من أجل الوصول الى صورة شاملة عن حقيقة ما يجري
حالياً في سوريا، يجب علينا باعتقادي أن نلقي الضوء على أربعة مواضيع
غاية في الأهمية وأن نضعها في الحسبان، وهذه المواضيع هي :
§
كيفية وصول بشار الى الحكم في سوريا
§
الوضع الداخلي في سوريا تحت حكم حزب
البعث
§
وضع سوريا الاقليمي،
وتحالفاتها في المنطقة
§
المصالح الدولية
المتضاربة في سوريا والمنطقة
دعونا
نبدأ بكيفية وصول بشار الى سدة الحكم بعد أن كان طبيباً وبعيداً كل البعد عن
السياسة.
كيف
وصل بشار الى منصب رئيس الجمهورية ؟
كان
حافظ الأسد يمهد الطريق لأبنه البكر "باسل" لتولي الحكم من بعده،
ولكن حادثا مأساويا في منتصف التسعينات أودى بحياة باسل وخلط
الأوراق في يد حافظ مما دفعه
الى الاستعانة بابنه "بشار" طبيب العيون واسناد بعض المهام اليه، تمهيدا
" فيما يبدو" لتهيئته لمنصب الرئيس مستقبلاً، ولكن
القدر لم يعطِهِ الفرصة الكاملة لتهيئة بشار، ففي مساء العاشر من حزيران من
عام الفين ميلادية، تم الاعلان عن وفاة الرئيس حافظ الأسد بعد ان أمضى ثلاثين
عاما في الرئاسة.
الغريب في الأمر
أن الوفاة حصلت باكراً ذلك الصباح، فما هو السر في تأخير اعلان الوفاة و
ماذا حصل في الكواليس خلال هذه الساعات القليلة !؟
بعد تأكيد الوفاة، اجتمع كبار
القادة والمسؤولين في حزب البعث وقرروا ان يتولى بشار الأسد نجل الرئيس
الراحل منصب الرئيس، مستبعدين بذلك خيار تولي نائب الرئيس "عبدالحليم خدام"
الحكم برغم أنه الأقرب دستورياً، بل انه الأكثر خبرة وحنكة
سياسية في الحزب، و تم ايضا استبعاد رموز اخرى من الحزب أبرزها "فاروق
الشرع" من دائرة الترشيح، وهو المعروف على الساحتين الداخلية والخارجية .
ولعل المعضلة التي واجهت قادة حزب
البعث في سبيلهم لتنصيب بشار رئيساً كانت تكمن في نقطتين اساسيتين،
النقطة الأولى هي أن الدستور السوري ينص بشكل صريح على الشروط الواجب
توفرها في الرئيس السوري او بالأصح " المرشح لمنصب الرئيس"
وهذه الشروط لا تتوافر في بشار الأسد ومن أهمها العمر، أما النقطة
الثانية فتكمن في أن الدستور ينص على الاحتكام الى الانتخابات
الديمقراطية لتسمية الرئيس.
وبما ان " لكل مشكلة
حل" فقد تم الالتفاف على الدستور وعلى الشعب وعلى حق الشعب في اختيار
الرئيس، حيث قام حزب البعث الحاكم بجمع اعضاء مجلس الشعب السوري في جلسة
غير اعتيادية، تم التصويت فيها بالاجماع على تعديل الدستور بشكل يسمح لبشار
تولي مسؤوليات الرئاسة، وتم الاعلان رسميا عن ترشيح بشار الأسد كمرشح أوحد، وتم
توليه منصب الرئاسة بعد استفتاء عام ودون الحاجة الى انتخابات رئاسية
!! في سابقة لعلها الاولى في العالم من حيث توريث
الحكم في دولة جمهورية تعتمد في الأساس على انتخاب الرئيس من
قبل الشعب، على غرار ما يحصل من توريث الحكم في الأنظمة الملكيّة .
من المعروف أن مجلس الشعب يسيطر عليه حزب
البعث وهو الحزب الحاكم بنص الدستور، كما أن مجلس الشعب مهمش أصلا، وليس له
أي أهمية تذكر في الحياة السياسية في سوريا، ومجلس الشعب هذا
هو نفسه من قال لبشار في بداية التظاهرات في العام الماضي أن
عليه أن يحكم العالم وأن حكم سوريا قليلٌ عليه.
هذا يعيدني الى ما
ذكرته في مقالة سابقة لي عن حكومات الظل العربية، حيث تتجلى الصورة هنا
بكل وضوح، في كيفية ادارة شؤون البلاد من قبل بعض
المتنفذين في حزب البعث الحاكم الذين يتحكمون في القرار
السياسي، دون الرجوع الى الدستور او الشرعية او القانون، وهذا يوضح ايضا تهميش
مبدأ "حكم الشعب للشعب" .
أثار تولي بشار الأسد
الحكم بهذه الطريقة اصداءً واسعةً من الاستهجان داخلياً وعربياً ودولياً، مما
أنذر ببداية انقسام داخل حزب البعث وأدى فيما بعد الى
اختلافات في الرؤى، وكانت من نتائجه انشقاق عبدالحليم خدام أحد رموز
الحزب وتوجهه الى اوروبا، وأدى أيضا الى استبعاد فاروق الشرع عن دائرة صنّاع
القرار، والاكتفاء بتوليه منصب نائب الرئيس شكلياً، واختفائه عن الأنظار كليا .
ولكن
المفاجاة كانت بان الرئيس الشاب استطاع أن يثبت للجميع أنه على قدر الرهان، وأن
رهان صناع القرار في الحزب عليه كان بمكانه، حيث سرق الأنظار سريعا
واستطاع في فترة قصيرة من استعادة هيبة الرئاسة، واعطائها بعداً آخرا
كان غائبا عن فترة حكم أبيه "حافظ"، فهو مُتحدّثٌ لبق يتقن فن
الخطابة، ويتحدث الانجليزية بطلاقة على عكس أبيه المُقلّ في الكلام، والذي
لا يتحدث الانجليزية اطلاقاً. سرعان ما اكتسب بشار شعبيةً واسعة، واستطاع ان يكسر
حالة الجمود التي تعاني منها سوريا دولياً وعربياً على حد سواء بتحركاته
وخطاباته ولقاءاته الاعلامية .
بدأ
بشار في ادخال بعض الاصلاحات المهمة في الاقتصاد والتعليم
ومجالات اخرى تخص معيشة المواطن السوري، بدأت سوريا عهد الانفتاح "
الخجول" وبدأت في الانتقال الى الرأسمالية " المقنّنة "
ولكن الشريحة الأكثر استفادة من جميع هذه الاصلاحات كانت مقتصرة على عائلة الأسد
وعلى دائرة ضيقة من مسؤولي الحزب، نتيجة اقتران السلطة بالمال، وهي الخطيئة التي
لا تغتفر في عالم السياسة، وظهر على الساحة اسم رامي مخلوف وهو النسخة
السورية من شخصية "أحمد عز" المصرية.
كان بشار الأسد يعلم جيداً
الخطوط الحمراء التي لا يستطيع ان يتخطاها، فلم يحاول فتح ملفات الفساد الداخلي،
وترك الملف الأمني لأخيه ماهر الذي يعتبر أهم شخصية أمنية في الحزب، ولم
يحاول التغيير في التحالفات السورية الدولية، فبقيت سوريا على
ولائها لايران وعلى دعمها لحزب الله، كما حاولت الابقاء على سيطرتها على
الأوضاع في لبنان ولم تخرج منه الا مُرغمة بعد تداعيات اغتيال رفيق
الحريري، كما انه لم يضف جديدا الى الملف السوري الأمريكي، ولم يغيّر من وضع اللا
سلم واللا حرب مع اسرائيل، وبقي معتمداً على روسيا ومن بعدها الصين في تحالفاته
مع الغرب .
لم
تشهد فترة حكم بشار اصلاحات حقيقية كما وعد في بداية حكمه،
كانت انجازاته هامشية وسطحية، لم يتغلغل الى الأسباب الحقيقة للفساد وبالتالي لم
يعالجها، لم يتمكن بشار من ادخال اصلاحيات ديمقراطية حقيقية، فأحكام الطوارىء أو
الأحكام العرفية استمرت في حكمه، وبقي الدستور كما هو دون تعديلات
حقيقية، كان واضحاً منذ البداية ان الرئيس بشار لن يكون بمقدوره السيطرة على مفاتيح
صنع القرار السياسي في البلد، وأنه سيبقى دوماً رهينةً لمن أوصله الى
سدة الحكم، والى أولئك الذين مهدوا له الطريق ليصبح واجهةً للحزب الحاكم، ويلعب
دور "الماكياج
الجميل" لوجه
العجوز "القبيح" .
وللحديث بقية ، حتى نستكمل المواضيع الأخرى ……..
أيمن أبولبن
17-2-2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق