السبت، 23 مارس 2013

من أجل يقظة فكرية



 
   الثورات العربية التي ما زالت فاعلة في المنطقة، أعلنت انتهاء حقبة زمنية كانت بمجملها مصبوغة بالأفكار الاشتراكية، تلوّنت بالعلمانية تارة، وبالقومية العربية تارة أخرى، واتخذت من الرأسمالية عدواً رسمياً لها، وحاربت كافة حركات الاسلام السياسي. ومع تغيير الأنظمة الحاكمة في عدة دول عربية نكون قد بدأنا زمناً جديداً مفتوحاً على مصراعيه لكافة التيارات والأفكار الجديدة والمتجددة.
    من الطبيعي أن تبدأ هذه المرحلة الجديدة من الانفتاح وحرية التعبير، بمشاحنات فكرية ومحاولات استقطاب من كافة الأطياف، سواء على صعيد النخب السياسية  والأحزاب والجمعيات الفكرية، أو على صعيد القواعد الجماهيرية لهذه التيارات السياسية من فئات الشعب المختلفة.
  
وبالعودة الى تاريخ بلاد الثورات العربية نجد أن العلمانية حكمت تونس لما يقارب الستين عاماً، واتخذت الغرب وامريكا حليفاً لها، وبدلاً من تحقيق أفكار العلمانية بفصل الدين عن السياسة مع المحافظة على حرية العبادة، كان النظام التونسي على مدار هذه السنوات نظاماً معادياً للتديّن ولكافة مظاهر العبادة، نظاماً يُعطي الحرية للمرأة ويحرمها من الحجاب، وعلى المستوى العام انتشر الفساد في كافة مؤسسات الدولة واختلط المال مع السياسة.
   اما في ليبيا فقد حكمتها الاشتراكية لاربعين عاماً فخلّفت لنا شعباً فقيراً بائساً، وبلداً يفتقد للمؤسسات وللبُنية التحتية بما فيها المنشآت الصحية العامة، رغم امتلاكها لأنقى نفط في العالم. الدولة الاشتراكية التي لم تعرف سوى مشاركة النُخبة الحاكمة للمواطن في رزقه.

وفي مصر جاءت ثورة الضباط الأحرار انتصاراً للمواطن الفقير ضد الاستعمار وضد النظام الاقطاعي، تبنت الثورة مجموعة من الأفكار التي باتت تعرف بالفكر الناصري واتخذت من القومية العربية شعاراً لها. ولكن الثورة المصرية أفرزت ديكتاتوراً جديداً ممثلاً بمجلس قيادة الثورة، كان تاريخه حافلاً بالنزاعات الداخلية وتهافت على المناصب وصراع على توزيع الكعكة. الثورة المصرية كانت واعدة، ورفعت سقف الآمال والطموحات للعالم العربي ولم تنحصر في شعب مصر، ولكن الأمة العربية أفاقت من حلم الوحدة العربية واذا بها تعيش كابوس النكسة، وسبق ذلك وحدة فاشلة مع سوريا، وحرب في اليمن استنفذت قوة الجيش المصري، ثم ختمها السادات باتفاقية كامب ديفيد المناقضة لكل مبادىء الناصرية ولمبادىء الثورة نفسها.
  اما في سوريا، فحدّث ولا حرج، فالاشتراكية تحولت الى دولة بوليسية مخابراتية، والقومية العربية تحولت الى تحالف مع ايران، وحلم الأمة الواحدة كان سبيله احتلال لبنان، اما الحفاظ على الصف العربي الواحد فكان في مساعدة امريكا في احتلال العراق !!!
  
جميع الأنظمة الحاكمة في البلاد الذي ذكرتُ آنفاً فشلت فشلاً ذريعاً في ترجمة طموحات وآمال الشعوب العربية، وفشلت في ترجمة الأفكار النبيلة للقومية العربية، والفكر الاشتراكي. هذه الأنظمة فشلت في تحقيق مبادىء حرية التعبير ومداولة السلطة، ومبدأ الاحتكام للشعب.
  شهدت هذه البلاد موجات متلاحقة من الاعتقال والتعذيب والتصفية الجسدية لكافة تيارات المعارضة وعلى رأسها الحركات الاسلامية، كما شهدت اصدار أحكام بالاعدام دون محاكمة عادلة، وكان من اللافت ايضا توغل الأنظمة الحاكمة في كافة جوانب الحياة في تلك البلاد، فالحكومات كانت مسؤولة عن الاعلام والصحف، والقضاء، والنقابات، بل وحتى الفن والفنانين، أضف الى ذلك الجيش والأجهزة الأمنية، فكانت البلاد كلها في قبضة حكامها.

  ما يهمنا في الحديث الآن، هو النظرة الاستشراقية لمستقبل الدول العربية بعد الربيع العربي، وهذا ما دفعني للكتابة حول هذا الموضوع، حيث ما زالت القوى السياسية في المنطقة والتي تعتمد في فكرها على مبادىء القومية العربية والاشتراكية والعلمانية، مستمرة على نفس المنهج وذات الشعارات ولم تأتِ بجديد.
  هذه القوى السياسية مُطالبة بأن تستفيد من فشلها السابق، وتُعيد انتاج أفكارها بشكل جديد ومتجدد، في محاولة لاعادة اكتشاف مبادءها الأساسية، مع طرح رؤيةً مستقبلية تضمن التفاف القاعدة الشعبية حولها من جديد، معتمدة على أفكار جدية للمشاركة في الحكم على أسس من الاعتراف المتبادل بالآخر.
   
جزءٌ كبير من هذه القوى السياسية اعتبر الثورات العربية "مؤامرة كبرى" مما دفعها للانكفاء حول ذاتها واعادة تكرار نفس الشعارات ونفس المبادىء التي لا تعدو كونها "حبراً على ورق" والاكتفاء بمناكفة حركات الاسلام السياسي، ومعاداتها واتهامها بالتجارة بالدين.
  
الثورات العربية في المنطقة، أرسلت رسالة واضحة مفادها أن التغيير قادم، وأن أي تيار فكري غير قادر على مواكبة التغيير في الشارع العربي، لن يكون له مكان على خارطة المنطقة. يقول اينشتاين "من الغباء اعادة التجربة باستخدام نفس العناصر وانتظار نتائج جديدة مختلفة" وأنا لا استطيع أن أجد تفسيراً لاصرار هذه الأحزاب ومؤيديها على تبني نفس الشعارات والمبادىء قبل الثورات العربية وبعدها، سوى تفسيرين لا ثالث لهما، اما انهم يعتقدون ان شعوب المنطقة شعوب غبية، وأن بامكانهم العودة الى قمة السلطة من جديد من خلال نفس المبادىء والأفكار، أو انهم اضمحلوا فكرياً ولا يجدون أي أطروحة تمكنهم من العودة الى الشارع من جديد، فباتوا يغردون خارج السرب واكتفوا بالمشاكسة وكيل التهم، ولعن نظرية المؤامرة، لعلهم ينجحون من خلال افشال الآخرين.   

أيمن أبو لبن
22-3-2013


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق