مع
كل أزمة أمنية تحدث في الأردن، تنبري مجموعة من مؤيدي النظام السوري والمتعاطفين
مع ما يسمى حلف المقاومة والممانعة (سوريا-إيران-حزب الله)
بالربط بين ما يحدث في سوريا وبين تلك الأزمة الأمنية.
حدث ذلك في أعقاب أزمة خلية إربد، وتكرّر مؤخراً
إثر عملية الكرك.
قد
تبدو المُقاربة هذه منطقية من وجهة نظرهم، ولكن الحقيقة أنهم موهومون تماماً.
عندما يُبدي الأردنيون تعاطفهم مع مأساة حلب
ومأساة سوريا عموماً، فهم معنيون أولاً وأخيراً بالإنسان وقيمة الانسان العربي السوري
التي داستها ميليشيات الحقد وعصابات الأسد، و قصفتها الطائرات الروسية والسورية وحوّلت
مساكنهم أطلالاً، لو رآها امرؤ القيس لأعاد كتابة معلقته الشهيرة.
وهم
معنيون أيضاً بالجرائم التي ترتكبها الجماعات المتطرفة في حق المدنيين، ولكنهم يستطيعون
ان يميزوا بين التطرّف والثورة الشعبية، وهذه هي "النقطة
العمياء" عند مؤيدي النظام، والتي لا تتسع لها مدى
رؤيتهم فتسقط بالتالي من حساباتهم، ويتورطون في تعميم التطرف والإرهاب على كل
مؤيدي الثورة السورية، بل ويلقون عليهم تُهَم العمالة والخيانة أيضاً.
من المعلوم
للجميع ان العمليات التي وقعت في الأردن هي عمليات إرهابية تبنّاها تنظيم داعش
الذي ينبذه غالبية الأردنيين بل ويعتبرون أن ثمّة عِداءٍ شخصيٍ مع هذا التنظيم بعد
مقتل الطيار الكساسبة، وهم بالتالي ينبذون عمليات هذا التنظيم، سواء تلك التي تقع
في بلادهم او في سوريا والعراق.
لذا فإن محاولة الخلط بين نبذ الأردنيين لعمليات داعش
على أرضهم وتعاطفهم مع مأساة حلب لا تبدو منطقية وتفتقد لأدنى شروط المقارنة
العلمية.
يضاف الى ذلك، ان محاولة تجميل الوجه "القبيح" للجيش
السوري بمقارنته بالأمن الأردني هي محاولة "خبيثة" تحمل في طياتها رسائل خفيّة يرفضها المواطن
الأردني. الأمن الأردني يقوم بدور واضح وهو حماية الوطن والمدنيين من التطرف
والإرهاب، في حين ان الجرائم والفظائع التي يقوم بها جيش الأسد، لا تمت بصلة الى
حب الوطن او حماية المدنيين، بل على النقيض من ذلك هي مُكرّسة فقط لحماية النظام
والمصالح الفئوية في الغالب، وفي بعض الأحيان نتيجة الإكراه والجبرية من القيادة.
في النهاية ومن
وجهة نظر قيادة الجيش السوري، فإن كل مُعارض للنظام سواءً كان سياسياً أو أديباً
أو فناناً أو صحفياً أو ناشطاً حقوقياً هو عدو للدولة السورية وللجيش، وهو إرهابي
او عميل او خائن بالضرورة.
من المعلوم
للجميع، أن الأمن الأردني لم يُحاصر المدن بحجّة القضاء على الإرهابيين، ولم يفرض
حصاراً من الجوع والعطش على السكان المدنيين، مطالباً إياهم بالموت أو التخلص من المقاتلين.
لم يقصف المدن قصفاً عشوائياً، باستخدام القنابل
العنقودية والبراميل المتفجرة (المُحرّمة
دولياً) ويقول إنه يخوض حرباً ضد الإرهاب
والتطرف.
إن محاولة تشبيه المُعتدين في أحداث الكرك، بالمقاتلين
والمدنيين الذين قضوا في مدينة حلب او تم تهجيرهم قسراً هي محاولة تنم عن العقيدة
الشمولية التي يؤمن بها من يساند النظام السوري، والتي تعتمد على التعميم في
الحكم، والخلط بين الحقائق، وعدم التفريق بين الحقيقة والوهم، والحق والباطل.
كمواطن
أردني، أقول إني أقف في وجه الإرهاب في كل مكان، وأُدين كل الجرائم التي تُرتكب
باسم الدين، وفي ذات الوقت أقف مع الثورات العربية وحق كل الشعوب العربية بتقرير
مصيرها واختيار من يحكمها، والعيش ضمن نظام سياسي يؤمن بالتعددية واحترام حرية
الفكر والاعتقاد، ويحقق العدالة والحرية والكرامة.
لا أؤمن
بالتقوقع وراء نظرية المؤامرة وإرهاصات سايكس بيكو 2، بل أؤمن بحتميّة التغيير من
الداخل، حتى يخرج العالم العربي من شرنقته ويبصر نور التقدم والحضارة، ولا آبه بكل
الكلام الذي يحاول تثبيط العزيمة، وترسيخ الايمان بقَدَرِ الشعوب العربية بالقبول
بحُكم الديكتاتورية أملاً في الحصول على الأمن والأمان، فهل ستكفّون عن تصنيف
البشر بناءً على وجهة نظركم الضيقة، وتكفّوا أيضاً عن إطلاق الأحكام والتهم على من
يحيد عمّا ترونه أنتم ؟!
أيمن
يوسف أبولبن
كاتب
ومُدوّن من الأردن
1-1-2017