الاثنين، 8 أكتوبر 2018

أشرف مروان، العربي الذي أحبته اسرائيل!



بمناسبة ذكرى حرب 6 أكتوبر 1973، عرضت قنوات "نت فليكس" الشهر الماضي فيلم "الملاك The Angel " المأخوذ عن رواية (بار جوزيف) بعنوان The Angel: The Egyptian Spy Who Saved Israel، أو الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل الصادرة عام 2016 والتي كشفت أن "أشرف مروان" صهر الرئيس جمال عبد الناصر، ومستشار الرئيس أنور السادات ومدير مكتبه كان عميلاً للموساد.

وكان اسم "أشرف مروان" قد ورد في التحقيقات الإسرائيلية التي أجرتها لجنة "جرانت" عقب حرب أكتوبر للتحقيق في أسباب الهزيمة، وورد فيها أن مروان كان قد زوّد إسرائيل بمعلومات مهمة من بينها ساعة الصفر التي تم تحديدها لتحرير سيناء في أكتوبر 1973، الأمر الذي لم تعطه القيادة العسكرية الأهمية اللازمة آنذاك.
وبعد وفاة "مروان" في ظروف غامضة عام 2007 في منزله بلندن، أعلنت تل أبيب أن "أشرف مروان" كان عميلاً مزدوجاً، ما اضطر السلطات المصرية لنفي ذلك والدفاع عنه بأنه قد ساهم في العديد من الأعمال الوطنية ولم يكن يوماً عميلاً للموساد.
ويُعتقد أن مروان قد تم القاؤه من شرفة منزله في الطابق الخامس، ولكن التحقيقات لم تستطع اثبات ذلك، فيما اتهمت زوجته (منى عبد الناصر) الموساد باغتياله.
من الناحية الفنيّة جاء الفيلم ناجحاً وممتعاً بشكل عام، ولكنه لم يرق إلى تصنيف أفلام الجاسوسية المميزة، وقد عانى الفيلم بشكل واضح من غياب الممثلين المصريين، مع افتقاد طاقم الفيلم لإتقان اللهجة المصرية (عدا البطل الرئيسي مروان وزوجته منى عبد الناصر) رغم أن اللغة العربية -واللهجة المصرية تحديداً- تشكّل مساحة كبيرة من الفيلم، فيما جاء أداء ضابط الموساد المسؤول عن تجنيد مروان راقياً ومميزاً.
كان لافتاً أيضاً غياب الشبه بين الممثلين والشخصيات الحقيقية خصوصاً في شخصيات الرؤساء عبد الناصر والسادات، بل إن الاختلاف امتد الى السمات الشخصية. ويبدو لي أن المخرج قد اعتمد على الأداء الدرامي الذي يخدم حبكة الفيلم على حساب الاقتراب من "كاريزما" الشخصية التاريخية نفسها. وهذا يدفعني للتساؤل حول الفئة المستهدفة من الفيلم، هل هو فيلم موجه لمنطقتنا وللعرب تحديداً أم للغرب؟
مخرج الفيلم الإسرائيلي (آرئيل فرومين) حاول أن يقدّم رؤيا إسرائيلية للصراع العربي الإسرائيلي، قابلة للفهم والقبول من الغرب، لتأكيد مسألة مهمة جدا هي حاجة الإسرائيليين للسلام، في دعوة واضحة لمؤازرة الشعب الإسرائيلي في حقه في العيش بسلام وسط جيرانه العرب، ولكن في ذات الوقت كانت هناك رسائل خفية للعالم العربي، حملتها الرواية والصبغة المخابراتية الصهيونية التي غلفتها، وفي رأيي الشخصي أن مخرج الفيلم أخفق "فنيّا" في تسويقها للمشاهد "العربي" تحديداً، لصالح تسويق رسالة الفيلم العالمية.

الملاحظ أن الفيلم والرواية الأصلية أظهرا "أشرف مروان" رجلا مُحبّا للسلام، لديه رغبة حقيقية في أن يكون الشرق الأوسط مكاناً آمنا ومناسبا للعيش، مؤمناً بحق الإسرائيليين في العيش بسلام، شريطة أن يسعوا هم للسلام وينبذوا الحرب والعنف، وفي ذات الوقت فهو رجل وطني محب لبلاده، يرى ان السلام (لا الحرب) هي الطريقة المثلى لضمان أمن الوطن.
بناء على ذلك فقد سخّر امكانياته وذكاءه ومنصبه الحسّاس لعمل كل ما يلزم من أجل تحقيق هدف واحد هو دفع الإسرائيليين الى طاولة المفاوضات وإقناعهم بضرورة السلام. ومن أجل ضمان ذلك كان لا بد من المخاطرة بحياته الشخصية وحياة عائلته، بالإضافة الى سمعته (بعد التورّط في التعامل مع الموساد).
كان واضحاً، حرص العمل على عدم تشويه صورة مروان، وعدم تقديمه بشخصية الخائن أو الباحث عن الشهوات والأموال، على العكس من ذلك فقد ظهر ذكيا ومخلصا لقضيته ولوطنه ولزوجته، وهنا تتضح أكثر فأكثر الرسائل الصهيونية للجمهور العربي، بل وللساسة العرب إن جاز التعبير.

التعاون مع إسرائيل في السر أو العلن ليس شبهة او خيانة للوطن والقومية العربية، فطالما أن الهدف هو العيش بسلام وضمان عدم وقوع ضحايا أبرياء (من كلا الطرفين)، فإن الوسائل التي تساعد على تحقيق تلك الغاية السامية، هي وسائل شريفة ووطنية، سيذكر التاريخ أصحابها وستمجّدهم الكتب والأعمال الفنيّة.

المفارقة في رسالة السلام التي يسوّقها هذا العمل، والتي تلوكها الكثير من الألسن مؤخراً، أنها أصبحت فضفاضة جداً بشكل يسمح للجلاّد استخدامها في تبرير جرائمه وقتله ضحاياه!
السلام المزعوم (والذي يسوّقه العمل) يفترض بدايةً أن من حق الشعب اليهودي تملّك هذه البقعة من الأرض ومصادرة حقوق الآخرين في تقرير مصيرهم او حتى المشاركة في إدارة دولتهم ومؤسساتهم، بل يبرّر أيضاً القذف بهم الى خارج حدود الوطن للحفاظ على أمن وسلام الشعب اليهودي!
وبدلاً من مناقشة مشروعيّة قيام دولة إسرائيل والمشروع الصهيوني على أنقاض بيوت الفلسطينيين ورفاتهم، وتهجير الملايين منهم، مع حرمان ما تبقى منهم من أدنى حقوق المواطنة، واغلاق كل السبل أمامهم لنيل أي شكل من أشكال الدولة المستقلة، تنحصر مسألة السلام المزعوم في الاعتراف بحق اليهود في العيش بسلام مع جيرانهم العرب!

من السخرية، أن يتم اختزال القيمة الإنسانية العظيمة في السلام والعيش بأمان، بشكل سطحي يكاد يجرّد هذه القيمة من كل معنى، ويحصر استخدامها في تنظيف دنس السياسيين وقاذورات أعمالهم!

من الصعب الحكم على أشرف مروان سواء من وجهة النظر الإسرائيلية أو المصرية، او حتى من وجهة نظر عائلته والمقرّبين منه؛ هل كان أشرف مروان عميلاً للموساد أم وطنياً صاحب رؤيا حقيقية للسلام، وهل نجح بالفعل في تمرير مشروعه من خلال دس السم في الدسم؟!
وسواءً اختلفنا مع مشروع أشرف مروان أو اختلفنا، إلا أن المؤكد أن الشخصية "الدرامية" لأشرف مروان كما قدّمها العمل، هي شخصيّة العربي الذي تحبّه إسرائيل، وهي الشخصية التي ترغب في انتاجها ورؤيتها في الفترة الحالية.

أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

6-10-2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق