لماذا يتظاهر السوريون ؟!
استكمالاً لحديثنا حول سوريا،
دعونا اليوم نفتح ملف الوضع الداخلي، وهو ما سيتيح المجال لنا لنتوصل الى اجابات
مهمة فيما يتعلق بالأسباب الحقيقة وراء خروج السوريين في مظاهرات واحتجاجات عامة
أدت في النهاية الى اندلاع الثورة السورية .
اعتمد حزب البعث على بناء
دولة بوليسية مخابراتية أمنية وحارب جميع التنظيمات الأخرى، السرية منها والعلنية،
الدينية والعلمانية على حد سواء، وظهر واضحاً تأثره بالسرّية التي تعتمدها
التنظيمات الشيوعية والاشتراكية، وبقي يستخدم ذات الأسلوب البوليسي حتى وهو على
رأس الدولة، كما أعتبرَ أن كل من يُعارضه في الرؤية هو خائنٌ لوطنه ولا مجال
لقُبوله أو التعامل معه، ومصيره اما الاعدام أو النفي والتهجير.
عمليات التصفية الأمنية
كانت مُمنهجة من قبل النظام، وعمليات الاعتقال والتعذيب كذلك، وكل هذا يتم تحت
مظلة أحكام الطوارىء، التي تعطي كامل الصلاحيات للأجهزة الأمنية في حرية اعتقال
أيٍ كان وتعذيب أيٍ كان، بل ووضع أي مواطن رهن الاعتقال لعشرات السنوات
دون رقيب أو حسيب، ودون أي قوانين تحكم ذلك بل ودون سجلات رسمية تُفيد بأسماء
المعتقلين وتواريخ اعتقالهم وأماكنهم، وذلك يُحقق المثل القائل "الداخل له مفقود والخارج منه مولود" وكم هي كثيرةٌ تلك
الكتب التي قرأناها عن معتقلين أمضوا سنوات رهن الاعتقال دون تُهمة ودون مُحاكمة .
أما عن المجازر التي
أرتكبها النظام بحق شعبه فلعلّ أحداث حماة هي أهمُ شاهدٍ على دموية هذا النظام
وعدم مراعاته لأدنى مبادىء الانسانية. حماة التي شهدت موجة من الاحتجاجات الشعبية
عام 82 ضد النظام، سرعان ما انتشرت واتسعت لتشمل المدينة بأكملها، فما كان من
النظام سوى الرد بيدٍ من حديد حيث تم محاصرة مدينة حماة من قبل الجيش وتم قصفها
بالمدفعية ومن ثم اجتياحها للسيطرة على الاحتجاجات الشعبية وانهائها، وكانت حصيلة
هذه الأعمال العسكرية سقوط ما بين ثلاثين الى اربعين الف ضحية مدنية خلال شهر كامل
من العمليات العسكرية.
هذا كفيلٌ بأن يعطينا فكرة
واضحة عن كيفية تعامل هذا النظام مع شعبه ومع الرأي الآخر، وهذا يعكس أيضاً
المنهجية التي يعتمدها النظام السوري بدليل استخدام نفس الأسلوب في مدينة حمص
اليوم، فالمدينة مُحاصرة وتتعرض للقصف المدفعي وتُضرب بصواريخ المروحيات المقاتلة،
تمهيداً لاقتحامها وتمشيطها من أجل القضاء على الاحتجاجات، هي هي، نفس العقلية
ونفس الدموية، فأي رسالة يوجهها النظام السوري لشعبه !!!
يقول محمد الماغوط الأديب السوري المعروف
بتهكمه على الأنظمة الفاسدة وعلى أوضاع الحرية في بلده والوطن العربي عموما، يقول
في كتابه "سأخون وطني" :
"أليس من العار بعد كل هذا التطور العلمي
والحضاري الذي حققته البشرية وبعد مئات الجامعات وآلاف المدارس التربوية و الفنية
والادبية والمسرحية و الفندقية التي تغطي ارض الوطن العربي ان تظل لغة الحوار
الوحيدة بين السلطة والمواطن هي الرفس وشد الشعر ! "
ومن أهم الأمثلة على سوء
تعامل الأجهزة الأمنية مع المعارضين السياسيين بل وحتى المُشتبه بهم، هي حملة
الاعتقالات التي شهدتها سوريا عام 1980 عقب الاعلان عن محاولة اغتيال فاشلة للرئيس
حافظ الأسد تم تحميل مسؤوليتها لجماعة الاخوان المسلمين، حيث أعلن النظام الحربَ
على الاخوان المسلمين في محاولة اجتثاثهم من سوريا، وكانت مُحصلة هذه الحَملة هي
اعدام ما يقارب الف سجين سياسي رمياً بالرصاص في سجن "تَدمُر" ودفنهم في
الصحراء، وما زالت الأعداد الحقيقية لعدد القتلى واسمائهم وأماكن دفنهم غير معلومة
حتى الآن .
ويلتصق اسم سجن
"تَدمُر" بانتهاكاتٍ لحقوق الانسان على مدار سنواتٍ عديدة، وما هذا
الحدثُ الا مثالاً على الجرائم غير الانسانية التي شهدها هذا السجن على مدى سنوات
طويلة وبشكل مُمنهج، وقد تم توثيق هذه الجرائم في عدة تقارير صادرة عن لجان حقوق
الانسان وعن منظمات رسمية تابعة لمنظمة الأمم المتحدة .
وللتدليل على استمرار
النظام باستخدام نفس العقلية ونفس الأسلوب التعسفي والقهري، فقد تم تكرار هذه
المجازر في سجن صيدنايا عام 2008 وفي أحداث القامشلي عام 2004 ضد الأكراد، ناهيك
عن العنف المستخدم من النظام ضد المدنيين منذ بداية الثورة السورية وحتى الآن، وما
رافقها من انتهاكات لأبسط حقوق الانسان ولأبسط الأعراف الدولية ومواثيق حقوق
الانسان، فكلنا نشاهد يومياً الاعتداء على المتظاهرين السلميين، والاعتداءات على
المعارضين على شتى انتماءاتهم وخلفياتهم الدينية والسياسية، عدا عن قصف المدن
ومحاصرتها واستهداف الحجر والشجر بل ودور العبادة .
تكسير الأيدي والأصابع،
قلع الحناجر، الاعتقال والتعذيب والقتل، كل هذا مُباح بل ويتم بناءً على أوامر
مباشرة من القيادات العليا .
يقول الله تعالى في كتابه العزيز
: " وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ
وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ "
ومن سُخرية القدر، أن أحد
المعتقلين في السجون السورية، اعترف تحت التعذيب بأنه ينتمي الى جماعة الاخوان
المسلمين، وبعد التدقيق في أوراقه اكتشف المحققون أنه مسيحي !! وعند سؤاله عن
السبب، قال ان مصير "الاخونجي" عندكم معروف (رصاصة) ولكن ماذا سيكون
مصيري لو لم أعترف !!
والسؤال المبكي هو : ما هو
مصير الألوف من المعتقلين خلال فترة الاحتجاجات الأخيرة !؟ وما هو حجم مُعاناتهم
!!؟؟
أما الحديث عن الوضع
الاقتصادي وتنمية المجتمع المحلي، فقد ذكرت احصائيات رسمية للأمم المتحدة أن نسبة
الفقر بلغت في سوريا 30% بشكل عام، ووصلت معدلات الفقر في القرى والأرياف الى نسبة
60% و هو معدل عالٍ جداً، وتشير التقارير الى وجود فجوة عالية جداً في توزيع
الثروات حيث تصرف الشريحة الأفقر من السوريين 7% فقط من الإنفاق العام بينما الشريحة
الأغنى يصرفون 45 % من الإنفاق العام، ويعتمد معظم المواطنون على المهن الحرة أكثر
من اعتمادهم على الوظائف العلمية، هذا برغم اعتماد مبدأ التعليم الالزامي والتعليم المجاني في الجامعات السورية في ظل
اعتماد الاشتراكية كمبدأ من مبادىء الدولة.
ومن المعروف أن المجتمع
السوري هو مجتمع فتيّ وشاب، و تعتبر نسبة القوى العاملة في سوريا من أعلى النسب في
المنطقة ولكن سوء توزيع الثروات واقتصارها على فئة معينة بالاضافة الى الفساد
المالي والاداري وانخفاض كفاءة التعليم واعتماد المحسوبية في التوظيف بالاضافة الى
قلة برامج التدريب، وشُح وسائل التكنولوجيا الحديثة، وضعف اللغة الانجليزية كل هذا
أدى الى تعطيل هذه القوى العاملة وعدم الاستفادة منها، بل ان سوريا تعاني من بطالة
عالية تفوق 15%، وتشير الدراسات الى أن أكثر من 35% من خريجي الجامعات يعملون بمهن
أو وظائف لا تتوافق مع شهاداتهم العلمية .
ووفق دراسة نشرها منتدى
الاقتصاد العالمي عن العام 2010 وشملت 139 دولة، احتلت سوريا المرتبة
97 في التقييم العام ، على اعتبار ترتيب الدول من الأفضل الى الأسوأ تصاعدياً،
واليكم بعض المؤشرات وترتيب سوريا بين بقية الدول :
· المرتبة رقم 116 من ناحية الرشاوى والأموال غير القانونية!!
· المرتبة رقم 95 من ناحية
البنية التحتية
· المرتبة رقم 133 من حيث اعتماد الكفاءة في تولي
المناصب الادارية!!
· المرتبة رقم 109 من حيث
جودة نظام التعليم
· المركز الأخير من حيث البرامج التدريبية للعاملين!!
· المرتبة رقم 126 من حيث
توافر وسائل التكنولوجيا
هذه الأرقام تؤكد ما سبق وأن
ناقشناه في مواضيعنا حول سوريا، وتوضح بشكل لا يدع مجالاً للشك الأوضاع المُتردية
التي يعيشها الشعب السوري من ناحية الحالة الاقتصادية وحقوق الانسان ونوعية الحياة،
والحُرّيات العامة، ناهيك عن الواسطة والمحسوبية والحزبية والفساد المالي والاداري
.
النظام السوري قام بالاستيلاء
قديماً على مُقدرات الشعب بإسم الاشتراكية، ثم استولى عليها حديثاً باسم الانفتاح
والرأسمالية، وما زال مستمراً باطلاق الوعود الفارغة، ويُصرُّ على ترديد شعارات
رنّانة طواها الزمن منذ أعوام. ما زال هذا النظام يعيش بعقلية ستينات القرن الماضي
ويريد أن يُقنعنا أنه قادر على إحلال الديمقراطية في البلاد وقيادتها نحو مستقبلٍ
مُشرق في ظل تعددية ومواطنة حقيقية وشفافيّة، "آلآن
وقد عصيتَ قبل وكنتَ من المُفسدين" !!
أتمنى أن أكون قد أجبت عن أسئلة
كانت تُحيّر الكثيرين عن حقيقة الأوضاع في سوريا، أترككم مع مختارات من
كتاب الأديب السوري الراحل محمد الماغوط "سأخون وطني" :
مشكلتي في هذا الوطن انني احترم كل شيء فيه حتى قمامته .. بدليل
وانا عائد في آخر الليل سقط عليَّ كيس قمامة .. فلم احتج .. ولم انفضها حتى عن
ثيابي .. لأنني من طريقة سقوطها علي .. عرفت أنها زبالة مدعومة !
---------
أيها العرب، استحلفكم بما تبقى في هذه الأمة من طفولة وحب وصداقة وأشجار وطيور وسحب وأنهار وفراشات
---------
أيها العرب، استحلفكم بما تبقى في هذه الأمة من طفولة وحب وصداقة وأشجار وطيور وسحب وأنهار وفراشات
استحلفكم بتحية أعلامها عند الصباح وإطراقة جبينها عند المساء، لقد جربتم الارهاب سنين وقروناً طويلة وها أنتم ترون إلى أين أودى بشعوبكم.
جربوا الحرية يوماً واحداً لتروا كم هي شعوبكم كبيرة .. وكم هي
اسرائيل صغيرة
---------
ما جدوى اصدار كتب جديدة؟
وشق طرق جديدة؟
وركوب سيارات جديدة.
وإجراء انتخابات جديدة.
بل ما جدوى ان ننتعل أحذية جديدة.
ونرتدي معاطف جديدة.
ومايوهات جديدة.
والوطن عتيق ... عتيق ...؟
ما جدوى اصدار كتب جديدة؟
وشق طرق جديدة؟
وركوب سيارات جديدة.
وإجراء انتخابات جديدة.
بل ما جدوى ان ننتعل أحذية جديدة.
ونرتدي معاطف جديدة.
ومايوهات جديدة.
والوطن عتيق ... عتيق ...؟
---------
الأدب مهم في حياة كل امة ، ولكن أهم من الأدب هو الذي يكتب.
و أهم من الموسيقى هو الذي يعزف.
و أهم من الآلة ، هو الذي يديرها.
و من الطائرة ، هو الذي يقودها .
و من الشجرة ، هو الذي يزرعها .
و من البندقية ، هو الذي يحملها .
فمن هو يا ترى الذي يكتب و يعزف و يطير و يهبط و يزرع و يصنع و يقاتل ؟؟
انه الإنسان أيها الأخوة المواطنون. فهل نال هذا الإنسان المسكين حقوقه ليؤدي واجباته؟
---------
هيا يا أخي العربي: انهض من كبوتك و تحرك. قل كلمتك و عبّر عن
آرائك و معتقداتك كما تشاء . فقد آن لرأيك أن يقال، و لمواهبك أن تتفتح، و لطاقتك
أن تستغل، و لصوتك أن يسمع و يدوي في أرجاء هذا الوطن الحبيب.
روابط ذات صلة بالموضوع :
أيمن أبولبن
27-2-2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق