الثلاثاء، 27 أكتوبر 2015

حرب العراق الأخيرة، من هنا بدأت الحكاية



   نشرت وزارة الخارجية الأمريكية دفعة جديدة من الرسائل الإلكترونية لبريد وزيرة الخارجية السابقة "هيلاري كلينتون" قبل أيام، ومن ضمن هذه الرسائل التي تم نشرها رسائل تعود الى عام 2002 بين كولن باول وزير الخارجية آنذاك والرئيس جورج بوش تتناول محاضر اجتماعات مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بهدف التخطيط لغزو العراق. اللافت في الموضوع أن تاريخ الرسائل هو سابق للحرب بنحو عام ما يعتبر دليلاً جديداً على المؤامرة التي اشتركت بها القيادتان الأمريكية والبريطانية بهدف توفير الأجواءالسياسية والظروف الملائمة لغزو العراق وضمان التأييد الشعبي لهذا الغزو.

وتُبرز هذه الرسائل دور توني بلير في هذه المؤامرة واستعداده التام لتهيئة الأجواء السياسية اللازمة في لندن وأوروبا تمهيداً لإعلان الحرب على العراق، بالتوافق مع الخطوات التي تتخذها الإدارة الأمريكية لدق طبول الحرب داخل أمريكا، وهذا ما يفسر الحملة الدعائية الضخمة وتهويل موضوع إمتلاك العراق أسلحة دمار شامل، وصل إلى حد تزوير وتلفيق البراهين والأدلة وانتهى بقرار منفرد لخوض الحرب دون الحصول على موافقة مجلس الأمن نظراً للمعارضة الدولية لتلك الحرب، وهذا وحده (قرار خوض الحرب المنفرد) كفيل بمحاكمة بوش و بلير بتهمة إرتكاب جرائم حرب، لو توافرت الإرادة الدولية لفعل ذلك.

كنا قد تحدثنا في مقال سابق عن مذكرات كولن باول والتي تحدث فيها عن محاولاته لثني الرئيس بوش عن قرار الحرب، ولكنه في النهاية امتثل لأوامره واحترم قراره بصفته رئيساً للولايات المتحدة، وأدّى دور "محامي الشيطان" المطلوب منه على أكمل وجه !

ما زالت المنطقة العربيّة تعاني من آثار حرب العراق الأخيرة، فبعد أكثر من عشرة أعوام على الغزو، يبدو أن وعود إرساء مبادىء الحريّة وترسيخ الديمقراطية على الطريقة الأمريكية قد أصبحت هباءً منثورا، فقد حلّت مكانها العنصريّة والطائفيّة والقتل على الهويّة، وظهر الفساد في البر والبحر، وانقسمت البلاد عرقيّات وطوائف وجماعات، وباتت أقرب من أي وقت مضى للتقسيم الجغرافي الفعلي على الأرض.

 ومن العراق انتشرت الفتنة الطائفية والعنصريّة الى باقي البلاد العربية كالنار في الهشيم، واشتعلت المنطقة بتواجد عدّة تنظيمات مسلّحة بدأت عملها بمقاومة الإحتلال الأمريكي وجنت تعاطفاً كبيراً من الشارع العربي تم تتويجه بإنضمام العديد من الشباب المتحمسين تحت لواء هذه التنظيمات، ثم ما لبثت هذه التنظيمات أن تكاثرت وفرّخت تنظيمات إرهابيّة تتجاوز حدود العراق وتنال من الأبرياء في كل مكان والأنكى من ذلك أن هذه التنظيمات انقسمت على نفسها وأصبحت تتناحر فيما بينها بعد انسحاب القوات الأمريكيّة، وأصبحت البلاد مسرحاً للعمليات الإرهابية والتفجيرات التي تستهدف في الغالب الأسواق الشعبية ودور العبادة.

  ومع التواطؤ الإيراني مع الإدارة الأمريكية لتسهيل غزو العراق وضمان سيطرة الأمريكان على البلاد وبسط نفوذهم، شدّدت إيران قبضتها على العراق، وتمكنت من قيادة البلاد عبر قيادة عراقية مناوئة لها في الشكل والمضمون، مما مكّن إيران من تشكيل تحالف قوي في المنطقة عبر العراق الى سوريا مروراً بلبنان وهذا بدوره أعاد الروح الى الدولة الإيرانية ودفعها للإيمان بحظوظها من جديد في غزو العالم العربي وإستعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية، ومن هنا بدأت الحكاية، حيث بدأت إيران مشروعها التوسعّي بتغذية النزاعات الطائفيّة في دول الخليج، ودعمها للمتمردين الحوثيين في اليمن، ونتيجة لذلك طفت على السطح نذور حرب أهلية-طائفية ليس في العراق وحدها بل في المنطقة جميعها.

  لقد دفع العرب ثمن تخاذلهم في التصدّي للمشروع الأمريكي في المنطقة وغزو القوات الأمريكية والبريطانية للعراق، بل قامت بعض الدول بتقديم الدعم اللوجستي لهذا الغزو، وكانت النتيجة الحتمية لذلك هو ضياع البلاد وإعطاء الفرصة لتعزيز الدور الإيراني في المنطقة، ومع انطلاقة أحداث الربيع العربي وفي ظل تراجع الدور الأمريكي في المنطقة وتعزيز روسيا لدورها في المنطقة، يبدو أن الدول العربية قد أفاقت على كابوس فعلي صنعته لنفسها.

   اللافت في الموضوع، أن وسائل الإعلام الغربية ودوائر صنع القرار في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، يتحدثون عن قرار الحرب الخاطىء ويتلاومون فيما بينهم، بل إن صناعة السينما أنتجت عدة أفلام تفضح مؤامرة الحرب، وتكشف تواطؤ القيادة السياسية والإستخباراتية، بينما تلتزم كل الدول العربية الصمت تجاه كافة قراراتها الخاطئة في هذه الحرب وغيرها من القرارات الاستراتيجية الخاطئة التي لا تعد ولا تحصى، رغم كل المصائب التي حلت بالعالم العربي نتيجة هذه القرارات الخاطئة او الساذجة على أقل تقدير !!

  أعتقد شخصياً، بأننا إذا نجحنا يوماً في ممارسة بعض الشفافيّة في بلادنا العربيّة، وسُمِح لوسائل الإعلام نشر الرسائل المتبادلة بين وزير الخارجية ورئيس الدولة، وخضع هذا الوزير أو ذاك للمساءلة، يمكننا حينها أن نتوقع مستقبلاً أفضل للمنطقة.

أيمن أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
26-10-2015




للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban


الأربعاء، 14 أكتوبر 2015

عُقدة الفلسطيني !




عندما يُذكر إسم "الفلسطيني" تقفزُ الى الأذهان صورةُ طفلِ الحجارة وهو يتصدّى لمُدرّعة مُصفحة بصدره العاري، أو صورة عجوز تعانق شجرةً في فناء بيتها وترفض أن تتزحزح من مكانها، أو صورة فتاة ملثومة الوجه وفي يدها مقلاع.  صورة الفلسطيني المُقاوم رسخت في أذهان العالم واقترنت بالصمود والثبات على الحق، والمقاومة، وأزاحت جانباً البُعد الإنساني لهذا الشعب، وبالتالي غابت معاناته الإنسانية في حياته اليوميّة عن عيون العالم.





   القليلون من سبروا أغوار هذا المجهول، واخترقوا أعماق الصورة، ليعاينوا عن قُرب المأساة الفلسطينيّة بشقّها الإنساني.

  لو نحّينا جانباً الصورة النمطيّة عن الفلسطيني – مع الإقرار بصعوبة ذلك - وتعمّقنا في نظرتنا لمكنوناته الإنسانيّة، لرأينا أن الفلسطيني عندما يولدُ يرث كل مآسي آبائه وأجداده، فطبقاً لنظرية الموروثات النفسيّة في علم الإجتماع فإننا نأتي الى الحياة ومعنا خزّانٌ مليءٌ بمخاوف وتجارب آبائنا، أفكارهم وسلوكياتهم، الإيجابيّة منها والسلبيّة، وسرعان ما ننصهر معها لنكتسب سلوكيّاتنا الخاصة والتي تُصبح جزءاً من شخصيتنا، تماماً كما نرث الصفات الخلقية، وينطبق علينا المثل القائل ( من شابهَ أباهُ ما ظلم ) والمثل يُطلق على تشابه الأفعال والتصرفات والسلوك أكثر منهُ الشَبَه في الخِلقة. تخيّلوا معي ما يرثه المولود الفلسطيني من مآسي ونكبات، تؤدي إلى إختزال مرحلة الطفولة والدفع به نحو النضوج المُبكّر، ولا عجب أن يتشبّه بشعر عمرو بن كلثوم
 ( إِذَا بَلَـغَ الفِطَـامَ لَنَا صَبِـيٌّ ... تَخِـرُّ لَهُ الجَبَـابِرُ سَاجِديْنَـا )



  يولدُ الفلسطيني وقلبه موجوع بنكبة 48 و نكسة 67 ثم أيلول الأسود وحرب المخيمات، حصار بيروت وتنكيل حزب الكتائب، ثم ما يلبث أن يعرُكَ الحياة ويتعرّف على قسوة الإحتلال فتتولد لديه عقدة " أنت عربي ! " والعربي في دولة الإحتلال مواطنٌ من الدرجة الثالثة أو الرابعة وتحت خط الحيوانات الأليفة بقليل!.

أما إذا كان من فلسطينيي الشتات، فستتولّد لديه عُقدة " أنت فلسطيني ! " والفلسطيني بالطبع ليس من أهل البلد، فالوطن مُستعار، والسماء التي تُظلّه غريبة، والأرض التي تحمله تستعصي عليه، قد تسمح له الظروف بالحصول على جواز سفر وقد لا تسمح، قد يحصل على وثيقة سفر وقد لا يحصل، سيدخل بعض البلدان ويُحرم من دخول البعض الآخر، سيُسمح له بإستئجار منزل او بناء بيت وقد لا يُسمح له، من الممكن أن يعيش حياته في مُخيّم محصور لا يجرؤُ فيه على دقِّ مسمارٍ في جدار لتعليق خارطة وطنه المسلوب، وقد يكون الزمن به رحيماً فيعيش حياة مواطن درجة ثانية، في النهاية لن يطمع بأكثر من ذلك.


عندما يعود الفلسطيني الى التاريخ ويُطالع ما كتبه المؤرخون عن قضيتّه، سيصاب بعُقَدٍ نفسيّةٍ كافية أن تقصم ظهر أحكم الفلاسفة وأكثرهم رُشدا، وسيعيش بقيّة حياته وهو يعاني من فكر نظرية المؤامرة، المتمثل في التآمر الدولي لترسيخ الإحتلال ودعم المشروع الصهيوني. لا بد أنه سيقرأ "بروتوكولات حكماء صهيون" و "أحجار على رقعة الشطرنج" وغيرها من الكتب ويربط كل ذلك بالمؤامرة البريطانية-الدوليّة لتسليم فلسطين لليهود، وما تلاه من تبنّي الإدارة الأمريكيّة للمشروع الصهيوني ومباركته.

   أما على الصعيد العربي، فلا شك أن الفلسطيني سيتماهى مع عقدة يوسف، يوسفُ الذي طَرَحه إخوتهُ أرضاً وأدّعوا موته كي يُعيدوا ترتيبَ أقدارهم على أطلاله، ويستريحوا من عناء التنافس معه على حُب أبيهم.

   ستبقى عقدة تقصير العرب في حل القضية الفلسطينة وفشلهم الذريع في مواجهة العدو الصهيوني سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، ستبقى هذه العقدة في العقل الباطن لكل فلسطيني مهما إدّعى غير ذلك، ومهما حاول أن يتفهّم أو يَعْذُرَ، وستبقى جملة الضابط العراقي المغلوب على أمره (( ماكو أوامر ! )) محفورةً في ذاكرة كل فلسطيني مهما تنقّل في مدن العالم ومهما ازدهرت ظروف معيشته، ولو اختلى بنفسه ذات ليلة لهتف في أعماق ذاته (( القدسُ عروس عروبتكم )).

    ستبقى رسالة المجاهد عبدالقادر الحسيني الى أمين عام جامعة الدول العربية والتي حمّل فيها الدول العربيّة، مسؤولية ضياع البلاد والعباد، محفوظة في ارشيف كل فلسطيني، بين وثائقه المُصفرّة اللون من تأثير أوجاع الزمن، أمّا مفتاح البيت العتيق، فسيبقى معلقاً في سلسلة تُزيّن صدور الأمهات ثم ينقلنه الى صدور بناتهم فيتأرجح بصحبة قلادة تحمل أول حرف من إسم شهيد.


تزداد معاناة الفلسطيني ويشعر بمرارة وغُصّة في الحلق عندما يشاهد رجال الثورة الذين تحوّلوا بقدرة قادر الى نواطير لصالح الإحتلال ومارسوا دورهُ في سرقة الحلم الفلسطيني، بعد أن انتقلوا من مكانهم خلف البنادق الى مقاعدهم الوثيرة خلف المكاتب، وتحت مكيفات الهواء، وأحاطوا أنفسهم ببطانة تفصل بينهم وبين أوجاع المواطنين الغلابة، ثم انقسموا فيما بينهم وتنازعوا على الوطن المسلوب الإرادة !

أنا يوسف العربي، مواطنٌ من الدرجة الثالثة في بلدي المحتل، ومواطنٌ من الدرجة الثانية في بلادٍ شقيقة، يُقلقنني سؤال ( الأخ من وين ؟). في جعبتي خارطةٌ صغيرةٌ عليها علامة تُميّز موقع قريتي التي ضاعت في غياهب التاريخ وحلّ محلّها مُستعمرة برتقال، ورثتُ عن أُمّي ما ورثتهُ هي عن جدّتي، ثوباً فلسطينياً مُطرّزاً ومِفتاحاً عتيقا، وورثت عن أبي عُكّازهُ وحكايا قريتنا، وأصوات خُطب جمال عبدالناصر من مذياع دار المُختار، وورثتُ ما ورثهُ هو عن أبيه، تنكيلَ جنود الإحتلال له بأعقاب البنادق، وخوفه على حياة وعِرْض شقيقاته ورائحة الأرض، تلك التي أفتقدها في مساءاتي ولحظات عشقي.

  أنا بعضُ إنسان، وبعضُ ثائر، أنا عاشقُ الحريّة وسجينُ الفكرة، أنا الباحثُ عن الحقيقة، والتائهُ في صحراء العرب، يهرب ظلّي مني فأستعيضُ عنه بظلّ حنظلة العلي، وأعجز عن الكلام فأستعير أشعار محمود درويش، تحرقني غُربة المُبْعدين وأشارك الأسرى ظُلمة سجنهم، أعشقُ الحياة ولكني لا أجيدُ الرقصَ بين الشهداء، أنا يوسف الفلسطيني المُنقسم على نفسه !


أيمن أبولبن
13-10-2015
كاتب ومُدوّن من الأردن




للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban


الاثنين، 5 أكتوبر 2015

الأقصى ليس في خطر !

الأقصى ليس في خطر !




تأتينا الفتاوى الغريبة والمُفصّلة على المقاس من " أم الدنيا "، فبعد أن بشّرنا الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ جامعة الأزهر ببعث رسولين للشعب المصري العظيم، على غرار موسى وهارون، هُما الرئيس السيسي ووزير الداخلية محمد إبراهيم، يُنبّهنا الهلالي هذه المرّة إلى ضرورة عدم الإنجرار وراء العواطف والدعوة إلى نصرة الأقصى كي لا تدخل المنطقة في حرب دينية لا تُحمد عقباها.
   ويضيف الهلالي قدّس الله سرّه، أن دم المسلم أعز عند الله من أي بناء على الأرض بما في ذلك المسجد الأقصى أو حتى الكعبة المُشرّفة، بل إن النبي محمد تُوفّي والمسجد الأقصى في يد النصارى ولم يطالب أحداً بنُصرة الأقصى حينها، وأن المساجد للّه هو يحميها كما قال عبد المطلب ( للبيت ربٌ يحميه ).
  من المؤسف أن تسيطر هذه الطائفة من وعّاظ السلاطين على المشهد الحالي وتدس السمّ في الدسم وتعمل على تغييب العقول ودغدغة العواطف وبيع الأوهام للناس. لقد لعب رجال الدين الذين باعوا أنفسهم للسلطة دوراً أساسياً في تخريب عقول الشعوب وتسببوا بأزمة كبيرة في الفقه الإسلامي وساهموا في تخلّف العقل العربي، وصدق المثل الانجليزي القائل ( إذا أردت أن تعرف حقيقة إنسان فأعطه مالاً أو سلطة ).
   ناموا ولا تستيقظوا أيها العرب والمسلمين فالأقصى ليس في خطر، حتى لو تقاسمناه مع اليهود أو في أسوأ الأحوال لو هدموه وبنوا مكانه هيكلهم المزعوم، فالأقصى لا يعدو كونه بناءً مثل باقي المباني نستطيع نقله أو بناء أقصى آخر في مقاطعة رام الله، فلم التوجّس وهذه النعرات الدينيّة التي تطلقونها لنصرته !
وتأتي هذه التصريحات ضمن منظومة متكاملة يتبنّاها النظام المصري، هدفها الأساسي كسر شوكة الفلسطينيين والمقاومة الفلسطينية وتركيع هذا الشعب لقبول الرؤية الصهيونيّة في الحل "السلمي"، فمن شَيْطنة غزة والمقاومة الفلسطينيّة وإلباسهم لباس المتآمرين على مصر والمتسببين بكل أزمات الشعب المصري، ونعتهم بأقذر الصفات، مروراً بهدم الأنفاق والمشاركة مع العدو الصهيوني في حصار غزة، وصولاً إلى إغراق المعابر الحدودية بماء البحر لفصل غزة تماماً عن العالم الخارجي في محاولة لتحفيز أهل غزة للخروج من عباءة حماس والمقاومة الفلسطينية والإنضمام تحت لواء الإستسلام والتسليم.
   ومن ناحية أخرى يستغرب بعض المثقفين، الحماسة التي دبّت في عروق بعض النشطاء لنصرة الأقصى في ظل حالة الإنهيار الفلسطيني التام والشلل الكامل الذي أصاب منظومة الثورة الفلسطينيّة، ولسان حالهم يقول (( لا يَضُرُّ الشاةَ سَلخُها بَعدَ ذَبحِها ! )) خصوصاً مع حالة التدهور العربي العامّة، وإستفراد العدو الصهيوني بالمقاومة والمقاومين "الحقيقيين". 
   يبدو أننا في الحقيقة قد نسينا في خضم مشاكلنا السياسيّة والطائفيّة وأزمة المهاجرين والمُهجّرين، نسينا قضيتنا الأساسية المتمثلة في إغتصاب الدولة للصهيونيّة لفلسطين وتجاهلنا معاناة أهلنا في الأراضي المحتلة، لقد عشنا لحظات ثوريّة فيما مضى من الزمن الجميل، وكان الأمل يحدونا مع كل عملية فدائيّة ومع كل خطاب ثوري هنا وهناك، ثم انتفضنا فتراءى لنا الوطن غير بعيد، إلاً أننا سلّمنا البندقيّة في أوسلو وهتفنا للسلام ولوّحنا بالكوفيّة وغصن الزيتون، ثم اكتفينا بفتات الوطن الذي تركه الغاصب لنا.
   لقد كان الربيع العربي هو بداية الضوء في نفقٍ طويل مُظلم، تعلّقنا به وكلنا أمل أن يقودنا الى طريق القدس، ولكن طيور الظلام وتلامذة الهزيمة المُحترفين، حوّلوا الطريق إلى الهاوية من جديد، ولكننا لم نفقد البوصلة، ولم ننسَ حيفا ويافا وعكا وجبال الجليل، ونعلم جيداً أن الأقصى هو نقطة اللا عودة، فإن قبلنا بالتخلّي عنه أو بتقسيمه فلنقرأ على وطننا العربي السلام.
   لقد عرّانا الإحتلال الاسرائيلي أمام التاريخ وأمام أنفسنا، ولم نجد ما نواري به سوءاتنا سوى محافظتنا على المسجد الأقصى من الإنتهاكات الصهيونية ومحاولات تدميره أو تدنيسه أو ضمّه الى معابدهم اليهوديّة، وأصبح المسجد الأقصى الرمز الذي يؤلّف قلوب المسلمين والعرب ويوخز ضميرهم، وأخشى ما أخشاه، أن نكون في طريقنا للتخلّي عن الخط الأحمر الساتر لنا !!
  من سخرية القدر، ومفارقات التاريخ التي تستحق دخول كتاب جينيس لحمقى التاريخ، أن العرب رفضوا مبدأ حل الدولتين عام 47 ثم أعلنوا الحرب عام 67 بهدف إستعادة الضفة الغربية فخسروا كامل الأراض الفلسطينية، ليعودوا ويستَجْدوا العالم لتنفيذ قرارات التقسيم والعودة الى حدود عام 67 !!
وتستمر المأساة بعد أن قبلت القيادة الفلسطينية بدولة "كانتونات" منزوعة الإرادة يعتمد دخلها على عطايا دولة العدو، وتتلقّى أجهزتها الأمنية أوامرها من قادة عمليات العدو، ثم تتباهى برفع علم "الدولة" في مبنى الأمم المتحدة، وتنام ملء جفونها عن مقدّساتها التي تُنتهك من قطعان المستوطنين، ولا تجد من يذود عنها سوى المرابطين العُزّل المتسلّحين ببعض الكرامة والنخوة، وبعد كل هذا يخرج علينا من ينتقد فورة الغضب التي تجتاحنا، ويلوم جهلنا أو تعصّبنا !
 عندما يذكُرُنا التاريخ في كتاب الحمقى سيكتب على رأس الصفحة (( ومن يهُن يسهُل الهوانُ عليه )) !!

  أيمن أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
3-10-2015


للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban