تتوالى التسريبات التي تحتوي على معلومات
حسّاسة وسريّة من جميع أنحاء العالم، فمن وثائق ويكيليكس إلى تسريبات سنودن، إلى
تسريب الرسائل الإلكترونية من بريد وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "هيلاري كلينتون"، وصولاً إلى تسريب
فريد من نوعه لمكالمة هاتفية لنائب رئيس المكتب السياسي في حماس الدكتور موسى أبو مرزوق.
تأتي أهمية هذا التسريب الأخير، إلى الحديث
الذي تناول نفي دور إيران في دعم المقاومة في السنوات الأخيرة، وإنتقاد دورها
السلبي الذي تلعبه في المنطقة، وهو الحديث الأول من نوعه الذي يخرج إلى العَلَن
نقلاً عن مسؤول حمساوي، ويُعد مفاجأة للكثيرين ممّن افترضوا حُسن العلاقة بين حماس
وإيران رغم الإختلاف الأخير حول الموقف من الثورة السورية.
ومن
المعروف أن العلاقة بين حماس من جهة، وإيران وذراعها العسكري حزب الله من جهة أخرى
قد شهدت فتوراً يشبه الى حدٍ ما القطيعة نتيجة موقف حماس من الأزمة السورية
ومخالفتها لتوجهات القيادة السورية والرؤية الإيرانية، والذي نتج عنه مغادرة أعضاء
المكتب السياسي لحماس الأراضي السورية بإتجاه قطر.
وفي
التفاصيل، يؤكد د. أبو مرزوق في حديثه المُسرّب أن حماس لم تتلقَّ أي دعم مباشر من
إيران منذ عام 2009 – أي قبل إندلاع ثورات الربيع العربي بنحو عامين -، ويتهم
قادتها بإستغلال القضية الفلسطينية لأغراض الدعاية السياسية ولخدمة مشاريعهم في
المنطقة، بالإضافة إلى حديثه عن شروط إيرانيّة ومطالب يتم طرحها من قبل المسؤولين
الإيرانيين في النقاشات التي تتناول طلبات دعم المقاومة.
بعيداً عن البُعد الأمني لتسريب مكالمة هاتفيّة
لشخصية سياسية بارزة في تنظيم حماس والمخاوف من عملية إختراق في صفوف قيادة حماس،
فإن تسريب هذه المكالمة يكون قد ساهم في إطلاق رصاصة الرحمة على أكذوبة المقاومة
والممانعة التي أرهقت أسماعنا خلال العقدين الأخيرين، ووضع حداً للدعاية الزائفة
التي تحاول القيادة الإيرانية تسويق نفسها من خلالها بصفتها آخر معاقل المقاومة
والتصدّي للمشروع الإمبريالي الصهيوني في المنطقة، وهذا المشروع بالذات هو الفزاعة
التي تستخدمها في الظاهر لتنفيذ مشروعها الإستعماري الخاص بها في الباطن، وليس أدل
على ذلك من الصورة التي وُضعت في الخلفية التلفزيونية لحديث السيد حسن نصر الله
بعد إغتيال القيادي سمير القنطار، حيث ظهرت خارطة فلسطين وهي متّشحة بألوان العلم
الإيراني !
المُقاومة
الفلسطينية جزء لا يتجزأ من الحركات الثوريّة التحرّرية عبر التاريخ الإنساني،
والتعاطف معها ودعمها هو شرف وواجب على كل إنسان صاحب ضمير بغض النظر عن جنسه
وعرقه ودينه، طالما أنه يحمل نفس القيم الإنسانية ويؤمن بحق الشعوب في نيل حريتها
وحقوقها.
المُقاومة
الفلسطينية بكل فصائلها لم تتنكّر يوماً ليدٍ إمتدّت لمساعدتها، ولكنها في نفس
الوقت لا تستجدي أحداً ولا تقبل أن تكون سلعةً في يد أحدٍ، وهذا ما لم تستوعبه
القيادة السوريّة التي ظنّت أن استضافتها لحماس سيكون كافياً كي تغض حماس الطرف عن
ممارسات النظام السوري القمعية ضد أبناء الثورة السورية، كما أخطأت إيران مرة أخرى
حين ظنّت أن دعمها لحماس في الماضي سيكون بمثابة الجميل الذي لن تنساه حماس وستبقى
مدينة لها طول الحياة وسيسهل بالتالي تشكيل مواقفها في المنطقة على النحو الذي
تشتهيه.
سأل
أحد المسلمين الإمام علي بن إبي طالب خليفة المسلمين: كيف نعرف أهل الحق في الفِتَنْ
؟ قال له (( إعرف الحق تعرف أهله )).
مشكلتنا في أزمة ثورات الربيع العربي أن أغلبية المثقفين والمُفكّرين في عالمنا
العربي قد بنوا مواقفهم بناءً على توافق رؤيتهم مع هذا النظام أو ذاك، أو بناءً
على التحالفات الدوليّة في المنطقة، ظنّاً منهم أن الحق في صفّهم متجاهلين أن
البوصلة الحقيقية التي عليهم إتباعها هو الحق والحق فقط بغض النظر عن هوية صاحبه،
وأن المواقف الوطنية الحقيقية لا تتغير تبعاً لسياسات الدول أو إختلاف مرجعيتها،
وبناءً عليه فإن من يتحدث عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ونيل حريته، عليه
أن يحترم إرادة شعوب المنطقة، وحريتها في التعبير، بعيداً عن ميوله السياسية
وتوجهاته الخاصة.
المُقاومة الفلسطينية هي الحقيقة الوحيدة
الساطعة سطوع الشمس والتي لا تقبل القسمة على إثنين، على أرض فلسطين يخوض الشعب
الفلسطيني حربه بنفسه ويقدّم كل يوم شهيداً يتلوه شهيد، وما زال أهل غزة يقبعون
تحت حصار ظالم أتمّ عامه العاشر دون أن تهتز جفون العالم ومنظماته وقياداته
السياسية للمأساة التي يعيشونها، ولكن هذا الحصار لم يمنع أبناء المقاومة من
الإستمرار في مشروع التحرير الواعد رغم شُحّ الإمكانات وقلّة الموارد، ومن واجبنا
أن نفصل بين المُقاومة الحقيقيّة من جهة، وكل من يريد أن يركب موجة المُقاومة
بالكلام من جهة أخرى.
جدليّة المُقاومة، ما تزال قائمة في منطقتنا بين
مُقاومة فعليّة تعمل بإصرار وعزيمة لتحقيق أهدافها ونيل حريّتها المنشودة، وأنظمة
سياسية تصطبغ بصبغة دعم المقاومة لإضفاء الشرعيّة على سُلطتها، ولتحقيق مآرب
سياسية لها في المنطقة دون أن تعني لها أخلاق المُقاومة وقِيَمِها شيئاً يُذكر.
مشكلتنا
مع المثقفين والمُفكّرين الداعمين لما يُطلق عليه زوراً وبُهتاناً ( حلف
المقاومة والممانعة ) أنهم أضاعوا البوصلة وفقدوا بالتالي
القدرة على إعادة التموضع وإعادة حساباتهم رغم كل ما يجري أمامهم من تناقض صارخ
بين القول والعمل، وأصبحت رؤيتهم بالتالي ضيقةً، لا يتسع أفقها لرؤية الحقيقة أو
إدراكها.
يتحدث
أبو مرزوق في المكالمة المُسرّبة، عن السفن الإيرانيّة المزعومة التي ترفد
المقاومة بالقول: كلما فُقدت سفينة إيرانية قالوا لنا أنها كانت متوجهة إليكم،
فقدوا سفينة في نيجيريا فقالوا لنا كانت في طريقها إليكم، ويعلّق ساخراً (( هو
احنا فش ولا سفينة بتغلط وبتيجينا، كل السفن اللي بتنمسك هي إلنا ؟!
)). أعتقد أن هذه السفن قد فقدت البوصلة، وضلّت طريقها، حالُها حال كل من لا يزال
مخدوعاً بكذبة حلف المقاومة والممانعة.
أيمن أبولبن
9-2-2016
كاتب ومُدوّن من الأردن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق