الأحد، 8 مايو 2016

ماذا تعرف عن فرقة "الحشّاشين" ؟



  مؤسسها: حسن الصبّاغ، ولد عام 1048 م قرب طهران. عند ولادته كانت "الدولة الفاطميّة" تحكم مصر وبلاد الشام وكانت سلالة شيعيّة أخرى " البويهيين" تحكم بلاد فارس ولها نفوذ كبير لدى الخليفة العبّاسي، ولكن عند بلوغ حسن سن الشباب إستحوذ السلاجقة الأتراك على المنطقة برُمّتها، مع إنحسار الدولة الفاطميّة في مصر، فقرّر حسن إستعادة السلطة للشيعة؛ لذا اتخذ عام 1090 من قلعة " آلَموت" التي تقع قرب بحر قزوين وكراً له ولإتباعه، وأصبحت مركزاً رئيسياً لترسيخ العقيدة الشيعيّة إلى جانب التدريب البدني.


اتخذّت الحركة مبدأ التصفية الجسديّة لخصومها بطريقة الطعن في مكانٍ عام وبالأخص في المساجد يوم الجمعة، وكان المُنفّذ يقوم بما يشبه العمليّة الفدائيّة لأنه غالباً ما كان يستسلم لقَدَرهِ بعد تنفيذ عمليّة الإغتيال ويلقى حتفه في العادة على أيدي الجموع الغفيرة، لذا سُمّي ب " الفدائي".
ونظراً لإستسلامهم بهذه الطريقة ظنً عامة الناس أنهم يتناولون كميّة من " الحشيش " حتى تسهل مهمتهم وتتبلّد أحاسيسهم، وأُطلق عليهم لقب "الحشّاشين" وتُرجمت إلى Assassin في عدّة لغات، بمعنى " قاتل".

كان الحشّاشون مكروهين من غالبية المسلمين بسبب جرائمهم وتنظيمهم السرّي بالإضافة إلى تعاونهم مع الحَمَلات الصليبيّة، ومن هنا جاءت تسميتهم ب " الباطنيين" أي الذين يعتنقون عقيدة مختلفة عن تلك التي يُجاهرون بها. وقد خلخلت حركة الحشّاشين جبهة المسلمين الداخليّة في وقتٍ حرج إبان الحملات الصليبيّة وإحتلال القدس وساحل بلاد الشام، وتُعد قلعة "بانياس" من أهم القلاع التي سلّمها الحشّاشون للإفرنج خلال تلك الفترة.
الغريب في الأمر، أن فرقة الحشّاشين وبعد سقوط الخلافة الفاطميّة في مصر، استغنت عن حلم الخلافة الشيعيّة وأرسلت رسالة الى قائد الفرنج في القدس تعرض عليه إعتناق الجماعة الديانة المسيحيّة !! إلاّ أن فرسان الهيكل رفضوا تلك المعاهدة ونصبوا كميناً لرُسُل الحشاشين وقتلوهم.

وكانت نهاية فرقة الحشّاشين على يد المغول، حين قاد "هولاكو" حملة على بلاد المسلمين مروراً بقلعة "آلَموت" التي أسقطها وقضى على كل من فيها، ثم أحرقها واتلف كل الكتب والمخطوطات، وكانت هذه هي نهاية الحشاشين أو فرقة الباطنيين.

أيمن أبولبن

17-5-2016

منقول بتصرّف من كتاب (الحروب الصليبيّة كما رآها العرب)

أمين معلوف

الأربعاء، 20 أبريل 2016

الحُب في زمن (أوراق بنما)


   في روايته الخالدة "الحب في زمن الكوليرا" يُمجّد الكاتب الكولومبي الكبير "غابرييل غارسيا ماركيز" مبدأ الحب من أجل الحب، عبر قصة حُب تجمع بين شابٍ فقير من الطبقة الكادحة وفتاة أرستقراطية في بلاد الكاريبي التي تصارع الموت مع مرض الكوليرا وترزح في ذات الوقت تحت وطأة الحرب الأهلية. ويُجسّد بطل الرواية "فلورينتينو" كل معاني الإصرار في سبيل تحقيق هدفه الذي سخّر كل لحظة من حياته لتحقيقه، وهو الظفر بمحبوبته التي هجرته وتزوجت من طبيب ثري ومرموق من علية القوم. ورغم الفراق فإن "فلورينتينو" يحتفظ بكل مشاعر الحب الفيّاضة سراً ولا يكشف ذلك لأحد بل إنه يرفض الزواج ويمضي حياته البائسة في إنتظار موت غريمه الطبيب، غير آبه بإحتمال أن يفارق الحياة هو شخصياً قبله، وبعد إنتظار نصف قرنٍ من الزمان يتحقق مراده في إعادة المياه إلى مجاريها مع محبوبته "الأرملة" التي عاش حياته بطولها وعرضها وهو يتابعها في الخفاء، ولم يكن طيفها يفارقه في صحوه أو نومه.

  في رحلة الخمسين عاماً يعيش "فلورينتينو" في الظل وحيداً منبوذاً لا قيمة له في المجتمع دون أن يلفت الأنظار أو يأبه له أحد، هو (الموجود الذي لا وجود له)، حتى أن ملبسه ومظهره يوحي بالبؤس وواقع حاله يقول "يا لهذا الرجل البائس !" ولكنه يُحدّد لنفسه هدفاً واحداً في الحياة، الكفاح كي يستحق حب فتاة أحلامه والإبقاء على بصيص أمل في أن تبادله نفس المشاعر يوماً وأن يجمعهما سقفٌ واحد ولو كانا على حافة القبر، وهو ما يتحقق له في النهاية بعد ان يتجاوز العقد السابع من العمر !.

"فلورينتينو" هو مثال كل المُحبّين الصامتين، الرابضين على جمر الحب الذي لا ينطفأ. هو نصير العاشقين الغلابا الذين يؤمنون بحظوظهم الى النهاية، حتى لو عاندتهم الحياة، وأختارت أن تُعكّر صفو أحلامهم وقت الكرى.

لا ادري لماذا قفزت شخصية "فلورينتينو" الى ذهني وانا أتابع تسريبات وثائق بنما، التي كشفت عن الثروات الهائلة التي يكدّسها أثرياء العرب في الخفاء بعيداً عن أعين الناس، باستخدام الشركات الوهمية لغايات التهرب الضريبي وغسيل الأموال، ففي الوقت الذي يعتبر فيه عامة الناس أن الحب والمشاعر الإنسانية هما قارب النجاة الوحيد من هموم الحياة وهدفاً سامياً يعيشون من أجله، حيث تمتزج حياتهم بمشاعر الوفاء والتضحية ويشاركون الآخرين أفراحهم وأتراحهم محتفظين بالألم الذي يعتصر في داخلهم - جرّاء تجاربهم الفاشلة ونتيجةً لتضحياتهم التي لا يُلقي لها البعض بالاً – في السر، حتى لا يفضحوا جرحهم وهوانهم على الناس، ويرضىون أن يعيشوا في بؤسٍ على هامش الحياة منبوذين لا وزن لهم. في ذات الوقت نرى رجال الدولة من سياسيين ورجال أعمال ومشاهير يتصدرون المشهد ويستحوذون على إهتمام عدسات الكاميرا، والصفحات الأولى للصحف والمجلات، وفي الخفاء يكرّسون حياتهم لجمع الثروات بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة وتكديسها بعيداً عن أعين الناس.

  لكل من "فلورينتينو" وأصحاب الشركات الوهمية في بنما عالمه السري الخاص النقيض للآخر، ولكل واحد فيهما حُلمه الذي يطمح لتحقيقه ولو كان آخر يوم في حياته، ففي الوقت الذي كان يأمل فيه "فلورينتينو" لقاء محبوبته باعتبارها البلسم الشافي لكل مآسيه وآلامه، كان أمل هؤلاء، الإستمتاع بثرواتهم في حياتهم ولو كانوا على شفا حفرة من النهاية، كانت هذه الثروات المنهوبة هي ما تُبقيهم مُتّقدين مبتهجين في حياتهم. ولكن شتّان بين حب البشر لبعضهم، وحب البشر لجمع المال والثروة على أعناق الآخرين.

لقد جمع هؤلاء ثرواتهم من عرق جبين الشعوب، لقد تاجر معظمهم إلاّ من رحم ربي بمُقدّرات الأوطان وأعطوا لأنفسهم الحق بالتصرف في بيع وشراء كل ما تنفذ له أيديهم من ممتلكات الوطن للحصول على الربح السريع والعيش على ظهر المواطن الغلبان.

لقد رأينا في الغرب كيف أن المؤسسات المدنية والحقوقية قد تحركت في سبيل الكشف عن حقيقة "وثائق بنما" ومحاسبة المتورطين في هذه القضية، في حين أن العالم العربي للأسف يعيش في حالة نُكران لما حصل أو تجاهلٍ تام وكأن الأمر لا يعنيهم، والحقيقة المُرّة أن أياً من بلداننا العربية لا يمتلك نظاماً سياسياً شفافاً يضمن القيام بمحاسبة الفاسدين أو التحقق من ثرواتهم، ناهيك عن عدم إمتلاك مؤسسات مُستقلة تراقب المال العام وتمتلك الصلاحيات اللازمة للقيام بعملها (وانا لا أتحدث عن المؤسسات الشكليّة التي لا تحمل من وظيفتها سوى الإسم). ولهذا فإن كل ما يقال عن السؤال والمحاسبة في عالمنا العربي أو محاولة التحقيق في قضايا الفساد ونهب الأموال العامة، هو أشبه ما يكون بالمعركة التي خاضها دون كيشوت مع طواحين الهواء !.

لقد قبل "فلورينتينو"الذل والهوان في سبيل الحب، فرغم هجر حبيبته له وعدم إلتفاتها إليه طوال خمسين عاماً، إحتفظ بحبها العارم في داخله، وعمل كل ما بمقدوره كي يحوز على رضى محبوبته في النهاية، أما الفاسدين في عالمنا العربي فقد قبلوا الذل والهوان في سبيل جمع ثرواتهم واتخذوا من مناصبهم ومواقعهم الإجتماعية وسيلةً لسرقة أموال الشعوب بدلاً من خدمتهم والعمل على نهضة بلادهم، لقد إكتفوا بالإعتناء بمشاريعهم الخاصة التي ينتفعون بها، والإستثمار في شركات ما وراء البحار، فأصبحت بلادنا العربيّة أشبه ما نكون بمفهوم "البقرة الحلوب" التي يعيش عليها هؤلاء، وتربطها بهم علاقة مليئة بالتناقضات الإنسانية، هي حب من نوع آخر، إنه الحب في زمن أوراق بنما !

لست بصدد إتهام كل من ذُكرت أسماؤهم في هذه الوثائق بالفساد، فلست مخوّلاً بذلك، كما أني لا أرفع التهمة عن أحد، ولكني كنت أتمنى من كل من يمتلك الحق في مساءلة هؤلاء والتحقيق معهم، أن يرفع صوته عالياً ويحاسبهم على الملأ، كم كنت أتمنى أن يكون صوت المواطن عندنا مسموعاً، وأن يكون لدينا نحن المواطنين الجرأة الكافية أن نقف ونسأل مسؤولينا مهما علت مناصبهم (من أين لك هذا ؟! ) ولكن المواطن العربي بكل أسف هو "الموجود الذي لا وجود له !" ، هو الذي ينطبق عليه تماماً حال بطل الرواية " يا لهذا الرجل البائس ! "

أيمن يوسف أبولبن
19-4-2016
كاتب ومُدوّن من الأردن


للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban

الاثنين، 11 أبريل 2016

حزب الله وأعاجيب القدر


سيّد المُقاومة، الصعود إلى الهاوية 
   إكتسب السيد حسن نصر الله خلال العقد الأول من هذا القرن شعبيةً واسعةً في الشارع العربي بإعتباره رمزاً وطنياً لمقاومة المشروع الصهيوني، لقد كانت هذه الشعبيّة مُستحقةً بجدارة، فقد أسفرت عمليات المُقاومة اللبنانيّة في الجنوب إلى إتخاذ أسرائيل قراراً استراتيجياً بالإنسحاب من الأراضي اللبنانيّة في عتمة ليلة صيفيّة من عام 2000 مما أعطى دفعةً معنويةً لمشروع المقاومة.

   وفي عام 2006 وقفت الجماهير العربيّة في صف المقاومة وساندت الشعب اللبناني أثناء محنته من جراء العدوان الإسرائيلي الغاشم، رغم الإختلاف في وجهات النظر حول جدوى عملية خطف الجنديين الإسرائيليين التي تسبّبت بالعملية العسكرية الإسرائيلية. تسمّر المواطنون الغلابة (وأنا أحدهم) أمام أجهزة التلفزيون لمتابعة خطابات السيد حسن نصر الله التي تُلقي بالتهديد والوعيد للعدو الصهيوني، لم تكن الخطابات تلك مجرّد شعارات، بل اقترنت بعمليات نوعيّة وضربات صاروخية في داخل العمق الإسرائيلي، هدّدت آلاف الإسرائيليين وأجبرتهم على المبيت في الملاجىء الآمنة. إنسحبت إسرائيل مرة أخرى دون تحقيق أهدافها المُعلنة.

لم يعد السيد حسن نصر الله يتمتع بشعبية فقط، بل إستطاع أن يفرض نفسه رقماً صعباً في المنطقة وازداد نفوذه وتوّسعت مناطق سيطرته في الداخل اللبناني مدعوماً من إيران ومستنداً إلى تعاونه الإستراتيجي مع النظام السوري، ولكن القَدَر كان يُخبّىء لنا الكثير من أعاجيبه ومن التحوّلات الدراميّة التي لا يتوقعها أحد.

إنطلقت شرارة الربيع العربي مع بداية العقد الثاني ووصلت إلى الداخل السوري، لم يكن هذا مُفاجئاً لأحد بالنظر إلى حالة القمع والقبضة الأمنية التي سيطرت على البلد على مدى عقود من الحُكم الشُمولي، والتي كانت تُنذر بقُرب إندلاع البركان الصامت. وجد السيد حسن نصر الله نفسه في موقفٍ لا يُحسد عليه، فهو أمام خيارين أحلاهما مُرّ، إما الوقوف مع تطلّعات شعوب المنطقة في وجه حليفه (النظام السوري)، أو المُحافظة على  تحالفاته الإستراتيجيّة ضمن منظومة المُقاومة والمُمانعة، ووضع شعبيّته التي إكتسبها بعد جُهدٍ جهيد على المحك.

حاول السيد حسن نصر الله في البداية أن يُمسك بالعصا من الوسط، حيث أدلى بتصريحات حول شرعيّة المُطالبات الشعبيّة بالإصلاح ولكنه أشار في نفس الوقت إلى إستهداف سوريا، ومع تصاعد الأزمة وجد نفسه مُضطراً أن يتماهى أكثر فأكثر مع النظام السوري ثم ما لبث أن أظهر الوجه الخفي، وجه الديكتاتور تلميذ "مكيافيلي" النجيب، وتورّط في العمليات العسكرية على أرض سوريا لقمع الثورة، ليُضاف إلى الديكتاتورات العربية ديكتاتوراً جديداً !

   قبيل أحداث الربيع العربي بنحو عامين، روى لي أحد الأصدقاء اللبنانيين أنه أثناء أحداث السابع من أيار 2008 )والتي سيطر حزب الله على أثرها على العاصمة اللبنانبة) كان مُتوجهاً إلى منزله في بيروت حيث تعرّض له أحد المسلحين المُلثَمين محاولاً إحتجازه وإقتياده الى مكان آخر، لم يكن صوت الرجل المسلّح غريباً ولا حركة جسده كذلك، وبعد أن ركّز صديقي نظره للحظات أدرك أنه جاره في العمارة والذي تربطه به أواصر معرفة جيّدة، فصرخ في وجهه "فلان ؟ .. معقول ! " تلعثم المسلّح ثم انسحب جارّاً وراءه ذيول الخيبة، وعاد صديقي مذهولاً مصدوماً إلى شقته. يستطرد صديقي ويقول تخيّل أن جارك الذي يزورك في بيتك في اللحظة التي يطلب منه "حزب الله" أن يحمل سلاحه في وجهك ويحتجزك أو يعتدي على عائلتك لا يتردد لحظة في تنفيذ ذلك، وبمجرد ان يضع القناع على وجهه يتصرف بناءً على توجهات عنصريّة طائفيّة وأجندات محفوظة عن ظهر قلب وكأنه "روبوت" !

كان هذا الحديث صادماً بالنسبة لي حينها، ورغم أني لم آخذه بالجديّة اللازمة، إلاّ أنه دقّ ناقوس الخطر عندي، لإيماني المُطلق أن الغاية لا تُبرّر الوسيلة وأن الفضيلة والأخلاق لا يخضعان للمساومة تحت أي ظرف. تنباّت وقتها أن الحزب مُقبلٌ على مفترق طرق خطير، يفصل بين مبادئه ومصالحه.

   من الضروري أيضاً، في خضم محاولة فهمنا للتحوّل في المواقف المُعلنة لحزب الله، عدم إغفال عقيدة ولاية الفقيه التي يؤمن بها، وتأثيرها على الصراع الديمغرافي في المنطقة، وهي حقيقة لا ينفيها إلا جاهل أو غافل، فكما تسعى داعش وأخواتها إلى إقامة حكم الخلافة "المزعومة" على أرض الدولة الإسلامية، تسعى إيران وحلفاؤها بدورهم إلى إقامة الدولة الإسلامية تحت حكم ولاية الفقيه، وهذا من شأنه تفسير تدخلات إيران السافرة في العديد من دول المنطقة.

لقد تنكّر "سيّد المُقاومة" لمبادىء وأخلاق المُقاومة، وكان أوّل من تنكّر للشعوب المقهورة والمظلومة التي ساندته، وبدلاً من مناصرتها ساند جلاّدها، بدلاً من الإنتصار لقيم الحريّة ومبادىء الثورة التي لا تتغير بتغيّر المواقف والمصالح، قام باستغلال هذه المبادىء وسيلة لتحقيق أهدافه التوسعيّة، فوقع في المحظور وغرق في مستنقع التناقضات.

أشعر بالأسف والحزن لرؤية هذا التغيير في مواقف حزب الله، أو بالأصح لرؤية الوجه الحقيقي للحزب بعد سقوط القناع، كما أشعر بالشفقة على كل من لا يزال مخدوعاً بشعارات المقاومة والتحرير، واضعاً أمله في تغيير أوضاع الشرق الأوسط على إيران وأتباعها في المنطقة ومن خلفهم روسيا، أما آن الآوان أن تستيقظوا من هذه الغفلة التي تعيشون؟. يبدو أن شعارات حزب الله وكاريزما السيد حسن نصر الله لها مفعول السحر الذي لا يزول بسرعة أو يسر، بل يتطلب ذلك من بعض الناس بضع سنوات من الهذيان وحالة اللا وعي، كالمريض الواقع تحت تأثير المُخدّر !

أيمن يوسف أبولبن
10-4-2016
كاتب ومُدوّن من الأردن


للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban

الثلاثاء، 15 مارس 2016

الخيوط الخفيّة وراء إغتيال عُمَر النايف


النص الكامل

    وُجِدت جثة "عمر النايف" القيادي في الجبهة الشعبية في باحة السفارة الفلسطينية الأسبوع الماضي وقد فارق الحياة. تعدّدت الروايات حول مقتله وتضاربت المعلومات، حيث قال السفير الفلسطيني أن النايف وُجِد في سيارة داخل حَرَم السفارة وهو في حالة حرجة وفارق الحياة في الطريق الى المستشفى، غير أن الأطباء الذين وصلوا الى الموقع قالوا أنه كان ملقىً في الفناء الخلفي للسفارة وتبيّن أنه قد فارق الحياة عند معاينته دون وجود آثار إطلاق رصاص.


   عمر النايف كان قد إعتُقل في منتصف الثمانينات بتهمة قتل مستوطن اسرائيلي وحُكم عليه بالسجن المؤبد، تعرّض للتعذيب الجسدي طيلة فترة سجنه، ولم يجد بُدّاً من خوض تجربة إضراب عن الطعام للتخلص من واقعه المأساوي، وبعد أربعين يوماً تدهورت حالته الصحيّة ونُقل إثر ذلك إلى إحدى المستشفيات حيث إستغل النايف هذه الفرصة ونفّذ عملية هروب فريدة من نوعها بعد إنقضاء نحو خمسة أعوام من محكوميته. بعد عدة أعوام ظهر النايف في بلغاريا ممارساً حياته بشكل طبيعي بعد ان تزوّج وأنجب ثلاثة أطفال، مما حدا بإسرائيل إصدار مذكرة لوزارة العدل البلغارية في كانون أول الماضي تطالب فيها بإعتقال النايف وتسليمه لها، قرّر النايف على إثرها اللجوء إلى السفارة الفلسطينية في صوفيا لتوفير الحماية له، خصوصاً بعد تلقيه تهديدات بالقتل.

   من الطبيعي أن تشير أصابع الإتهام في إغتيال النايف إلى الموساد الإسرائيلي، صاحب التاريخ الحافل في القتل المُنظّم والتصفية الجسدية على طريقة عصابات المافيا المُحترفة.اللافت أن اسرائيل تعتبر أن هذه الجرائم "الإرهابية" هي مطلب ضروري لإستمرار دولتها وتقدّمها وأنّ عملاءها الذين يمارسون هوايتهم في قتل الأهداف بدمٍ بارد هم أبطال قوميون، فلا عجب أن نعلم أن هؤلاء القتلة والسفّاحين قد تدرّجوا في سلّم الأجهزة الأمنية إلى أن وصلوا إلى أعلى الهرم بل وتعدّى بعضهم هذه الدرجة وصولاً الى مرتبة وزير أو رئيس وزراء، ولك أن تتخيّل معي المطبخ السياسي لدولة يمتلك رئيسها ووزراؤها ماضياً دامياً مليئاً بالمطاردات والإغتيالات !!.

  إيهود بارارك رئيس الوزراء الأسبق على سبيل المثال كان قد شارك في أكثر من عملية ميدانية أشهرها عملية إغتيال القائد الثاني في منظمة فتح "خليل الوزير -  أبو جهاد" في تونس، وهو شخصياً لا يتورّع عن ذكر ذلك في لقاءاته الصحفيّة وشهادته على التاريخ، بل أنه يفتخر بأنه احتفل مع زملائه بشرب الشمبانيا على متن القارب الذي أقلّهم في طريق العودة من تونس. بدورها لم تجد تسيفي ليفني وزيرة الخارجية السابقة حرجاً من الإعتراف بانها كانت ضابطة في المخابرات السرّية وأنها قامت بتصفية بعض الفلسطينيين المطلوبين، بل إنها استعملت جسدها "الفاتن" لممارسة الجنس والحصول على معلومات أمنية حسّاسة أو للإيقاع ببعض ضحايا الموساد.

  هؤلاء هم من يقودون دولة إسرائيل النازيّة الجديدة أيها السادة !!

   الموساد ومن قبله العصابات الصهيونية قاموا بتنفيذ عمليات تصفية جسدية في شتّى بقاع الأرض الصديقة منها والعدوّة، لكل من يشكّل خطراً على المشروع الصهيوني بما في ذلك علماء الذرّة العرب والأدباء والكتّاب والصحفيين، لذا فإن أقل واجب على كل حرٍّ وشريف أن يعرّي هؤلاء القتلة وكل من يخدم مصالحهم أمام التاريخ.

  ولكن، هناك ثمّة أمور وتفاصيل تدعو الى الريبة والشك في كيفية تمكّن الموساد من إغتيال النايف في مقر السفارة الفلسطينية، حيث تشير المعلومات أن النايف لم يحظَ بحماية امنية من أجهزة السفارة، بل إن من الواضح أن السفارة الفلسطينية نفسها لم تشهد إجراءات أمنية من أي نوع، وأبسط دليل على ذلك هو عدم وجود كاميرات مراقبة حول وداخل السفارة !! بالإضافة إلى الحديث عن ضغوطات مورست على النايف من قبل أعضاء في السفارة لحثّه على تسليم نفسه وتخليص السفارة والسلطة الفلسطينية من مأزق ديبلوماسي صعب، بل إنّ زوجة النايف تدّعي أنه تعرّض لتهديدات واضحة من قبل أعضاء في السفارة.

ويُشتبه بأن عمر النايف قد أُرغم على تناول كميات كبيرة من أدوية مخصصة لآلام المعدة ليلة مقتله، من شأنها التسبّب بإنهيار عصبي للجسم، لتحويل مقتله الى جريمة إنتحار، وتأتي شهادة الطبيب الفلسطيني الذي يحمل الجنسية البلغارية والذي عاين جثة النايف في موقع الجريمة، لتؤكد أن النايف سقط (أو أُلقي به) من احد طوابق السفارة مما أدّى لاحقاً إلى موته وأنه استطاع الزحف لمسافة تقارب المترين قبل أن يلقَ حتفه !!

نحن أمام جريمة إغتيال جرى التخطيط لها وتنفيذها بعناية وإتقان ليس هذا فحسب بل برويّة ودون إستعجال، وإن كان من شبه المؤكد ضلوع الموساد بعملية الإغتيال، إلاّ أن الشكوك حول عملية تنسيق أمني مع السفارة الفلسطينية أو على الأقل مع بعض عناصر السفارة هو أمر راجح وبقوّة على غرار التنسيق الأمني الذي تمارسه أجهزة السلطة على أراضيها مع العدو الصهيوني ضمن إطار إتفاقية أوسلو سيئة السمعة.

عمر النايف مضى في طريقه وأنهى مشواره في الحياة بعد إن اتخذ قراره منذ زمن بعيد بأن لا يخضع للواقع ولا يقبل الخضوع لدولة الإحتلال، مارس عمل المقاومة في حياته ضمن الإمكانيات التي اتيحت له، كانت إرادته أقوى من سجنه وتصميمه على نيل حرّيته أقوى من رغبته بالعيش، خاطر بحياته حين خاض معركة "الأمعاء الخاوية"، وحين خدع الأجهزة الأمنية وهرب من سجنه. لكنه حين أراد أن يعيش عيشةً طبيعية مثل باقي البشر على سطح هذا الكوكب لاحقوه وحاصروه وقطعوا أنفاسه الزكيّة بمساعدة من صديق.

ستبقى صورة عمر النايف تطاردهم في مساءاتهم وسيشعر كل من ساهم في قتله بأنه قزم صغير أمام تحديه وصموده ورغبته في نيل حريّته، النايف وصمة عار على أجهزة السلطة الفلسطينية وسفارتها التي فشلت في تامين الحماية له وساهمت من قريب أو من بعيد بتصفيته جسدياً.

أيمن يوسف أبولبن
15-3-2016
كاتب ومُدوّن من الأردن


للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban

الأربعاء، 10 فبراير 2016

السفن الإيرانية التي ضلّت طريقها إلى غزّة !



  تتوالى التسريبات التي تحتوي على معلومات حسّاسة وسريّة من جميع أنحاء العالم، فمن وثائق ويكيليكس إلى تسريبات سنودن، إلى تسريب الرسائل الإلكترونية من بريد وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "هيلاري كلينتون"، وصولاً إلى تسريب فريد من نوعه لمكالمة هاتفية لنائب رئيس المكتب السياسي في حماس الدكتور موسى أبو مرزوق.

  تأتي أهمية هذا التسريب الأخير، إلى الحديث الذي تناول نفي دور إيران في دعم المقاومة في السنوات الأخيرة، وإنتقاد دورها السلبي الذي تلعبه في المنطقة، وهو الحديث الأول من نوعه الذي يخرج إلى العَلَن نقلاً عن مسؤول حمساوي، ويُعد مفاجأة للكثيرين ممّن افترضوا حُسن العلاقة بين حماس وإيران رغم الإختلاف الأخير حول الموقف من الثورة السورية.

ومن المعروف أن العلاقة بين حماس من جهة، وإيران وذراعها العسكري حزب الله من جهة أخرى قد شهدت فتوراً يشبه الى حدٍ ما القطيعة نتيجة موقف حماس من الأزمة السورية ومخالفتها لتوجهات القيادة السورية والرؤية الإيرانية، والذي نتج عنه مغادرة أعضاء المكتب السياسي لحماس الأراضي السورية بإتجاه قطر.


وفي التفاصيل، يؤكد د. أبو مرزوق في حديثه المُسرّب أن حماس لم تتلقَّ أي دعم مباشر من إيران منذ عام 2009 – أي قبل إندلاع ثورات الربيع العربي بنحو عامين -، ويتهم قادتها بإستغلال القضية الفلسطينية لأغراض الدعاية السياسية ولخدمة مشاريعهم في المنطقة، بالإضافة إلى حديثه عن شروط إيرانيّة ومطالب يتم طرحها من قبل المسؤولين الإيرانيين في النقاشات التي تتناول طلبات دعم المقاومة. 

  بعيداً عن البُعد الأمني لتسريب مكالمة هاتفيّة لشخصية سياسية بارزة في تنظيم حماس والمخاوف من عملية إختراق في صفوف قيادة حماس، فإن تسريب هذه المكالمة يكون قد ساهم في إطلاق رصاصة الرحمة على أكذوبة المقاومة والممانعة التي أرهقت أسماعنا خلال العقدين الأخيرين، ووضع حداً للدعاية الزائفة التي تحاول القيادة الإيرانية تسويق نفسها من خلالها بصفتها آخر معاقل المقاومة والتصدّي للمشروع الإمبريالي الصهيوني في المنطقة، وهذا المشروع بالذات هو الفزاعة التي تستخدمها في الظاهر لتنفيذ مشروعها الإستعماري الخاص بها في الباطن، وليس أدل على ذلك من الصورة التي وُضعت في الخلفية التلفزيونية لحديث السيد حسن نصر الله بعد إغتيال القيادي سمير القنطار، حيث ظهرت خارطة فلسطين وهي متّشحة بألوان العلم الإيراني !


المُقاومة الفلسطينية جزء لا يتجزأ من الحركات الثوريّة التحرّرية عبر التاريخ الإنساني، والتعاطف معها ودعمها هو شرف وواجب على كل إنسان صاحب ضمير بغض النظر عن جنسه وعرقه ودينه، طالما أنه يحمل نفس القيم الإنسانية ويؤمن بحق الشعوب في نيل حريتها وحقوقها.

المُقاومة الفلسطينية بكل فصائلها لم تتنكّر يوماً ليدٍ إمتدّت لمساعدتها، ولكنها في نفس الوقت لا تستجدي أحداً ولا تقبل أن تكون سلعةً في يد أحدٍ، وهذا ما لم تستوعبه القيادة السوريّة التي ظنّت أن استضافتها لحماس سيكون كافياً كي تغض حماس الطرف عن ممارسات النظام السوري القمعية ضد أبناء الثورة السورية، كما أخطأت إيران مرة أخرى حين ظنّت أن دعمها لحماس في الماضي سيكون بمثابة الجميل الذي لن تنساه حماس وستبقى مدينة لها طول الحياة وسيسهل بالتالي تشكيل مواقفها في المنطقة على النحو الذي تشتهيه.

سأل أحد المسلمين الإمام علي بن إبي طالب خليفة المسلمين: كيف نعرف أهل الحق في الفِتَنْ ؟ قال له (( إعرف الحق تعرف أهله )). مشكلتنا في أزمة ثورات الربيع العربي أن أغلبية المثقفين والمُفكّرين في عالمنا العربي قد بنوا مواقفهم بناءً على توافق رؤيتهم مع هذا النظام أو ذاك، أو بناءً على التحالفات الدوليّة في المنطقة، ظنّاً منهم أن الحق في صفّهم متجاهلين أن البوصلة الحقيقية التي عليهم إتباعها هو الحق والحق فقط بغض النظر عن هوية صاحبه، وأن المواقف الوطنية الحقيقية لا تتغير تبعاً لسياسات الدول أو إختلاف مرجعيتها، وبناءً عليه فإن من يتحدث عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ونيل حريته، عليه أن يحترم إرادة شعوب المنطقة، وحريتها في التعبير، بعيداً عن ميوله السياسية وتوجهاته الخاصة.

   المُقاومة الفلسطينية هي الحقيقة الوحيدة الساطعة سطوع الشمس والتي لا تقبل القسمة على إثنين، على أرض فلسطين يخوض الشعب الفلسطيني حربه بنفسه ويقدّم كل يوم شهيداً يتلوه شهيد، وما زال أهل غزة يقبعون تحت حصار ظالم أتمّ عامه العاشر دون أن تهتز جفون العالم ومنظماته وقياداته السياسية للمأساة التي يعيشونها، ولكن هذا الحصار لم يمنع أبناء المقاومة من الإستمرار في مشروع التحرير الواعد رغم شُحّ الإمكانات وقلّة الموارد، ومن واجبنا أن نفصل بين المُقاومة الحقيقيّة من جهة، وكل من يريد أن يركب موجة المُقاومة بالكلام من جهة أخرى. 

  جدليّة المُقاومة، ما تزال قائمة في منطقتنا بين مُقاومة فعليّة تعمل بإصرار وعزيمة لتحقيق أهدافها ونيل حريّتها المنشودة، وأنظمة سياسية تصطبغ بصبغة دعم المقاومة لإضفاء الشرعيّة على سُلطتها، ولتحقيق مآرب سياسية لها في المنطقة دون أن تعني لها أخلاق المُقاومة وقِيَمِها شيئاً يُذكر.

مشكلتنا مع المثقفين والمُفكّرين الداعمين لما يُطلق عليه زوراً وبُهتاناً ( حلف المقاومة والممانعة ) أنهم أضاعوا البوصلة وفقدوا بالتالي القدرة على إعادة التموضع وإعادة حساباتهم رغم كل ما يجري أمامهم من تناقض صارخ بين القول والعمل، وأصبحت رؤيتهم بالتالي ضيقةً، لا يتسع أفقها لرؤية الحقيقة أو إدراكها.

يتحدث أبو مرزوق في المكالمة المُسرّبة، عن السفن الإيرانيّة المزعومة التي ترفد المقاومة بالقول: كلما فُقدت سفينة إيرانية قالوا لنا أنها كانت متوجهة إليكم، فقدوا سفينة في نيجيريا فقالوا لنا كانت في طريقها إليكم، ويعلّق ساخراً (( هو احنا فش ولا سفينة بتغلط وبتيجينا، كل السفن اللي بتنمسك هي إلنا ؟! )). أعتقد أن هذه السفن قد فقدت البوصلة، وضلّت طريقها، حالُها حال كل من لا يزال مخدوعاً بكذبة حلف المقاومة والممانعة.


أيمن أبولبن
9-2-2016
كاتب ومُدوّن من الأردن



للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban


الاثنين، 28 ديسمبر 2015

لماذا يكرهوننا ؟!



   بالرغم من التقدم الحضاري للولايات المتحدة، وتسيّدها للعالم في مختلف الميادين، السياسية منها والإقتصادية والتكنولوجية، وغزوها للفضاء الخارجي إلا أن المفارقة العجيبة أن الشعب الإمريكي بشكل عام لا يعتبر من الشعوب المُثقفة أو المُنفتحة على الحضارات الأخرى، بل إنه قد أظهر في العديد من المناسبات جهلاً كبيراً في مواضيع حياتيّة أساسية، تبدو في معظم الأحيان بديهيةً للشعوب الأخرى.

نُشرَ يوم الجمعة الماضية نتائج إستبيان قامت به إحدى شركات الأبحاث مستهدفةً شريحةً من الناخبين الأمريكان، وكان من ضمن الأسئلة سؤال إستدراجي يقول نصّه: (هل تؤيد قصف مدينة عقربا ؟ ) حيث أجاب 30% من مؤيدي الحزب الجمهوري بأنهم يؤيدون قصف هذه المدينة دون أن يعلموا أنها مدينة وهمية موجودة في مغامرات علاء الدين الكرتونية فقط !! بينما عارض 13% فقط هذه الفكرة، وأجاب البقية بأنهم غير متأكدين.


وقد برّرت الشركة القائمة على الإستبيان إدراج هذا السؤال بالقول أن الهدف كان معرفة توجّهات الناخبين نحو قصف أهداف وهميّة تبدو للوهلة الأولى أو ظاهرياً أنها مواقع في الشرق الأوسط، في إشارة إلى تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا بين المواطنين الأمريكان في الفترة الأخيرة.

أذكر أنني شاهدت تقريراً تلفزيونياً بعد أحداث سبتمبر وقبيل الغزو الأمريكي لأفغانستان، قام فيه فريق البرنامج بالتجوّل في شوارع إحدى الولايات الرئيسية وسؤال الناس عن تأييدهم أو معارضتهم للحرب على أفغانستان، وكما كان متوقعاً فقد أيّدت الغالبية العظمى الغزو العسكري، ولكن المفاجأة كانت عندما طلب المذيع من المواطنين تحديد موقع أفغانستان على خارطة العالم، حيث لم ينجح معظمهم من تحديد الموقع الصحيح على الخارطة ناهيك أن بعضهم لم يكن يعلم في أي قارة تقع، حيث بحثوا عنها في قارة أمريكا الجنوبية !!

الشيئ بالشيء يُذكر، عندما ترشّح جورج بوش الإبن للإنتخابات الرئاسيّة ركّزت قنوات الإعلام الميّالة للحزب الديمقراطي على ضحالة ثقافته وعدم إمتلاكه للكاريزما الشخصية أو حتى السياسيّة المتميزة التي يُفترض أن تتوافر لدى أي مرشح رئاسي، وضمن هذا السياق، تم إستضافة بوش الإبن في العديد من البرامج التي تعمّد مُقدّموها على إحراجه بأسئلة عامة عن عواصم بعض البلدان وأسماء رؤساء الدول الحليفة والمُعادية وبعض المعلومات العامة، وكانت إجاباته مصدراً للسُخرية والتندّر عبر وسائل الإعلام المختلفة. ولكن الغريب أن هذا المرشح غير المُثقّف والجاهل في أمور السياسة الخارجية فاز على غير المتوقع في سباق الرئاسة، بل إنه إستطاع أن يفوز في الإنتخابات اللاحقة أيضاً رغم كارثتي أفغانستان والعراق !!

 في أولمبياد أثينا عام 2004 وبعد أشهر قليلة من غزو العراق والكشف عن فضيحة سجن أبوغريب، لوحظ أن الجمهور الرياضي تعامل مع الرياضيين الأمريكان بسلبية واضحة، حيث كان واضحاً تعاطف الجماهير مع أي رياضي يتواجه مع أحد أفراد الفريق الأمريكي، ومع أي فريق يتنافس مع الفريق الأمريكي، وكان الفرح يغمر الجماهير في حالة فوز المُنافس، بينما يُستقبل الفوز الأمريكي بفتورٍ وبُرود. أثارت هذه الحالة العديد من التساؤلات بين أفراد البعثة الأمريكية، وبرز حينها سؤال لماذا يكرهوننا ؟!

لقد لفتت هذه المناسبة الإنتباه إلى تعاظم الشعور العام بالسُخط من سياسات الإدارة الأمريكية، التي تعتمد على تضليل الرأي العام الأمريكي لضمان دعمه لهذه السياسات المُوجهّة، وتلا هذه المناسبة العديد من الدراسات والتحليلات التي توصلت نتائجها إلى تعزيز هذه الفرضيّة في إشارة إلى حالة الإمتعاض التي وصلت إلى حد الكُره تجاه كل ما هو أمريكي. وبناءً على ذلك حاول صُنّاع القرار في أمريكا تجميل صورة الولايات المتحدة أمام العالم وتعديل بعض السياسات " المُعلنة " على أقل تقدير.

ولكن السؤال بقي يتردد في أذهان الأمريكان إلى يومنا هذا، لماذا يكرهوننا ؟!

وللإجابة على هذا السؤال أقول، نحن لا نكرهكم ولكننا نكرهُ جهلكم بأمور حياتنا، نكرهُ فيكم أنكم تفترضون مُسبقاً أنكم متفوقون على بقية البشر، وتبنون علاقتكم مع الآخر على فرضيّة السيّد و العبد. نكرهُ فيكم أنكم لا تعلمون إلا القليل عن العالم الذي تعيشون به وتطالبون غيركم أن يتعلّم قواعدكم في الحياة وأن يتأقلم مع "الطريقة الأمريكية".
أما أكثر ما نكرهه فيكم، فهو جهلكم وسذاجتكم المُفرطة إلى حد الغباء أحياناً والتي جلبت الكوارث لمنطقتنا وللعالم، وارتدّت نتائجها عليكم دون أن تُدركوا ذلك ولو بعد حين !
 عزيزي المواطن الأمريكي، إن تأييدك لمرشح رئاسي يعرف القليل عن العالم المحيط به، أو تأييدك لغزو عسكري لبلادنا، أو فرض عقوبة إقتصادية على أحد الأنظمة التي لا تتوافق مع سياسات حكومتك، أو دعم جماعة أو طرف من الأطراف المتنازعة في بلداننا، بناءً على مصالح السلطة في بلادك، يؤثر علينا نحن شعوب المنطقة وعلى مستقبل بلداننا والأجيال القادمة، فيما تجهل أنت "صاحب القرار" خارطة المنطقة وتاريخها، بل إنك لا تُبدي أي فضول بالبحث عنا في "جوجل"، ولا تكترث لمعرفة أين تقع بلداننا وما هي أسماء مُدننا !!
فهل ما زلت تتساءل، لماذا تكرهوننا ؟!

أيمن أبولبن
28-12-2015
كاتب ومُدوّن من الأردن





للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban