ما زلت’
أذكر’ أولَ موضوع " تعبير" كتبتهُ و نالَ الاشادةَ من الجميع، كنت’ في نهايةِ المرحلة
ِالابتدائية، في الصفِ الخامسِ او السادسِ لا اذكرُ بالتحديد، طلب منا
المُدرّس حينها كتابةَ موضوعٍ لنهايةِ العام يكون بمثابة الامتحان النهائي لمادة
التعبير أو ما كان يسمى بمادة "الانشاء"، يُخصّص’ له 10 علاماتٍ من أصلِ 100
علامة لمادةِ اللغةِ العربية .
اخترت’ وقتَها أن أكتبَ عن
"فلسطين"، جلست’ في البيتِ، جمعت’ أفكاري وكتبتها
على الورق، ثم وضعتها في صيغتها النهائية، وفي اليوم التالي وقفت’ أمام َالطلابِ
وقرأت’ الموضوع، أخفيت’ في داخلي مشاعرَ الاضطرابِ والخوف من الوقوفِ أمامَ
الطلابِ، واسترسلت’ في الالقاءِ، وما ان انتهيت’ حتى قوبلت’ بالاشادةِ من جميعِ
زملائي، وبكلماتِ الثناءِ و التشجيع. توجهت’ بنظري الى المُدرّس وانا في طريقي
لأجلسَ في مقعدي من جديد وشاهدت’ علاماتَ الاعجابِ باديةً عليهِ، شعرت’ بسعادةٍ
غامرةٍ، وأنتظرت’ أن أعرفَ علامتي بعد انتهاءِ بقية َالطلابِ، وبالطبعِ كنت’
بانتظارِ أن أحصلَ على العلامةِ الكاملةِ، ولكنّ النتيجةَ خالفت توقعاتي، لا أذكر
بالضبط كم كانت العلامة ولكنها كانت علامةً متوسطةً، وهي نفس’ العلامة التي حصلَ
عليها مُعظم زملائي في الصف، رُغمَ أن موضوعاًتهم لم تُثر انتباهَ المُدرّسِ
اطلاقاً !! .
لم أعترض حينها ولم أناقش
المُدرّس، كُنت خجولاً جدا ًفي صِغَري، ولم أكن معتاداً على الاعتراض أو المجادلة،
هكذا تربيتُ، أن أحترمَ من هم أكبر مني، ولا أجادلهم، فكيف لي أن أجادلَ أستاذ
َمَدرسة !! حتى أني لم أجرؤ حينها أن أذكر ذلك لأبي على سبيل الشكوى أو التذمّر
على الأقل، حتى لا أقع في مشاكل مع المُدرّس، ولم تخطرُعلى بالي فكرة
اللجوء الى مديرِ المَدرسةِ بالطبع !! .
العجيب’ في الموضوع أن زملائي
هم الذين أعترضوا على العلامة وسألوا المدرس : لماذا لم تعطِ أيمن العلامةَ
الكاملةَ وهو يستحقها ؟! ردّ عليهم بعبوسٍ، لأن أيمن لم يكتب الموضوع، هكذا بكل
ثقة !! عندها لم أستطع ان أكتم َمشاعري، وقلت’ له : كيف تقول هذا يا أستاذ !! أنا
ألذي كتبتُ الموضوع وقد قرأتهُ أمامك ، فنظرَ الي ّوقال : أيمن، لا ’بدّ أنّ أحداً
قد ساعدكَ في الكتابة، أنا أعلم أن هذا الكلام لا يمكن أن يكتبه’ طالبٌ في مثل
عُمرِكَ . سكتتُ بعدها، شعرت’ أن ّهذا الكلام هو أجملُ اطراءٍ لي، وأنّ مجرد هذه
الفكرة، فكرة انني أستطعت’ التعبيرَ عن أفكاري بطريقة ٍأخاذةٍ تفوق’ سني، وتجعل’
من الصعبِ على مُدرّس اللغةِ العربية، أن يصدّقَ أنني أنا مَن كتبَ الموضوعَ فعلاً،
كانت هذه الفكرة لوحدها كفيلةٌ بأن أنسى موضوع العلامة، لأني حصلت على تقديرٍ أكبرَ
من مُجرد علامةٍ في الصف الابتدائي .
لسانُ حالِ المُدرّس كان يقول : Too Good to Be True
!!!
هذه الحادثة برغم السنين الطّوال
التي مرّت عليها الا أنها تعود’ الى أذهاني بين الفينة ِوالأخرى، ما زلت’ أشعر’
بغُصةٍ، لأني كنت’ في انتظارِ تقديرٍ ومكافأةٍ على عمل ٍأنجزته’ باتقانٍ، ولم أحصل
على هذا التقدير المُنتظر، بل ان هذا الانجاز كان مثارَ الريبةِ والشك . أعتقد’
أني كنت’ بحاجة ٍالى بعضِ التحفيز والتشجيع بالفعل، خصوصاً في تلك المرحلة، قد
يكون هذا ما صرَفَني عن حبّ اللغة ِوالتعبير ودفعني الى الاهتمام بالمواد العلمية
بدلاً منها، أحببت’ الرياضيات ووجدتُ التشجيعَ من أكثر من مدرسٍ، أحدُ هؤلاء
المُدرّسين شجّعني في مسابقاتِ الشطرنج أيضاً، ولكنّه كان يُعاقِبَني على أي هفوةٍ
حسابية ٍصغيرة، وان كانَ يقبلُها من غيري.
عدت’ للاهتمام ِ بالكتابة ِوالقراءة
وتذوّقِ الشعرِ لاحقاً، وكانَ تأثيرُ أخي "غسّان " الذي يكبرني واضحاً، فقد كان
شغوفاً بالأدبِ والفن، ولكنها بالنسبة لي بَقِيت هوايةً ثانويةً في حياتي لم تأخذ
الأولويّةَ، ولم تتصدّر اهتماماتي . ازدادَ اهتمامي بتنمية هذه الموهبة مؤخراً، مع
ظهور المُدوّنات الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعيّ التي وفّرت مساحةً كبيرةً
للتعبير، وعادت بي مجدّداً الى الكتابةِ والتعبير عن آراءي وأفكاري عما يدور’
حولنا من أحداثٍ، في محاولةٍ بسيطةٍ لاثراءِ معرفتي والتحاور مع الآخرين، ولكني
أقول’ أني ما زلت’ هاوياً .
ولعلّ الدرسَ الذي تعلمته من
هذه القصة، كان َمؤثراً جداً، بل انه’ ساعدني كثيراً في مشواري، لأن هذه الحادثة
لم تكن الوحيدة بالطبع ولكنها كانت الأولى والأقلّ ضررَاً من مثيلاتها اللاتي
تَلينَها . تعلمت’ أن الأحداثَ الاستثنائيةَ في حياتنا
مُمكنة ، وليسَ بالضرورةِ ان تكون " مزيّفةً " أو أن تكون مجرّدَ
" خدعة "، ثمّة أشياء
جميلةٌ للغايةِ ومُتقنةٌ في حياتنا. لماذا لا نتعاملُ مع الحياةِ ببساطةٍ ونؤمن’ أنّ
هناك دائماً مساحةً ونافذةً للأحلامِ أن تتحققَ، بكلِ ما فيها من خيالٍ ؟!
تعلمت’
أيضاً انّه في بعض الأحيان، من الأفضل لنا أن لا نحصلَ على ما هو مُتوقّع من
الثناءِ أو ردّ الجميل، قد يكونُ هذا دافعاً لنا نحو الاستمرار في العطاء،
فالحياةُ ليست مفروشةً بالورودِ. علينا في بعض الأحيان أن نتحملَ سوءَ الظنِّ،
وسوءَ الفهمِ، من المُهم حينها أن نستمِرّ على ما نحن’ عليه، دونَ العودةِ الى
الوراء، فالزمن’ كفيلٌ باظهارِ الحقيقةِ ولو بعد حينٍ .
أيمن أبولبن
27-12-2012