(وهلأ لوين) هو عنوان فيلم لبناني لنادين لبكي، تطرح فيه العديد من الاسئلة
حول الطائفية والتمييز بين أبناء البلد الواحد على أسس دينية أو طائفية، الفيلم
يحكي قصة قرية صغيرة متواضعة بامكانياتها يتكون سكانها من خليط مسلم-مسيحي. يعرض
لنا الفيلم مشاهد من الحياة البسيطة التي تعيشها القرية، ويعرض لنا نماذجا من
العيش المشترك والعلاقات الطيبة التي تربط جميع اهل القرية، سرعان ما تتطور
الأحداث وتحدث بعض الاشكاليات هنا وهناك يعقبها سوء فهم و " تربص"
بالآخر، مما يؤدي الى صدامات بين الطرفين، ثم ما تلبث أن تهدأ الأمور وتعود الى
طبيعتها، لتقفز الى السطح حادثة عرضية تعيد الأمور الى وضعية الصراع من جديد.
بعيداً عن المحور الرئيسي للفيلم والحبكة الدرامية، هناك عدة رسائل أتقنت نادين
لبكي تضمينها في الفيلم وايصالها بشكلٍ انساني راقٍ للمشاهدين، ومن أهم هذه
الرسائل التي لفتت انتباهي رسالة مهمة عن دور المرأة العربية في تهدئة الأزمات بل
ومحاولة تفاديها باكراً.
تُقدم
لنا نادين لبكي قصصاً قريبة من الواقع وتجسد لنا التضحيات التي تقوم بها المرأة
العربية في الخفاء لتجنيب عائلتها اشكاليات ونزاعات مع أهل الحي، وفي أحد أكثر
المشاهد روعة وتأثيرا في الفيلم تقوم احدى نساء القرية باخفاء خبر وفاة ابنها الذي
قتل في اطلاق نار عشوائي، حتى لا يقوم الأهل بالانتقام لمقتله، وتجنباً لدخول أهل
القرية في آتون حرب أهلية أو طائفية. دور المرأة العربية "العاقلة" كان واضحاً جلياً في الفيلم، حيث كان
تفاهم نساء القرية معاً، وتجاوزهم للخلافات الدينية فيما بينهم، وتعاونهم في نزع
فتيل الاضطرابات، الدور الأكبر في المحافظة على وحدة أهل القرية وعلى ترابطهم
الاجتماعي.
بعد
مشاهدتي لهذا الفيلم، عدت بذاكرتي الى الوراء، وعادت بي الذكريات الى دور المرأة
الايجابي في مجتمعاتنا العربية وخصوصاً في الأجيال التي سبقتنا، حيث كانت المرأة
دائماً ما تقوم بامتصاص الاحتقان والشد العصبي، ومحاولة تهدئة الأمور والدفع
باتجاه المهادنة والسلام وبناء العلاقات الجيدة على صعيد العائلات ككل أو على صعيد
شؤون البيت الداخلية، كانت الأم أو الأخت الكبرى غالباً ما تقوم بمحاولة حل
المشاكل بدون اطلاع الزوج او رب البيت عليها، في محاولة لمنع التصادم مع الأبناء،
وصدق المثل القائل "الأم بِتْلِم". الأم العربية بالفعل تلم أبناءها من حولها وتعطف عليهم،
توبخهم احياناً ولكنها لا تفشي اسرارهم، تتعاتب مع زوجها ولكنها لا تنتقده علناً،
تدرك تماماً اهمية العائلة الكبيرة، واهمية العلاقات الطيبة داخل الحي الواحد،
تدفع باتجاه التهدئة والمصالحة دون النظر الى تحصيل حقها من غيرها.
اذا اتفقت نساء العائلة اتفقت العائلة، واذا اختلفت النساء اختلفت العائلة،
لو نظرنا الى أهل حي او سكان عمارة لوجدنا هذه القاعدة حاضرة، فاذا كانت العلاقة
طيبة بين نساء العمارة أو الحي، تجد الود والزيارات الاجتماعية واللقاءات، واذا
اختلفن فيما بينهن، تجد ان العلاقات تصبح رسمية (صباح الخير يا جاري انت في حالك وانا في حالي).هذا لا يمنع طبعاً من وجود بعض النماذج للمرأة
"المشاكسة" التي تستمتع بافتعال المشاكل والنميمة،
ولكن هذا لا يمثل قاعدة في مجتمعاتنا الشرقية.
كم نحن بحاجة في يومنا هذا -وسط الاختلافات التي تلف بنا- للمرأة العربية العاقلة
الحكيمة، كي تقوم باعادة التوازن الى مجتمعاتنا وتنزع فتيل الأزمات التي تعصف بنا،
كم نحن بحاجة الى صوت هادىء يبث الطمأنينة في النفوس، ويهذب مشاعرنا، ويعيدنا الى
المربع الأول في التعايش السلمي على أساس أن الوطن للجميع، وأن الوطن الكبير يتسع
لنا جميعاً.
أيمن أبو لبن
30-3-2013