استكمالاً لموضوعنا السابق (الأخلاق المفقودة) ولرحلتنا
في اعادة احياء هذه الأخلاق، أود التطرق في الحديث هنا عن أحد أهم مبادىء الاسلام،
ألا وهو العدل والانصاف وقول الحق، والاحتكام الى البوصلة الايمانية في أحكامنا، تلك
البوصلة التي تتحكم في ضمائرنا الانسانية وتُرشدنا الى طريق الحق.
يولَدُ الانسان وفي
داخله ضميرٌ حي، يُرشده الى الحق، ولكن سرعان ما تختلط علينا الأمور ونحتكم الى ما
نرثه من معتقدات اجتماعية، وتقاليد مفروضة علينا، مما يُشكّل غشاوةً ضبابية على
رؤيتنا ويُربك ميزان الحق والباطل في داخلنا، وهنا يظهر الدور الايجابي الذي يلعبه
الدين في الدعوة للاحتكام الى البوصلة الايمانية في وزن ألأمور ووضعها في نصابها
الصحيح، وارساء قواعد ثابتة تُميّز الحق عن الباطل.
يقول
الله تعالى في كتابه العزيز:
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ
شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ
تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ
خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون{
هذه دعوة ربّانية لجميع المؤمنين بالله تعالى
أن يضعوا نُصب أعينهم مبدأ اقامة العدل بين الناس حتى لو اختلفوا فيما بينهم دينيا
أو طائفيا أو فكريا أو أي اختلافٍ كان، ويدعونا سبحانه وتعالى لقول الحق حتى لو
كان صاحب الحق عدوّاً أو نِدّاً أو غريباً.
لو
وضعنا ميزان الحق والعدل أمامنا في كل قرارٍ نتخذه في حياتنا، في داخل بيوتنا، في
العمل، في أقوالنا وأفكارنا، في معتقداتنا، لما تفشّت ظاهرة المحسوبية و الرشوة في
مجتمعاتنا ولكان لكل مجتهدٍ نصيب، بغض النظر عن جنسه ولونه وأصله. لو أننا جميعا
اتبعنا هذا المنهج في حياتنا اليومية، في شؤوننا كلها، الصغيرة منها والكبيرة عملاً
بالحديث الشريف ( كلكم راع ، وكلكم مسؤول عن رعيته ) لما وصلنا الى ما وصلنا اليه اليوم من فسادٍ
واضطهادٍ وفُرقة. لو وضعَ كلُّ صاحب قرار نُصب عينيه ميزان العدل في كل قرار يتخذه
حتى لو كان صغيراً، لما رأينا حال مجتمعاتنا كما هو عليه الآن.
أريد أن أتوقف قليلاً عند قول الله تعالى (ولا يجرمنكم شنآن قوم) فنحن البشر يحمِلُنا
البغض أو الكره لجهة ما الى تبني موقف معادٍ لها، بغض النظر عن صحة وسلامة موقفنا،
ولكنه تعبيرٌ عن أهوائنا الشخصية ليس الا، بالعربي الفصيح "نكايةً
بفلان". يكفي أن نرى شخصاً ما نختلف معه عقائديا أو فكرياً، أو دولة عدوة
لنا، لنتخذ موقف المناهض والمعادي دون أن نتريث أو ندع لعقولنا فرصةً للتفكير ولو
قليلاً في موقفنا هذا من خلال ميزان الحق والباطل.
نقع في هذا المحظور بالذات عندما نتحدث في
الأمور العامة، فنجد أنفسنا متقوقعين خلف ميولنا السياسية والفكرية، ونعتقد خاطئين
أن مواقفنا ومبادئنا "الفكرية" ثابتة بثبوت الجهات أو الدول أو الأحزاب
التي نؤيدها، فنؤيد أي قرار صادر عن هذه الجهة أو تلك، دون أن نضع في اعتبارنا
ميزاني الحق والعدل، ولذلك نجد أن البعض منا يغمضون أعينهم عن حقائق دامغة، لا
تقبل شكاً، لأن ميزان الحق والباطل عندهم مختلّ، فهم لا يقيسون الأمور سوى من
منظور سياسي أو فئوي محدود، وهذه الفئة باتت تعرف ب "السحيجة".
لقد أعزنا الله، بأن هدانا للبوصلة الايمانية كي نحتكم اليها، وهذا فقط ما يميزنا عن غيرنا، نحن نمتلك بوصلة ايمانية نحتكم اليها، وهم يحتكمون لمصالحهم، وأمورهم
الدنيوية.
ما نفع الاسلام والدين
اذا كِلنا الأمور بمكيالين، فكنا مع الحق لما كان الحق لنا، وكنا ضده اذا ما كان
لغيرنا !! ولهذا ذُكِر الأمام العادل من ضمن سبعة يظلّهم الله تحت ظلّه يوم
القيامة في الحديث الصحيح، لأن العدل هو أساس الحكم، والفرق بين الحاكم الطاغية
والامام العادل هو اقامة العدل، لا سواه، العدل على أساس الحق، وليس انحيازاً لحزب
دون آخر، أو لفئة دون غيرها، العدل في الحُكم هو تغليب المصلحة العامة على المصلحة
الشخصية أو الخاصة.
يقول
الله تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى
أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ }
هذه دعوةٌ لقول الحق والوقوف الى جانبه، حتى لو على حساب أنفسنا أو أقرب
الناس الينا، وهذه الآية بالذات وضعتها جامعة هارفارد على مدخل كلية القانون
وأعتبرتها أعظم عبارات العدالة في التاريخ. وعلى نفس المنوال يأتي الحديث الشريف (أنصر أخاك ظالماً أو
مظلوماً).
ألا تعتقدون أننا نفتقد لهذه الأخلاق الكريمة في مجتمعاتنا!؟ نحن
مترددون في قول الحق والنصيحة، وغالباً ما نكتم الحقيقة في أنفسنا، متناسين أن كتمان
الحق أو قول جزء من الحقيقة يندرج تحت بند الكذب وقول الزور، لو عوّدنا أنفسنا أن نقول
الحق حتى لو كان ضد مصلحتنا الشخصية أو ضد أهوائنا، أو ضد من نحب، لكانت مجتمعاتنا
الآن بألف خير }فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا}
ألا تعتقدون أن النصيحة وتبادل الآراء بين
الأفراد، من أساسيات حرية التعبير والحوار في المجتمعات ؟
لماذا
عاشت الأقليّات في كَنَفِ الخلافة الاسلامية وهي راضية مرضيّة؟! كيف اندمج
المسلمون فيما بينهم وانصهروا وتركوا وراءهم حَسَبَهم و نَسَبَهم؟! لماذا لم يُهاجر
اليهود من المدينة بعد قدوم الرسول؟! ولماذا أمِنَ الكفّار على أنفسهم وعلى مالهم
عندما دخل الرسول مكة فاتحاً؟! لأنهم جميعاً كانوا واثقين أن ميزان الحق والعدل هو
أساس الحكم في الدولة الاسلامية .
فلماذا اذاً تخاف الأقليات الآن من الأنظمة
الحاكمة؟! ولماذا يفكر شبابنا في الهجرة من بلادنا؟! لماذا نشعر بعدم الاستقرار
والأمان في بلادنا؟! لماذا نفتقر الى العدل والمسؤولية ؟! لأن ميزان العدل مفقود
بيننا بدءاً من أصغر دائرة وانتهاءً بأكبرها، لا تلوموا الأنظمة وحدها، فنحن افراداً
ومجتمعات، جزءٌ من المشكلة.
نَعِيبُ زَمَانَنَا وَالعَيْبُ فِينَا
...... وَمَا لِزَمَانِنَا عَيْبٌ
سِوَانَا
وَنَهجُو ذَا الزَّمَانَ بِغيرِ ذَنْبٍ ...... وَلَوْ نَطَقَ الزَّمَانُ لَنَا هَجَانَا
وَنَهجُو ذَا الزَّمَانَ بِغيرِ ذَنْبٍ ...... وَلَوْ نَطَقَ الزَّمَانُ لَنَا هَجَانَا
أيمن أبو لبن
15-3-2013
روابط
ذات صلة
http://www.islammemo.cc/akhbar/American/2013/01/11/162343.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق