تم
إعتقال الداعية الإسلامي الأردني، الدكتور أمجد قورشه وحجزه تحت ذمة التحقيق، حيث
سيمثل أمام محكمة أمن الدولة على خلفية إنتقاده للأجهزة العسكرية والمخابراتية لإنضمامها
للتحالف الدولي ضد داعش في سوريا، حيث قال د. قورشه أستاذ الشريعة في الجامعة
الأردنية أن نسبة كبيرة من الأردنيين يعتقدون أن الشأن الداخلي ومكافحة المخدرات
وسرقة السيارات وتهريب السلاح، هو أولى من محاربة الإرهاب في الخارج، كما أضاف أن
الولايات المتحدة خدعت الأجهزة الأمنية الأردنية وكذبت عليها بشأن أهدافها في
سوريا حيث تبيّن أن التحالف الدولي يستهدف الجيش الحر وجبهة النصرة مما يؤدي إلى
ترجيح كفّة النظام السوري في الصراع، عدا عن سقوط ضحايا مدنيين جرّاء قصف التحالف
الدولي.
لست هنا بصدد مناقشة
وجهة نظر د. قورشه في التحالف الدولي وتفنيدها أو تأييدها، لا سيما أن الفيديو
موضوع القضية نشر عام 2014، وقد يكون د. قورشه نفسه قد غيّر من بعض قناعاته الآن
! ولكن ما يهمني هو
القاء الضوء على ردة الفعل الشعبية حول إعتقاله والإنقسام الواضح في ردود الأفعال
بين مؤيد ومُعارض.
ندّد الإسلاميون بإعتقال د. قورشه بالإضافة
الى العديد من الناشطين المعنيين بحرية الرأي في حين أبدى التيار اليساري بشكل
عام بالإضافة الى مؤيدي العلمانية إرتياحهم لهذا الإجراء مُعتبرين أن خطاب قورشه بشكل عام
هو خطاب ديني متشدّد يُحرّض على التطرّف ويسيء للطوائف الأخرى ويضر بالتالي
بالوحدة الوطنيّة، ولعلّ أشد الناس بهجةً وسعادةً بإعتقال قورشه هم مؤيدو النظام
السوري ومجموعة مُثقّفي "الشبيحة"، الذين أبدوا شماتتهم لإعتقال أحد أشد الدُعاة عداءً للنظام
السوري وحلفائه في المنطقة.
قد تبدو هذه المواقف للوهلة الأولى واقعية
ومتوقعة الى حدٍ ما، ولكننا لو ابتعدنا عن السطحيّة وناقشنا جوهر القضية لأكتشفنا أننا
أمام حالة إنفصام في الشخصية الفكرية للمجتمع، وتناقض هائل بين ما نؤمن به (أو ندّعي
أننا نؤمن به) وبين ما نمارسه فعلياً على أرض الواقع، فالتيار العلماني الذي يتحدث
ليلاً نهاراً عن الحُقوق المدنية وضرورة إقامة مجتمع يحترم الرأي والرأي الآخر وتوفير
سقفٍ عالٍ من حرية التعبير، يسقط في إختبارٍ بسيطٍ للغاية ويكشف أن كل هذه
الشعارات والكلام "المزيون" الذي تخطّه يداه لا يمكن تطبيقه الا على ما يوافق هواه
ورغباته، ولا ينطبق أبداً على فرقاء الفكر والسياسة، وهذه بلا شك إشكاليّة خطيرة
جداً.
كيف يُعقل أن نشمت في إعتقال
أحد المدنيين (بغض النظر عن توجهاته الفكرية والسياسية) ومثوله أمام محكمة أمن
الدولة بناءً على رأيه السياسي أو إنتقاده للسلطات في البلاد ؟! سواءً إتفقنا أو
إختلفنا مع مضمون رأيه، يجب علينا جميعاً أن نحترم هذا الفِكْر وهذه الجرأة في
الطرح وأن نعمل على صيانة حرية التعبير وضمان حوار عقلاني حقيقي بين مؤيد لوجهة
نظره ومُعارض لها، بما يخدم مصلحة المجتمع والوطن، أمّا خلط هذه القضية برأينا
الشخصي حول خطاب قورشه الديني او اختلافنا معه حول موضوع سوريا، وابداء تأييدنا
لإعتقاله بناءً على ذلك، فهو منطق أعوج لا يستقيم مع الأفكار التحرّرية التي يدعو
لها كل من أيّد إعتقاله.
وفي ذات الوقت نقول،
إذا كان هناك تجاوزات في الخطاب العام لقورشه أو إساءته للديانات والطوائف الأخرى (كما
يقول البعض) فقنوات المحاكم المدنية مفتوحة للجميع، والقوانين المسنونة تعاقب على
الإساءة للأديان والتعرض للوحدة الوطنية. لماذا لم يقم أحدٌ من مؤيدي إعتقاله بالتقدم
بشكوى ضده خلال السنوات الماضية بدلاً من الشماتة لإعتقاله الآن ؟ لماذا لم يتم
تنظيم حملة لإغلاق صفحته او مقاطعة برامجه ... الخ القائمة الطويلة من الأعمال التي
يمكن القيام بها لإيصال صوت كل من يود الإعتراض على خطابه ؟!
وهذا يقودنا بالتالي
الى التساؤل حول مدى نجاح السياسة الإعلامية للسلطات الرسميّة، وتقديرها لردود فعل
الشارع؛ إذا كان الهدف هو التخفيض من حدّة إنتقادات قورشه والتقليل من "الشوشرة" التي تصدر عنه،
ألم يكن من باب أولى البحث عن مُسوّغات معقولة قد تُرضي شريحة كبيرة من المجتمع
وتبدو أنها منطقية بدلاً من إعتقاله على خلفية فيديو قديم تم نشره قبل عامين ؟!
حرية التعبير تُقاس بمقدار
هامش الحرية الذي نمنحه للرأي الآخر، هذا هو المقياس الحقيقي لحرية التعبير سواءً
لنا كأشخاص أو كمؤسسات وأجهزة رسمية. لا تعنيني شعاراتك وخطاباتك الحماسيّة التي تُلقي
بها، ظنّاً منك أنك نبي هذا الزمان الذي بُعث لينادي بالحرية والعدل والمساواة طالما
أنك تؤيد الحدّ من الحريات وتكميم الأفواه إذا كان المتضرر هو خصمك في ميدان الفكر
والسياسة.
في كتابه الشهير (الذكاء العاطفي) يقول عالم النفس الأمريكي
"دانيال جولمان" أن 80% من تصرفاتنا هي
ردّات أفعال ناجمة عن العقل اللاواعي، وأن 20% فقط هي تصرفات عقلانية نابعة عن
تفكير منطقي محسوب، وأن أي إنسان ناجح عليه أن يُعنى برعاية وتطوير "العقل العاطفي" المسؤول عن 80%
من تصرفاته. لو تأملنا في هذه المعلومة وهي مُختصر هذا الكتاب القيّم، لأدركنا حجم
الكارثة التي نتسبب بها لمجتمعاتنا جرّاء إنجرارنا العاطفي غير المحسوب في تشكيل
مواقف وإتخاذ قرارات متسرعة لا تلبث أن تصبح جزءاً من شخصيتنا وفكرنا، تسيطر علينا
وتقودنا الى الهاوية.
دعوة
للتعقل وإعادة الحسابات في مواقفنا بدلاً من العصبيّة والأهواء الشخصيّة التي
تتحكم في أفعالنا وتصرفاتنا.
أيمن يوسف أبولبن
20-6-2016
كاتب ومُدوّن من الأردن