عندما
قال سيدنا عمر رضي الله عنه " نحن أمة أعزنا الله
بالإسلام، فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله" لم يكن يقصد أن الأمة الإسلامية تنفرد دون غيرها بصفة العزة لمجرد كونها أمة إسلامية، وإلا لكان هذا
القول قولاً عنصريٌاً طائفياً، وإنما كان مقصده أن العزة والسمو والرقي هي نتاجٌ طبيعي لالتزام
المسلم بصفات الاسلام وتطبيق مبادئه والحرص على اتباع تعاليمه. بمعنى أن اتّباع الإسلام لا يكون بالانتماء الشكلي أو الظاهري لهذا الدين، بل يكون من خلال
التطبيقات العملية في الحياة، وهي بمجملها تنقسم إلى قسمين: العبادات والمعاملات،
فالعبادات ترقى بالجانب الروحي فينا، أما المعاملات فترقى بأخلاق المجتمعات، (ولا
أقصد هنا المعاملات الشرعية بل أقصد الأخلاق العامة للمجتمع)، وفقدان أحد طرفي هذه
المعادلة، يؤدي إلى اختلال في منهجيّة الإسلام الشامل في الحياة، فلا تصلحُ
العبادة بدون أخلاق، ولا تصلحُ الأخلاق والمعاملات بدون عبادة.
لو تمعنّا في الحديث النبوي الشريف " إنَّما بُعثت لأُتمّمَ مكارم الأخلاق" لأدركنا أن الأخلاق
موجودة في كافة المجتمعات بدون الحاجة إلى تديّن، وما جاءت الأديانُ إلا لصقل هذه
الأخلاق، وتهذيبها، والرقي بها، وتطويرها لتصبح مفهوماً شاملاً للحياة، بعد
تصفيتها وتنقيحها من أهواء البشر، والموروثات الاجتماعية الخاطئة.
عندما مدح الله رسوله الكريم قال } وإنك لعلى خلقٍ عظيم {، اختيار صفة الخُلُق
العظيم لمدح سيدنا محمد له مدلولاتٌ عميقة، تستحق منا التمعّن بها. وكذلك قالت السيدة
عائشة عن الرسول "كان خُلٌقه القرآن"، أي أن حياته العملية
كانت انعكاساً للصفات الحميدة التي نادى بها القرآن.
ما نفع الأديان بدون أخلاق !! كم من أمة
اصطفاها الله على العالمين بما أنزل لها من رسالة سماوية، وعادت إلى ما كانت عليه
من سوء خُلُق وقلّة عبادة، فما ضرّت إلا نفسها؟! وهل نحن المسلمون منزّهون عن غضب
الله وسخطه، أو تردّي حالنا بين الأمم إذا ما تركنا مبادئ الإسلام وتعاليمه !؟ يقول
أمير الشعراء:
وإنما
الأممُ الأخلاقُ ما بقيت .... فـإن هُمُ ذهبــت أخلاقهم ذهبوا
انطلاقاً من هذا الفهم لمقولة سيدنا عمر، و مفهوم الإسلام الشامل للحياة، باستطاعتنا أن نُدرك المقصود بالعبارة الشهيرة التي قالها الإمام
محمد عبده –أحد دعاة الإصلاح والتجديد- عندما زار أوروبا :
(وجدتُ في أوروبا مسلمين بلا إسلام ووجدتُ في بلدي إسلاماً بلا مسلمين)
(وجدتُ في أوروبا مسلمين بلا إسلام ووجدتُ في بلدي إسلاماً بلا مسلمين)
في علم النفس وتطوير
الذات هناك قاعدة تقول : "راقب خواطرك لأنها ستصبح أفكارا، و راقب افكارك لانها ستصبح
اقوالاً، وراقب أقوالك لانها ستصبح افعالاً، وراقب أفعالك لأنها ستصبح قناعات وعادات"
ما
أحوجنا الآن لوقفة مراجعة مع الذات لقناعاتنا وعاداتنا، لسلوكياتنا ومبادئنا
وقيمنا النبيلة التي نزفت منا على مدار أعوام طويلة، حتى أصُبنا بداء "فقر
الأخلاق" و "نقص الضمير" و "جنون البشر" !!!
صحيح
أننا نجحنا في تغيير بعض الأنظمة، وثُرنا على أوضاعنا المتردية، واستعبادنا من قبل
الطبقات الحاكمة، ولكن هذا التغيير أزاح الستار عن عيوبنا الداخلية، وعن قصور
مجتمعاتنا في فهم أحد أهم مبادىء التغيير، وهو تغيير الذات، مصداقاً لكلام الله
تعالى } إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يُغيروا ما بأنفسهم {.
أعتقد أن تغيير الذات ومراجعة النفس، وإعادة التوازن الأخلاقي لمجتمعاتنا، هو الاختبار الحقيقي لنا إذا أردنا الاستمرار في مسار الثورة العربية الشاملة. فهلاّ
بدأنا، على مهلٍ وبصمت؟
أيمن أبو لبن
6-3-2013
مقال رائع جدا وحساس
ردحذفويلامس الواقع الذي نعيش
هي الاخلاق.......فعلا انها الاخلاق
شكرا محمود ، شعوري بانها مسؤوليتنا جميعا دفعني لكتابة هذا الموضوع ودق ناقوس الخطر
حذف