الأحد، 19 يناير 2020

هل سينجح مدرب برشلونة الجديد سيتيان في مهمته؟




للإجابة عن هذا السؤال علينا ان نحدد أولا ما هي المشاكل الحالية للفريق والتي تسبب بها المدرب المُقال فالفيردي، كما علينا ان نحدد معايير النجاح التي سيتم تقييم أداء المدرب الجديد بناءً عليها.

مشاكل برشلونة


يعاني فريق برشلونة الحالي من مشاكل رئيسية الاولى هي غياب روح الفريق أو بمعنى آخر شخصية الفريق في الملعب وروحه القتالية وقوته الذهنية. وهذا يبدو واضحا في الهزائم الكبيرة التي تلقاها الفريق ومثال ذلك الخسارة القاسية امام ليفربول وخسارته في نهائي الكاس امام فالنسيا، بالإضافة إلى أدائه الضعيف أمام ريال مدريد رغم أنه لعب أمام جماهيره وعلى أرضه، يضاف إلى ذلك تلقيه أربعة هزائم في مرحلة الذهاب من الدوري المحلي، ولعلّ السمة المميزة للفريق في الفترة الأخيرة هي الأداء الضعيف جدا في المباريات التي يخوضها خارج أرضه.

ثانيا الأداء البدني وضعف الحالة البدنية للاعبين مما يفقدهم القدرة على مجاراة الخصم في الضغط على المنافس والاستحواذ والقدرة على التمرير الدقيق، أو حتى القدرة على إنهاء المباراة بشكل جيد نتيجة عدم القدرة على الاستمرار بنفس الأداء العالي لفترات طويلة في المباراة الواحدة.
المشكلة الثالثة التي يعاني منها الفريق هو عدم الاعتماد على المواهب الشابة ورحيل الكثير من المواهب من فرق الناشئين نتيجة عدم استغلالها وعدم تصعيدها للفريق الأول. وهذا تسبب في إرهاق خزينة النادي، وتواجد أكثر من نجم في الفريق مع عدم وجود بديل مناسب وجاهز، وكذلك فقدان روح المغامرة و فقدان روح التنافس.

المشكلة الرابعة والأخيرة هي سوء توظيف اللاعبين داخل الملعب وسوء التنظيم الدفاعي، وعدم استغلال إمكانيات اللاعبين.

جميع هذه المشاكل أدت الى عدم تقديم فريق برشلونة للمستوى المتوقع و تقديم مستويات متذبذبة وضعيفة بعيدة عن المتعة.

المدرب الجديد

سيتيان كان مدربا لريال بيتيس وقدم معه مستويات رائعة وما يميز هذا المدرب بأن لديه ال DNA الخاصة بفريق برشلونة إذ أنه من أكثر المعجبين بالأسطورة يوهان كرويف وسبق أن قال بإن كره القدم التي قدمها يوهان كرويف كمدرب هي أفضل نسخة لكره القدم الحديثة.
 ومن المعروف أن هذا المدرب قوي الشخصية ويتعامل مع اللاعبين باحترافية كبيرة ويهتم كثيرا بالناحية البدنية، ولديه شخصية قوية أيضا في التعامل مع الإدارة، وهذا بالضبط ما يحتاجه فريق برشلونة في الوقت الحالي: إعادة ضبط غرفة الملابس وسلوك اللاعبين خارج وداخل الملعب، مع رفع الجاهزية البدنية وإعادة الاحترام الى أسلوب برشلونة المعهود في اللعب الهجومي والضغط في كل أنحاء الملعب.

ما هو الجديد؟

سيتيان لديه تنوع تكتيكي في خطط اللعب فهو يلعب بأكثر من طريقة 4-3-3 و 3-4-3 و 3-5-2
وهو يعشق اللعب الهجومي والأداء الممتع وبعد تعيينه كمدرب لبرشلونة قال للصحفيين (أستطيع ان أعدكم بشيء واحد، الأداء الممتع)
ومنذ تسلمه مهامه قبل أيام قام سيتيان بمضاعفة تدريبات الفريق والغاء أيام الاستراحة التي كان قد أقرها فالفيردي، وهذا مؤشر على عدم رضاه عن الحالة البدنية للاعبين.

أما الشيء الآخر الذي فعله سيتيان في الأيام القليلة الماضية، هو تصعيد بعض المواهب من فريق الناشئين مثل لاعب الوسط الموهوب ريكي الذي ينتظره مستقبل باهر كخليفة لانيستا، ولكنه للأسف لم يأخذ فرصته في عهد فالفيردي.
وقد طالب سيتيان إدارة النادي باستعادة اللاعب البرازيلي الناشئ إيميرسون الذي تم اعارته الى ريال بيتيس بداية الموسم، وهو مؤهل لسد الثغرة الكبيرة في يمين الدفاع.
أمام سيتيان ملفات أخرى كثيرة، تتلخص في ضبط سلوك اللاعبين داخل الملعب وخارجه مثال ذلك ما يقوم به ديمبيلي من تصرفات صبيانية، إضافة إلى إعادة تأهيل سواريز الذي يعاني من الإصابة وسوء حالته البدنية إضافة إلى كثرة اعتراضاته على الحكم ناهيك عن تصرفاته المسيئة بحق لاعبي الخصم.

سيتيان وقع على عقد مدته عامين ونصف ولكن إدارة النادي اشترطت إعادة تقييم مستوى المدرب مع نهاية الموسم وخصوصا بأنه سيكون هناك انتخابات جديدة لإدارة النادي، ولذلك تم ترك الباب مفتوحا أمام إدارة الفريق الجديدة للتصرف في الجهاز الفني.
قد تكون هذه نقطة لصالح سيتيان وقد تكون سلبية، فمن ناحية يشعر سيتيان أن عليه أن يقدم الأفضل حتى يستمر مع الفريق، ومن ناحية أخرى قد يشكل ذلك عبئاً كبيراً عليه نتيجة قصر الفترة الزمنية.
في النهاية سيتيان لم يكن المرشح الأول لقيادة الفريق، ولكنه الأنسب حالياً، نتيجة سوء تصرف الإدارة وعدم اتخاذها قرار إقالة فالفيردي مع نهاية الموسم الماضي، بالرغم من خسارة دوري الأبطال ونهائي الكأس، وهذا يجعلنا بانتظار رؤية ما سيفعله سيتيان، هل سيفرض نفسه ويثبت وجوده فيما تبقى من الموسم وهل سيقوم بتقديم الأداء الممتع المعهود و السؤال الأهم هل سيحقق البطولات؟

أيمن يوسف أبولبن
19-1-2020



ملخص كتاب (اثنتا عشر قاعدة للحياة)

انتهيت من قراءة كتاب (اثنتا عشر قاعدة للحياة) للكاتب الكندي جوردان بيترسون، وقمت بتلخيص هذه القواعد (مع بعض التصرف) في الملف المرفق للفائدة


لتحميل ملخص كتاب (اثنتا عشر قاعدة للحياة)


الأربعاء، 8 يناير 2020

القومجيون… وحماس… والبوصلة

بعد اندلاع الثورة السورية، وقمع النظام السوري للمظاهرات السلمية، اختلفت حماس مع النظام السوري وما يعرف بمحور المقاومة والممانعة، بسبب موقف حماس المُساند لمطالبات الشعب السوري بالحرية والتعددية الديمقراطية.
وحينها انبرى تيار الناشطين المؤيد لحلف المقاومة والممانعة –أو ما يعرف بالقومجيين العرب- بشجب موقف حماس وتوبيخ مؤيديها، مردّدين عبارة الشجب الرنّانة (لقد ضلّت حماس عن البوصلة!).
وللبوصلة قصةٌ أخرى، إذ أنها تشير إلى الموقف الثابت من دعم القضية الفلسطينية «برأيهم»، وهي مأخوذة من قصيدة لمظفر النواب قال فيها (بوصلة لا تُشير إلى القدس مشبوهة!) ثم تم استخدام هذا الشعار للإشارة إلى وجوب توحيد المواقف والرؤى باتجاه القدس، والقدس فقط، وكل ما لا يتوافق مع هذه «الرؤية» يكون قد ضلّ عن البوصلة!.
ونتيجة اختلاف الرؤى والمواقف واختلاف البوصلات، ساد بعض البرود بين القومجيين من جهة والمتعاطفين مع حماس والثورة السورية من جهة أخرى، رغم اتفاقهم المبدئي على قضية فلسطين.
قبل أيام، نشرت حركة حماس رثاءً وتعزية لقاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني الذي تم اغتياله من قبل القوات الأمريكية في العراق مؤخراً.
وقاسم سليماني هذا هو السلاح الذي تستخدمه طهران في مواجهاتها في المنطقة، وهو بلغة الصنعة العسكرية «جندي إيران في المنطقة». ونظرا لتشابك العلاقات وتناقضات التحالفات في المنطقة بسبب الربيع العربي، فقد اضطر هذا الجندي لأن يدوس على جماجم أطفال العراق وسوريا وكل من تسوّل له نفسه الوقوف في وجه المصالح الإيرانية-السورية-الروسية في المنطقة وبالطبع مصالح حزب الله الذراع العسكرية لإيران.

وبكل تأكيد كان المبرر لكل تلك المجازر التي ارتكبت هو شيء واحد، المقاومة والممانعة أو بمعنى آخر المحافظة على البوصلة!
وبعد أن شعر القومجيون العرب بنشوة تعاطف حماس وشجبها لاغتيال قاسم سليماني بدأوا بشتم ولعن كل من ابتهج بمقتل سليماني بل وكل من لم يشجب ويستنكر مقتله، قائلين هذه المرة، هل تريدون أن تختلفوا مع حماس أيقونة المقاومة والبوصلة الحقيقية لنا!
لقد نسي هؤلاء أو تناسوا أنهم اختلفوا مع ذات حماس وأن بوصلتهم لم تلتق مع بوصلتها من قبل، ولكن عذرهم الوحيد هو نشوتهم بتعاطف حماس (المفاجئ نوعاً ما) والذي لربما أسكر عقولهم!
حين رثت حماس قاسم سليماني وضعت في اعتبارها مصلحتها السياسية في المنطقة، مستذكرةً الدعم العسكري واللوجستي الذي قدمه لها. صحيح أن حماس تعي مصالح إيران في المنطقة، ولكنها تعي أيضاً أنها تعاني من حصار عربي وأن خياراتها في المنطقة أصبحت محدودة، ولا يمكنها في أي حال من الأحوال نكران الدعم الذي حصلت عليه، كما أنها تعي أيضاً أن أمريكا لم تُقدم على اغتيال قاسم سليماني من أجل عيون العرب.
ولكن مشكلة هؤلاء الناشطين «القومجيين»، أنهم يعتقدون ان الحياة أبيض وأسود، وأن المواقف ثابتة بثبات أصحابها، لذلك تراهم يتخذون مواقف لا تحتمل المساءلة الفكرية او إعادة الاعتبار، فكل من هو معي هو مع الحق، وكل من يختلف معي هو مع الباطل، او بلغتهم عميل ونذل، أو إرهابي وداعم للتطرف!
فقاسم سليماني في نظرهم، هو مقاوم وشهيد وأحد رموز النضال ضد الإمبريالية، فقط لأنه جندي في خندق نظام الأسد وحزب الله.
غاب عنهم أن قاسم سليماني هو سفّاح في النهاية بغض النظر عن تموضعه في هذا الخندق أو ذاك، لقد فتك بالآلاف من المدنيين والأبرياء في سوريا والعراق واليمن وغيرها من المناطق بحجّة المقاومة والممانعة، وغاب عنهم أيضاً، أنه في النهاية كان ينفذ أجندة بلاده إيران، التي صدف أن اتفقت مع أجندة بشار وحسن نصر الله، وفي بعض الأحيان المقاومة حماس، رغم أن هذا يُعدّ في عالم السياسة (تحالفُ مصالح) لا أكثر، ولا يُعبّر بالضرورة عن أجندة وطنية أو أخلاقية، والدليل هو تحالف ذات الأنظمة والقيادات بل وذات الشخوص مع الإدارة الأمريكية عندما قررت احتلال العراق والقضاء على النظام هناك.
أما محاولة استجداء التعاطف لأن من نفذ العملية هي القوات الأمريكية، فهي حجة واهية لا تؤكد سوى سذاجة منطق هؤلاء، والذي يتمثل في ثبات البوصلة مع الأشخاص لا مع الحق، فمن يُقتل بواسطة «درون» أمريكي هو شهيدٌ ومقاوم، ومن يُقتل على يد ميليشيات إيران في المنطقة هو إرهابي ملعون!
سُئل الامام علي ابن أبي طالب في زمن الفتنة عن أصحاب الحق، فقد أصابت أتباعَه الحيرةُ وسرى الشكُ في نفوسهم حين وجدوا أنفسهم في مواجهة أتباع معاوية وهم يرفعون المصاحف وفيهم حفظة القرآن وصحابة الرسول، فقال لهم سيدنا علي بكل ثقة وسكينة بما مفاده: ابحثوا عن الحق واتبعوه تكونوا أصحابه، ولا تنحازوا للأشخاص بحثاً عن الحق.
فالبوصلة الحقيقية في النهاية، تعبّر عن الضمير الإنساني الذي يعتمد في الأصل على معايير الحق والباطل والقيم الإنسانية العليا، ومحلّها العقل والفؤاد والقلب وليس مع هذا الشخص أو ذاك.
يقول الله تعالى: (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْـمَى الْقـُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّـدُورِ).
ومن السذاجة الاعتقاد أن أحداً أو جماعةً ما تحتكر الحق في جعبتها، وتمنح الصلاحية لأتباعها بدمغ الناس بختم الحق والباطل، كمن يمهر توقيعه على شيكات الصرف!

لقد ضل صاحبكم سليماني طريقه، فقائد فيلق «القدس» قُتل في العراق البلد العربي المسلم الذي احتلته إيران وميليشياتها بمساعدة الأمريكان أنفسهم، ولم يُقتل على أبواب القدس أو موانئ غزة، وبدلاً من العمل على تحرير القدس، قام بقمع المظاهرات الشعبية التي طالبت بحقوقها الأساسية، والتحرّر من قمع الأنظمة السلطوية، إذ شاءت الأقدار أن تلتقي مصالح أسياد هذا الجندي مع تلك الأنظمة السلطوية.
أرجوكم، احترموا عقولكم أولاً ثم عقولنا ثانياً ودعوكم من محاولات احتكار الحق، وتوزيع صكوك الغفران ومفاتيح الجنة، ومن باب أولى دعوكم من وصم من يختلف معكم بالعمالة والضلال عن البوصلة المقدّسة التي تعطّل مغناطيسها منذ أن قررتم الدوس على أحلام الشعوب إرضاءً لتحالفاتكم العبثيّة!

أيمن يوسف أبولبن

كاتب ومُدوّن من الأردن

7-1-2020

الأحد، 5 يناير 2020

عام 2019 في صور


أفضل الصور المؤثرة لعام 2019


تمثال الحرية السوداني، الطالبة السودانية آلاء صالح صاحبة ال 22 عاماً والتي أصبحت رمزاً للثورة السودانية


تنحي الرئيس الجزائري بوتفليقة إثر استمرار الاحتجاجات في الجزائر

مأساة اليمن ما زالت مستمرة


بيل غيتس أغنى أغنياء العالم التقط له أحد العاملين في مطعم للهامبرجر هذه الصورة وهو يقف في الطابور من أجل شراء وجبة لا يتعدى ثمنها سبعة دولارات


وفاة الرئيس التونسي السابق بن علي، وتداعيات الربيع العربي التي اطاحت بالرؤساء العرب الظاهرين في الصورة


رشيدة طليب الفلسطينية الأصل تقسم اليمين في الكونغرس الأمريكي مرتدية الثوب الفلسطيني التقليدي

مشاكل البيئة تزايدت عام 2019 ومن أهمها المخلفات البلاستيكية في المحيطات والبحار، صورة لسرطان بحر عالق في كيس بلاستيكي


دفن ضحايا الهجوم الارهابي في سيريلانكا والذي أودى بحياة نحو 250 شخصاً


اعتقال كارلوس غصن رئيس شركة نيسان السابق على خلفية فساد مالي



اللقاء التاريخي الذي جمع بين الرئيسين الأكثر حماقة في العالم


رغم فظاعة العمل الارهابي الذي أودى بحياة العشرات من المصلين في نيوزلندا إلا أن تعاطف المواطنين والمسؤولين وعلى رأسهم رئيسة الوزراء ونبذهم للتطرف غطّى على فظاعة المشهد


احتراق كاتدرائية نوتردام في فرنسا


الناشطة البيئية السويدية جريتا تنبيرغ الحائزة على لقب شخصية العام رغم صغر سنها (16 عاماً)


مصافحة باردة بين رئيسة وزراء بريطانيا السابقة تيريزا ماي والرئيس الروسي بوتين على خلفية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي


جنون العظمة وصور غير معتادة للرئيس الكوري الشمالي


حرائق الأمازون الحدث الأكثر مأساوية في مجال البيئة لعام 2019


التصفيق الساخر لرئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بلوسي على خطاب الرئيس ترامب والتي لاقت تداولاً واسعاً خصوصاً بعد اجراءات عزل ترامب



صورة مميزة من المغرب لأحد مهرجانات الخيول


ليدي غاغا وصورة مؤثرة عقب فوزها بأوسكار أفضل أغنية


مأساة المهاجرين في قارة أمريكا، أحد المهاجرين من السلفادور يلقى مصرعه غرقاً رفقة طفلته التي لم تتجاوز الثانية من العمر



الفن وسط الأطلال
فنان أمريكي يرسم لوحات فنية على أنقاض منازل هدمت من الأعاصير في ولاية كاليفورنيا


صورة ميدان التحرير عام 2011 تم اختيارها ضمن أفضل 10 صور في لعقد الماضي



أيمن يوسف أبولبن
4-1-2020

الاثنين، 30 ديسمبر 2019

فارسٌ في الانتظار

تعلّمتُ من الحياة أن الانتظار والشوق الى الحدث يكون أعظم من الحدث ذاته، وأن لهفة الانتظار والتحرّق لحدثٍ أو لقاء ما، تستدعي في النفس مشاعر عميقة تعظّم أهمية هذا اللقاء، وقد لا تتناسب في النهاية مع حجم الحدث أو حقيقته على أرض الواقع.
ولكن في واقع الأمر، فإن هذه المشاعر والأحاسيس واللهفة والتشوّق هي ما تجعل لحياتنا طعماً ولوناً ورائحة، وتجعل منا بذلك بشراً حقيقيين.

ألم يصدف ذات يوم أن عشتم أياماً أو أسابيع في انتظار لقاء أشخاص عزيزين على القلب، ومع كل ساعة انتظار تمرّ، نسترجع ذكرياتنا الجميلة والأوقات الحلوة التي قضيناها معاً، ونبدأ بتحضير أنفسنا لذلك اللقاء ونسج الخيال حول تفاصيل المشهد وسيناريوهات الحوار، بدءاً من الكلمة واللفتة والابتسامة والجلسة والمواضيع التي سنخوض بها والأسئلة التي نطرحها، وأنواع الإجابات التي سنرد بها.
وحين يحين اللقاء، نكتشف أن الحدث مرّ علينا سريعاً وتجاوز أفكارنا المسبقة، وربما تعارض معها تماماً، أو لربما جاء الحدث بسيطاً عادياً أو مخيباً للآمال!

ولكن الحقيقة أننا لا نتوقف عن تكرار نفس الفعل مرة تلو الأخرى، لسبب بسيط هو أن الأمل هو ما يدفعنا الى الاستمرار في الحياة، وأن لهفة الانتظار والشوق الى القادم هي ما تزودنا بالطاقة اللازمة للاستمرار في العيش وتذوق طعم الحياة، وبدونها لن نكون بشراُ طبيعيين، او بمعنى آخر لن نكون من الأحياء على هذه الأرض!

كل إنسان على وجه هذه الأرض كانت له في يوم من الأيام أحلام عظيمة، وآمال عريضة، وقد بنى في خياله قصوراً من الأحلام، وواحات من الطموحات والمشاريع.
وكل شخص فينا قد خاض حروباً من نوع خاص، لا يعلم أحد سرّها إلا هو، واجه المستقبل وصارع الحاضر، واجتر هزائم الماضي، باحثاُ عن نصر قادم ومتسلحاً بما أوتي له من قوة ورباطة جأش، وهو بشكل من الأشكال فارسٌ في مواجهة هذه الحياة، أو بطلٌ لمسرحية ما على خشبة الحياة. 
كل شخص فينا قد عانى وانكسر وتحطمت آماله مرات ومرات، ولكن أحداً لم يستسلم، لأن الحياة تطالبنا بأن لا نخلع القفاز أو نرفع المنديل.

ويبقى الجميع في انتظار حدث ما يغير من الواقع، أو لقاء عابر يعيد الحياة إلى طريقها الصحيح، أو تجربة عاصفة تنفض الغبار عن مكنونات نفسه وتدفعه للتحليق بعيداً، بعيداً في الفضاء.

ورغم اختلاف الآمال والأحلام والاهتمامات، واختلاف حجمها ونوعها، إلا اننا نشترك جميعا في أننا ما زلنا نحلم، وما زال لدينا الأمل بما هو قادم، وأننا نعيش على أمل تحقيق حلم ما أو فكرة ما، وننتظر لهفةً ونتحرّى شوقاً لذلك.

أحد اهم الصراعات التي نخوضها في حياتنا، هو الصراع ضد رتابة الحياة والعيش التقليدي، فهناك من يسرقه روتين الحياة ورتابة الوظيفة والعلاقات الاجتماعية فيتوقف عن الحلم والمبادرة والابداع ويستسلم للروتين ونمط العيش الرتيب، ويصبح قانعاً بما تحقق له بعد أن أكتفى من الحياة وتعب من بذل الجهد.
ولكن الحقيقة أن هؤلاء الأشخاص قد توقفوا عن الحياة، فالركون إلى الواقع وعدم الحلم هو الذنب الذي لا يغتفر! 

في كل تجربة جديدة نعيشها هناك مجموعة من الفرص والاختبارات التي تهبنا الفرصة كي نتجدد ونستبدل جلدنا الخارجي ونطهّر دواخلنا ونعيد تجديد دورة الحياة فينا، والأمر منوط بنا لاستغلال هذه الفرص والتقدم خطوة إلى الأمام أو الاستمرار في التقوقع في حياتنا التقليدية والرضى بما هو متاحٌ لنا.

في نهاية كل عام، يجد المرء نفسه أمام جردة حساب، وتطلّع لما هو قادم، ومع كل ورقةٍ تسقط في خريف اعمارنا، نشعر أننا خطونا خطوةً إلى الأمام، إلى المجهول. ومع كل جردة حساب نكتشف أننا لربما لم نعش الحياة التي حلمنا بها، أو تصورنا اننا سنعيشها يوماً، قد نشعر بأننا غرباء عن ذواتنا، وعن محيطنا، وأن أحلامنا وطموحاتنا قد ذهبت أدراج الحياة.

ندرك متأخرين أننا خسرنا الكثير من الأشياء والنعم البسيطة في معمعة الحياة وغمار معاركها، فلم نشعر بلذّة القرب من أبنائنا، ولم ننعم بالعيش في كنف أهلنا وأصدقائنا، ولم نلتفت إلى حق جسدنا علينا، وحتى روحنا الداخليّة. بعضنا لم يتعلّق بهواية أدبية أو فنية تكون قادرة على إضفاء لمسة من الجمال والرقّة على شخصيته، ولربما افتقد للحب والجنون والفوضى، أو لعله لم يتذوّق الشعر ويعيش تلك النشوة التي ترفعه عن الأرض وتشعره بأنه يسمو بروحه ويتحرّر من جسده الدنيوي ومن أغلاله وبات يسبح في عالم من التجلّيات!

قد لا يكون قد استمتع بالصمت، ذلك الصمت الذي يحلّ على الدنيا كلها، فيتكلّم البشر دون أن ينطقون وتختفي الأصوات لتصبح الدنيا كأنها شاشة تلفاز صامتة، فلا يكاد يرى سوى صورة الحضور في شخص واحد ولا يسمع صوتاً سوى صوت الوجود لشخص واحد!

في قلب كل شخص مهما عظم شأنه أو صغر، هناك ذاتُ الشغف للحياة، وفي مسيرته هناك انتصارات وهناك انكسارات على حد سواء، إذ لا توجد حياة كاملة أو حياة أفضل، لأن المقاييس مختلفة والمعايير متعدّدة، فلا تقلّلون من شأن حياتكم أو حياة الآخرين، ولا تستصغرون حلماً أو رؤية تمتلكونها أو يمتلكها الآخرون.

جاهدوا كي تعيشوا الحلم والرؤية وتعيشوا لذة الانتظار ولهفة الشوق، لا تستسلموا أبداً لرتابة الحياة، ولا ترضوا بأن تعيشوا نصف حياة أو حياة ناقصة، ولا تستكينوا يوما إلى النصيب والقسمة والقدر فتظنوا أنكم أقل من أن تحلموا وتحققوا أحلامكم، لأن الندم على عدم امتلاك الحلم أعظم من الندم على عدم تحقيقه!

وهكذا تمضي بنا الحياة، بين انتظار وتلهّف، وشوق إلى القادم، وأمل بمستقبل أفضل، وهذا ما يشعرنا بأننا ما زلنا أحياء، فنحن الفرسان في الانتظار!


أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
29-12-2019

الاثنين، 23 ديسمبر 2019

رحيل صاحب المنهجية المعاصرة لفهم التنزيل الحكيم





مساء أول من أمس ترجّل الدكتور محمد شحرور عن صهوة جواد التجديد الفكري للعقل العربي وللخطاب الديني، تاركاً وراءه إرثاً فكرياً غزيراً ومشروعاً نهضوياً قلّ مثيله.

صاحب الواحد والثمانين عاماً لم تخلُ حياته من التعرّض للنقد والهجوم والاتهام بالزندقة والتطاول على الدين، وهذا هو ديدن كل العلماء التقليديين في مواجهة المفكرين والمجددين الحقيقيين، إذ أن من الصعب أن يتخلّى قومٌ عن إرثهم التقليدي بتلك السهولة. ولعلّ إرث التجديد الفكري ونتاجه يحتاج لجيل جديد يستطيع أن يستوعبه ويقدّر قيمته، إذا أن معظم المبدعين قد اشتهروا وذاع صيتهم بعد مرور زمن ليس بقصير على أعمالهم.

عند سماعي خبر وفاة المفكر د. شحرور عادت بي الأيام إلى رحلتي في البحث عن إجابات شافية للأسئلة الوجودية بين الشك والايمان، ثم تعمّقي في الدين وأصوله وكتب تفسير القرآن، وصولاً إلى رحلتي في البحث عن الأسئلة العالقة التي تقف عائقاً أمام تجديد الخطاب الديني، وفهم الدين بالشكل الصحيح القابل للتطبيق بشكل معاصر وواقعي، ويكون قادراً على استيعاب القفزات المعرفية والحضارية، وقادراً كذلك على استيعاب التنوع الثقافي للأمم.

أعترف بأني لم أجد أجوبة شافية واستمريت في البحث وقراءة كل ما توفر لدي من انتاج العلماء المعاصرين ومتابعة الدعاة الجدد، ولكن في كل مرة كان يفتح أمامي باب ويغلق في المقابل بابٌ آخر.
والسبب أن كل ما كانوا يقدمونه كان مبنياً على نظريات قابلة للأخذ والرد، وكان ينقصهم المنهج العلمي والاستدلال القاطع من القرآن، والتدليل عليه من العلوم المعاصرة.

ورغم أن المُؤلَّفَ الأول للدكتور شحرور كان قد صدر عام 1990 إلا أنني بدأت بمتابعة مؤلفاته وندواته بعد ذلك بسنوات طويلة، وكان لحظر مؤلفاته ومنع ظهوره أثرٌ كبير على تباطؤ نشر أفكاره ومنهجه ومعرفة الناس به.
وبعد سنوات من متابعة برامجه ومنشوراته قرأت كتابه الأول بطبعته الجديدة (أعتقد ان ذلك كان عام 2013). لقد استغرقتني قراءة وتحليل ومراجعة هذا الكتاب نحو ستة أشهر ولكن سعادتي كانت لا توصف، لأني وللمرة الأولى أضع النقاط على الحروف وأستطيع تصوّرَ الخطوط العامة للمنهجية المعاصرة التي بإمكانها أن تُعين أي شخص مهتم في التدبر والتفكّر في الكون وفي تجديد الخطاب الديني أن يعيد التفكير في كل الثوابت التي وضعتنا جميعاً في صندوق مغلق، وأغلقت علينا كل الاجتهادات، وأغلقت كذلك باب التجديد والمعاصرة.

قد تكون النتيجة التي توصل اليها الدكتور شحرور في بعض المواضيع والأبحاث، متشابهة مع النتائج التي توصل لها مفكرون آخرون ولكن الفارق الجوهري لم يكن في الوصول الى النتيجة، ولكن التحدي الحقيقي كان في البرهنة العقلية والمنطقية على صحة ذلك الرأي، والاستدلال عليه بكتاب الله من خلال الفهم المعاصر له، وهذا ما فعله الدكتور محمد شحرور بكل بساطة، لقد انتج نظرية معرفية قابلة للتحقيق على أرض الواقع، وقادرة في النتيجة على تطوير الخطاب الديني وإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي بفهمنا للكتاب على أساس أنه رسالة الله إلى كل البشر في كل العصور، وهذا ما لم يستطع تحقيقه أحد آخر من المفكرين، فاختاروا اللعب على العواطف أو التحدث بأفكار فلسفية خارجة عن إطار العقيدة وعلوم الدين.
من أهم الأساسيات التي بنى عليها د. شحرور نظريته المعرفية، أن القرآن الكريم لا يحتوي على الترادف لأن ذلك يتناقض مع كونه كتاب الله سبحانه وتعالى، فعندما يقول الله في آية "الكتاب" وفي آية أخرى "القرآن" لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نعتقد ان الله يقصد ذات المعنى، ولكن الذي حصل أن موروثنا الديني قد عامل القرآن كما عامل الشعر العربي وليس كما يجب أن يعامل كتاب الله.

وعلى نفس المنوال يقول د. شحرور إن كل كلمة في القرآن لها إضافة للمعنى، وإذا لم يتأثر فهمك للقرآن بحذف كلمة أو إضافة كلمة ففهمك ناقص.

ويؤكد د. شحرور أيضاً على أهمية الدلالة اللغوية والربط بين الكلمة والمعنى، والترابط بين الآيات، وضرورة قراءة المواضيع المشتركة في كتاب الله كوحدة واحدة وعدم اقتطاع الآيات بعضها عن بعض.

ويؤكد أيضاً أن كتاب الله قابل للفهم والتطبيق في كل العصور وليس محصوراً فقط في عصر الرسالة، وهو يحتوي في ذاته صفة ثبات النص وحركة المحتوى، فالله سبحانه وتعالى خاطب البشر على مختلف العصور بخطاب ثابت في النص، ولكنه (النص) قادر على استيعاب التطور المعرفي للحضارات البشرية، بحيث يستطيع كل عصر من العصور إدراك وفهم النص بشكل مختلف عن العصور السابقة.

وقد نشر د. شحرور عدة مؤلفات ودراسات حول مفهوم الرسالة والنبوة وقدّم فيها طرحاً جديداً لمفهوم السنة النبوية والسنة الرسولية والتفريق بين التقليد والاجتهاد في اتباع سنّة النبي.
كما قدم رؤية جديدة حول مفهوم السلطة والدولة الدينية والمدنية، وفيها وضّح أن مفهوم الدولة المدنية بدأ في يثرب التي أسماها سيدنا محمد (ص) ب "المدينة" لأنها جمعت بين الملل المختلفة بدستور مدني، كان ضامناً لحقوق المواطنة لجميع السكان.

كما تناول د. شحرور القصص القرآني بمفهوم معاصر، ووضّح أن القصص المحمدي وجميع الأحكام الواردة فيه هي أحكام ظرفية محكومة بعصر الرسالة، ولا يجوز القياس عليها، بل أخذ العبرة فقط، في حين أن الأحكام المطلقة وردت بكل صراحة ووضوح في كتاب الله، وهي مجموعة من الأوامر والنواهي والمحرمات والقيم الإنسانية.

وقد شاءت الصدف أن انتهي من كتابه (الإسلام والانسان) في نفس اليوم الذي صادف فيه وفاته، وهو آخر كتاب صدر له.

لقد قدّم د. شحرور شهادته على العصر ووضع عصارة فكره في كتابه الأول (الكتاب والقرآن) الذي احتوى أصول النظرية المعرفية التي توصل اليها بعد بحث ودراسة استمرتا لعشرين عاماً، وقال إنه كان يخشى أن يُمنع من الكتابة او أن يُقتل، فأراد تضمين كل علمه في هذا الكتاب.
وأضاف أيضاً أنه مهما ارتقت العلوم البشرية فإنها لن تصل إلى المعرفة الكاملة وأنه يأمل أن يتطور العلم وأن تأتي البشرية بعلوم جديدة تناقض علومه.

لقد ترك د. شحرور إرثاً عظيماً لم نستطع (نحن الجيل الذي عاصره) استيعابه بكليّته، واعتقد أن عبقرية هذا العلم وهذا الفكر هو قدرته على الاستمرارية وإدهاش الأجيال القادمة.


أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
22-12-2019