عالَمٌ من المُفارقات
بالرغم من اعتماد القومية العربية
كرسالة ومرجعية لحزب البعث السوري، الا أن تاريخ سوريا الحديث في المنطقة العربية
يؤكد بُعد النظام السوري كل البعد عن أهم مبادىء الوحدة والقومية العربية. " أمة واحدة ذات رسالة خالدة " هذا هو الشعار الرئيس لحزب البعث، ولكن
أين هذا الشعار من الواقع العملي ؟.
عندما اندلعت الحرب العراقية
الايرانية في بداية الثمانينات من القرن الماضي، اصطف العرب جميعاً ودعموا العراق
في حربها ودفاعها عن بوابة العرب الشرقية، دفاعاً عن عُروبة منطقة الخليج في وجه
الثورة الخمينية القادمة من الشرق، وحدها سوريا شقت الصف العربي وأعلنت مساندتها
لايران !! متناسيةً بذلك شعارات الوحدة والقومية العربية، ليس هذا فحسب بل قامت
ببيع السلاح لايران لتقويته على الجار العربي، وقامت بتوقيع معاهدات تعاون اقتصادية
مع ايران خلال الحرب، واستطاعت سوريا الحصول على النفط الايراني بأسعار زهيدة
مقابل تعاونها، وبالنتيجة ألغت سوريا اتفاقية تصدير النفط العراقي عبر أراضيها،
وقامت بوقف العمل في أنابيب النفط العراقية، وأطلقت سوريا حرباً اعلاميةً شعواء
على العراق وعلى حزب البعث العراقي "المُنشق "، ومنذ ذلك الحين
والعلاقات السورية الايرانية تشهد ازدهاراً وتعاوناً وثيقاً على كافة المستويات
وبالأخص على مستوى الأمن والمخابرات .
ورغم
ادعاء النظام السوري محاربة الامبريالية الامريكية والوقوف ضد المخطط الامريكي
الاستعماري في المنطقة، الا أن سوريا انضمت الى الحلف الغربي بقيادة امريكا في
حربها ضد جارتها وشقيقتها العراق في حرب الخليج الثانية وشاركت بقوات برية على
الأرض، وأسفرت الحرب عن تدمير القدرات والمُقدّرات العراقية ودخول البلاد في حصار
اقتصادي سياسي طويل الأمد ادى في النهاية الى احتلال العراق من قبل القوات
الامريكية، وقد ساهمت سوريا في هذا الحصار بدور كبير وأساسي من خلال احكام غلق
الحدود الممتدة بين البلدين، كما فتحت هذه الحرب الباب على مصراعيه لتواجد القوات
الامريكية على الاراضي العربية، وهذا يُعد أهم هدف استراتيجي لامريكا في المنطقة،
فأين نحن من القومية العربية !؟
لماذا
يطالبنا النظام السوري اليوم بالوقوف ضد المخطط الامريكي في المنطقة !؟ ولماذا
يُلقي مُمثّله في الأمم المتحدة "بشار الجعفري" محاضرات طويلة لتعليمنا
مبادىء الوحدة والتحرر وعدم الانصياع لجهات أجنبية، ويحاول أن ينبهنا للمخطط
الامريكي الاستعماري في المنطقة !؟ ألم تشارك سوريا في دق المسمار الأخير في نعش
الوحدة العربية بدعمها للغزو الامريكي للمنطقة !!؟؟
ورغم أن سوريا تنادي بالوحدة العربية والخروج من
عباءة الاستعمار، الا انها قامت بممارسة الاستعمار الفعلي لارض جارتها لبنان لأكثر
من ثلاثين عاماً، فبعد اندلاع الحرب الأهلية في لبنان أواخر السبعينات، قررت
الجامعة العربية ارسال قوات عربية لحفظ السلام وفض الاشتباكات في لبنان، فأنبرت
سوريا لهذه المهمة ودخلت لبنان تحت لواء الجامعة العربية، وسرعان ما تحولت قوات
حفظ السلام الى قوات استعمار على الارض باختلاف المسميات، وفرضت سوريا نفسها
بالأمر الواقع لاعباً رئيسياً على الساحة اللبنانية، بل انها دخلت في آتون
الاختلافات الحزبية والعقائدية في البلد واصبح لها حلفاء وأعداء، وحصلت سوريا في
مقابل دخولها في حلف الحرب على االعراق، حصلت على الضوء الخضر أو دعونا نقول
"عدم ممانعة أمريكية" لاستمرار وجود قواتها في لبنان، ولم تخرج منه الا
مُرغمة بعد التطورات التي رافقت اغتيال رفيق الحريري .
وشهدت أيام "الاحتلال" السوري للبنان
قمعاً عاماً للحريات واعتقالاً للصحفيين المعارضين لوجود سوريا في لبنان وتعذيبهم
وتوجيه تهم مختلفة لهم، بل وصل الأمر الى نفيهم خارج البلاد.
أما عن المقاومة الفلسطينية ودعم
سوريا لها، فبالرغم من ايواء سوريا للفصائل الفلسطينية على أرضها، الا أن هذه
الفصائل جميعها كانت منشقة عن فتح، وضمها تحت لواء سوريا كان لأهداف استراتيجية في
المنطقة وامتلاك أوراق ضغط مهمة لاستخدامها وقت الحاجة، خاصة في المفاوضات وطرح
الحلول على الطاولة .
كما أن أصابع الاتهام تشير الى تورط
القوات السورية في مذبحة تل الزعتر التي راح ضحيتها 3000 لاجىء فلسطيني في لبنان
أيام الحرب الأهلية .
والحديث
عن المفارقات في الشؤون الداخلية في سوريا يطول، فسوريا دولة مصدرة للنفط ويبلغ
انتاجها قرابة 500 الف برميل يومياً، ومع هذا فالمعيشة الاقتصادية للسوريين تُعد
واحدة من أدنى مستويات المعيشة في العالم العربي، والسؤال هو أين تذهب عائدات
النفط !!؟؟ هل تعلم أن عائدات النفط في سوريا لا تدخل ضمن الموازنة العامة وأن
عائدات النفط تذهب الى القصر وتوزع على الطبقة الحاكمة !؟
الرواية الرسمية تقول ان مُجمل الانفاق السوري
من عائدات النفط يذهب الى تسليح الجيش !؟ لو افترضنا صدق هذا الحديث، الا يفترض ان
يكون هذا الجيش حالياً من أفضل الجيوش استعداداً وعتاداً وتسليحاً وتطوراً، اليس
كذلك !؟ اذا كان هذا الجيش غير قادر على استعادة أراضيه المحتلة منذ 40 عاماً فما
هي فائدة هذا الجيش !! النظام السوري يقول أنه ينفق مجمل عائدات النفط على تسليح
جيشه منذ عام 1973 وهو على أرض الواقع لم يطلق رصاصة واحدة، بل انه لم يسمح بأي
عملية تسلل الى الاراضي السورية المحتلة، وفرَضَ على الفصائل الفسطينية المتواجدة
على أرضه العمل السياسي فقط دون العسكري كشرط لاستضافتها على الاراضي السورية،
وبرغم كل ذلك ما زال الرئيس بشار الأسد يتبجح ويقول أن سوريا هي بلد مقاومة
ومُمانعة، أَتَمُنّ علينا عدم توقيعك على معاهدة سلام مع اسرائيل، واسرائيل تنعم
بكل السلام التي تريده لحدودها الشمالية معك !!
الحسنة الوحيدة للنظام السوري هو خوض غمار
حرب أكتوبر 73، ومحاولة استعادة الجولان المحتل، وقد نجحت القوات السورية في
استعادة الجولان بعد يومين فقط من اندلاع الحرب، ولكن الهجوم المضاد الاسرائيلي
اعاد السيطرة لاسرائيل، وجاء وقف اطلاق النار ليفرض الأمر الواقع على سوريا، ولكن
السؤال أين هو دور المقاومة والممانعة بعد هذه الحرب !؟ دور المقاومة والممانعة
يكون في خوض حرب استنزاف طويلة الأمد مع العدو، تنفيذ عمليات مقاومة هنا وهناك
وضرب خاصرة العدو وفرض حل استعادة الأرض مقابل تأمين الحدود، المقاومة والممانعة
تؤدي الى زيادة تكلفة الاحتفاظ بالأراضي وتأمين الحدود الجديدة من قبل العدو
الاسرائيلي، مما يدفعه للبحث عن حلول أخرى، تماماً كما حدث في جنوب لبنان والانسحاب
الاسرائيلي منها وهي مُجبرة، ودون توقيع أي معاهدة أو الحصول على أي مقابل، هذه هي
المقاومة سيدي الرئيس .
أما الحديث عن الداخل السوري
والحريات العامة ، فهو حديثٌ ذو شجون ، أتركه للمقال القادم ان شاء الله ……
أيمن أبولبن
22-2-2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق