نظرة الوداع الأخيرة ، تلك النظرة التي كنت أشاهدها في الأفلام السينمائية ، وأكتشفت عندها ، في تلك اللحظة ، أنها شيءٌ مُختلفٌ عما نراه على الشاشة ، لا أكادُ أجد لها وصفاً.

  شققتُ طريقي بسرعة وجلستُ في الطائرة ، مقعدي كان بجوار النافذة ، لحظاتٌ قليلة وأصبحت النافذةُ سوداءَ مُظلمة ، منظرٌ يُضيفُ الى الحُزن ، كآبةً اضافيةً ، كانت الساعةُ قد جاوزت التاسعة والنصف مساءً ، رويداً رويداً اقتربنا من هدفنا ، مدينة الرياض ليلة 12 ابريل عام 2008 .

  عندما اقتربت الطائرة من الأرض هالَني منظرُ المدينة ، كان منظراً رائعاً ، أزال بعض ما في نفسي من التعاسة ، كانت الساعة تقترب من منتصف الليل ، الاّ أن المدينةَ بدت مُشعّةً ، كانت الأنوارُ تشكّلُ لوحة فنّان مرسومةٍ بدقة ، مربعات كبيرة ، وداخلها مربعات أصغر ، رويداً رويداً أصبحت الأنوار أوضح وأصبحت المباني والشوارع باديةً للعيان ، كانت الشوارع ممتدّة ، وتتقاطع بدقة لافتة ، نحن في الرياض ، بلاد الذهب الأسود ، والجبال السوداء ، بلاد السماء الضبابية ، بلاد الخير والحرّ ، بلاد الصحراء والعُمران ، تركتُ ورائيَ الفصول الأربعة ، وذهبت الى بلاد اللا فصول ، ففصول العام هنا ليست كما نعرفها ، نحن هنا نفتقد للربيع ، كما نفتقد للخريف ، ولدينا ما يشبه الشتاء ، والصيف هنا ليس كأي صيف ، انه صيف حار الى درجة الغليان، انها بلاد .......... بلاد الخليج .

  والان وبعد عامين ، ما الذي حصل ؟ قد يكون الشيء الوحيد الذي واساني في غربتي ، قدوم عائلتي الصغيرة لتشاركني شعوري بالغربة ، أصبحنا نتبادل المواساة ، والهموم فيما بيننا ، وعندما يغرق أحدنا في بحور الوحدة والاضطراب ، نمد له يدنا ونحثه على الاستمرار في السباحة ضد التيار، ونذكر أنفسنا دوماً أننا سنعود يوماً الى أهلنا . ومع إشراقة كل يوم ، يزداد الحنين في قلوبنا ،  و يزداد حبّنا لأحبائنا ، وحبنا للوطن ، أصبحنا ندرك قيمة جميع المقرّبين منّا ، لانهم لم يعودوا قريبين كما تعودنا .

  في هذين العامين ، فقدنا أحباءً لنا ، ولم يُسعِفُنا القدرُ أن نُلقيَ عليهم نظرةَ الوداع الأخيرة ، أو أن نواكبهم الى مثواهم الأخير . في هذين العامين فقدنا تلك الحميميةَ في علاقاتنا ، وأبدلناها بقوالب من الجُمود ، فقدنا القُرب من أحبائنا ، وشعورنا أن مكالمةً هاتفيةً واحدة ستخوّلنا رؤيتهم ، زيارتنا لهم او زيارتهم لنا ، أصبحت المسافةُ اكثر بكثيرٍ من هذا ، إنهم على بُعد إجازةٍ صيفيةٍ قادمة .

    في هذين العامين فقدنا الكثير من التواصل الإنساني ، وانشغلنا بأمور الحياة الأخرى ، في هذين العامين ، لم نعد نحسب أعمارنا ، فأعمارنا توقفت هناك ، لحظة أن فارقنا الوطن .

   أيمن أبو لبن
11-4-2010
   مضى عامانِ  يا أمّي
على الولدِ الذي أبحر
برحلتهِ الخرافيّه
وخبّأَ في حقائبهِ
صباحَ بلادهِ الأخضر
وأنجمَها، وأنهُرها، وكلَّ شقيقها الأحمر
وخبّأ في ملابسهِ
طرابيناً منَ النعناعِ والزعتر
وليلكةً دمشقية..
نزار قباني

الأحد، 21 مارس 2010

لا تظن أنها أمّك وحدك .......إنها أمّنا جميعاً



الى أجمل الأمهات ، الى أجملِ إمرأةٍ في حياتي ، الى أُمي الحبيبة

   في هذا اليوم يتذكرُ العالمُ ، وأنّى له أن ينسى ، دورَ الأم في حياته ، وبغض النظر عن بعض الآراء التي نسمعها من هنا وهناك ، حول هذا اليوم ، والإعتراض على شرعيته ، ولكني يا أمي ، سأحتفل بك في هذا اليوم ، لأضيفه الى باقي أيام العام ، التي تمر عليَّ ، دون أن تغيبي عن بالي ، سأحتفل هذا العام ، بشكل خاص ، سأحتفل بك وأنا بعيدٌ عنك ، بعيدٌ عن العائلة ، أحتفل معك وأنا أشعر بالتقصير في حقّك ، أشعر أني ما أوفيتك حقّك ، رغم حرصي على الوفاء لك ، إلا اني قصّرت ، مُقيماً معك ، وأقصّر الآن مغترباً عنك.
 مضى عامان يا أمي على غربتي ، كَبِرتُ يا أمي ، وبدا شعريَ الأبيض أكثر وضوحاً و انتشاراً من ذي قبل ، كَبِرتُ ، وأخذتني الحياة في آتونها ، تغرّبت ، وتجرّعت مآسي الوحدةِ والإغتراب ، وكبُر همّي بكِبَر عُمري ، في كل دقيقةٍ يدقُّ القلبُ بالحنين ، ينبضُ بالشوق لك ، ولتلك الذكريات التي عشتها معك صغيراً ، إشتقت الى طفولتي ، الى يديك تسرُّح شعري ، وتضبط لي ملابسي ، إشتقتُ الى حضنك الدافىء ، والى خبزك البيتي ، إشتقتُ لطعامك ، إشتقتُ لدلالك ، ولعطفك ، إشتقتُ لقِصَصك ، والى صوتك الذي يلهج بالدعاء مودعاً لي وانا متوجّه لإمتحاناتي المدرسية ، إشتقت لتأنيبك لي عندما أتمادى في السهر ليلاً ، أو عندما أحترق حزناً ، على خسارة  فريقي المفضل في إحدى المباريات .
  هل ما زلتُ المفضّل عندك ، وهل ما زلتُ أحتفظ في قلبك بذلك الحب الخاص ، هل ما زلتِ تذكريني عندما تأكلين "المقلوبة" ، وهل ما زلتِ تحتفظي لي بقطعتي المفضلة .
  
إزددتُ لك حباً ، عندما أنجبتُ ، وعايشتُ مشاعرَ الأبوّة ، ومصاعب التربية ، أدركت كم كان حبّك لنا عظيماً ، وأدركت كم كان قلبك كبيراً ، عندما احتوانا ، وعكف على تربيتنا ، إزددت حباً لوالدي ، وأدركت كم كان عظيماً ، و كم قصّرنا في حقه جميعاً ، أدركت أننا عجزنا أن نفهمه يوماً ، كان بعيدَ النظر ، وكنّا قصيري النظر .
   هل حقاً يكفي أن أشتريَ لك الهدايا ، وأرسل لك كلمات محبتي ، كي أحتفل بك، هل هذا يكفي؟ ، ليجعلك تشعري بالسعادة ، وترضي عنّي ، هل هناك ما يكفي في هذه الحياة ، كي أقدمه لك ، لقاءَ كل ما قدمته لي ، لقاءَ كلِّ هذا الحب والعطاء ، لقاء كلِّ التضحيات ، وسهرَ الليالي ، وتلك الصلواتِ التي صلّيتها لي في ساعات السحر ، هل هناك ما يمكن أن أقدمه لك بالمقابل.
   
أُدرك الآن أنّ كل ما يُمكن أن أفعله لك كي ترضي عني ، هو أن أكون ناجحاً ، وأن أكون متفوقاً ، كما علمتني دوماً ، وكما أحببتِ ان أكون دوماً ، أُدرك أني عندما أُحسنُ تربيتي لأولادي أكون وفيّا لك ، عندما أزرع فيهم كلَّ المعانيَ الجميلة التي حرصتِ على زرعها فينا ، أكون وفيّا لك ، عندما أنقل لهم حبّك للحياة ، وحبّك لكلِّ مَن حولكِ ، بما فيهم مَن أساءَ لكِ ، أكون وفيّا لكِ ، وأستحق رِضاك .

  في يومك يا أمي ، أهنىء كلّ الأمهاتِ ، أقرأُ الفاتحةَ على أرواحِ اؤلئك اللواتي رحلنَ عنا ، و أُرسل باقةَ وردٍ لكلّ الأمهات اللواتي ما زلنَ يُضِئن حياتنا ، وأقبّل يدَ كل أم مُحِبّة فقدت إبنها او بنتها ، وأطبع قُبلةً على جبين كلّ أم ولو لم يكتب لها القدرُ أن تُنجب ابناءً. من أجلك يا أمي أحببتُهنّ جميعاً ، لأنك أول من أحبني  ، و أول من علّمني الحب ، لأنك  نبعُ الحنان الذي يفيضُ ، ويطرح عطاءً يصل مداه الى الجميع.

    من فرط حنانك يا أمي لم تكتفِ بتربيتنا فحسب ، بل امتد حبّك ليشمل أبناءنا ، وكان حنانك يغمرهم ، ويجعلهم  يرتبطوا بك ، أكثر مما يرتبطوا بنا ، امتد حبّك ليشمل تربية العصافير التي ملأت بيتنا ،  كنتِ تعتني بهم كأبناءك ، وأصبحتُ أنا من بعدك عاشقاً لتربية العصافير ، علّمتنا تربيةَ القِطَط ، والعطفَ عليهم ، ما زلتُ أذكر أجيالاً من القِطَط ، خرجوا الى النور من بيتنا ، كنّا نبدأ برعاية القطة وهي رضيعة ، الى أن تكبر ، وتبدأ بالإنجاب ، ثم ننتقل الى الإعتناء بالأبناء ، وأبناء الأبناء ، أنت من علمتنا ذلك .
    
كان حنانك يشمل أصدقاءنا ، ومعارفنا ، أصدقائي ما زالوا يذكُرونكِ ويسألوني عنكِ ، برغم البُعد ، وبرغم الزمن الذي مرّ ، يقولون لك كل عام وانت بخير ، وما زالوا يذكِّروني بطعم " المقلوبة " التي أعددتها لنا في رحلتنا المدرسية ، و بالطعام الشهي الذي كنتِ تقدميه لنا حين أستضيفهم في بيتنا ، أحدهم قال لي ذات مرة ، " لا تظن أنها أمّك وحدك ، إنها أمّنا جميعاً "  كان شعوراً جميلاً ، ولم أستطع أن أجد من الكلمات ما أرد عليه ، كانت الابتسامةُ ، ودمعةٌ حبستها في عيوني ، أجملَ ردٍ .

   كل عام وأنت بخير ، كل عام وأنت أمي ، كل عام وانت حبيبتي .

أيمن أبو لبن
 21-3-2010

الأحد، 7 مارس 2010

في قلبي ......... محبوبتان



   في قلبي تعيشُ أجملُ عروستين ، يسري حبّهما في وجداني كما يجري الدمُ في عروقي ، وردتان أشتمّ عبيرهما في الصباح والمساء ، هما رئتاي اللتان أتنفس بهما ، وأستنشق عشقهما كما أتنفس الهواء ، لي يدان ، ولي قدمان ، وعينان ، ولي ايضاً ....محبوبتان ، تتنازعان قلبي فيما بينهما وتتنافسانِ عشقيَ ألأبدي ، إحداهما شرقية ، والأخرى غربية ، وبين هذه وتلك ، أعيش أجملَ قصص العشق والهوى ، عشق الوطن ، مع اختلاف الحال ، بين الوطن الذي كان سيكونُ لي ، وحُرمت منه ، والوطن الذي أبصرتُ النورَ فيه ، وعلى أرضه ترعرعت .

   بين والدةٍ أنجبت ووقعت أسيرةً ، وهاجر ابناؤها غصباً ، وبين والدةٍ احتضنت وربّت وأنشأت ، أجدُ قلبي حائراً يكاد ينقسم الى نصفين ، كي يتسع لكليهما ، إحتار دليلي في الهوى بينهما ، بين الوطن الأم ، والوطن الذي ولدت وعشت فيه.

    بين عمّان والقدس ، بين الضفة الشرقية والضفة الغربية ، توأمة روحية تتجاوز كل الحدود والعقبات ، كل نقاط التفتيش ، وكل حدود الجغرافيا ، كل الخطوط الحمراء ، والجدران العازلة ، وتتجاوز كل الأسلاك الشائكة .

   عمّان .... عاصمة الذكريات
   لعمّان غَزَلُ القوافي ، وسمرُ الليالي ، أُنشودة صيفٍ ، وحميمية ليلة شتاءٍ ، ذكرياتُ الصِبا ، تفتِّح ورد الشباب .
   لعمّان جمال المباني ، والحجر المَعانيّ ، لعمّان صَخَبُها ، ونبضُها المتسارع ، إيقاعها السريعُ النابضُ بالحياة ، لعمّان إزدحام الذكريات ، في أُلفة نادرة ، تربطنا بها وبكل أحيائها.

   لعمّان مقاهي وسط البلد ، روعة التسكّع في شوارعها ، ساندويتش فلافل مع كوبٍ من العصير ، تناول صحنٍ من الكنافة في زقاقها "عالواقف" ، إزدحام دور السينما ، وتلك الأكشاك المترامية ، بما تحتويه من كتب وصحف ومجلات ،  تستقطب القرّاء والمثقفين ، وتجمعهم حولها.

    لعمّان رائحة الياسمين في الصيف ، ورائحة فاكهة الأغوار ، إلتقاء المغتربين باحبائهم والتسامر ليلة صيف ، جمال الطبيعة الخضراء ، وإنتشار سكانها على سفوح جبالها في رحلة نهاية الاسبوع ، رائحة الشواء التي تنبعث من الكانون ، كأسُ شايٍ على الفحم ، وأرجيلة تنتظر دورها للحصول على بعض الفحم .  

   لعمّان حباتٌ من المطر تتساقط ، معلنةً بدء فصل الشتاء ، وقرب إكتساء المدينة بالثوب الأبيض ، رجل الثلج  والكستناء بالإنتظار .

   لعمّان أجواء رمضان ، والتفاف العائلة حول مائدة الإفطار ، صلاة التراويح ، تناول القطايف البيتيّة ،  والسهرات العائلية ، لعمّان بهجة العيد ، وإلتقاء الأقارب والأصدقاء والجيران ، تجهيز حلوى العيد ، وأولادٌ ينتظرون العيدية بفارغ الصبر ، ويلهون بهدايا العيد في الطرقات ، زاهين بملابس العيد الجديدة .

   القدس ....عاصمة الحنين   
    للقدسِ حبُ الوطن ، الحنينُ الى الأصول ، ذكريات الآباء والأجداد ، إنكسار الأمل ، وذكريات البدايات ، قصص وحكايا زمان ، طفولة أبي ، وأحلام البنات التي ترويها أمي ، حكاية الوطنِ الذي ضاع ، كلُّ ذلك الدم الذي روّى ترابه ، وكلُّ تلك التضحيات ، والخيانات ، والمعاهدات ، الحرب والسلام ، واللا حرب واللا سلم ، أناشيد الثورة ، وقصة كفاح شعب ، زغرودة أم الشهيد في استقبال ضيوف بيت العزاء ، ودمعةُ رجلٍ تتدحرج بصمتٍ على خده في وقار ، بكاء طفلة على أمها ، تحدي الأولاد للجنود ، حجرٌ يكسر حاجز الصمت ، ويذكّرنا أن الأمل باقٍ ، ولو ضاق الأفق .

   الحنين الى الوطن ، ولو لم نعش فيه ، ولو لم نلعب في حاراته ونختبأ في زواياها الضيقة ، حبنا للوطن ولو لم نسبر اغوار ليله ، هو عشقٌ مكنونٌ في صدورنا ، لوطنٍ أحببناه دون أن نراه ، قرأناه قِصصاً وتابعناه عبر التاريخ والكتب والأحاديث المسائية ، أرتبطنا به وعاش فينا ، وحملناه معنا ، حقيبة سفر .

   حب الوطن هو ذلك الشعور الخفي الذي نشعر به دوماً ، عندما ننظر الى الخارطة ، ونبحث عن ......... "الوطن" ، حب الوطن هو ما يدفعنا الى كره الجغرافيا و التاريخ ، ما عادت جغرافيا العالم تعنينا ، طالما أنها لا تحمل وطننا بين طياتها .
هذا الوطن لي ، لي مدرسة أبي ، وبيتُ جدّي ، وعينُ الماء الذي وردته أمي ، ولي مَسقط رأس إخوتي ، ومسقط رأسي الذي كان سيكون لي ، ولي ذكرياتُ عمّاتي وخالاتي ، ولي أقاربي الذين لا أعرفهم ، ولي أصدقائي الذين كنت سأعرفهم ، ولي بنتُ الجيران التي كنت سأحبها ، ولي ذلك البحر ، وتلك السماء ، وهذه الأرضُ لي ، وهذا التراب لي ، ولي قبري ، هناك ، ولو لم أدفن به.

   كنت صغيراً لم أبلغ الحُلُم عندما زرت الضفة الغربية ، في زيارتين وحيدتين خلال سنتين او ثلاثة ، ولم أعد اليها بعد ذلك ، وعندما يدعوني أقربائي الى زيارتهم (بعد أخذ التصاريح اللازمة ، كوني لست مواطناً فلسطينياً ) أقول لهم " نأتيكم محرِّرِين ان شاء الله " لتتعالى الضحكات من بعدها ، ويسود ذلك الشعور " شرّ البلية ما يُضحك" ، لم يكن أكثرهم يصدّق أني جادٌ فيما أقول ، ولكنهم بعد ذلك يتأكدوا أنني أرفض زيارة "وطني" بتصريحٍ من العدو ، وأرفض أن أسمح لأحد جنوده أن يفتشني وأن يتفحّص أوراقي ليسمح لي بالعبور الى بلدي ، لا ، لن يحدث هذا ، وسأظل أعيش في غربتي الداخلية بعيداً عن وطني ، كي أشعر دوماً بحاجتي الى هذا الوطن ، وكي أشعر دوماً بشعور النقص هذا الذي يعتريني عند الحديث عن الوطن ، وسأبقى أُمنّي نفسي دوماً أننا سندخلها يوماً فاتحين ، إن لم نكن نحنُ فليكن جيلُ إبنائنا وبناتنا ، هذا الجيل الذي يقع على عاتقنا مسؤولية أن نعلّمه حبَّ الوطن ، و أن نذكّره دوما بأن له وطناً مسلوباً ، وأن له عدواً .

    عندما نتحدث مع ابنائنا علينا ان لا ننسى أن نحدثهم عن ذكريات آبائنا وأجدادنا ، ومعاناتهم ضد الإحتلال ، عن توقيفهم واعتقالهم وتعذيبهم ، وعن المجازر التي ارتكبت بحقهم ، أن نتحدث معهم عن المقاومة وعن الثورة ، بحلوها ومرّها ، عندما نتحدث معهم عن الأدب ، علينا ان لا ننسى ذكر محمود درويش ، وسميح القاسم ، وابراهيم طوقان ، وعندما نتحدث عن الفن ، علينا أن لا ننسى أن نذكر لهم مارسيل خليفة ، وأحمد قعبور ، وفرقة العاشقين ، عندما نجتمع في المساء ، ونلتف حول المائدة ، علينا ان نتذكر أخوةً لنا لا يجدون قوتهم اليومي ، وعندما نقص عليهم قصص التاريخ ، علينا أن لا ننسى أن نقص عليهم قصة وطن ، ونقرأ الفاتحة على أرواح شهدائنا .

      لو كنت أملك أن أتمنى أمنية في هذه الحياة ، وتكون هذه الأمنية محققة ، لتمنيت أن أتملك بيتاً في القدس ، على ربوةٍ مُطلّة ، أطل منها على وطني المُحرّر ، وأشتم رائحة بلدي ، أسهر مساءً على ضوء القمر ، قمر وطني ، وأعدّ النجوم ، نجومَ وطني ، وأنام هنيئاً ، في بلدي ، أصحو فجراً ، أصلي في المسجد الأقصى ، وأعود الى البيت حاملاً معي وجبة الإفطار ،إفطارَ بَلَدي ، أوقظ زوجتي و أبنائي ، لنتناول الإفطار سويةً ، هناك ، في بلدي ، وعندما أموت ، أدفن هناك ، على ذات الربوة ، وعندما يزورني أبنائي ، ويقرأون الفاتحة على روحي ، سأقول لهم ، لا تنسوا حبّ الوطن .
 لو قدّر لي هذا ، لما تمنيّت غيره .

في قلبي
محبوبتان ،
عروستان ،
غير أني دائمُ الشعور بالإغتراب ، والحنين الى ................ وطني

 أيمن أبو لبن
07-03-2010   
  

    

الأحد، 7 فبراير 2010

افاتار..... "لعنة الرجل الهندي"



   شاء القدر أن يقودَ كريستوفر كولومبوس الى اكتشاف "العالم الجديد" ، رغم أن هذا لم يكن في نية كولومبوس ، الذي أبحر بسفينته متجهاً نحو الغرب ، ظناً منه أنه سينتهي بجزر الهند الغربية؛ ليجد كولومبوس وفريقه الإستكشافي أنفسهم في قارة جديدة ، لم تكن البشرية يومها تعلم عن وجودها على أرضنا ، في أغرب اكتشاف شهده العالم الحديث ، إكتشاف "العالم الجديد (أمريكا) " . تفاجأ الجميع بوجود امتدادٍ للجنس البشري على هذه الارض ، مجتمعٌ معزولٌ تماماً عن هذا العالم ، برغم بعض المصادر التي تقول أن هناك اتصالاً سابقا مع القارة الاوروبية ، ولكن هذا لا ينفي حالة العُزلة التي كان يعيشها قاطنو هذه القارة ، وبما ان نيّة كولومبوس كانت استكشاف المزيد من القارة الهندية ، أطلق اسم " الهنود" على قاطني هذه القارة " الجديدة" التي حملت اسم امريكا بعدئذ ، نسبة الى مساعد كولومبوس " امريكو" الذي واصل رحلته وأكمل اكتشاف القارة ، اعلاناً لبداية حقبة جديدة في تاريخ البشرية .

   القدرُ يكون غريباً أحياناً حين يفاجأنا بأحداثه ؛ كان قدَرُ كولومبوس أن يكتشف هذه القارة المعزولة عن باقي العالم ، وكان قدَرُ " الهنود " سكان القارة الأصليين ، ان يُباد̊وا عن بَكرة أبيهم ، وُيسلخوا من تاريخ الأمم البشرية ، وكأنهم لم يكونوا على هذه الأرض أبداً ، وليسطّروا أكبر قصة إبادةٍ جماعيةٍ منظّمة ، عرفها التاريخ على يد من يدّعون الآن أنهم رُعاة الإنسانية والديمقراطية والحرية في العالم ، ورغم هذا الإدعاء الا أن دماء الهنود ما زالت تقطرُ من أيديهم ، وما زالت بدلاتهم الأنيقة مضرجةً بالدماء ، وما زال أنينُ الضحايا يخدش أصوات ضحكاتهم ، وما زالت رائحة الدم تفوح رغم أنف رائحة العطور الباريسية.

     كان قدَرُ الاووبيين الباحثين عن الثروة والمال ، والباحثين عن فرصة عيش جديدة ،وأولئك الذين لا يملكون فرصة عيش أصلاً ، أن يجدوا ضآلتهم في هذه القارة الشاسعة والمليئة بالخيرات ، وكان قدر الافريقيين البائسين ، أن يُستعبدوا ويُهجّروا عبيداً ، ليعملوا على إستصلاح هذه القارة من أجل الرجل الأبيض ، ويدخلوا التاريخ في أكبر عبوديةٍ منظمة عرفها التاريخ الحديث .
 عجيبٌ هذا القدر عندما يصوغ الأحداث لتحقيق أقدارنا !!!.

   يتحدث محمود درويش في قصيدته المشهورة "خُطبة الهندي الاحمر" عن عقدة الهندي الأحمر ، التي ستظل تُطارد الرجل الابيض أينما حلّ ، وها هي عقدة الهندي الأحمر تظهر من جديد ، في أحدث أفلام جيمس كاميرون "افاتار" الذي حطم كل الأرقام القياسية ، وما زال ، وبرغم كل ما يحتويه هذا الفيلم من إبداع فني ، وتكنولوجي ، ومن استخدامٍ راقٍ لأدوات الانتاج الفني ، الا أن محتوى الفيلم والرسالةَ التي يؤديها الفيلم تظل الأجمل والأقوى ، وتتفرّد وحيدة برُقيِّها ، لتضيف إبهاراً جديداً ، الى حالة الإبهار العامة التي يعيشها مشاهد الفيلم ، وهو يتابع هذه التحفة الفنية ، بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

    تدور أحداث الفيلم في عالَمٍ مفترض مستقبلي ، حيث يصل البشر الى إكتشاف كوكب غير كوكبنا الذي نعيش عليه ، ويجدون جنساً آخر يسكن هذا الكوكب ، ويحتوي هذا الكوكب على ثروات طبيعية هائلة ، يسيل لها لعاب العلماء ، كما يسيل لها لعاب الباحثين عن الثروات والمال ايضا ، ويبدأ البشر بمحاولة إستغلال هذا الكوكب والحصول على ثرواته ، ويجدون معارضة من السكان الاصليين ، الذين لا يأبهون بالثروات الموجودة ، ولا بقيمتها ، وإنما يريدون المحافظة على الطبيعة ، وعلى البيئة ، وعلى إرتباطهم بالالهة ، عبر هذه الطبيعة ، وبما أن سكان هذا الكوكب بدائيون مقارنة مع ما وصل اليه الجنس البشري ، تزداد الأطماع البشرية رويداً رويداُ ، وتدفع البشر الى استخدام القوة والسلاح للاستيلاء على هذا الكوكب ، غير آبهين بمصير السكان الأصليين ، وتبدأ الصدامات والنزاعات بين الجنسين ، فريقٌ يملك كل أنواع التكنولوجيا النوعية ، والقوة المفرطة ، وفريق ما زال يداعب أحلام الطبيعة والارتباط  بالأرض الأم ، والروحانيات ، والتعلق بكافة المخلوقات من حيوانات ونباتات.

   وكما تلاحظون ، أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين ما سبق قوله عن القارة الامريكية ، وبين أحداث هذا الفيلم ، حتى أن الصورة الخيالية المفترضة لسكان الكوكب الجديد تتشابه الى حدٍ بعيد مع الهنود الاصليين الذين عاشوا في قارة امريكا ، من حيث نطق اللغة وحركات الجسد ، واستخدام الأصوات والتعابير ، ومن حيث طبيعة العيش في جماعات قبلية ، وإلإيمان بالطبيعة والإلتصاق بها ، والعلاقة المميزة التي تجمعهم مع كل مخلوقات الطبيعة وعطفهم عليها ، وإيمانهم  بالروحانيات ، بالاضافة الى الفجوة الحضارية الهائلة بينهم وبين المستعمرين .

   ينتصر المخرج هذه المرة للطبيعة وللحق ، ضد الشر ، وضد الاستعمار ، ضد استغلال خيرات الشعوب باسم تحقيق الحرية ونشر الديمقراطية ، ضد مصادرة حقوق الآخرين ، الذين لا حول لهم ولا قوة ، ضد استعمال القوة لتحقيق الأطماع ، ضد هذا الجشع البشري ، ينتصر للطبيعة ، وللسكان الاصليين ، ويوصل لنا رسالة في غاية الأهمية " الطبيعةُ كفيلةٌ بإعادة التوازن بين الخير والشر وإن بَعُدَ الأجل " .

   عقدة الرجل الهندي ستظل تطارد كل الامريكان ، الذين صنعوا تاريخهم على جثامين الآخرين ، وبنوا بيوتهم على خراب بيوت الآخرين . وستظل هذه اللعنة ، الى أن يغير الامريكان من نظرتهم العلوية والفوقية الى الآخرين ، وأن يبدأوا هم بالتغيير ، لا أن يطالبوا غيرهم ، وستظل هذه اللعنة الى أن يعترفوا بخطاياهم ، وبأنهم أول من أعتدى وأول من جنى وأول من أباد ، واستباح أراضي الغير ، وأن تاريخهم الحديث كُتب بدم الهندي الأحمر ، وأن تاريخهم منقوص ، وان حريتهم زيف ، وأن مدينتهم الفاضلة ملعونة، عليهم أن يغيروا ما بأنفسهم ، قبل أن يأتي ذلك اليوم الذي ينتصر به القدر ، وينتصر به الخير على الشر ، ولو بعد حين ، و قبل أن يحاكم الرجل الهندي الأحمر ، قاتله ، ومغتصب أرضه ، ويلقي مرافعته الأخيرة "خطبة الهندي الأحمر" .  

   افاتار فيلم يستحق المشاهدة ، أدعو جميع من يعشق أفلام الخيال العلمي ، والحركة ، والمؤثرات البصرية والسمعية ، أن يشاهدوا هذا الفيلم ويستمتعوا به ، وأذكرهم أن لا ينسوا الوقوف دقيقة صمت إجلالا لذكرى من كانوا يُسمّوا الهنود أو الهنود الحمر .

أيمن أبولبن
7-2-2010

الثلاثاء، 2 فبراير 2010

أبناء التلفزيون كيف صاروا كتبة للتاريخ !!!


قد يكون طبيعيا ان تقرأ في أحد الصحف الامريكية او الاوروبية ، مقالا لأحد الكتاب يشكك في تاريخ دولة من دول "محور الشر" كايران مثلا او يختلق قصصاً فيها اسقاطات للعديد من الشبهات حول تاريخ وأصول قادة الثورة الشيوعية ، ويتهمهم بأنهم أبناء زنى ، وقُطّاع طرق ، ومارقون ، أما أن تقرأ مقالاً لكاتبٍ مصريٍ عربي بل ومسلم ، يتهم فيه أمراء المسلمين ، ومؤسسي الدولة الآموية بانهم أبناء زنا وسفاح ، وأبناء حرام ، فهذا لعمري من عجائب القرن الذي نعيش ، وأحد ترّهات جاهلية القرن الواحد والعشرين ، وإنه لمن المخزي والمُبكي ، أن يجمعنا الزمن مع أمثال هؤلاء ، الذين يدّعون الثقافة والتمدّن ، وامتلاك كافة أدوات الرُقي والحضارة ، واحترام الآخر ، والشفافية ، التي تصل بهم الى حد نقد الذات وجلدها ، بل والاعتراف ضمناً ان دولتنا الاسلامية وتاريخنا الاسلامي انما بناه ابناء حرام وابناء زنا ، ويصلون بنا في النهاية الى هدم هذه القدسيّة عن تاريخنا الاسلامي ، ووضع كافة رموزنا في سلة واحدة ، ذات السلة المسيئة ، فمن يقول عن عمرو بن العاص انه ابن زنا ، يسهل عليه بعد بضع سنين ان يتهم احد الخلفاء الراشدين بتهم شبيهة ، وماذا يمنع ، طالما ان كل البشر خطاؤون !؟ جواب اعتقد انه جاهز عند كل هؤلاء المدّعون للثقافة والتحضر

المقارنة بين الاشخاص الذين تم الاساءة اليهم في المقال المذكور وبين كاتب المقال ، صاحب ليالي الحلمية واوبرا عايدة ورحلة ابو العلا والعديد العديد من الروايات والمسلسلات التلفزيونية ، كالمقارنة بين البدر في تمامه وبين المسافر في الصحراء على عتم ودون هدى ، هل تجوز المقارنة ؟ وهل تجدون لها أساساً ؟! ، قد يكون اسامة انورعكاشة (كاتب المقال) قد تناسى ان عمرو بن العاص هو سبب هدايته الى الاسلام ، فعمرو بن العاص فتح بلاد مصر ، وأنعم على جميع الفراعنة (الذين ما زالوا يفتخرون بهذا اللقب ) بنعمة الاسلام ، وأخرجهم بفضل الله من الظلمات الى النور ، ليدور الزمان ويخرج من بين ظهرانيهم من ينعت صاحب الفضل عليه بانه ابن زنا ، ولا يقتصر الامر على شخص بعينه ، بل انه يتهم الصحابة الذين أسّسوا الدولة الاموية وعلى رأسهم معاوية ابن ابي سفيان بذات التهمة ، حيث يقول أن هند بنت عتبة كانت تمارس الرذيلة في الجاهلية ،( هند التي اسلمت على يد رسول الله ، وقَبِل اسلامها )، ويقول في ما يقول أن العباس عم النبي قد زنى بهند ايام الجاهلية ، وان ابا سفيان نفسه ابن زنى ، حيث ان أمه صاحبة راية في الجاهلية ( حيث كانت المومس تضع راية فوق بيتها اشارة الى انه بيت دعارة ، كي تستقطب الزوار اليه ) ، ومُلخص القول ان أم المؤمنين زوجة نبينا الشريف (أم حبيبة ) تنحدر من اب ( ابن حرام ) وام داعرة !!!! هذا ما يريد ان يوصلنا اليه الكاتب ضمناً .

ومن قوله ايضا ان والي الكوفة في زمن عثمان ، كان يسكر حتى ينام في مجلسه ويُضيع صلاة الفجر ، في زمن عثمان بن عفان ، المُبشّر بالجنة ، كان يحدث هذا ، ويخبرنا به ، جهبذة التاريخ الاسلامي "اسامة انور عكاشة" ، ولا ادري ما هي المصادر التي اعتمد عليها ، حيث لم يذكر لنا مصادره ووثائقه التي تدعم أقواله ، ومن المستغرب ان الكاتب اسامة وامثاله ، لا يجدون ضيرا في التشكيك بتاريخ هذه الامة وثوابتها ، ويشككون في كتابة التاريخ نفسه ، ويدّعون أن تاريخنا مُلفّقٌ ومزيّف ، وفي الوقت نفسه ، يخرجون علينا كل يوم ، بقصص ما انزل الله بها من سلطان ، وينسبونها الى تاريخنا والى رموزنا ، ولا يجدون احداً يستوقفهم ويردعهم ، او على الاقل يطالبهم بالدليل ، غير الموجود اصلاً .

ما يحزنني هو وقوع الكثير من ابناء هذه الامة ضحيةً للتشكيك ، ويبلعون هذا الطعم بسهولة ، وكأن قدسية الاشخاص المثقفين تسمح لهم ، باملاء ارائهم علينا ، واقناعنا بما يدّعون ، لاننا نحن لسنا اصحاب ثقافة ولا نعلم الحقيقة ، ففي زماننا هذا ، اصبح اسامة عكاشة مصدراً للتاريخ ، رغم انه مجرد كاتب تلفزيوني لا تتجاوز معرفته تاريخ حواري مصر القديمة ، وذاك احد الممثلين يدلي بدلوه في السياسة ، وفي اكثر قضايا الامة حساسية وحرجا ، وتلك راقصة ، خريجة احد النوادي الليلية تعطينا درساً في الاخلاق الحميدة ، ومساعدة المحتاجين ، واقامة موائد الرحمن ، وتقول عن عملها في الفن الراقي ( الهشك بشك ) " ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا ان يتقنه " ، وفي ليلة وضحاها يصبح هذا الكلام الذي يتفوهون به مرجعية لنا ، ويكتسب من حيث لا ندري صفة الحقيقة ، غير القابلة للتشكيك ، يا للهول !!!

ولا يخلو مقالهُ من اشارات الى تنابز بالالقاب و"تعيير" الصحابة بعضهم بعضاً بابناء الزنى ، تخيلوا !! حيث يذكر كتابا من سيدنا علي الى معاوية وخطابا بين الامام الحسن ويزيد بن معاوية ( ابن الزنا ايضا حسب الكاتب) ، بالاضافة الى الاشارة ان سيدنا محمد أمر بقتل الاسرى في معركة بدر ومنهم عقبة بن ابي معيط ( اللقيط كما يصفه الكاتب).

قد يكون اسامة عكاشة ، قد اختلط عليه الامر وهو يطالع احد روايات الف ليلة وليلة ، او احدى الاساطير الرومانية القديمة ، وقد يكون قد قرأ تاريخ هذه الأمة مكتوبا بايدي احد الغربيين المستشرقين او احد الشرقيين المستغربين ، كلاهما سواء ، فصدّقه كما هو ، لانه لا يؤمن بهذه الأمة ولا بشخوصها ولا بتاريخها ، ويريد ان يجد مخرجاً له كي يقنع نفسه ويوهمنا معه أن هذه الامة هي كذبة كبرى ، وان تاريخها صنعه بضعةُ قُطّاع طرق وداعرون ، وان شخصه هو ، أكبر من ان ينتمي الى أمة رموزها ابناء زنى !! .

لست اكتب هنا ، دفاعاً عن شُخوصٍ بأعينهم ، بل دفاعاً عن ارثنا التاريخي ، ولست في موضع من يقيّم شخصيات تاريخية ، ويقيّم حقبة باهرة من تاريخ امتنا الاسلامية شاء المشككون بها ام أبوا ، برغم ما فيها من منغصات ، ومن سقطات تاريخية ، لا تخلو منها امة من الامم ، ولكنها برغم كل شيء ، تبقى دولة عظيمة ، اقامت حضارة عظيمة ما تزال الشواهد على روعتها حتى عصرنا هذا ، دولة شامخة في تاريخ البشرية ، باعتراف الامم الاخرى ، وليس افتراءاً من عندنا ، لعل ما ساءها وما زال يسيئها هو نظرة البعض المحدودة الى البقع المظلمة في تاريخنا ونسيان ما بقي من اشراقة الثوب الابيض ، وما قدّمته هذه الامة وهذه الدولة لتاريخ البشرية .

الدولة الاموية هي صاحبة أكبر خلافة في التاريخ الإسلامي ، من حدود الصين شرقاً إلى الاندلس غربا ، وحتى مشارف باريس حيث موقعة بلاط الشهداء ، في عهدها تم انشاء أول اسطول بحري إسلامي ، وفي عهدها ايضا تم صك أول عملة إسلامية (الدينار الاموي) ، وتم اعادة اعمار المسجد الاقصى والمسجد النبوي ، وحضارة الاندلس ما تزال شاهدة عيان على حضارتنا الاسلامية ، واخيرا اختتم باعظم شهادة تمنح لبشر ، شهادة رب العزة ، المذكورة في القرآن الكريم عن فضل الصحابة في هذه الامة ، وهم أخيارنا ورموزنا :

﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا

سورة الفتح 29

وعد الله الصحابة الذين اسلموا من قبل الفتح ومن بعده ( الحسنى )

﴿لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ

سورة الحديد اية 10

﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ

سورة التوبة 117

اي اعظام واجلال من الله سبحانه وتعالى لهؤلاء !!؟؟ كفاكم ذكركم في كتاب الله ، لا يضيركم من بعده ما كُتِب عنكم .



أيمن أبولبن

02-02-2010






أبناء الزنى كيف صاروا أمراء للمسلمين 

أسامة أنور عكاشة
--------------------------------------------------------------------------------

انه ليس من الصدفة ان يبدأ الصراع في الجاهلية بين اولوا الشرف من العرب كبني هاشم ومخزوم وزهرة وغيرهم وبين من اشتهر بالعهر والزنا مثل بني عبد شمس وسلول وهذيل والذي امتد هذا الصراع الى مابعد دخول كل العرب الاسلام . 

ولم تكن من قبيل الصدفة ان اغلب من التحق بالركب الاموي كانوا ممن لهم سوابق بالزنا والبغاء، فهذه المهن تورث الكراهية والحقد لكل من يتحلى بالعفة والطهارة،اضافة الى انها لاتبقي للحياء سبيل وهي تذهب العفة وتفتح طريق الغدر والاثم.. لنرى بعض ماانجب البغاء : 

1- حمامة ام ابي سفيان وهي زوجة حرب ابن امية بن عبد شمس وهي جدة معاوية ، كانت بغياً صاحبة راية في الجاهلية . 

2- الزرقاء بنت وهب ، وهي من البغايا وذوات الاعلام ايام الجاهلية وتلقب بالزرقاء لشدة سوادها المائل للزرقة وكانت اقل البغايا اجرة ، ويعرف بنوها بنو الزرقاء وهي زوجة ابي العاص بن امية ، ام الحكم بن ابي العاص(طرده الرسول من المدينة) ، جدة مروان بن الحكم ، يقال ان الامام الحسين(رض) رد على رسول مروان بن الحكم قائلا " يابن الزرقاء الداعية الى نفسها بسوق عكاظ " . 

3- امنة بنت علقمة بن صفوان ام مروان بن الحكم جدة عبد الملك بن مروان وكانت تمارس البغاء سرا مع ابي سفيان بن الحارث بن كلدة.. وهذا مروان هو الذي اتوا به بعد ولادته الى رسول الله(ص) فقال الرسول " ابعدوه عني هذا الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون " وهذا الذي يلعنه الرسول يصبح اميرا للمؤمنين ...!!!!! 

4- النابغة سلمى بنت حرملة وقد اشتهرت بالبغاء العلني ومن ذوات الاعلام وهي ام عمرو بن العاص بن وائل كانت امة لعبد اللة بن جدعان فاعتقها فوقع عليها في يوم واحد ابو لهب بن عبد المطلب وامية بن خلف وهشام بن المغيرة المخزومي وابو سفيان بن حرب والعاص بن وائل السهمي ، فولدت عمرو ،فادعاه كلهم لكنها الحقته بالعاص بن وائل لانه كان ينفق عليها كثيرا . 

5- سمية بنت المعطل النوبية وهي من البغايا ذوات الاعلام وكانت امة للحارث بن كلدة وتنسب اولادها ومنهم زياد مرة لزوجها عبيد بن ابي سرح الثقفي فيقال زياد بن عبيد ومرة يقال زياد ابن سمية ومرة زياد ابن ابيه ، حتى استلحقه معاوية بان احضر شهود على ان ابو سفيان قد واقع سمية وهي تحت عبيد بن ابي سرح وبعد تسعة اشهر ولدت صبيا اسموه زياد. ولم يستلحقه معاوية حبا وكرامة ولكن لان زياد بن ابيه كان عامل سيدنا علي (رض) على فارس والاهواز فاراد استمالته . 

ويستمر البغاء في انتاج رجال الرذيلة ليكونوا سادة العرب . 

6- مرجانة بنت نوف وهي امة لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت كان يصلها سفاحا العديد من الرجال من بينهم زياد ابن ابيه فباعها عبد الرحمن وهي حامل من الزنا ، فولدت عبدين هما عباد وعبيد الله ابنا مرجانة لا يعرف لهما اب ، فاستدعاهما زياد واستلحقهما به . فكان عباد والي سجستان زمن معاوية و عبيد الله بن زياد واليا على البصرة، حيث يبدو ان امة العرب قد خلت من الاشراف لتنصيبهم في هكذا مناصب، فلم يبق الا اولاد الزنا ولكن الطيور على اشكالها تقع فرجل كمعاوية لا يمكنه استعمال رجل ذو فضيلة. وبعد ان كان عبيد الله ابن زياد واليا على البصرة زمن معاوية ولاه يزيد الكوفة حيث قاتل الامام الحسين (رض)حفيد نبي الامة، حيث خاطبه الامام بالدعي ابن الدعي . 

وقيل للحسن البصري : يا ابا سعيد قتل الحسين بن علي، فبكى حتى اختلج جنباه ثم قال ( واذلاه لامة قتل ابن دعيها ابن بنت نبيها ).. 

7- قطام بنت شحنة التيمية وقد اشتهرت بالبغاء العلني في الكوفة وكانت لها قوادة عجوز اسمها لبابة هي الواسطة بينها وبين الزبائن، كان اباها شحنة بن عدي واخاها حنظلة بن شحنة من الخوارج وقد قتلا معا في معركة النهروان، فاصبحت والغل ياكل قلبها لهذا طلبت من عبد الرحمن ابن ملجم عندما جاء لخطبتها ان يضمن لها قتل سيدنا علي (رض) ويصدقها بثلاثة الاف درهم وغلام وجارية فلم يشف غليل هذه الزانية مقتل الامام بعدما سمعت بمقتل ابن ملجم ايضا لهذا بعثت الى مصر من وشى على جماعة من العلويين هناك عند الوالى عمرو ابن العاص ابن البغي سلمى بنت حرملة، ومن هؤلاء الجماعة خولة بنت عبد الله وعبد الله وسعيد ابناء عمرو بن ابي رحاب . 

8- نضلة بنت اسماء الكلبية وهي زوجة ربيعة بن عبد شمس وهي ام عتبة وشيبة اللذان قتلا يوم بدر.يذكر الاصفهاني في كتابه الاغاني ان امية بن عبد شمس جاء ذات ليلة الى دار اخيه ربيعه فلم يجده فاختلى بزوجة اخيه وواقعها. فحبلت منه بعتبة . 

ويروى ان امية هذا ذهب الى الشام وزنى هناك بامة يهودية فولدت له ولدا اسماه ذكوان ولقبه ابو عمرو وجاء به الى مكة داعيا انه مولى له حتى اذا كبر اعتقه واستلحقه، ثم زوجه امراته الصهباء، قال ابن ابي الحديد ان امية فعل في حياته ما لم يفعله احد من العرب ، زوج ابنه ابو عمرو من امراته في حياته فولدت له ابا معيط وهو جد الوليد بن عقبة بن ابي معيط الذي ولاه عثمان الكوفة حيث كان ياخذه النوم بعد ان يقضي ليلته في شرب الخمر ولا يصحو على صلاة الفجر.. هكذا كانوا ولاة امور المسلمين !!!! 

يروى ان عقبة بن ابي معيط لما اسره المسلمون يوم بدر امر الرسول (ص) بقتله فقال يا محمد ناشدتك الله والرحم فقال الرسول ما انت وذاك انما انت ابن يهودي من اهل صفوريه . 

9- هند بنت عتبة وقد اشتهرت بالبغاء السري في الجاهلية هي زوجة ابي سفيان ، وابنها معاوية يعزى الى اربعة نفر غير ابي سفيان، مسافر بن ابي عمرو بن امية ، عمارة بن الوليد بن المغيرة ، العباس بن عبد المطلب ، والصباح مولى مغن لعمارة بن الوليد . 

يروى ان سيدنا علي (رض) قال في كتابه الى معاوية ( .. واما قولك نحن بني عبد مناف ليس لبعضنا فضل على بعض ...فكذلك نحن .. لكن ليس المهاجر كالطليق ولا الصريح كاللصيق..).وهي اشارة واضحة بالصاق اصول معاوية بعبد مناف . 

10- ميسون بنت بجدل الكلبية هي ام يزيد بن معاوية ، كانت تاتي الفاحشة سرا مع عبد لابيها ومنه حملت بيزيد، ويروى ان معاوية خاصم ميسون فارسلها الى اهلها بمكة وبعد فترة ارجعها الى الشام واذا هي حامل....!!!! قال يزيد للامام الحسن (رض) ( يا حسن اني ابغضك) فقال الامام( ذلك لان الشيطان شارك اباك حينما ساور امك فاختلط المائان).قال محمد الباقر (رض) ( قاتل يحيى بن زكريا ولد زنا وقاتل الحسين ابن علي ولد زنا ولا يقتل الانبياء والاوصياء الا ابناء البغايا ). 

11- آمنه بنت علقمة بن صفوان هي ام مروان بن الحكم كانت تمارس الزنا مع ابي سفيان فولدت مروان .اخرج ابن عساكر من طريق محمد القرظي قال ( لعن رسول الله الحكم وما ولد الا الصالحين وهم قليل) وقالت السيدة عائشة (رض) لمروان ( لعن الله اباك وانت في صلبه ، فانت بعض من لعنة الله ثم قالت والشجرة الملعونة في القران ). 

هؤلاء هم الرجال الذين اسسوا الدولة الاسلامية ، فلا غرابة ان نرى الدماء تلون كل اوراق تاريخنا !!