الى أجمل
الأمهات ، الى أجملِ إمرأةٍ في حياتي ، الى أُمي الحبيبة
في
هذا اليوم يتذكرُ العالمُ ، وأنّى له أن ينسى ، دورَ الأم في حياته ، وبغض النظر
عن بعض الآراء التي نسمعها من هنا وهناك ، حول هذا اليوم ، والإعتراض على شرعيته ،
ولكني يا أمي ، سأحتفل بك في هذا اليوم ، لأضيفه الى باقي أيام العام ، التي تمر
عليَّ ، دون أن تغيبي عن بالي ، سأحتفل هذا العام ، بشكل خاص ، سأحتفل بك وأنا
بعيدٌ عنك ، بعيدٌ عن العائلة ، أحتفل معك وأنا أشعر بالتقصير في حقّك ، أشعر أني
ما أوفيتك حقّك ، رغم حرصي على الوفاء لك ، إلا اني قصّرت ، مُقيماً معك ، وأقصّر
الآن مغترباً عنك.
مضى
عامان يا أمي على غربتي ، كَبِرتُ يا أمي ، وبدا شعريَ الأبيض أكثر وضوحاً و
انتشاراً من ذي قبل ، كَبِرتُ ، وأخذتني الحياة في آتونها ، تغرّبت ، وتجرّعت مآسي
الوحدةِ والإغتراب ، وكبُر همّي بكِبَر عُمري ، في كل دقيقةٍ يدقُّ القلبُ بالحنين
، ينبضُ بالشوق لك ، ولتلك الذكريات التي عشتها معك صغيراً ، إشتقت الى طفولتي ،
الى يديك تسرُّح شعري ، وتضبط لي ملابسي ، إشتقتُ الى حضنك الدافىء ، والى خبزك
البيتي ، إشتقتُ لطعامك ، إشتقتُ لدلالك ، ولعطفك ، إشتقتُ لقِصَصك ، والى صوتك
الذي يلهج بالدعاء مودعاً لي وانا متوجّه لإمتحاناتي المدرسية ، إشتقت لتأنيبك لي
عندما أتمادى في السهر ليلاً ، أو عندما أحترق حزناً ، على خسارة فريقي
المفضل في إحدى المباريات .
هل ما زلتُ المفضّل عندك ، وهل ما
زلتُ أحتفظ في قلبك بذلك الحب الخاص ، هل ما زلتِ تذكريني عندما تأكلين "المقلوبة" ، وهل ما زلتِ تحتفظي لي بقطعتي المفضلة
.
إزددتُ لك حباً ، عندما أنجبتُ ، وعايشتُ مشاعرَ
الأبوّة ، ومصاعب التربية ، أدركت كم كان حبّك لنا عظيماً ، وأدركت كم كان قلبك
كبيراً ، عندما احتوانا ، وعكف على تربيتنا ، إزددت حباً لوالدي ، وأدركت كم كان
عظيماً ، و كم قصّرنا في حقه جميعاً ، أدركت أننا عجزنا أن نفهمه يوماً ، كان
بعيدَ النظر ، وكنّا قصيري النظر .
هل حقاً يكفي أن أشتريَ لك الهدايا
، وأرسل لك كلمات محبتي ، كي أحتفل بك، هل هذا يكفي؟ ، ليجعلك تشعري بالسعادة ،
وترضي عنّي ، هل هناك ما يكفي في هذه الحياة ، كي أقدمه لك ، لقاءَ كل ما قدمته لي
، لقاءَ كلِّ هذا الحب والعطاء ، لقاء كلِّ التضحيات ، وسهرَ الليالي ، وتلك
الصلواتِ التي صلّيتها لي في ساعات السحر ، هل هناك ما يمكن أن أقدمه لك بالمقابل.
أُدرك الآن أنّ كل ما يُمكن أن أفعله لك كي ترضي
عني ، هو أن أكون ناجحاً ، وأن أكون متفوقاً ، كما علمتني دوماً ، وكما أحببتِ ان
أكون دوماً ، أُدرك أني عندما أُحسنُ تربيتي لأولادي أكون وفيّا لك ، عندما أزرع
فيهم كلَّ المعانيَ الجميلة التي حرصتِ على زرعها فينا ، أكون وفيّا لك ، عندما
أنقل لهم حبّك للحياة ، وحبّك لكلِّ مَن حولكِ ، بما فيهم مَن أساءَ لكِ ، أكون
وفيّا لكِ ، وأستحق رِضاك .
في يومك يا أمي ، أهنىء كلّ الأمهاتِ ،
أقرأُ الفاتحةَ على أرواحِ اؤلئك اللواتي رحلنَ عنا ، و أُرسل باقةَ وردٍ لكلّ الأمهات
اللواتي ما زلنَ يُضِئن حياتنا ، وأقبّل يدَ كل أم مُحِبّة فقدت إبنها او بنتها ،
وأطبع قُبلةً على جبين كلّ أم ولو لم يكتب لها القدرُ أن تُنجب ابناءً. من أجلك يا
أمي أحببتُهنّ جميعاً ، لأنك أول من أحبني ، و أول من علّمني الحب ، لأنك
نبعُ الحنان الذي يفيضُ ، ويطرح عطاءً يصل مداه الى الجميع.
من فرط حنانك يا أمي لم
تكتفِ بتربيتنا فحسب ، بل امتد حبّك ليشمل أبناءنا ، وكان حنانك يغمرهم ، ويجعلهم
يرتبطوا بك ، أكثر مما يرتبطوا بنا ، امتد حبّك ليشمل تربية العصافير التي
ملأت بيتنا ، كنتِ تعتني بهم كأبناءك ، وأصبحتُ أنا من بعدك عاشقاً لتربية
العصافير ، علّمتنا تربيةَ القِطَط ، والعطفَ عليهم ، ما زلتُ أذكر أجيالاً من
القِطَط ، خرجوا الى النور من بيتنا ، كنّا نبدأ برعاية القطة وهي رضيعة ، الى أن
تكبر ، وتبدأ بالإنجاب ، ثم ننتقل الى الإعتناء بالأبناء ، وأبناء الأبناء ، أنت
من علمتنا ذلك .
كان حنانك يشمل أصدقاءنا ، ومعارفنا ، أصدقائي
ما زالوا يذكُرونكِ ويسألوني عنكِ ، برغم البُعد ، وبرغم الزمن الذي مرّ ، يقولون
لك كل عام وانت بخير ، وما زالوا يذكِّروني بطعم " المقلوبة " التي أعددتها لنا في رحلتنا المدرسية ، و
بالطعام الشهي الذي كنتِ تقدميه لنا حين أستضيفهم في بيتنا ، أحدهم قال لي ذات مرة
، " لا
تظن أنها أمّك وحدك ، إنها أمّنا جميعاً " كان شعوراً جميلاً ، ولم أستطع أن
أجد من الكلمات ما أرد عليه ، كانت الابتسامةُ ، ودمعةٌ حبستها في عيوني ، أجملَ
ردٍ .
كل عام وأنت بخير ، كل عام وأنت
أمي ، كل عام وانت حبيبتي .
أيمن أبو
لبن
21-3-2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق