الثلاثاء، 16 أكتوبر 2018

قضية فساد جديدة في التعليم الجامعي في الأردن!



تسريب آخر لخبايا أروقة الدوائر السياسية في الأردن، يثير زوبعة إعلامية بعد أن تحوّل إلى قضية رأي عام، انتهت بتدخل رئيس الوزراء شخصياً إثر ضغوط شعبية واسعة.
وكانت وسائل التواصل الاجتماعي قد سرّبت كتاباً موجهاً من وزير التعليم العالي إلى عدة جامعات حكومية، لتخصيص عدد من مقاعد الطب والصيدلة لنحو 20 طالباً، كقائمة إضافية ضمن ما يعرف بقوائم "المُكرمة الملكية" لأبناء العاملين في القوات المسلحة وأجهزة المخابرات، واللافت في هذه القوائم أن معدلات الطلاب الواردة أسماؤهم أقل من معدلات القبول الجامعي لتلك التخصصات!

وبعد إثارة القضية، صرّحت وزارة التعليم العالي، أن هذه القوائم جاءت من جهات رسمية معنيّة بالمكرمة الملكية السامية لأبناء العاملين في الجيش والمخابرات ووفق الأنظمة والتعليمات.
المثير للاستهجان في تصريح الوزارة، كان أمران، أولهما قبول الوزارة بخرق تعليمات القبول الجامعي بحجّة استلامها لتلك القوائم من "جهات رسميّة" وكأن الوزارة (وهي الجهة التنظيمية العليا للتعليم الجامعي)، يتلخّص دورها في استلام "الأوامر" وتوزيع المقاعد دون بحث أو تدقيق.
وثانيهما، أنها تصرّح بأنها ليست المرة الأولى التي تطلب فيها الجهة المذكورة مثل هذا الطلب، وهو ما يؤكد أنه لولا تسريب القوائم لما اعترض أحد ولذهبت المقاعد الى غير مستحقيها، ليس هذا فحسب بل إن المستقبل سيشهد بالتأكيد تكراراً لهذا السيناريو، ولكن مع ضمان "الجهات المسؤولة" سريّة الأمر وعدم تسريبه!

مؤسف بالفعل ما يحصل في حقل التعليم الجامعي تحت مسمّى "المكرمات" والمنح الجامعية، لقد وصلنا الى مرحلة تكاد تكون فيها جميع المقاعد موزعة بين التخصيص وبين الأغنياء (فئة التعليم الموازي)، في حين أن الطلاب المجتهدون الذين يبحثون عن مقاعد تنافسية أو الفقراء الذين لا يتسلّحون سوى بمؤهلاتهم وتفوّقهم في التحصيل العلمي، لن يجدوا سوى نسبة ضئيلة من المقاعد قد لا تتجاوز في بعض الحالات 5% في بعض التخصصات!

للأسف فإن العشائرية والانتساب لدوائر صنع القرار في البلد تطغى على الاجتهاد والكفاح والعمل، ليس في حقل التعليم الجامعي، بل في باقي الحقول ومؤسسات الدولة.
كنا نفترض أن الاجتهاد والكفاءة هو السبيل الوحيد للتفوّق على الأقل في حقل التعليم، وأن المنافسة هي السبيل الوحيد للحصول على مقعد جامعي، ولكن على ما يبدو فإنه وعلى عكس القاعدة ليس لكل مجتهد نصيب بل لكل واسطة ومحسوبية نصيب!

حسب الأرقام المتوفرة من العام الدراسي 2016، فإن نسبة مقاعد المكرمة تصل إلى نحو 30%، يضاف لها 5 % منح لأبناء المعلمين، فإذا أضفنا إلى هذه الأرقام ما نسبته 30% إلى 40% مخصصة لبرنامج الموازي يتبقى ما نسبته أقل من مقعد واحد تنافسي لكل ثلاثة مقاعد جامعية!
علماً، بأن هذه النسبة تختلف من جامعة إلى أخرى ومن تخصص إلى آخر، وحسب المعلومات فإن تخصصات الطب وطب الأسنان يعتبران أقل التخصصات الخاضعة للتنافس بين التخصصات الأخرى.

لقد آن الأوان لفتح ملف التنافس الجامعي وتوزيع المقاعد في الجامعات الأردنية، فإذا أراد دولة الرئيس حل المشكلة، وليس نزع فتيل الأزمة فقط، عليه أن يُخرج هذا الملف من التابوهات المغلقة ومناقشته بشكل منهجي من قبل خبراء همّهم الوحيد مستقبل البلاد والعباد.

من الأفكار التي يطرحها العديد من الأكاديميين، تشكيل دائرة مركزية لإدارة ملف المنح الجامعية، يكون من أولوياتها وضع تعليمات واضحة ومحددة وموحدة للحصول على المنحة الجامعية، على ان تتوافق هذه التعليمات مع سياسة التعليم الجامعي في الوزارة والجامعات المعنية.

ثانياً، يجب البحث عن أفكار خلاّقة أخرى، لا تعتمد على سلب حق المجتهد وتوزيع المقاعد بشكل غير عادل بين أبناء البلد الواحد، بل بتحويل المنحة الجامعية إلى مفهوم تمويل وتغطية مصاريف الدراسة بدلاً من تخصيص مقعد جامعي خارج إطار التنافس.
كما تبرز أيضاً، فكرة انشاء بنك جامعي، يختص بتمويل نفقات الدراسة لأبناء العاملين في القطاعات الحكومية والقوات المسلحة والمخابرات..الخ بدلاً من تخصيص نسبة معينة من المقاعد لهذه الفئة، ويتم تمويل هذا البنك بشكل مشترك بين الجهات الرسمية والخاصة.
كما يطرح البنك أيضاً، خيار تمويل نسبة من المصاريف الدراسية في برنامج الموازي أو التعليم في الخارج لمن لم يتمكن من الحصول على مقعد في التنافس الحر، مع تغطية الفرق في الأسعار من الطالب نفسه.

وهذا يقودنا الى المطالبة بإنشاء تخصصات مهنية ومعاهد تدريب تابعة للجامعات تقوم باستيعاب الطلاب الذين يرغبون بالتعليم المهني، أو الذين يفشلون في الحصول على مقعد أكاديمي.
وهذا بدوره سيقوم برفد السوق المحلي بكفاءات مهنية عالية يفتقدها السوق المحلي.

أما الملف الأهم، فهو العمل على زيادة دعم الجامعات والبحث العلمي، الذي يكاد يكون في أدنى درجاته، فبدلاً من إنفاق ملايين الدنانير سنويا على برامج المنح الجامعية (تشير الأرقام الى وصوله حد 30 مليون دينار سنوياً) يمكن تخصيص جزءٍ من هذه الميزانية لدعم البحوث العلمية وسبل ريادة السوق الإقليمية، خصوصا في قطاع الطب وتقنية المعلومات.

مهما كانت الغاية سامية، ومهما ادعينا أن الهدف من منح مقاعد جامعية لأبناء العاملين في سلك الدولة هو تكريم ومكافأة أبناء الوطن، إلا أن الواقع أثبت خلال الأعوام الطويلة الماضية أن حجم الظلم الذي يقع في حق أبناء البلد غير المحسوبين على أي جهة رسمية أو حكومية هو أعظم شأناً وذو تأثير سلبي أكبر، بل فيه إخلال للمنظومة الاجتماعية والاقتصادية في البلد.

وإني أتساءل كما تساءل غيري، كيف يمكن بعد ما شاهدناه من تسريبات وما علمناه من تعليمات خاصة تتجاوز كل القوانين والأعراف، أن نُقنع أبناءنا بان الاجتهاد هو سبيل النجاح في هذه البلد!

في الختام، تولّد لدي فضول كبير، بعد متابعتي لهذه التسريبات أن أدرس وأحلّل عن قرب شعور أحد الطلاب الذين حصلوا على مقعد جامعي وهو يعلم أنه لا يستحقه، وأنه بشكل أو بآخر قد سرق تعب وجهد وسهر ومعاناة غيره، باختصار لقد سرق حق غيره!
كيف يكون شعوره عندما يمضي في درب الحياة، وهو يعلم أن هذا المسار كان من حق غيره، وأن النجاح الذي يحققه هو، لو أتيح لصاحبه الحقيقي لربما غيّر مجرى حياته إلى الأفضل!


أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

15-10-2018

الاثنين، 8 أكتوبر 2018

أشرف مروان، العربي الذي أحبته اسرائيل!



بمناسبة ذكرى حرب 6 أكتوبر 1973، عرضت قنوات "نت فليكس" الشهر الماضي فيلم "الملاك The Angel " المأخوذ عن رواية (بار جوزيف) بعنوان The Angel: The Egyptian Spy Who Saved Israel، أو الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل الصادرة عام 2016 والتي كشفت أن "أشرف مروان" صهر الرئيس جمال عبد الناصر، ومستشار الرئيس أنور السادات ومدير مكتبه كان عميلاً للموساد.

وكان اسم "أشرف مروان" قد ورد في التحقيقات الإسرائيلية التي أجرتها لجنة "جرانت" عقب حرب أكتوبر للتحقيق في أسباب الهزيمة، وورد فيها أن مروان كان قد زوّد إسرائيل بمعلومات مهمة من بينها ساعة الصفر التي تم تحديدها لتحرير سيناء في أكتوبر 1973، الأمر الذي لم تعطه القيادة العسكرية الأهمية اللازمة آنذاك.
وبعد وفاة "مروان" في ظروف غامضة عام 2007 في منزله بلندن، أعلنت تل أبيب أن "أشرف مروان" كان عميلاً مزدوجاً، ما اضطر السلطات المصرية لنفي ذلك والدفاع عنه بأنه قد ساهم في العديد من الأعمال الوطنية ولم يكن يوماً عميلاً للموساد.
ويُعتقد أن مروان قد تم القاؤه من شرفة منزله في الطابق الخامس، ولكن التحقيقات لم تستطع اثبات ذلك، فيما اتهمت زوجته (منى عبد الناصر) الموساد باغتياله.
من الناحية الفنيّة جاء الفيلم ناجحاً وممتعاً بشكل عام، ولكنه لم يرق إلى تصنيف أفلام الجاسوسية المميزة، وقد عانى الفيلم بشكل واضح من غياب الممثلين المصريين، مع افتقاد طاقم الفيلم لإتقان اللهجة المصرية (عدا البطل الرئيسي مروان وزوجته منى عبد الناصر) رغم أن اللغة العربية -واللهجة المصرية تحديداً- تشكّل مساحة كبيرة من الفيلم، فيما جاء أداء ضابط الموساد المسؤول عن تجنيد مروان راقياً ومميزاً.
كان لافتاً أيضاً غياب الشبه بين الممثلين والشخصيات الحقيقية خصوصاً في شخصيات الرؤساء عبد الناصر والسادات، بل إن الاختلاف امتد الى السمات الشخصية. ويبدو لي أن المخرج قد اعتمد على الأداء الدرامي الذي يخدم حبكة الفيلم على حساب الاقتراب من "كاريزما" الشخصية التاريخية نفسها. وهذا يدفعني للتساؤل حول الفئة المستهدفة من الفيلم، هل هو فيلم موجه لمنطقتنا وللعرب تحديداً أم للغرب؟
مخرج الفيلم الإسرائيلي (آرئيل فرومين) حاول أن يقدّم رؤيا إسرائيلية للصراع العربي الإسرائيلي، قابلة للفهم والقبول من الغرب، لتأكيد مسألة مهمة جدا هي حاجة الإسرائيليين للسلام، في دعوة واضحة لمؤازرة الشعب الإسرائيلي في حقه في العيش بسلام وسط جيرانه العرب، ولكن في ذات الوقت كانت هناك رسائل خفية للعالم العربي، حملتها الرواية والصبغة المخابراتية الصهيونية التي غلفتها، وفي رأيي الشخصي أن مخرج الفيلم أخفق "فنيّا" في تسويقها للمشاهد "العربي" تحديداً، لصالح تسويق رسالة الفيلم العالمية.

الملاحظ أن الفيلم والرواية الأصلية أظهرا "أشرف مروان" رجلا مُحبّا للسلام، لديه رغبة حقيقية في أن يكون الشرق الأوسط مكاناً آمنا ومناسبا للعيش، مؤمناً بحق الإسرائيليين في العيش بسلام، شريطة أن يسعوا هم للسلام وينبذوا الحرب والعنف، وفي ذات الوقت فهو رجل وطني محب لبلاده، يرى ان السلام (لا الحرب) هي الطريقة المثلى لضمان أمن الوطن.
بناء على ذلك فقد سخّر امكانياته وذكاءه ومنصبه الحسّاس لعمل كل ما يلزم من أجل تحقيق هدف واحد هو دفع الإسرائيليين الى طاولة المفاوضات وإقناعهم بضرورة السلام. ومن أجل ضمان ذلك كان لا بد من المخاطرة بحياته الشخصية وحياة عائلته، بالإضافة الى سمعته (بعد التورّط في التعامل مع الموساد).
كان واضحاً، حرص العمل على عدم تشويه صورة مروان، وعدم تقديمه بشخصية الخائن أو الباحث عن الشهوات والأموال، على العكس من ذلك فقد ظهر ذكيا ومخلصا لقضيته ولوطنه ولزوجته، وهنا تتضح أكثر فأكثر الرسائل الصهيونية للجمهور العربي، بل وللساسة العرب إن جاز التعبير.

التعاون مع إسرائيل في السر أو العلن ليس شبهة او خيانة للوطن والقومية العربية، فطالما أن الهدف هو العيش بسلام وضمان عدم وقوع ضحايا أبرياء (من كلا الطرفين)، فإن الوسائل التي تساعد على تحقيق تلك الغاية السامية، هي وسائل شريفة ووطنية، سيذكر التاريخ أصحابها وستمجّدهم الكتب والأعمال الفنيّة.

المفارقة في رسالة السلام التي يسوّقها هذا العمل، والتي تلوكها الكثير من الألسن مؤخراً، أنها أصبحت فضفاضة جداً بشكل يسمح للجلاّد استخدامها في تبرير جرائمه وقتله ضحاياه!
السلام المزعوم (والذي يسوّقه العمل) يفترض بدايةً أن من حق الشعب اليهودي تملّك هذه البقعة من الأرض ومصادرة حقوق الآخرين في تقرير مصيرهم او حتى المشاركة في إدارة دولتهم ومؤسساتهم، بل يبرّر أيضاً القذف بهم الى خارج حدود الوطن للحفاظ على أمن وسلام الشعب اليهودي!
وبدلاً من مناقشة مشروعيّة قيام دولة إسرائيل والمشروع الصهيوني على أنقاض بيوت الفلسطينيين ورفاتهم، وتهجير الملايين منهم، مع حرمان ما تبقى منهم من أدنى حقوق المواطنة، واغلاق كل السبل أمامهم لنيل أي شكل من أشكال الدولة المستقلة، تنحصر مسألة السلام المزعوم في الاعتراف بحق اليهود في العيش بسلام مع جيرانهم العرب!

من السخرية، أن يتم اختزال القيمة الإنسانية العظيمة في السلام والعيش بأمان، بشكل سطحي يكاد يجرّد هذه القيمة من كل معنى، ويحصر استخدامها في تنظيف دنس السياسيين وقاذورات أعمالهم!

من الصعب الحكم على أشرف مروان سواء من وجهة النظر الإسرائيلية أو المصرية، او حتى من وجهة نظر عائلته والمقرّبين منه؛ هل كان أشرف مروان عميلاً للموساد أم وطنياً صاحب رؤيا حقيقية للسلام، وهل نجح بالفعل في تمرير مشروعه من خلال دس السم في الدسم؟!
وسواءً اختلفنا مع مشروع أشرف مروان أو اختلفنا، إلا أن المؤكد أن الشخصية "الدرامية" لأشرف مروان كما قدّمها العمل، هي شخصيّة العربي الذي تحبّه إسرائيل، وهي الشخصية التي ترغب في انتاجها ورؤيتها في الفترة الحالية.

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

6-10-2018