بالرغم من التقدم الحضاري للولايات المتحدة،
وتسيّدها للعالم في مختلف الميادين، السياسية منها والإقتصادية والتكنولوجية،
وغزوها للفضاء الخارجي إلا أن المفارقة العجيبة أن الشعب الإمريكي بشكل عام لا
يعتبر من الشعوب المُثقفة أو المُنفتحة على الحضارات الأخرى، بل إنه قد أظهر في
العديد من المناسبات جهلاً كبيراً في مواضيع حياتيّة أساسية، تبدو في معظم الأحيان
بديهيةً للشعوب الأخرى.
نُشرَ يوم الجمعة
الماضية نتائج إستبيان قامت به إحدى شركات الأبحاث مستهدفةً شريحةً من الناخبين
الأمريكان، وكان من ضمن الأسئلة سؤال إستدراجي يقول نصّه: (هل تؤيد قصف مدينة
عقربا ؟ ) حيث أجاب 30% من
مؤيدي الحزب الجمهوري بأنهم يؤيدون قصف هذه المدينة دون أن يعلموا أنها مدينة
وهمية موجودة في مغامرات علاء الدين الكرتونية فقط !! بينما عارض 13% فقط هذه
الفكرة، وأجاب البقية بأنهم غير متأكدين.
وقد برّرت الشركة القائمة
على الإستبيان إدراج هذا السؤال بالقول أن الهدف كان معرفة توجّهات الناخبين نحو
قصف أهداف وهميّة تبدو للوهلة الأولى أو ظاهرياً أنها مواقع في الشرق الأوسط، في
إشارة إلى تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا بين المواطنين الأمريكان في الفترة الأخيرة.
أذكر أنني شاهدت
تقريراً تلفزيونياً بعد أحداث سبتمبر وقبيل الغزو الأمريكي لأفغانستان، قام فيه
فريق البرنامج بالتجوّل في شوارع إحدى الولايات الرئيسية وسؤال الناس عن تأييدهم أو
معارضتهم للحرب على أفغانستان، وكما كان متوقعاً فقد أيّدت الغالبية العظمى الغزو
العسكري، ولكن المفاجأة كانت عندما طلب المذيع من المواطنين تحديد موقع أفغانستان
على خارطة العالم، حيث لم ينجح معظمهم من تحديد الموقع الصحيح على الخارطة ناهيك
أن بعضهم لم يكن يعلم في أي قارة تقع، حيث بحثوا عنها في قارة أمريكا الجنوبية !!
الشيئ بالشيء يُذكر، عندما
ترشّح جورج بوش الإبن للإنتخابات الرئاسيّة ركّزت قنوات الإعلام الميّالة للحزب
الديمقراطي على ضحالة ثقافته وعدم إمتلاكه للكاريزما الشخصية أو حتى السياسيّة
المتميزة التي يُفترض أن تتوافر لدى أي مرشح رئاسي، وضمن هذا السياق، تم إستضافة
بوش الإبن في العديد من البرامج التي تعمّد مُقدّموها على إحراجه بأسئلة عامة عن
عواصم بعض البلدان وأسماء رؤساء الدول الحليفة والمُعادية وبعض المعلومات العامة، وكانت
إجاباته مصدراً للسُخرية والتندّر عبر وسائل الإعلام المختلفة. ولكن الغريب أن هذا
المرشح غير المُثقّف والجاهل في أمور السياسة الخارجية فاز على غير المتوقع في
سباق الرئاسة، بل إنه إستطاع أن يفوز في الإنتخابات اللاحقة أيضاً رغم كارثتي أفغانستان
والعراق !!
في أولمبياد أثينا عام 2004 وبعد أشهر قليلة من
غزو العراق والكشف عن فضيحة سجن أبوغريب، لوحظ أن الجمهور الرياضي تعامل مع
الرياضيين الأمريكان بسلبية واضحة، حيث كان واضحاً تعاطف الجماهير مع أي رياضي
يتواجه مع أحد أفراد الفريق الأمريكي، ومع أي فريق يتنافس مع الفريق الأمريكي، وكان
الفرح يغمر الجماهير في حالة فوز المُنافس، بينما يُستقبل الفوز الأمريكي بفتورٍ
وبُرود. أثارت هذه الحالة العديد من التساؤلات بين أفراد البعثة الأمريكية، وبرز
حينها سؤال لماذا
يكرهوننا ؟!
لقد لفتت هذه المناسبة
الإنتباه إلى تعاظم الشعور العام بالسُخط من سياسات الإدارة الأمريكية، التي تعتمد
على تضليل الرأي العام الأمريكي لضمان دعمه لهذه السياسات المُوجهّة، وتلا هذه
المناسبة العديد من الدراسات والتحليلات التي توصلت نتائجها إلى تعزيز هذه
الفرضيّة في إشارة إلى حالة الإمتعاض التي وصلت إلى حد الكُره تجاه كل ما هو
أمريكي. وبناءً على ذلك حاول صُنّاع القرار في أمريكا تجميل صورة الولايات المتحدة
أمام العالم وتعديل بعض السياسات " المُعلنة " على أقل تقدير.
ولكن السؤال بقي يتردد
في أذهان الأمريكان إلى يومنا هذا، لماذا يكرهوننا ؟!
وللإجابة على هذا
السؤال أقول، نحن لا نكرهكم ولكننا نكرهُ جهلكم بأمور حياتنا، نكرهُ فيكم أنكم تفترضون
مُسبقاً أنكم متفوقون على بقية البشر، وتبنون علاقتكم مع الآخر على فرضيّة السيّد و
العبد. نكرهُ فيكم أنكم لا تعلمون إلا القليل عن العالم الذي تعيشون به وتطالبون
غيركم أن يتعلّم قواعدكم في الحياة وأن يتأقلم مع "الطريقة الأمريكية".
أما أكثر ما نكرهه فيكم،
فهو جهلكم وسذاجتكم المُفرطة إلى حد الغباء أحياناً والتي جلبت الكوارث لمنطقتنا
وللعالم، وارتدّت نتائجها عليكم دون أن تُدركوا ذلك ولو بعد حين !
عزيزي المواطن الأمريكي، إن تأييدك لمرشح رئاسي يعرف
القليل عن العالم المحيط به، أو تأييدك لغزو عسكري لبلادنا، أو فرض عقوبة إقتصادية
على أحد الأنظمة التي لا تتوافق مع سياسات حكومتك، أو دعم جماعة أو طرف من الأطراف
المتنازعة في بلداننا، بناءً على مصالح السلطة في بلادك، يؤثر علينا نحن شعوب
المنطقة وعلى مستقبل بلداننا والأجيال القادمة، فيما تجهل أنت "صاحب القرار" خارطة المنطقة
وتاريخها، بل إنك لا تُبدي أي فضول بالبحث عنا في "جوجل"، ولا تكترث
لمعرفة أين تقع بلداننا وما هي أسماء مُدننا !!
فهل ما زلت تتساءل،
لماذا تكرهوننا ؟!
أيمن أبولبن
28-12-2015
كاتب ومُدوّن من الأردن
للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban