نشرت وزارة الخارجية الأمريكية دفعة جديدة من
الرسائل الإلكترونية لبريد وزيرة الخارجية السابقة "هيلاري كلينتون" قبل أيام، ومن ضمن
هذه الرسائل التي تم نشرها رسائل تعود الى عام 2002 بين كولن باول وزير الخارجية
آنذاك والرئيس جورج بوش تتناول محاضر اجتماعات مع رئيس الوزراء البريطاني توني
بلير بهدف التخطيط لغزو العراق. اللافت في الموضوع أن تاريخ الرسائل هو سابق للحرب
بنحو عام ما يعتبر دليلاً جديداً على المؤامرة التي اشتركت بها القيادتان
الأمريكية والبريطانية بهدف توفير الأجواءالسياسية والظروف الملائمة لغزو العراق وضمان
التأييد الشعبي لهذا الغزو.
وتُبرز هذه الرسائل دور
توني بلير في هذه المؤامرة واستعداده التام لتهيئة الأجواء السياسية اللازمة في
لندن وأوروبا تمهيداً لإعلان الحرب على العراق، بالتوافق مع الخطوات التي تتخذها
الإدارة الأمريكية لدق طبول الحرب داخل أمريكا، وهذا ما يفسر الحملة الدعائية الضخمة
وتهويل موضوع إمتلاك العراق أسلحة دمار شامل، وصل إلى حد تزوير وتلفيق البراهين
والأدلة وانتهى بقرار منفرد لخوض الحرب دون الحصول على موافقة مجلس الأمن نظراً
للمعارضة الدولية لتلك الحرب، وهذا وحده (قرار خوض الحرب المنفرد) كفيل بمحاكمة
بوش و بلير بتهمة إرتكاب جرائم حرب، لو توافرت الإرادة الدولية لفعل ذلك.
كنا قد تحدثنا في مقال
سابق عن مذكرات كولن باول والتي تحدث فيها عن محاولاته لثني الرئيس بوش عن قرار
الحرب، ولكنه في النهاية امتثل لأوامره واحترم قراره بصفته رئيساً للولايات
المتحدة، وأدّى دور "محامي الشيطان" المطلوب منه على أكمل وجه !
ما زالت المنطقة
العربيّة تعاني من آثار حرب العراق الأخيرة، فبعد أكثر من عشرة أعوام على الغزو،
يبدو أن وعود إرساء مبادىء الحريّة وترسيخ الديمقراطية على الطريقة الأمريكية قد
أصبحت هباءً منثورا، فقد حلّت مكانها العنصريّة والطائفيّة والقتل على الهويّة،
وظهر الفساد في البر والبحر، وانقسمت البلاد عرقيّات وطوائف وجماعات، وباتت أقرب من
أي وقت مضى للتقسيم الجغرافي الفعلي على الأرض.
ومن العراق انتشرت الفتنة الطائفية والعنصريّة
الى باقي البلاد العربية كالنار في الهشيم، واشتعلت المنطقة بتواجد عدّة تنظيمات مسلّحة
بدأت عملها بمقاومة الإحتلال الأمريكي وجنت تعاطفاً كبيراً من الشارع العربي تم
تتويجه بإنضمام العديد من الشباب المتحمسين تحت لواء هذه التنظيمات، ثم ما لبثت
هذه التنظيمات أن تكاثرت وفرّخت تنظيمات إرهابيّة تتجاوز حدود العراق وتنال من
الأبرياء في كل مكان والأنكى من ذلك أن هذه التنظيمات انقسمت على نفسها وأصبحت
تتناحر فيما بينها بعد انسحاب القوات الأمريكيّة، وأصبحت البلاد مسرحاً للعمليات
الإرهابية والتفجيرات التي تستهدف في الغالب الأسواق الشعبية ودور العبادة.
ومع التواطؤ الإيراني مع الإدارة الأمريكية لتسهيل
غزو العراق وضمان سيطرة الأمريكان على البلاد وبسط نفوذهم، شدّدت إيران قبضتها على
العراق، وتمكنت من قيادة البلاد عبر قيادة عراقية مناوئة لها في الشكل والمضمون، مما
مكّن إيران من تشكيل تحالف قوي في المنطقة عبر العراق الى سوريا مروراً بلبنان
وهذا بدوره أعاد الروح الى الدولة الإيرانية ودفعها للإيمان بحظوظها من جديد في
غزو العالم العربي وإستعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية، ومن هنا بدأت الحكاية،
حيث بدأت إيران مشروعها التوسعّي بتغذية النزاعات الطائفيّة في دول الخليج، ودعمها
للمتمردين الحوثيين في اليمن، ونتيجة لذلك طفت على السطح نذور حرب أهلية-طائفية
ليس في العراق وحدها بل في المنطقة جميعها.
لقد دفع العرب ثمن تخاذلهم في التصدّي للمشروع
الأمريكي في المنطقة وغزو القوات الأمريكية والبريطانية للعراق، بل قامت بعض الدول
بتقديم الدعم اللوجستي لهذا الغزو، وكانت النتيجة الحتمية لذلك هو ضياع البلاد
وإعطاء الفرصة لتعزيز الدور الإيراني في المنطقة، ومع انطلاقة أحداث الربيع العربي
وفي ظل تراجع الدور الأمريكي في المنطقة وتعزيز روسيا لدورها في المنطقة، يبدو أن
الدول العربية قد أفاقت على كابوس فعلي صنعته لنفسها.
اللافت في الموضوع، أن وسائل الإعلام الغربية
ودوائر صنع القرار في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، يتحدثون عن قرار الحرب
الخاطىء ويتلاومون فيما بينهم، بل إن صناعة السينما أنتجت عدة أفلام تفضح مؤامرة
الحرب، وتكشف تواطؤ القيادة السياسية والإستخباراتية، بينما تلتزم كل الدول
العربية الصمت تجاه كافة قراراتها الخاطئة في هذه الحرب وغيرها من القرارات
الاستراتيجية الخاطئة التي لا تعد ولا تحصى، رغم كل المصائب التي حلت بالعالم
العربي نتيجة هذه القرارات الخاطئة او الساذجة على أقل تقدير !!
أعتقد شخصياً، بأننا إذا نجحنا يوماً في ممارسة
بعض الشفافيّة في بلادنا العربيّة، وسُمِح لوسائل الإعلام نشر الرسائل المتبادلة
بين وزير الخارجية ورئيس الدولة، وخضع هذا الوزير أو ذاك للمساءلة، يمكننا حينها
أن نتوقع مستقبلاً أفضل للمنطقة.
أيمن أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
26-10-2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق