الأقصى ليس في خطر !
تأتينا
الفتاوى الغريبة والمُفصّلة على المقاس من " أم الدنيا "، فبعد أن بشّرنا
الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ جامعة الأزهر ببعث رسولين للشعب المصري العظيم،
على غرار موسى وهارون، هُما الرئيس السيسي ووزير الداخلية محمد إبراهيم، يُنبّهنا
الهلالي هذه المرّة إلى ضرورة عدم الإنجرار وراء العواطف والدعوة إلى نصرة الأقصى
كي لا تدخل المنطقة في حرب دينية لا تُحمد عقباها.
ويضيف الهلالي قدّس الله سرّه، أن دم المسلم
أعز عند الله من أي بناء على الأرض بما في ذلك المسجد الأقصى أو حتى الكعبة المُشرّفة،
بل إن النبي محمد تُوفّي والمسجد الأقصى في يد النصارى ولم يطالب أحداً بنُصرة
الأقصى حينها، وأن المساجد للّه هو يحميها كما قال عبد المطلب ( للبيت ربٌ يحميه ).
من
المؤسف أن تسيطر هذه الطائفة من وعّاظ السلاطين على المشهد الحالي وتدس السمّ في
الدسم وتعمل على تغييب العقول ودغدغة العواطف وبيع الأوهام للناس. لقد لعب رجال
الدين الذين باعوا أنفسهم للسلطة دوراً أساسياً في تخريب عقول الشعوب وتسببوا
بأزمة كبيرة في الفقه الإسلامي وساهموا في تخلّف العقل العربي، وصدق المثل
الانجليزي القائل ( إذا أردت أن تعرف حقيقة إنسان فأعطه مالاً أو سلطة ).
ناموا ولا تستيقظوا أيها العرب والمسلمين
فالأقصى ليس في خطر، حتى لو تقاسمناه مع اليهود أو في أسوأ الأحوال لو هدموه وبنوا
مكانه هيكلهم المزعوم، فالأقصى لا يعدو كونه بناءً مثل باقي المباني نستطيع نقله
أو بناء أقصى آخر في مقاطعة رام الله، فلم التوجّس وهذه النعرات الدينيّة التي
تطلقونها لنصرته !
وتأتي
هذه التصريحات ضمن منظومة متكاملة يتبنّاها النظام المصري، هدفها الأساسي كسر شوكة
الفلسطينيين والمقاومة الفلسطينية وتركيع هذا الشعب لقبول الرؤية الصهيونيّة في
الحل "السلمي"، فمن شَيْطنة غزة والمقاومة الفلسطينيّة وإلباسهم لباس
المتآمرين على مصر والمتسببين بكل أزمات الشعب المصري، ونعتهم بأقذر الصفات، مروراً
بهدم الأنفاق والمشاركة مع العدو الصهيوني في حصار غزة، وصولاً إلى إغراق المعابر
الحدودية بماء البحر لفصل غزة تماماً عن العالم الخارجي في محاولة لتحفيز أهل غزة
للخروج من عباءة حماس والمقاومة الفلسطينية والإنضمام تحت لواء الإستسلام
والتسليم.
ومن ناحية أخرى يستغرب بعض المثقفين، الحماسة
التي دبّت في عروق بعض النشطاء لنصرة الأقصى في ظل حالة الإنهيار الفلسطيني التام
والشلل الكامل الذي أصاب منظومة الثورة الفلسطينيّة، ولسان حالهم يقول (( لا يَضُرُّ الشاةَ
سَلخُها بَعدَ ذَبحِها ! )) خصوصاً مع حالة التدهور العربي العامّة، وإستفراد العدو
الصهيوني بالمقاومة والمقاومين "الحقيقيين".
يبدو أننا في الحقيقة قد نسينا في خضم
مشاكلنا السياسيّة والطائفيّة وأزمة المهاجرين والمُهجّرين، نسينا قضيتنا الأساسية
المتمثلة في إغتصاب الدولة للصهيونيّة لفلسطين وتجاهلنا معاناة أهلنا في الأراضي
المحتلة، لقد عشنا لحظات ثوريّة فيما مضى من الزمن الجميل، وكان الأمل يحدونا مع
كل عملية فدائيّة ومع كل خطاب ثوري هنا وهناك، ثم انتفضنا فتراءى لنا الوطن غير
بعيد، إلاً أننا سلّمنا البندقيّة في أوسلو وهتفنا للسلام ولوّحنا بالكوفيّة وغصن
الزيتون، ثم اكتفينا بفتات الوطن الذي تركه الغاصب لنا.
لقد كان الربيع العربي هو بداية الضوء في نفقٍ
طويل مُظلم، تعلّقنا به وكلنا أمل أن يقودنا الى طريق القدس، ولكن طيور الظلام
وتلامذة الهزيمة المُحترفين، حوّلوا الطريق إلى الهاوية من جديد، ولكننا لم نفقد
البوصلة، ولم ننسَ حيفا ويافا وعكا وجبال الجليل، ونعلم جيداً أن الأقصى هو نقطة
اللا عودة، فإن قبلنا بالتخلّي عنه أو بتقسيمه فلنقرأ على وطننا العربي السلام.
لقد عرّانا الإحتلال الاسرائيلي أمام التاريخ
وأمام أنفسنا، ولم نجد ما نواري به سوءاتنا سوى محافظتنا على المسجد الأقصى من الإنتهاكات
الصهيونية ومحاولات تدميره أو تدنيسه أو ضمّه الى معابدهم اليهوديّة، وأصبح المسجد
الأقصى الرمز الذي يؤلّف قلوب المسلمين والعرب ويوخز ضميرهم، وأخشى ما أخشاه، أن
نكون في طريقنا للتخلّي عن الخط الأحمر الساتر لنا !!
من سخرية القدر، ومفارقات التاريخ التي تستحق
دخول كتاب جينيس لحمقى التاريخ، أن العرب رفضوا مبدأ حل الدولتين عام 47 ثم أعلنوا
الحرب عام 67 بهدف إستعادة الضفة الغربية فخسروا كامل الأراض الفلسطينية، ليعودوا
ويستَجْدوا العالم لتنفيذ قرارات التقسيم والعودة الى حدود عام 67 !!
وتستمر
المأساة بعد أن قبلت القيادة الفلسطينية بدولة "كانتونات" منزوعة الإرادة
يعتمد دخلها على عطايا دولة العدو، وتتلقّى أجهزتها الأمنية أوامرها من قادة
عمليات العدو، ثم تتباهى برفع علم "الدولة" في مبنى الأمم
المتحدة، وتنام ملء جفونها عن مقدّساتها التي تُنتهك من قطعان المستوطنين، ولا تجد
من يذود عنها سوى المرابطين العُزّل المتسلّحين ببعض الكرامة والنخوة، وبعد كل هذا
يخرج علينا من ينتقد فورة الغضب التي تجتاحنا، ويلوم جهلنا أو تعصّبنا !
عندما يذكُرُنا التاريخ في كتاب الحمقى سيكتب
على رأس الصفحة (( ومن يهُن يسهُل الهوانُ عليه )) !!
أيمن أبولبن
كاتب
ومُدوّن من الأردن
3-10-2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق