لا شك أن ثورة يناير كانت مرحلة مفصلية في تاريخ ثورات الربيع العربي، سواءً من حيث نجاحها في صهر المجتمع المصري في بوتقة واحدة لإسقاط النظام، ووقوف الشعوب العربية مُتحدةً وراء هذه الثورة، أو من حيث الإنقسام الرهيب الذي أدّى لوأد هذه الثورة وإرتدادها لنسف كل مُنجزات الثورة، وما تلى ذلك من إنقسام وتنافر بين مُكوّنات الشعب المصري، وإنقسام في المواقف بين الشعوب العربية.
لذا كان من الواجب محاولة إستعراض بعض الأخطاء التي وقعنا فيها في حق الثورة، والتي ما زلنا نكررها للأسف.
(اللغة الإقصائية)
مع تسلّم الرئيس "مرسي" للسلطة كان واضحاً أن فئة كبيرة من الشعب المصري يُعارضون الإخوان، لرغبتهم بدولة مدنية علمانيّة، حتى أن الكثير منهم صوّت لمُرشّح الحرس القديم في مواجهة مُرشح الثورة، في المُقابل بدأ الإخوان مرحلة الحكم ما بعد الثورة بعقليّة المُنتصر، وبدأوا بالتفكير في جني ثمرة النجاح بدلاً من التركيز على بناء مؤسسات الدولة على أساس المُشاركة، والأدهى من ذلك أن الرموز السياسية الواعية والمُفترض بها دعم البلد في مرحلة حساسة وحرجة بعد إنتخاب أول رئيس مدني شرعي، تركوا مُمثل الثورة في مواجهة فساد الدولة والمجلس العسكري والدولة العميقة والإعلام، ورفضوا تولي أي منصب في الدولة بحجة "الدولة الدينية" ثم سرعان ما إنضموا رسمياً إلى رموز النظام السابق وما سُمّي بجبهة الإنقاذ وأطاحوا بالتجربة الثورية الأولى قبل أن تكتمل.
وبالنظر إلى ما يحدث الآن، كيف بالإمكان ممارسة الديمقراطية في ظل رغبة تيار إقصاء فئة متأصلة في جذور التاريخ المصري، وكيف يمكن تأييد شعارات التعدّدية الفكرية والتعايش السلمي في حين يُصر مُردّدو هذه الشعارات على إقصاء الأطراف الأخرى من اللعبة السياسية وتخوينهم؟! ما زالت هذه اللغة الإقصائية هي المستخدمة اليوم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، بما في ذلك تيارات المُعارضة نفسها، حتى أن الشهداء الذين يسقطون لا يَسْلمون من محاولة تجيير إستشهادهم لحالة الإستقطاب هذه.
(حرية التعبير)
من السهل على أي إنسان إستغلال حُريّة التعبير في نقد الآخر وتوزيع الإتهامات في جميع الإتجاهات، ولكن الصعب هو ممارسة حرية التعبير المسؤولة وإحترام الآخر وتقبّل النقد.
حين سنحت الفرصة لنا للتعبير بحرية أسأنا إستخدام هذا الحق، ومارسنا الحرية في أسوأ صورها، بل إننا وقعنا في مصيدة الثورة المُضادة التي إستخدمت سلاح الحرية لهدم مُنجزات ثورة 25 يناير، ومن فَرْط سذاجتنا صفقنا لهؤلاء وشجعناهم وشددنا على أيديهم بل وتضامنّا معهم تحت إسم حرية التعبير والرأي !
قد نسمح لأنفسنا بالوقوع في هذا الخطأ لحداثتنا في ممارسة الديمقراطية، ولكن هل إستفدنا وتعلّمنا من أخطائنا؟ لن أقول لو عاد بنا الزمن إلى الوراء ولكن أقول لو سنحت لنا الفرصة مُجدّدا لممارسة حرية التعبير، هل سنمارس حرية التعبير "المسؤولة" ؟!
(إزدواجية المعايير)
عندما قام الرئيس مرسي بعزل النائب العام (الذي عيّنه مُبارك)، قوبل بإستياء عام من الشارع المصري والعربي والرموز السياسية والحقوقية بزعم إستخدام الرئيس لصلاحيات غير دستورية تُمهّد الطريق لحكم ديكتاتوري جديد!.
أحد شباب ورموز ثورة يناير كتب حينها، (صحيح ان تغيير النائب العام هو أحد مطالب الثورة ولكن الطريقة التي تم عزله بها تثير الشكوك حول نية الرئيس بالتفرّد في الحكم)، المفارقة العجيبة والمؤلمة ان أحداً من هؤلاء الحريصين على الحقوق الدستورية و دولة المؤسسات لم ينطق ببنت شفة حين وقع الإنقلاب العسكري على الرئيس المُنتخب بل إنهم تبادلوا التهاني على مواقع التواصل الإجتماعي، وعمار يا مصر !
وإستمرّت حالة الصمت رغم ما جرى من فض الإعتصامات المؤيدة للشرعية بالقوة، ووقوع عدد كبير من القتلى والجرحى، وما صاحب ذلك من حملة إعتقالات واسعة وإغلاق لمحطات إعلامية، ولم نسمع سوى أصوات خافتة وخجولة تُدين ما حصل !
(الإعلام)
كان من الواضح إستخدام الإعلام لتلفيق الأحداث وتزييفها وتشويه صورة الرئيس المُنتخب، وتهويل الأخطاء والتقليل من الإنجازات، وتعدّى الأمر السياسة ووصل إلى الإساءة الشخصية والشتم وكل ذلك كان يتم في ظل تسامح كبير من قبل الرئيس وسقف لا محدود من حرية التعبير، وكان ذلك إختباراً مزدوجاً للرئيس، إما أن يقوم بضبط الإعلام وهنا يقع في فخ تصويره على أنه " الديكتاتور الجديد" وإما أن يسمح للإعلام المُضي في مشروعه لإفشال التجرية الثورية وهو ما حصل.
المؤسف أننا ما زلنا نُصدّق هؤلاء الإعلاميين ونتابعهم ونأخذ كلامهم كأنه مُصدّق وموثوق، رُغم أنهم قد إنقلبوا 180 درجة في ظل حُكْم السيسي، فباتوا يبيعوا الأوهام للناس، ويُدافعوا عن فشل النظام، الا يدعو هذا للإستغراب حقاً !
في الأسبوع الماضي خرج علينا أحد رموز إعلام الثورة المُضادة ليكرر إفّيه "سُلْطان السُكّري" في مسرحية "العيال كبرت"، (اللي بنعمله في الناس حيطلع علينا ولا إيه !) ويقول مُفاخراً لكل من تظاهر في ذكرى ثورة يناير وهاجم نظام السيسي، (( نحن من صنعنا مصطلح الدولة الفاشلة، نحن الذين أفشلنا حُكْمكم، نحن الذين أغلقنا المحافظات ومنعناكم من ممارسة صلاحياتكم وأنتم في الحُكْم، فدعوكم من محاولات إفشال النظام !! )).
اللافت أن هذا التصريح مرّ مرور الكرام مثله مثل باقي "الإعترافات" التي يُدلي بها رموز الإعلام الفاسد والتسريبات الأخيرة التي تُثبت تورطهم في مؤامرة الإنقلاب.
في الذكرى الرابعة لثورة يناير يبدو أننا لم نتعلّم من أخطائنا ومن الدروس والعبر لهذه المرحلة الفاصلة في تاريخ المنطقة، وما زلنا نُكرّر نفس الأخطاء ونقع في ذات المطبّات، وكأننا نعيد أداء مشاهد تمثيلية في مسرحية هابطة مُكرّرة نحفظ أدوارنا فيها عن ظهر قلب ولا نملك موهبة الخروج عن النص!
أيمن أبولبن
3-2-2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق