السبت، 30 مارس 2013

وهلأ لوين !؟


   

    (وهلأ لوين) هو عنوان فيلم لبناني لنادين لبكي، تطرح فيه العديد من الاسئلة حول الطائفية والتمييز بين أبناء البلد الواحد على أسس دينية أو طائفية، الفيلم يحكي قصة قرية صغيرة متواضعة بامكانياتها يتكون سكانها من خليط مسلم-مسيحي. يعرض لنا الفيلم مشاهد من الحياة البسيطة التي تعيشها القرية، ويعرض لنا نماذجا من العيش المشترك والعلاقات الطيبة التي تربط جميع اهل القرية، سرعان ما تتطور الأحداث وتحدث بعض الاشكاليات هنا وهناك يعقبها سوء فهم و " تربص" بالآخر، مما يؤدي الى صدامات بين الطرفين، ثم ما تلبث أن تهدأ الأمور وتعود الى طبيعتها، لتقفز الى السطح حادثة عرضية تعيد الأمور الى وضعية الصراع من جديد.

   بعيداً عن المحور الرئيسي للفيلم والحبكة الدرامية، هناك عدة رسائل أتقنت نادين لبكي تضمينها في الفيلم وايصالها بشكلٍ انساني راقٍ للمشاهدين، ومن أهم هذه الرسائل التي لفتت انتباهي رسالة مهمة عن دور المرأة العربية في تهدئة الأزمات بل ومحاولة تفاديها باكراً.
تُقدم لنا نادين لبكي قصصاً قريبة من الواقع وتجسد لنا التضحيات التي تقوم بها المرأة العربية في الخفاء لتجنيب عائلتها اشكاليات ونزاعات مع أهل الحي، وفي أحد أكثر المشاهد روعة وتأثيرا في الفيلم تقوم احدى نساء القرية باخفاء خبر وفاة ابنها الذي قتل في اطلاق نار عشوائي، حتى لا يقوم الأهل بالانتقام لمقتله، وتجنباً لدخول أهل القرية في آتون حرب أهلية أو طائفية. دور المرأة العربية "العاقلة" كان واضحاً جلياً في الفيلم، حيث كان تفاهم نساء القرية معاً، وتجاوزهم للخلافات الدينية فيما بينهم، وتعاونهم في نزع فتيل الاضطرابات، الدور الأكبر في المحافظة على وحدة أهل القرية وعلى ترابطهم الاجتماعي.

   بعد مشاهدتي لهذا الفيلم، عدت بذاكرتي الى الوراء، وعادت بي الذكريات الى دور المرأة الايجابي في مجتمعاتنا العربية وخصوصاً في الأجيال التي سبقتنا، حيث كانت المرأة دائماً ما تقوم بامتصاص الاحتقان والشد العصبي، ومحاولة تهدئة الأمور والدفع باتجاه المهادنة والسلام وبناء العلاقات الجيدة على صعيد العائلات ككل أو على صعيد شؤون البيت الداخلية، كانت الأم أو الأخت الكبرى غالباً ما تقوم بمحاولة حل المشاكل بدون اطلاع الزوج او رب البيت عليها، في محاولة لمنع التصادم مع الأبناء، وصدق المثل القائل "الأم بِتْلِم". الأم العربية بالفعل تلم أبناءها من حولها وتعطف عليهم، توبخهم احياناً ولكنها لا تفشي اسرارهم، تتعاتب مع زوجها ولكنها لا تنتقده علناً، تدرك تماماً اهمية العائلة الكبيرة، واهمية العلاقات الطيبة داخل الحي الواحد، تدفع باتجاه التهدئة والمصالحة دون النظر الى تحصيل حقها من غيرها.

   اذا اتفقت نساء العائلة اتفقت العائلة، واذا اختلفت النساء اختلفت العائلة، لو نظرنا الى أهل حي او سكان عمارة لوجدنا هذه القاعدة حاضرة، فاذا كانت العلاقة طيبة بين نساء العمارة أو الحي، تجد الود والزيارات الاجتماعية واللقاءات، واذا اختلفن فيما بينهن، تجد ان العلاقات تصبح رسمية (صباح الخير يا جاري انت في حالك وانا في حالي).هذا لا يمنع طبعاً من وجود بعض النماذج للمرأة "المشاكسة" التي تستمتع بافتعال المشاكل والنميمة، ولكن هذا لا يمثل قاعدة في مجتمعاتنا الشرقية.

  كم نحن بحاجة في يومنا هذا -وسط الاختلافات التي تلف بنا- للمرأة العربية العاقلة الحكيمة، كي تقوم باعادة التوازن الى مجتمعاتنا وتنزع فتيل الأزمات التي تعصف بنا، كم نحن بحاجة الى صوت هادىء يبث الطمأنينة في النفوس، ويهذب مشاعرنا، ويعيدنا الى المربع الأول في التعايش السلمي على أساس أن الوطن للجميع، وأن الوطن الكبير يتسع لنا جميعاً.

  


أيمن أبو لبن
30-3-2013

السبت، 23 مارس 2013

من أجل يقظة فكرية



 
   الثورات العربية التي ما زالت فاعلة في المنطقة، أعلنت انتهاء حقبة زمنية كانت بمجملها مصبوغة بالأفكار الاشتراكية، تلوّنت بالعلمانية تارة، وبالقومية العربية تارة أخرى، واتخذت من الرأسمالية عدواً رسمياً لها، وحاربت كافة حركات الاسلام السياسي. ومع تغيير الأنظمة الحاكمة في عدة دول عربية نكون قد بدأنا زمناً جديداً مفتوحاً على مصراعيه لكافة التيارات والأفكار الجديدة والمتجددة.
    من الطبيعي أن تبدأ هذه المرحلة الجديدة من الانفتاح وحرية التعبير، بمشاحنات فكرية ومحاولات استقطاب من كافة الأطياف، سواء على صعيد النخب السياسية  والأحزاب والجمعيات الفكرية، أو على صعيد القواعد الجماهيرية لهذه التيارات السياسية من فئات الشعب المختلفة.
  
وبالعودة الى تاريخ بلاد الثورات العربية نجد أن العلمانية حكمت تونس لما يقارب الستين عاماً، واتخذت الغرب وامريكا حليفاً لها، وبدلاً من تحقيق أفكار العلمانية بفصل الدين عن السياسة مع المحافظة على حرية العبادة، كان النظام التونسي على مدار هذه السنوات نظاماً معادياً للتديّن ولكافة مظاهر العبادة، نظاماً يُعطي الحرية للمرأة ويحرمها من الحجاب، وعلى المستوى العام انتشر الفساد في كافة مؤسسات الدولة واختلط المال مع السياسة.
   اما في ليبيا فقد حكمتها الاشتراكية لاربعين عاماً فخلّفت لنا شعباً فقيراً بائساً، وبلداً يفتقد للمؤسسات وللبُنية التحتية بما فيها المنشآت الصحية العامة، رغم امتلاكها لأنقى نفط في العالم. الدولة الاشتراكية التي لم تعرف سوى مشاركة النُخبة الحاكمة للمواطن في رزقه.

وفي مصر جاءت ثورة الضباط الأحرار انتصاراً للمواطن الفقير ضد الاستعمار وضد النظام الاقطاعي، تبنت الثورة مجموعة من الأفكار التي باتت تعرف بالفكر الناصري واتخذت من القومية العربية شعاراً لها. ولكن الثورة المصرية أفرزت ديكتاتوراً جديداً ممثلاً بمجلس قيادة الثورة، كان تاريخه حافلاً بالنزاعات الداخلية وتهافت على المناصب وصراع على توزيع الكعكة. الثورة المصرية كانت واعدة، ورفعت سقف الآمال والطموحات للعالم العربي ولم تنحصر في شعب مصر، ولكن الأمة العربية أفاقت من حلم الوحدة العربية واذا بها تعيش كابوس النكسة، وسبق ذلك وحدة فاشلة مع سوريا، وحرب في اليمن استنفذت قوة الجيش المصري، ثم ختمها السادات باتفاقية كامب ديفيد المناقضة لكل مبادىء الناصرية ولمبادىء الثورة نفسها.
  اما في سوريا، فحدّث ولا حرج، فالاشتراكية تحولت الى دولة بوليسية مخابراتية، والقومية العربية تحولت الى تحالف مع ايران، وحلم الأمة الواحدة كان سبيله احتلال لبنان، اما الحفاظ على الصف العربي الواحد فكان في مساعدة امريكا في احتلال العراق !!!
  
جميع الأنظمة الحاكمة في البلاد الذي ذكرتُ آنفاً فشلت فشلاً ذريعاً في ترجمة طموحات وآمال الشعوب العربية، وفشلت في ترجمة الأفكار النبيلة للقومية العربية، والفكر الاشتراكي. هذه الأنظمة فشلت في تحقيق مبادىء حرية التعبير ومداولة السلطة، ومبدأ الاحتكام للشعب.
  شهدت هذه البلاد موجات متلاحقة من الاعتقال والتعذيب والتصفية الجسدية لكافة تيارات المعارضة وعلى رأسها الحركات الاسلامية، كما شهدت اصدار أحكام بالاعدام دون محاكمة عادلة، وكان من اللافت ايضا توغل الأنظمة الحاكمة في كافة جوانب الحياة في تلك البلاد، فالحكومات كانت مسؤولة عن الاعلام والصحف، والقضاء، والنقابات، بل وحتى الفن والفنانين، أضف الى ذلك الجيش والأجهزة الأمنية، فكانت البلاد كلها في قبضة حكامها.

  ما يهمنا في الحديث الآن، هو النظرة الاستشراقية لمستقبل الدول العربية بعد الربيع العربي، وهذا ما دفعني للكتابة حول هذا الموضوع، حيث ما زالت القوى السياسية في المنطقة والتي تعتمد في فكرها على مبادىء القومية العربية والاشتراكية والعلمانية، مستمرة على نفس المنهج وذات الشعارات ولم تأتِ بجديد.
  هذه القوى السياسية مُطالبة بأن تستفيد من فشلها السابق، وتُعيد انتاج أفكارها بشكل جديد ومتجدد، في محاولة لاعادة اكتشاف مبادءها الأساسية، مع طرح رؤيةً مستقبلية تضمن التفاف القاعدة الشعبية حولها من جديد، معتمدة على أفكار جدية للمشاركة في الحكم على أسس من الاعتراف المتبادل بالآخر.
   
جزءٌ كبير من هذه القوى السياسية اعتبر الثورات العربية "مؤامرة كبرى" مما دفعها للانكفاء حول ذاتها واعادة تكرار نفس الشعارات ونفس المبادىء التي لا تعدو كونها "حبراً على ورق" والاكتفاء بمناكفة حركات الاسلام السياسي، ومعاداتها واتهامها بالتجارة بالدين.
  
الثورات العربية في المنطقة، أرسلت رسالة واضحة مفادها أن التغيير قادم، وأن أي تيار فكري غير قادر على مواكبة التغيير في الشارع العربي، لن يكون له مكان على خارطة المنطقة. يقول اينشتاين "من الغباء اعادة التجربة باستخدام نفس العناصر وانتظار نتائج جديدة مختلفة" وأنا لا استطيع أن أجد تفسيراً لاصرار هذه الأحزاب ومؤيديها على تبني نفس الشعارات والمبادىء قبل الثورات العربية وبعدها، سوى تفسيرين لا ثالث لهما، اما انهم يعتقدون ان شعوب المنطقة شعوب غبية، وأن بامكانهم العودة الى قمة السلطة من جديد من خلال نفس المبادىء والأفكار، أو انهم اضمحلوا فكرياً ولا يجدون أي أطروحة تمكنهم من العودة الى الشارع من جديد، فباتوا يغردون خارج السرب واكتفوا بالمشاكسة وكيل التهم، ولعن نظرية المؤامرة، لعلهم ينجحون من خلال افشال الآخرين.   

أيمن أبو لبن
22-3-2013


الأحد، 17 مارس 2013

البوصلة الايمانية



  
  استكمالاً لموضوعنا السابق (الأخلاق المفقودة) ولرحلتنا في اعادة احياء هذه الأخلاق، أود التطرق في الحديث هنا عن أحد أهم مبادىء الاسلام، ألا وهو العدل والانصاف وقول الحق، والاحتكام الى البوصلة الايمانية في أحكامنا، تلك البوصلة التي تتحكم في ضمائرنا الانسانية وتُرشدنا الى طريق الحق.

   يولَدُ الانسان وفي داخله ضميرٌ حي، يُرشده الى الحق، ولكن سرعان ما تختلط علينا الأمور ونحتكم الى ما نرثه من معتقدات اجتماعية، وتقاليد مفروضة علينا، مما يُشكّل غشاوةً ضبابية على رؤيتنا ويُربك ميزان الحق والباطل في داخلنا، وهنا يظهر الدور الايجابي الذي يلعبه الدين في الدعوة للاحتكام الى البوصلة الايمانية في وزن ألأمور ووضعها في نصابها الصحيح، وارساء قواعد ثابتة تُميّز الحق عن الباطل.

يقول الله تعالى في كتابه العزيز:
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون{
  
   هذه دعوة ربّانية لجميع المؤمنين بالله تعالى أن يضعوا نُصب أعينهم مبدأ اقامة العدل بين الناس حتى لو اختلفوا فيما بينهم دينيا أو طائفيا أو فكريا أو أي اختلافٍ كان، ويدعونا سبحانه وتعالى لقول الحق حتى لو كان صاحب الحق عدوّاً أو نِدّاً أو غريباً.
    
لو وضعنا ميزان الحق والعدل أمامنا في كل قرارٍ نتخذه في حياتنا، في داخل بيوتنا، في العمل، في أقوالنا وأفكارنا، في معتقداتنا، لما تفشّت ظاهرة المحسوبية و الرشوة في مجتمعاتنا ولكان لكل مجتهدٍ نصيب، بغض النظر عن جنسه ولونه وأصله. لو أننا جميعا اتبعنا هذا المنهج في حياتنا اليومية، في شؤوننا كلها، الصغيرة منها والكبيرة عملاً بالحديث الشريف ( كلكم راع ، وكلكم مسؤول عن رعيته )  لما وصلنا الى ما وصلنا اليه اليوم من فسادٍ واضطهادٍ وفُرقة. لو وضعَ كلُّ صاحب قرار نُصب عينيه ميزان العدل في كل قرار يتخذه حتى لو كان صغيراً، لما رأينا حال مجتمعاتنا كما هو عليه الآن.
  
أريد أن أتوقف قليلاً عند قول الله تعالى (ولا يجرمنكم شنآن قوم) فنحن البشر يحمِلُنا البغض أو الكره لجهة ما الى تبني موقف معادٍ لها، بغض النظر عن صحة وسلامة موقفنا، ولكنه تعبيرٌ عن أهوائنا الشخصية ليس الا، بالعربي الفصيح "نكايةً بفلان". يكفي أن نرى شخصاً ما نختلف معه عقائديا أو فكرياً، أو دولة عدوة لنا، لنتخذ موقف المناهض والمعادي دون أن نتريث أو ندع لعقولنا فرصةً للتفكير ولو قليلاً في موقفنا هذا من خلال ميزان الحق والباطل.
   نقع في هذا المحظور بالذات عندما نتحدث في الأمور العامة، فنجد أنفسنا متقوقعين خلف ميولنا السياسية والفكرية، ونعتقد خاطئين أن مواقفنا ومبادئنا "الفكرية" ثابتة بثبوت الجهات أو الدول أو الأحزاب التي نؤيدها، فنؤيد أي قرار صادر عن هذه الجهة أو تلك، دون أن نضع في اعتبارنا ميزاني الحق والعدل، ولذلك نجد أن البعض منا يغمضون أعينهم عن حقائق دامغة، لا تقبل شكاً، لأن ميزان الحق والباطل عندهم مختلّ، فهم لا يقيسون الأمور سوى من منظور سياسي أو فئوي محدود، وهذه الفئة باتت تعرف ب "السحيجة".

  لقد أعزنا الله، بأن هدانا للبوصلة الايمانية كي نحتكم اليها، وهذا فقط ما يميزنا عن غيرنا، نحن نمتلك بوصلة ايمانية نحتكم اليها، وهم يحتكمون لمصالحهم، وأمورهم الدنيوية.

  ما نفع الاسلام والدين اذا كِلنا الأمور بمكيالين، فكنا مع الحق لما كان الحق لنا، وكنا ضده اذا ما كان لغيرنا !! ولهذا ذُكِر الأمام العادل من ضمن سبعة يظلّهم الله تحت ظلّه يوم القيامة في الحديث الصحيح، لأن العدل هو أساس الحكم، والفرق بين الحاكم الطاغية والامام العادل هو اقامة العدل، لا سواه، العدل على أساس الحق، وليس انحيازاً لحزب دون آخر، أو لفئة دون غيرها، العدل في الحُكم هو تغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية أو الخاصة.

يقول الله تعالى  }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ }
  هذه دعوةٌ لقول الحق والوقوف الى جانبه، حتى لو على حساب أنفسنا أو أقرب الناس الينا، وهذه الآية بالذات وضعتها جامعة هارفارد على مدخل كلية القانون وأعتبرتها أعظم عبارات العدالة في التاريخ. وعلى نفس المنوال يأتي الحديث الشريف (أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً).

ألا تعتقدون أننا نفتقد لهذه الأخلاق الكريمة في مجتمعاتنا!؟ نحن مترددون في قول الحق والنصيحة، وغالباً ما نكتم الحقيقة في أنفسنا، متناسين أن كتمان الحق أو قول جزء من الحقيقة يندرج تحت بند الكذب وقول الزور، لو عوّدنا أنفسنا أن نقول الحق حتى لو كان ضد مصلحتنا الشخصية أو ضد أهوائنا، أو ضد من نحب، لكانت مجتمعاتنا الآن بألف خير }فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا}
  ألا تعتقدون أن النصيحة وتبادل الآراء بين الأفراد، من أساسيات حرية التعبير والحوار في المجتمعات ؟
   
   لماذا عاشت الأقليّات في كَنَفِ الخلافة الاسلامية وهي راضية مرضيّة؟! كيف اندمج المسلمون فيما بينهم وانصهروا وتركوا وراءهم حَسَبَهم و نَسَبَهم؟! لماذا لم يُهاجر اليهود من المدينة بعد قدوم الرسول؟! ولماذا أمِنَ الكفّار على أنفسهم وعلى مالهم عندما دخل الرسول مكة فاتحاً؟! لأنهم جميعاً كانوا واثقين أن ميزان الحق والعدل هو أساس الحكم في الدولة الاسلامية .
   
   فلماذا اذاً تخاف الأقليات الآن من الأنظمة الحاكمة؟! ولماذا يفكر شبابنا في الهجرة من بلادنا؟! لماذا نشعر بعدم الاستقرار والأمان في بلادنا؟! لماذا نفتقر الى العدل والمسؤولية ؟! لأن ميزان العدل مفقود بيننا بدءاً من أصغر دائرة وانتهاءً بأكبرها، لا تلوموا الأنظمة وحدها، فنحن افراداً ومجتمعات، جزءٌ من المشكلة.

  نَعِيبُ زَمَانَنَا وَالعَيْبُ فِينَا   ......  وَمَا لِزَمَانِنَا عَيْبٌ سِوَانَا 
وَنَهجُو ذَا الزَّمَانَ بِغيرِ ذَنْبٍ ......  وَلَوْ نَطَقَ الزَّمَانُ لَنَا هَجَانَا 

أيمن أبو لبن
15-3-2013
 
روابط ذات صلة

http://www.islammemo.cc/akhbar/American/2013/01/11/162343.html

الخميس، 7 مارس 2013

الأخلاق المفقودة



     عندما قال سيدنا عمر رضي الله عنه " نحن أمة أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله" لم يكن يقصد أن الأمة الإسلامية تنفرد دون غيرها بصفة العزة لمجرد كونها أمة إسلامية، وإلا لكان هذا القول قولاً عنصريٌاً طائفياً، وإنما كان مقصده أن العزة والسمو والرقي هي نتاجٌ طبيعي لالتزام المسلم بصفات الاسلام وتطبيق مبادئه والحرص على اتباع تعاليمه. بمعنى أن اتّباع الإسلام لا يكون بالانتماء الشكلي أو الظاهري لهذا الدين، بل يكون من خلال التطبيقات العملية في الحياة، وهي بمجملها تنقسم إلى قسمين: العبادات والمعاملات، فالعبادات ترقى بالجانب الروحي فينا، أما المعاملات فترقى بأخلاق المجتمعات، (ولا أقصد هنا المعاملات الشرعية بل أقصد الأخلاق العامة للمجتمع)، وفقدان أحد طرفي هذه المعادلة، يؤدي إلى اختلال في منهجيّة الإسلام الشامل في الحياة، فلا تصلحُ العبادة بدون أخلاق، ولا تصلحُ الأخلاق والمعاملات بدون عبادة.
  
لو تمعنّا في الحديث النبوي الشريف " إنَّما بُعثت لأُتمّمَ مكارم الأخلاق" لأدركنا أن الأخلاق موجودة في كافة المجتمعات بدون الحاجة إلى تديّن، وما جاءت الأديانُ إلا لصقل هذه الأخلاق، وتهذيبها، والرقي بها، وتطويرها لتصبح مفهوماً شاملاً للحياة، بعد تصفيتها وتنقيحها من أهواء البشر، والموروثات الاجتماعية الخاطئة.
  
عندما مدح الله رسوله الكريم قال } وإنك لعلى خلقٍ عظيم {، اختيار صفة الخُلُق العظيم لمدح سيدنا محمد له مدلولاتٌ عميقة، تستحق منا التمعّن بها. وكذلك قالت السيدة عائشة عن الرسول "كان خُلٌقه القرآن"، أي أن حياته العملية كانت انعكاساً للصفات الحميدة التي نادى بها القرآن.
  
ما نفع الأديان بدون أخلاق !! كم من أمة اصطفاها الله على العالمين بما أنزل لها من رسالة سماوية، وعادت إلى ما كانت عليه من سوء خُلُق وقلّة عبادة، فما ضرّت إلا نفسها؟! وهل نحن المسلمون منزّهون عن غضب الله وسخطه، أو تردّي حالنا بين الأمم إذا ما تركنا مبادئ الإسلام وتعاليمه !؟ يقول أمير الشعراء:
وإنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت .... فـإن هُمُ ذهبــت أخلاقهم ذهبوا

انطلاقاً من هذا الفهم لمقولة سيدنا عمر، و مفهوم الإسلام الشامل للحياة، باستطاعتنا أن نُدرك المقصود بالعبارة الشهيرة التي قالها الإمام محمد عبده –أحد دعاة الإصلاح والتجديد- عندما زار أوروبا :

(وجدتُ في أوروبا مسلمين بلا إسلام ووجدتُ في بلدي إسلاماً بلا مسلمين)

   في علم النفس وتطوير الذات هناك قاعدة تقول : "راقب خواطرك لأنها ستصبح أفكارا، و راقب افكارك لانها ستصبح اقوالاً، وراقب أقوالك لانها ستصبح افعالاً، وراقب أفعالك لأنها ستصبح قناعات وعادات"  

  ما أحوجنا الآن لوقفة مراجعة مع الذات لقناعاتنا وعاداتنا، لسلوكياتنا ومبادئنا وقيمنا النبيلة التي نزفت منا على مدار أعوام طويلة، حتى أصُبنا بداء "فقر الأخلاق" و "نقص الضمير" و "جنون البشر" !!!

   صحيح أننا نجحنا في تغيير بعض الأنظمة، وثُرنا على أوضاعنا المتردية، واستعبادنا من قبل الطبقات الحاكمة، ولكن هذا التغيير أزاح الستار عن عيوبنا الداخلية، وعن قصور مجتمعاتنا في فهم أحد أهم مبادىء التغيير، وهو تغيير الذات، مصداقاً لكلام الله تعالى } إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يُغيروا ما بأنفسهم {. أعتقد أن تغيير الذات ومراجعة النفس، وإعادة التوازن الأخلاقي لمجتمعاتنا، هو الاختبار الحقيقي لنا إذا أردنا الاستمرار في مسار الثورة العربية الشاملة. فهلاّ بدأنا، على مهلٍ وبصمت؟

أيمن أبو لبن
6-3-2013