الاثنين، 30 يوليو 2018

مجتمعاتنا العربية عندما تواجه أسوأ كوابيسها!



منذ عام 2013 وبعد نحو عامين على انطلاق شرارة المظاهرات الشعبية في بلادنا العربية -والتي عرفت اصطلاحاً ب "الربيع العربي"-، بدى واضحاً للعيان أن ما كان يبدو حلماً جميلاً، ومشعل نورٍ لاح في نهاية نفق مظلم طويل، قد انقلب رأساً على عقب، وتعرّض لطفرة عجائبية جعلت منه وحشاً كاسراً، ومسخاً يثير الرعب والفزع، ويهدّد بخلخلة بنيان المجتمعات العربيّة وإعادتها الى حقبة ما قبل التاريخ.

بعيداً عن التحليلات السياسية -والتي ناقشناها من قبل-، يجدر بنا إلقاء نظرة عميقة الى دواخل نفوسنا وما يوجد فيها من أفكار ومعتقدات، وأن نعيد النظر فيما نحمله من مبادئ وقيم، نعتز بها ونظن بأنفسنا خيراً من خلالها.

لقد ثبت بالوجه القاطع، أن هذه الثورات والحركات الشبابية، ودعوات المطالبة بتحقيق العدالة والحرية، قد استفزّت وحرّضت كل التيارات المجتمعية، لإظهار كل ما في داخلها، بل كل ما هو مكدّس في عقلها الباطن، من مشاعر دفينة مكبوتة، بحيث طفت على السطح دفعة واحدة، دون وعي منا ولا ترتيب أو تخطيط مسبق.
ولعلنا في تلك اللحظات ولأول مرة في عمرنا، شاهدنا أنفسنا على حقيقتها دون مكياج ولا صورة تجميلية، ودون عناية بانتقاء الكلمات او رسم الابتسامات وتبادل المجاملات، ودون أن نضحك كي (تطلع الصورة حلوة!)

الأهم من كل هذا، أننا –ولأول مرة في عمرنا أيضاً-وقفنا امام المرآة ونظر الواحد فينا إلى داخله فأبصر بوضوح تام، نوازعه ورغباته وأفكاره وكل ما كان يحاول أن يخفيه حتى عن نفسه، فكان بصرنا يومئذ حديد!

لم يحتمل الواحد فينا الاختلاف مع الآخر، لقد كنا على متن سفينة يتلاطمها الموج، والواحد فينا لا يكاد يثق بأحد سوى نفسه لقيادة تلك السفينة الى بر الأمان، كلٌ منا أراد السيطرة على الدفّة والدفع بالآخرين بعيدا عنها، وفي سبيل ذلك لم تكن الوسيلة ذات معنى أو ذات أهمية، فالمهم هو الغاية التي صوّرها كل واحد منا لنفسه، على أنها نبيلة تحمل طابع الإنسانية وخدمة الغير.
وهكذا، كان الحق مع كل واحد فينا، والباطل هو الآخر ولا أحد سواه، فالنظام السياسي القائم هو الوطن، وهو التعويذة اللازمة للأمن والأمان في نظر البعض، فيما سقوط النظام والقضاء على رموزه هو الحل الوحيد للنهوض بالبلد، في نظر البعض الآخر، وفي وسط هذه "الهوجة" وجد فيها المنافقون والطابور الخامس والسادس والسابع فرصة ملائمة لاقتناص الفرصة وتحقيق أهدافهم، سواء بالحصول على مركز في السلطة أو رفعة في المجتمع أو مكاسب اقتصادية ومادية وشهرة إعلامية...الخ القائمة الطويلة.

لقد تغلّب المشاكس الصغير المختفي فينا على ديبلوماسيتنا، وعلى الأنموذج الذي كنا نظن أننا نمثله، وحاول هذا المشاكس المنفلت، بكل ما أؤتي من قوة التغلب على الآخرين وعلى كل النماذج الأخرى بل والقضاء على كل من يختلف معه، وهذا يستدعي بالضرورة النزاع والعداء، ولم لا القتال!
أصبحت الأرض العربية ساحة قتال لتصفية حسابات تاريخية لم نكن نلق لها بالاً من ذي قبل، لقد تخندقنا خلف هوياتنا والتي بدى وكأننا اكتشفناها للتو، فأنا سنّي وذاك شيعي، وهذا مسلم وذاك قبطي، وهذا من صنعاء وذاك من عدن، هذا يساري وذاك إسلامي، وهذا إخونجي وأنا ناصري!

لقد تحركت المياه الراكدة لتظهر أبشع وأوسخ ما فينا، الى درجة القرف من أنفسنا وفقداننا الأمل في القادم، وهذا هو بيت القصيد.
لن أتحدث عن السياسة -ليس في هذا المقال على الأقل-، ولن أقول إن هذا مخطط ومقصود وإن خطة الإنقاذ التي وضعتها، الأنظمة السلطوية لاستعادة زمام الأمور قد تم تمريرها ونجحت بالفعل، ولكني سأعود وأتكلم عن المجتمع ودور الفرد.

يعتمد "فرويد" في نظريته الأساسية للتحليل النفسي، على أن العلاج النفسي، يتم من إخلال إحداث صدمة نفسيّة عميقة تهز كيان المريض صاحب العلاج، وتحدثُ هذه الصدمة عندما يتواجه وعي هذا الشخص مع لا وعيه، بمعنى عندما يواجه كل واحد فينا كابوس الخوف الذي يهرب منه، عندما يتواجه مع نفسه ويقرّ بأخطائه ويتعلّم منها، عندما نكشف الغطاء عن عقلنا الباطن ونرى ما في ظلمات ذلك الصندوق العميق، فنخرجه الى النور ونتعامل معه.

في روايته الأخيرة (حرب الكلب الثانية) يطرح الأديب إبراهيم نصر الله، فكرة استشرافيّة عن حروب العالم العربي المستقبلية، وأخطرها فتكاً، تلك التي تشتعل بين الأشباه لا الفرقاء!
وأقتبس هنا النص التالي: (أتعرفين ما الذي يثير دهشتي؟ ما يثيرها حقاً، هو أن الانسان يمكن أن يتقبّل وجود شبيه لغيره، لكنه لا يتقبل وجود شبيه له، فالذين يقتلون بعضهم بعضاً منذ الظهيرة السوداء هذا اليوم، هم الأشباه لا المختلفون.... لأن البشر لا يريدون المختلف ولا يريدون الشبيه، وعلى أحدهم أن يقول لنا بوضوح، ما الذي يريده الانسان!) 
وكأن الكاتب يقول، إن الأصعب من قبول الآخر الذي يخالفك، هو قبول الآخر الذي يتشبّه بك، فيصبح شبيهك حقيقة وواقعاً، ليس بالتفكير وروح الشخصية فقط بل وبالملامح أيضاً!

أعتقد أننا اليوم، كمواطنين في بلاد أقل ما يقال فيها أنها تفتقد لاحترام الفرد لذاته، بل هي مجتمعات تحترم السلطة والجاه والنسب والحسب، وتراعي النفوذ ورجال المال والأعمال، على حساب القيم والقانون والدستور، أقول إذا كنّا ما زلنا نؤمن بكل ما عبّرنا عنه في شوارع بلادنا، وإذا كنا ما زلنا نؤمن بضرورة تحرَرنا من قيودنا، وألا نرضى بأنصاف الحلول مجدداً، فنحن أمام فرصة تاريخية لمواجهة كل مخاوفنا ومجابهة أسوأ الكوابيس التي لم نكن نجرؤ الحديث عنها، وتجاوزها نحو إعادة الحلم من جديد.
لقد جرّبنا وأخطأنا وفشلنا، نعم فشلنا جميعنا، ولكننا خسرنا معركة ولم نخسر الحرب، نحن اليوم أقوى من ذي قبل، بتنا نعلم أن اختلافاتنا قوة وليست ضعفاً، وأن السفينة لن تعبر الموج بفعل ربّان سفينة منفرد، بل بفعلنا جميعاً.
لقد اجتزنا أصعب اختبار وأكثره ظلمة، ولم نعد نخاف من "الغول"، لأننا رأيناه بأم عيننا، رأيناه في مرايانا وشاركناه ليلنا الطويل!

 أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
29-7-2018


الاثنين، 23 يوليو 2018

فلسطين وطنٌ قوميٌ لليهود!



أقرّ الكنيست الصهيوني، مشروع قرار "قانون القوميّة" الذي يؤكد قوميّة دولة الاحتلال، واعتبار فلسطين المحتلة وطناً قومياً لليهود، عاصمته القدس الكبرى، وهو ما يعني التنفيذ الحرفي للمشروع الصهيوني الذي أطلقه ثيودور هيرتزل، والتنفيذ الحرفي أيضاً لوعد بلفور، فماذا يتضمن هذا القرار؟

أولاً، يُعتبر هذا القرار استكمالاً لقرار ترامب اعتبار القدس عاصمة إسرائيل، وهنا بالذات وفي قانون القوميّة الجديد، يتم الإشارة الى القدس "الموحّدة" عاصمة لإسرائيل، مما يعني إغلاق الباب تماماً على أي حديث حول مفاوضات حل الدولتين، أو التفاوض حول القدس الشرقية.

أما جوهر القرار، فهو اعتبار فلسطين المحتلة، وطناً لكل يهود العالم وأن من حق أي شخص يعتنق الديانة اليهودية، الحصول على حقوق المواطنة الكاملة والانتماء لهذا الوطن، مع تكريس الرمزية اليهودية الصهيونية التوراتية للبلد.
ففي الوقت الذي خفت الحديث فيه عن حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة وتقرير المصير، نجد أن القانون الجديد يكرّس حق توطين اليهود ولمّ شملهم من كافة أقطار العالم في وطن قومي واحد (تكون الدولة مفتوحة أمام قدوم اليهود ولمّ الشتات) وهذا هو التنفيذ الحرفي لما يعتقدون أنه وعد إلهي بمنح هذه الأرض المقدسة (أرض الرب) لنبيّه إبراهيم ثم لابنه اسحق وإلى ابنه يعقوب (إسرائيل) من بعده.

يضاف الى ذلك تضمين القانون أحد البنود الذي ينص على أن ممارسة حق تقرير المصير في دولة إسرائيل يكون حصريا للشعب اليهودي، وبهذا تصبح هذه الدولة، دولة عنصرية تقوم في الأساس على الفصل العنصري، وعلى استئثار فئة واحدة في تقرير مصير باقي الفئات، بل وتكون لغتها (اللغة العبريّة) هي اللغة الرسميّة للبلاد، مع شطب الاعتراف باللغة العربية!

جميع ما ذُكر، له معنى واحد، مشروع جديد لتهجير الفلسطينيين، وطمس هويتهم الوطنيّة، ضمن دولة تُشرعن وتقنّن الفصل العنصري وتمارسه باسم القانون وباسم السلطة!

وضمن تشريع الفانون المذكور يحق للحكومة إقامة بلدات دينية خاصة بالمجموعات اليهودية وأبناء القومية اليهودية، دون تحديد المكان أو الزمان، بحيث يصبح اقتلاع الفلسطينيين (مسلمين ومسيحيين) من أرضهم إجراءً قانونياً بحكم هذا التشريع.
كما يشجع القانون على الاستيطان وتطويره، باعتباره "قيمة قوميّة"، وهذه النقطة بالذات تُعدّ المسمار الأخير في نعش مفاوضات حل الدولتين، حيث أصبح الكيان السرطاني المنتشر داخل الضفة الغربية، كيانا قانونيا بل وقيمة قومية عليا تسعى الدولة الى تطويره، وهو ما يعتبر عائقاً أساسياً في وجه تشكيل أي دولة للفلسطينيين مهما كانت حدودها، حيث يتعذر حصولهم على مساحة خالية من المستوطنات.

من المفارقات الغريبة في هذا التشريع، هو الجمع بين "الشعب" الذي يمثل عدة قوميّات منصهرة في بوتقة شعب واحد، ثم حصر هذا الشعب بديانة واحدة، وهذا ما ينافي كل الأعراف الإنسانية والتاريخية بل والعلميّة.
فعندما نقول الشعب الأمريكي، يُفهم من هذا المصطلح جميع المواطنين الأمريكيين الذين تتنوّع أصولهم وعروقهم وديانتهم، لتشكل باقة من ألوان الطيف التي نتفق جميعاً على انها تمثل شعباً واحداً يجمعه قانون مدني يتضمن نصاً، حقوق المواطنة، وواجبات المواطن الدستورية، ولكن لم يسبق في أي دستور أو حضارة سابقة ولا حاضرة، أن أطلق لفظ شعب على اتباع ديانة!
فإذا قلنا الشعب المسلم، على سبيل المثال، فإن هذا المصطلح يصبح غامضاً ولا يدل على شيء بعينه، فكيف يمكن القبول بإن تجمع الديانة اليهودية أبناءها في شعب واحد!
هل علينا أن نؤمن بأن الدم اليهودي الذي يجري في أبناء تلك الطائفة يعمل على صبغهم بصيغة وراثية واحدة تجمع بينهم بنص ديني!

المفارقة الأخرى، أنه ذكر (أرض إسرائيل) دون الإشارة الى حدود تلك الدولة أو الى أي تعريف يحدّد تلك الأرض، وهذا يُعيدنا الى خرافات توراتية تتحدث عن الأرض الموعودة والتي تصل حدودها للنيل والفرات (الخطاّن الأزرقان اللذان يحدّان العلم الإسرائيلي).

لم يكن ليرى هذا التشريع النور لولا الدعم السافر الذي تتلقاه دولة الاحتلال من البيت الأبيض ومن ترامب وعائلته مباشرة، ولولا النزعة الفاشيّة الطاغية في العالم هذه الأعوام، والتي تتهيأ للانقضاض على الحركات التحررية والداعمة لحقوق الانسان.

إن العالم اليوم أصبح أقرب ما يكون إلى كيانات فردية مستقلة على شكل دول، لا هدف لها سوى التملك الفردي وزيادة النفوذ والسيطرة، على حساب كل القيم الإنسانية والحضارية، بل وعلى حساب حقوق المواطنين الذين ينتمون لتلك الدول.

لقد كثرت الدعوات القوميّة التي ينكر أصحابها على غيرهم، حق المشاركة والمواطنة والعيش المشترك، ويعتقدون أن من حقهم وحقهم فقط، العيش بسلام وأمن والتنعّم بخيرات البلد، رأينا هذا في فرنسا وألمانيا وأوروبا الشرقيّة، وفي بلادنا العربية أيضاً.

لقد اتخذ المرشحون للانتخابات الرئاسية في جميع بلدان العالم هذا الشعار، وعلى رأسهم ترامب نفسه، فما الفرق بين "أمريكا أولاً" وبين "فرنسا للفرنسيين" وبين التشريع اليهودي الحالي!

بل إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وحالة التململ التي نراها في بعض البلدان ما هي إلا مؤشرات واضحة على تقوقع العالم على نفسه، وذوبان كل التحالفات الإقليمية وانكفائها على نفسها، وهذا مؤشرً خطير، يؤسس لمرحلة قادمة لا تقل خطورة عن تلك المرحلة التي طالعناها على صفحات التاريخ والتي أسّست للحروب العالمية في القرن الماضي.
  
قادة إسرائيل يعرفون من أين تؤكل الكتف، متى يتحركون ويحتلّون المشهد ومتى ينحنون بانتظار مرور العاصفة، ولم يكن إقرارهم هذا القانون في هذا التوقيت بالذات مصادفة أو ناتجاً عن سوء توقيت، بل على العكس تماماً، إنهم يعلمون جيدا أن هذا هو الوقت المثالي لتمرير صفقتهم ومشروعهم التاريخي وأن كل الظروف المحيطة إقليميا وعربيا ودولياً، هي ظروف مواتية ومناسبة، بل وداعمة لمشروعهم!

دولةٌ تقوم على خُرافات تؤمن بها طائفة متطرفة أصولية، تدعمها طوائف ولوبيات متطرفة أخرى تتحكم في العالم، ويكون الناتج دولة مدنية تقوم على الفصل العنصري وتتلوّن بالصبغة الدينية، وتتبجّح بالديمقراطية وحقوق الانسان!

 أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

22-7-2018

الثلاثاء، 17 يوليو 2018

الأرض مُسطّحة وليست كروية!






تزايدت النظريات التي تدحض كروية الأرض منذ عام 2010، وازدادت انتشاراً هذا العام بالذات، بعد نشر العديد من الحقائق والأدلة التي تشير إلى أن شكل الأرض أقرب ما يكون الى قرص دائري تنتشر على سطحه القارات الخمس المعروفة محاطة بالمياه، فيما تُغلّف محيط هذا القرص صحراء جليدية مُظلمة تمتد إلى ما لا نهاية، بشكل يستعصي على البشرية اكتشافها أو سبر أغوارها، وهي المنطقة التي تعرف بقارة أنتاركتيكا (القطب الجنوبي).  وهذا بدوره يتماشى مع نظرية العوالم الأخرى أو الأكوان المتوازية، ولكن ضمن بُعد الأرض الأفقي، وليس الفضائي.


المثير أن الدراسات والأبحاث التي تدحض كروية الأرض (التي نادى بها غاليليو فبل نحو 500 عام، وأكّدتها “ناسا” بعد الصعود الى القمر) جاءت من مختلف بلدان العالم، فهناك فريق أبحاث برازيلي قام بعدة تجارب لإثبات عدم وجود انحناء في سطح الأرض، وأن انعدام الرؤية في الأفق ناتج عن محدودية الرؤيا وليس لانحناء الأفق.
كما أسس عدد من العلماء الغربيين في لندن، مؤسسة (الأرض المُسطّحة) وأنشأوا مجتمعاً افتراضياً على الشبكة العنكبوتية، يعرضون فيه كل المواد المتعلقة بالموضوع
وقد تملكتني الدهشة من كمّ المعلومات والأبحاث التي يعرضونها، وقدرتهم على إجابة العديد من الأسئلة المحيّرة، سواءً عن رحلة ماجلاّن، واكتشافات جيمس كوك، وقفزة فيليبس، بالإضافة إلى الاستشهاد بخطوط الطيران التي تتعارض مع كروية الأرض، والكشف عن استخدام تقنية "عين السمكة" في الكاميرات الحديثة لإظهار انحناء الأفق (الوهمي).

كما قام عدة ناشطين بالتنقيب وراء رحلة "أبولو" الشهيرة، وتفنيد الفيديو الذي نشرته “ناسا” للهبوط على القمر عام 1969، وعلى الرغم من أن هذا ليس بجديد، إلا أن نفي وصول “ناسا” إلى القمر، يخلق إشكالاً حول حقيقة الصور التي نشرتها (وما تزال) للكرة الأرضية، وهنا بالذات يُقدّم هؤلاء الناشطون العديد من الشواهد والاثباتات على خضوع هذه الصور للتعديل عبر تطبيقات الحاسوب، وتعارضها مع بعضها البعض، عدا عن إثارة الشك في إمكانية أخذ صور "حقيقية" للأرض من خارج الغلاف الجوي.

وهناك مجموعة من العلماء الأمريكان الذين يتساءلون عن سبب حظر زيارة قارة أنتاركتيكا أو حتى الطيران من فوقها، ويتحدثون عن مؤامرة تشترك فيها الدول العظمى، والتي ما زالت تبحث في أسرار هذه المنطقة المجهولة.

يترتب على نظرية (الأرض المُسطّحة)، أن تكون هذه الأرض ثابتة ولا تتحرك، وبالتالي فإن الشمس والقمر هما اللذان يدوران فوق قرص الأرض، في مدار يتولد عنه الليل والنهار، واختلاف فصول السنة، حيث يقول مؤيدو هذه النظرية إن الشمس أصغر من الأرض والدليل أننا نراها بالعين المجرّدة، ونرى مسارات أشعتها تتكسّر من خلال طبقات الجو، وهذا لا يمكن ان يحصل لو كانت بعيدة في الفضاء، حيث يقدّرون المسافة بين الأرض والشمس بخمسة آلآف كم فقط، كما يشيرون إلى أن القمر مضيءٌ بنفسه ولا يعكس ضوء الشمس، كما أنه لا علاقة له بالمد والجزر!

ويتساءل مؤيدو هذه النظرية، هل سبق لأي انسان عادي التثبت أو التحقق من انحناء الأرض؟ حتى أن المسافر لو نظر من شباك الطائرة على ارتفاع شاهق لن يرى انحناء الأرض.
هل سبق لأحد أن دار حول الأرض شرقاً أو غرباً وعبَرَ المحيطات ثم عاد الى مكانه؟
هل سبق لأحد اكتشاف الوجه الآخر للأرض، أو عبور منطقة القطب الجنوبي المُتجمّد؟

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل اشترك فيه علماء الدين، فقد صدرت مؤلفات حديثة تؤكد نظرية (الأرض المُسطّحة) وتستدل عليها من القرآن، كما انتشرت العديد من الفيديوهات والمحاضرات لدعاة معاصرين يؤكدون أن الأرض مستوية ولها سقف ثابت، وأنه ثابتة بالضرورة، في حين أن الشمس والقمر قد تم تسخيرهما للدوران حول الأرض.


بالطبع، أنا لا أستهدف إثبات أو دحض النظرية، من خلال هذا المقال، ولكني أرغب في جذب انتباه القرّاء والمتابعين الأعزاء إلى هذا الموضوع وإثراء النقاش فيه، بالإضافة إلى استحضار بعض الدروس والعبر من انتشار هذه النظرية التي تُخالف كل مفاهيمنا وكل ما درسناه وتعلّمناه.

بدايةً، لا يوجد ثوابت علمية مؤكدة مهما اعتقدنا خلاف ذلك، وكل ما نصل إليه من العلم هو علم نسبي، قد تتقدم معارفنا يوماً ما ويثبُت لنا عكسه، أو عدم صحته ولو جزئياً. (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً)

لذا، لا يجوز لأي شخص التقليل من علم أو ذكاء الآخر بسبب قناعته التي قد تبدو غريبة، وقد علّمتنا كتب الفلسفة والتحليل النفسي، أن أذكى الأسئلة هو ذلك النوع الذي يصطبغ بالغباء! (وقل رب زدني علما).
ومن هنا نقول، إن الرد على أي وجهة نظر، يكون بالحُجّة والمنطق والبرهان وإن الاستخفاف بآراء الآخرين هو نوع من الضعف وعدم امتلاك القدرة على الدفاع عن الثوابت والمُسلّمات التي نؤمن بها.

النقطة الثانية، هي إقحام الدين والقرآن في نقاشات علمية جدلية، تضر أكثر مما تفيد، على عكس ما يعتقد العلماء الذين يحاولون تسخير الدين لخدمة هذه النظرية أو تلك.
لقد انقسم العلماء المسلمون بين مؤيد لكروية الأرض وبين معارض لها، وكل فريق لديه من الأدلة والشواهد، ويا ليتهم يشيرون الى أن ما يقولونه هو اجتهاد قد تثبت صحته وقد لا تثبت، بل على العكس تماماً تراهم يؤكدون أفكارهم وكأنهم أنبياء هذا الزمان، والمؤسف أنهم لم يقدّموا دليلاً علمياً إلاّ وكان منقولاً عن علماء غير مسلمين، فيما اعتمدوا على النص أكثر مما اعتمدوا على الدليل العلمي المادي.



في النهاية، يؤخذ على نظرية (الأرض المُسطّحة) عدة أمور، أولها أنها تعتمد على نظرية المؤامرة، والتي تعتمد في الأساس على إثارة الشك أكثر مما تعتمد على إثبات وجهة نظرها.
ثانياً، انحناءُ الأرض، يُثبته صعود الشمس خلال النهار إلى كبد السماء ثم هبوطها، ولو كانت الأرض مسطحة لحافظت الشمس على ارتفاعها. في حين أن نظريتهم تفيد أن حركة الشمس فوق الأرض تتضمن الصعود والهبوط، وهذا تخمين وافتراض، لا يقوم عليه أي دليل.

أضف الى ذلك أن جميع بلدان العالم اليوم بما فيهم دولنا العربية قد أطلقوا أقماراً صناعية خاصة بالبث الفضائي، وقد تم تصميمها بناءّ على كرويّة الأرض ودورانها حول نفسها، ولو أن الأرض ثابتة لتاهت هذه الأقمار وانقطع البث، ولكان القائمون على هذه الأقمار قد اكتشفوا بما لا يدع مجالاً للشك أن الأرض ثابتة ولا تتحرك، فهل يُعقل أن تشترك دول العالم من الشرق والغرب في مؤامرة (كروية الأرض)!

هذه الأسئلة وغيرها بعثتُ بها الى القائمين على النظرية والنشطاء الذين شاركوا بنشرها، بانتظار وصول الرد المُقنع من عدمه، ولعلنا نعود للحديث في هذا الموضوع لاحقاً.

 ختاماً،  أعتقد أننا أمام قضية معقدة ليس من السهل الوصول إلى قناعة مؤكدة فيها على نحو سريع، ولكني أجزم أن نظرتنا للكون وللحقائق الكونية لن تعود كما كانت من قبل، حتى على فرض أن هذه النظرية ستفشل في إثبات نفسها، إلا أنها على أقل تقدير ستنجح في تعديل بعض المفاهيم وتصحيح بعضها الآخر مع كشف بعض الزيف هنا وهناك، وإثبات عدم صحة بعض المسلّمات التي نؤمن بها، ولم لا، السير باتجاه نظرية جديدة حول طبيعة الكون وشكل الأرض، قد تكون هي الأصح، ولنا في رحلة سيدنا إبراهيم للبحث عن الحقيقة، والتي قادته من الشك إلى اليقين، أكبر مثال يُحتذى.


 أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

16-7-2018