أثار
السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض هذا العام لغطاً وجدلاً لم يسبق له مثيل في تاريخ
الإنتخابات الأمريكية التي يمتد تاريخها الى ما يقرب من 200 عام، ولا يقتصر هذا
اللغط على ما أثاره المُرشّح الجمهوري "دونالد ترامب"
من مواضيع مثيرة للجدل أحياناً وللسخرية أحياناً كثيرة، بل يشمل كذلك المُرشّحة
الديمقراطية "هيلاري كلينتون"،
التي أثارت هفواتُها الأمنية الرأي العام في أمريكا، بدءاً من تقصيرها في حادثة
إقتحام السفارة الأمريكية في بنغازي وصولاً الى تسريبات بريدها الإلكتروني. هذه
الحالة غير المسبوقة في تاريخ الإنتخابات الأمريكية أثارت العديد من الشكوك حول سلامة
ونجاعة النظام السياسي في البلاد، الذي فشل في فرز أي مرشح قوي يُمثّل المبادىء
التي تزعم البلاد الإلتزام بها من جهة، ويُلبّي طموحات وتطلعات المجتمع الأمريكي
من جهة اخرى.
بالعودة الى مرحلة ما قبل الإنتخابات، نجد أن
شعبية الرئيس أوباما قد انخفضت مع قرب إنتهاء ولايته الثانية، وتنامت حالة من عدم
الرضا عن السياسة الخارجية للبيت الأبيض خصوصاً مع عودة الدُبّ الروسي الى الواجهة
العالمية من جديد وتنامي صعود نجم "بوتين"؛
فبات المزاج العام في الولايات المتحدة مُهيئاً أكثر من ذي قبل لإستقبال رئيس
جمهوري "قوي" يُعيد الأمور الى نصابها، وظهر ذلك
جلياً في فوز الحزب الجمهوري بالإنتخابات التشريعية عام 2014 وسيطرته على
الكونغرس، ولكن من سوء حظ الجمهوريين أن مُرشّح هذا العام كان "دونالد
ترامب"!،
في حين كان من المُتوقع لأي مُرشّحٍ جمهوري متوسط الإمكانيات أن يستغل الظروف السياسية
ويستثمر سلبية أداء الإدارة الحالية لحسم الإنتخابات، وهنا يبرز السؤال لماذا
ترامب ؟
دونالد ترامب الذي أثارت حركات جسده وتعابير
وجهه موجات من السخرية في وسائل الإعلام، وأصبح على أثرها مادة دسمة لبرامج
الترفيه والتسلية، وأثار الجدل بتصريحاته العنصرية تارةً وهجومه على النساء تارةً
أخرى، هو في الحقيقة الإبن "اللقيط"
للزواج غير الشرعي بين السلطة والمال !، فدونالد ترامب هو رجل أعمال ناجح وملياردير
يمتلك العديد من الأبراج التجارية والفنادق والمنتجعات السياحية بالإضافة الى إمتلاكه
العديد من الكازينوهات كما أنه عمل في مجال الإعلام كمُنتج ومُقدّم برامج، اقتحم
عالم السياسة مدعوماً بثروته وبسلطة المال واستطاع اختراق الصفوف صعوداً الى أعلى وكأنه
لاعب محترف في لعبة "السُلّم والثعبان"
حيث أصبح في يوم وليلة المرشح الأقوى في الحزب الجمهوري في الوقت الذي تراجع فيه
عديد من السياسيين في الحزب لا لنقصٍ في مؤهلاتهم ولكن خضوعاً
لسلطة المال وكما يقال في أمريكا Money Talks.
وبالنظر
الى الجهة المقابلة، نجد أن هيلاري كلينتون رغم أنها باتت على وشك الفوز بالرئاسة
الأمريكية بعد ان استفادت من ضعف مُنافسها وهفواته المتكررة في مجال حقوق المرأة
والأقليّات وتهرّبه الضريبي، إلا أنها لم تكن المُرشّحة المثالية أيضاً، فوزيرة
الخارجية السابقة عانت من فضيحة هجوم بنغازي والتقصير الواضح في قيام الخارجية
الأمريكية بواجباتها، كما أنها أبدت عدم مسؤولية قلّ أن تتكرر في استخدامها
لبريدها الشخصي في مراسلات رسمية وحساسة مما عرّض العديد من الوثائق الرسمية
والسرية للتسريب، ناهيك عن حالتها الصحية المُثيرة لكثيرٍ من التساؤلات بعد أن
تعرضت لموجة من الوعكات الصحية مؤخراً بل لحالات إغماء متكررة كذلك، دون الإعلان
عن حقيقة مرضها، وبات الشك قائماً حول قدرتها على النهوض بمسؤولياتها وإمكانية
تفاقم أزمتها الصحية مما يضع البلاد في حالة قلق وتوتر هي في غنى عنها.
بالنظر
الى وضع المُرشّحين الرئيسيين للإنتخابات الأمريكية لهذا العام، يبدو واضحاً أن
السباق الرئاسي قد أزاح الستار عن التصدّع الداخلي للنظام السياسي في أمريكا وأماط
اللثام عن عيوب المجتمع الأمريكي الذي أفرز هذا النظام، ويبدو أن تنافس مُرشّحة
(آيلة للسقوط) تفتقد للحِس الأمني، ضد مُرشّح لا يتورّع عن المُجاهرة بعُنصريّته
وعِدائه لكل ما هو ليس "أنجلوساكسوني"،
في أعرق الديمقراطيات في العالم، وفي الدولة التي تتربع على عرش قيادة العالم، ما
هو إلا رأس جبل الجليد الذي يُخفي تحته ماهو أعظم!
بغض
النظر عمّن يفوز الأسبوع القادم، فالخاسر في الحالتين هو الشعب الأمريكي، الذي
سيجد نفسه وجهاً لوجه مع الحقيقة المُرّة، وسيكون مُرغماً على إجابة أسئلة شديدة
الحرج عن الأسباب التي أدت إلى فشل النظام السياسي في إيصال النخبة السياسية الى
البيت الأبيض وترشيح قادة حقيقيين يمثلون طموحات المجتمع الأمريكي، وهذا سيقوده
بالتالي الى مراجعة مُدخلات هذا النظام السياسي وأهمها المجتمع الأمريكي نفسه !
فإذا أضفنا الى ما سبق، الجدل القائم حول قِدَم الأجهزة المُخصصة للتصويت
واحتمالية خطأها، ومحاولات القرصنة الروسية لنظام الإنتخابات، وتشكيك المرشح
دونالد ترامب في نزاهة نظام الإنتخابات نفسه، وإذا استرجعنا الشكوك التي حامت حول
الكيفيّة التي خسر فيها "آل جور" إنتخابات عام
2000 لصالح "بوش الإبن"، حينها سيبدو من
الواضح للعيان مدى سريالية المشهد الإنتخابي في أمريكا هذا العام !.
في الوقت الذي أثبت خيار "أوباما"
(إمساك
العصا من الوسط) فَشَلهُ وعدم تحقيق المأمول منه (على صعيد السياسة الخارجية على
أقل تقدير)، يبدو أن الإدارة الأمريكية القادمة ستكون على مفترق طرق، إما الإستمرار
في تبنّي سياسة "الكاوبوي" التي أسّس لها "رونالد
ريغان"
في بداية الثمانينات، وعزّزها "بوش الإبن"
في العقد الماضي أو أن يتحول من النظرة التوسعيّة لإمبراطوريته العالمية الى إعادة
بناء بيته الداخلي والإنكفاء على ذاته، وفي الحالتين تبدو الإدارة الأمريكيّة أنها
تُخاطر بمكانتها وأسباب إستمرارها، فهل سيكون التاريخ على موعد مع كتابة الأسطر
الأخيرة في كتاب هذه الإمبراطورية لتلحق بسابقاتها، وتُفسح المجال بالتالي لإمبراطورية
جديدة ناشئة ؟!.
أيمن يوسف أبولبن
30-10-2016
كاتب ومُدوّن من الأردن