الاثنين، 27 فبراير 2012

حقيقة الوضع في سوريا (3)



لماذا يتظاهر السوريون ؟!
  استكمالاً لحديثنا حول سوريا، دعونا اليوم نفتح ملف الوضع الداخلي، وهو ما سيتيح المجال لنا لنتوصل الى اجابات مهمة فيما يتعلق بالأسباب الحقيقة وراء خروج السوريين في مظاهرات واحتجاجات عامة أدت في النهاية الى اندلاع الثورة السورية .
   اعتمد حزب البعث على بناء دولة بوليسية مخابراتية أمنية وحارب جميع التنظيمات الأخرى، السرية منها والعلنية، الدينية والعلمانية على حد سواء، وظهر واضحاً تأثره بالسرّية التي تعتمدها التنظيمات الشيوعية والاشتراكية، وبقي يستخدم ذات الأسلوب البوليسي حتى وهو على رأس الدولة، كما أعتبرَ أن كل من يُعارضه في الرؤية هو خائنٌ لوطنه ولا مجال لقُبوله أو التعامل معه، ومصيره اما الاعدام أو النفي والتهجير.
   عمليات التصفية الأمنية كانت مُمنهجة من قبل النظام، وعمليات الاعتقال والتعذيب كذلك، وكل هذا يتم تحت مظلة أحكام الطوارىء، التي تعطي كامل الصلاحيات للأجهزة الأمنية في حرية اعتقال أيٍ كان  وتعذيب أيٍ كان، بل ووضع أي مواطن رهن الاعتقال لعشرات السنوات دون رقيب أو حسيب، ودون أي قوانين تحكم ذلك بل ودون سجلات رسمية تُفيد بأسماء المعتقلين وتواريخ اعتقالهم وأماكنهم، وذلك يُحقق المثل القائل "الداخل له مفقود والخارج منه مولود" وكم هي كثيرةٌ تلك الكتب التي قرأناها عن معتقلين أمضوا سنوات رهن الاعتقال دون تُهمة ودون مُحاكمة .
   أما عن المجازر التي أرتكبها النظام بحق شعبه فلعلّ أحداث حماة هي أهمُ شاهدٍ على دموية هذا النظام وعدم مراعاته لأدنى مبادىء الانسانية. حماة التي شهدت موجة من الاحتجاجات الشعبية عام 82 ضد النظام، سرعان ما انتشرت واتسعت لتشمل المدينة بأكملها، فما كان من النظام سوى الرد بيدٍ من حديد حيث تم محاصرة مدينة حماة من قبل الجيش وتم قصفها بالمدفعية ومن ثم اجتياحها للسيطرة على الاحتجاجات الشعبية وانهائها، وكانت حصيلة هذه الأعمال العسكرية سقوط ما بين ثلاثين الى اربعين الف ضحية مدنية خلال شهر كامل من العمليات العسكرية.
   هذا كفيلٌ بأن يعطينا فكرة واضحة عن كيفية تعامل هذا النظام مع شعبه ومع الرأي الآخر، وهذا يعكس أيضاً المنهجية التي يعتمدها النظام السوري بدليل استخدام نفس الأسلوب في مدينة حمص اليوم، فالمدينة مُحاصرة وتتعرض للقصف المدفعي وتُضرب بصواريخ المروحيات المقاتلة، تمهيداً لاقتحامها وتمشيطها من أجل القضاء على الاحتجاجات، هي هي، نفس العقلية ونفس الدموية، فأي رسالة يوجهها النظام السوري لشعبه !!!
يقول محمد الماغوط الأديب السوري المعروف بتهكمه على الأنظمة الفاسدة وعلى أوضاع الحرية في بلده والوطن العربي عموما، يقول في كتابه "سأخون وطني" :
"أليس من العار بعد كل هذا التطور العلمي والحضاري الذي حققته البشرية وبعد مئات الجامعات وآلاف المدارس التربوية و الفنية والادبية والمسرحية و الفندقية التي تغطي ارض الوطن العربي ان تظل لغة الحوار الوحيدة بين السلطة والمواطن هي الرفس وشد الشعر ! "
   ومن أهم الأمثلة على سوء تعامل الأجهزة الأمنية مع المعارضين السياسيين بل وحتى المُشتبه بهم، هي حملة الاعتقالات التي شهدتها سوريا عام 1980 عقب الاعلان عن محاولة اغتيال فاشلة للرئيس حافظ الأسد تم تحميل مسؤوليتها لجماعة الاخوان المسلمين، حيث أعلن النظام الحربَ على الاخوان المسلمين في محاولة اجتثاثهم من سوريا، وكانت مُحصلة هذه الحَملة هي اعدام ما يقارب الف سجين سياسي رمياً بالرصاص في سجن "تَدمُر" ودفنهم في الصحراء، وما زالت الأعداد الحقيقية لعدد القتلى واسمائهم وأماكن دفنهم غير معلومة حتى الآن .
   ويلتصق اسم سجن "تَدمُر" بانتهاكاتٍ لحقوق الانسان على مدار سنواتٍ عديدة، وما هذا الحدثُ الا مثالاً على الجرائم غير الانسانية التي شهدها هذا السجن على مدى سنوات طويلة وبشكل مُمنهج، وقد تم توثيق هذه الجرائم في عدة تقارير صادرة عن لجان حقوق الانسان وعن منظمات رسمية تابعة لمنظمة الأمم المتحدة .
   وللتدليل على استمرار النظام باستخدام نفس العقلية ونفس الأسلوب التعسفي والقهري، فقد تم تكرار هذه المجازر في سجن صيدنايا عام 2008 وفي أحداث القامشلي عام 2004 ضد الأكراد، ناهيك عن العنف المستخدم من النظام ضد المدنيين منذ بداية الثورة السورية وحتى الآن، وما رافقها من انتهاكات لأبسط حقوق الانسان ولأبسط الأعراف الدولية ومواثيق حقوق الانسان، فكلنا نشاهد يومياً الاعتداء على المتظاهرين السلميين، والاعتداءات على المعارضين على شتى انتماءاتهم وخلفياتهم الدينية والسياسية، عدا عن قصف المدن ومحاصرتها واستهداف الحجر والشجر بل ودور العبادة .
   تكسير الأيدي والأصابع، قلع الحناجر، الاعتقال والتعذيب والقتل، كل هذا مُباح بل ويتم بناءً على أوامر مباشرة من القيادات العليا .
يقول الله تعالى في كتابه العزيز : " وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ "
   ومن سُخرية القدر، أن أحد المعتقلين في السجون السورية، اعترف تحت التعذيب بأنه ينتمي الى جماعة الاخوان المسلمين، وبعد التدقيق في أوراقه اكتشف المحققون أنه مسيحي !! وعند سؤاله عن السبب، قال ان مصير "الاخونجي" عندكم معروف (رصاصة) ولكن ماذا سيكون مصيري لو لم أعترف !!
   والسؤال المبكي هو : ما هو مصير الألوف من المعتقلين خلال فترة الاحتجاجات الأخيرة !؟ وما هو حجم مُعاناتهم !!؟؟  
   أما الحديث عن الوضع الاقتصادي وتنمية المجتمع المحلي، فقد ذكرت احصائيات رسمية للأمم المتحدة أن نسبة الفقر بلغت في سوريا 30% بشكل عام، ووصلت معدلات الفقر في القرى والأرياف الى نسبة 60% و هو معدل عالٍ جداً، وتشير التقارير الى وجود فجوة عالية جداً في توزيع الثروات حيث تصرف الشريحة الأفقر من السوريين 7% فقط من الإنفاق العام بينما الشريحة الأغنى يصرفون 45 % من الإنفاق العام، ويعتمد معظم المواطنون على المهن الحرة أكثر من اعتمادهم على الوظائف العلمية، هذا برغم اعتماد مبدأ التعليم الالزامي  والتعليم المجاني في الجامعات السورية في ظل اعتماد الاشتراكية كمبدأ من مبادىء الدولة.
   ومن المعروف أن المجتمع السوري هو مجتمع فتيّ وشاب، و تعتبر نسبة القوى العاملة في سوريا من أعلى النسب في المنطقة ولكن سوء توزيع الثروات واقتصارها على فئة معينة بالاضافة الى الفساد المالي والاداري وانخفاض كفاءة التعليم واعتماد المحسوبية في التوظيف بالاضافة الى قلة برامج التدريب، وشُح وسائل التكنولوجيا الحديثة، وضعف اللغة الانجليزية كل هذا أدى الى تعطيل هذه القوى العاملة وعدم الاستفادة منها، بل ان سوريا تعاني من بطالة عالية تفوق 15%، وتشير الدراسات الى أن أكثر من 35% من خريجي الجامعات يعملون بمهن أو وظائف لا تتوافق مع شهاداتهم العلمية .
   ووفق دراسة نشرها منتدى الاقتصاد العالمي عن العام  2010 وشملت 139 دولة، احتلت سوريا المرتبة 97 في التقييم العام ، على اعتبار ترتيب الدول من الأفضل الى الأسوأ تصاعدياً، واليكم بعض المؤشرات وترتيب سوريا بين بقية الدول :
·         المرتبة رقم 116 من ناحية الرشاوى والأموال غير القانونية!!
·         المرتبة رقم 95 من ناحية البنية التحتية
·         المرتبة رقم 133 من حيث اعتماد الكفاءة في تولي المناصب الادارية!!
·         المرتبة رقم 109 من حيث جودة نظام التعليم
·         المركز الأخير من حيث البرامج التدريبية للعاملين!!
·         المرتبة رقم 126 من حيث توافر وسائل التكنولوجيا
  هذه الأرقام تؤكد ما سبق وأن ناقشناه في مواضيعنا حول سوريا، وتوضح بشكل لا يدع مجالاً للشك الأوضاع المُتردية التي يعيشها الشعب السوري من ناحية الحالة الاقتصادية وحقوق الانسان ونوعية الحياة، والحُرّيات العامة، ناهيك عن الواسطة والمحسوبية والحزبية والفساد المالي والاداري .
  النظام السوري قام بالاستيلاء قديماً على مُقدرات الشعب بإسم الاشتراكية، ثم استولى عليها حديثاً باسم الانفتاح والرأسمالية، وما زال مستمراً باطلاق الوعود الفارغة، ويُصرُّ على ترديد شعارات رنّانة طواها الزمن منذ أعوام. ما زال هذا النظام يعيش بعقلية ستينات القرن الماضي ويريد أن يُقنعنا أنه قادر على إحلال الديمقراطية في البلاد وقيادتها نحو مستقبلٍ مُشرق في ظل تعددية ومواطنة حقيقية وشفافيّة، "آلآن وقد عصيتَ قبل وكنتَ من المُفسدين" !!
  أتمنى أن أكون قد أجبت عن أسئلة كانت تُحيّر الكثيرين عن حقيقة الأوضاع في سوريا، أترككم  مع مختارات من كتاب الأديب السوري الراحل محمد الماغوط "سأخون وطني" :

مشكلتي في هذا الوطن انني احترم كل شيء فيه حتى قمامته .. بدليل وانا عائد في آخر الليل سقط عليَّ كيس قمامة .. فلم احتج .. ولم انفضها حتى عن ثيابي .. لأنني من طريقة سقوطها علي .. عرفت أنها زبالة مدعومة !
---------
أيها العرب، استحلفكم بما تبقى في هذه الأمة من طفولة وحب وصداقة وأشجار وطيور وسحب وأنهار وفراشات
استحلفكم بتحية أعلامها عند الصباح وإطراقة جبينها عند المساء، لقد جربتم الارهاب سنين وقروناً طويلة وها أنتم ترون إلى أين أودى بشعوبكم.
جربوا الحرية يوماً واحداً لتروا كم هي شعوبكم كبيرة .. وكم هي اسرائيل صغيرة 
---------
ما جدوى اصدار كتب جديدة؟
وشق طرق جديدة؟
وركوب سيارات جديدة.
وإجراء انتخابات جديدة.
بل ما جدوى ان ننتعل أحذية جديدة.
ونرتدي معاطف جديدة.
ومايوهات جديدة.
والوطن عتيق ... عتيق ...؟ 
--------- 

الأدب مهم في حياة كل امة ، ولكن أهم من الأدب هو الذي يكتب.

و أهم من الموسيقى هو الذي يعزف.

و أهم من الآلة ، هو الذي يديرها.

و من الطائرة ، هو الذي يقودها .

و من الشجرة ، هو الذي يزرعها .

و من البندقية ، هو الذي يحملها .

فمن هو يا ترى الذي يكتب و يعزف و يطير و يهبط و يزرع و يصنع و يقاتل ؟؟

انه الإنسان أيها الأخوة المواطنون. فهل نال هذا الإنسان المسكين حقوقه ليؤدي واجباته؟ 
--------- 
هيا يا أخي العربي: انهض من كبوتك و تحرك. قل كلمتك و عبّر عن آرائك و معتقداتك كما تشاء . فقد آن لرأيك أن يقال، و لمواهبك أن تتفتح، و لطاقتك أن تستغل، و لصوتك أن يسمع و يدوي في أرجاء هذا الوطن الحبيب

 روابط ذات صلة بالموضوع :


أيمن أبولبن
27-2-2012

الأربعاء، 22 فبراير 2012

حقيقة الوضع في سوريا (2)



عالَمٌ من المُفارقات
  
 بالرغم من اعتماد القومية العربية كرسالة ومرجعية لحزب البعث السوري، الا أن تاريخ سوريا الحديث في المنطقة العربية يؤكد بُعد النظام السوري كل البعد عن أهم مبادىء الوحدة والقومية العربية.  " أمة واحدة ذات رسالة خالدة " هذا هو الشعار الرئيس لحزب البعث، ولكن أين هذا الشعار من الواقع العملي ؟.
   عندما اندلعت الحرب العراقية الايرانية في بداية الثمانينات من القرن الماضي، اصطف العرب جميعاً ودعموا العراق في حربها ودفاعها عن بوابة العرب الشرقية، دفاعاً عن عُروبة منطقة الخليج في وجه الثورة الخمينية القادمة من الشرق، وحدها سوريا شقت الصف العربي وأعلنت مساندتها لايران !! متناسيةً بذلك شعارات الوحدة والقومية العربية، ليس هذا فحسب بل قامت ببيع السلاح لايران لتقويته على الجار العربي، وقامت بتوقيع معاهدات تعاون اقتصادية مع ايران خلال الحرب، واستطاعت سوريا الحصول على النفط الايراني بأسعار زهيدة مقابل تعاونها، وبالنتيجة ألغت سوريا اتفاقية تصدير النفط العراقي عبر أراضيها، وقامت بوقف العمل في أنابيب النفط العراقية، وأطلقت سوريا حرباً اعلاميةً شعواء على العراق وعلى حزب البعث العراقي "المُنشق "، ومنذ ذلك الحين والعلاقات السورية الايرانية تشهد ازدهاراً وتعاوناً وثيقاً على كافة المستويات وبالأخص على مستوى الأمن والمخابرات .
  
   ورغم ادعاء النظام السوري محاربة الامبريالية الامريكية والوقوف ضد المخطط الامريكي الاستعماري في المنطقة، الا أن سوريا انضمت الى الحلف الغربي بقيادة امريكا في حربها ضد جارتها وشقيقتها العراق في حرب الخليج الثانية وشاركت بقوات برية على الأرض، وأسفرت الحرب عن تدمير القدرات والمُقدّرات العراقية ودخول البلاد في حصار اقتصادي سياسي طويل الأمد ادى في النهاية الى احتلال العراق من قبل القوات الامريكية، وقد ساهمت سوريا في هذا الحصار بدور كبير وأساسي من خلال احكام غلق الحدود الممتدة بين البلدين، كما فتحت هذه الحرب الباب على مصراعيه لتواجد القوات الامريكية على الاراضي العربية، وهذا يُعد أهم هدف استراتيجي لامريكا في المنطقة، فأين نحن من القومية العربية !؟
 
   لماذا يطالبنا النظام السوري اليوم بالوقوف ضد المخطط الامريكي في المنطقة !؟ ولماذا يُلقي مُمثّله في الأمم المتحدة "بشار الجعفري" محاضرات طويلة لتعليمنا مبادىء الوحدة والتحرر وعدم الانصياع لجهات أجنبية، ويحاول أن ينبهنا للمخطط الامريكي الاستعماري في المنطقة !؟ ألم تشارك سوريا في دق المسمار الأخير في نعش الوحدة العربية بدعمها للغزو الامريكي للمنطقة !!؟؟
ورغم أن سوريا تنادي بالوحدة العربية والخروج من عباءة الاستعمار، الا انها قامت بممارسة الاستعمار الفعلي لارض جارتها لبنان لأكثر من ثلاثين عاماً، فبعد اندلاع الحرب الأهلية في لبنان أواخر السبعينات، قررت الجامعة العربية ارسال قوات عربية لحفظ السلام وفض الاشتباكات في لبنان، فأنبرت سوريا لهذه المهمة ودخلت لبنان تحت لواء الجامعة العربية، وسرعان ما تحولت قوات حفظ السلام الى قوات استعمار على الارض باختلاف المسميات، وفرضت سوريا نفسها بالأمر الواقع لاعباً رئيسياً على الساحة اللبنانية، بل انها دخلت في آتون الاختلافات الحزبية والعقائدية في البلد واصبح لها حلفاء وأعداء، وحصلت سوريا في مقابل دخولها في حلف الحرب على االعراق، حصلت على الضوء الخضر أو دعونا نقول "عدم ممانعة أمريكية" لاستمرار وجود قواتها في لبنان، ولم تخرج منه الا مُرغمة بعد التطورات التي رافقت اغتيال رفيق الحريري .
وشهدت أيام "الاحتلال" السوري للبنان قمعاً عاماً للحريات واعتقالاً للصحفيين المعارضين لوجود سوريا في لبنان وتعذيبهم وتوجيه تهم مختلفة لهم، بل وصل الأمر الى نفيهم خارج البلاد.
   أما عن المقاومة الفلسطينية ودعم سوريا لها، فبالرغم من ايواء سوريا للفصائل الفلسطينية على أرضها، الا أن هذه الفصائل جميعها كانت منشقة عن فتح، وضمها تحت لواء سوريا كان لأهداف استراتيجية في المنطقة وامتلاك أوراق ضغط مهمة لاستخدامها وقت الحاجة، خاصة في المفاوضات وطرح الحلول على الطاولة .
  كما أن أصابع الاتهام تشير الى تورط القوات السورية في مذبحة تل الزعتر التي راح ضحيتها 3000 لاجىء فلسطيني في لبنان أيام الحرب الأهلية .
 
   والحديث عن المفارقات في الشؤون الداخلية في سوريا يطول، فسوريا دولة مصدرة للنفط ويبلغ انتاجها قرابة 500 الف برميل يومياً، ومع هذا فالمعيشة الاقتصادية للسوريين تُعد واحدة من أدنى مستويات المعيشة في العالم العربي، والسؤال هو أين تذهب عائدات النفط !!؟؟ هل تعلم أن عائدات النفط في سوريا لا تدخل ضمن الموازنة العامة وأن عائدات النفط تذهب الى القصر وتوزع على الطبقة الحاكمة !؟
  
    الرواية الرسمية تقول ان مُجمل الانفاق السوري من عائدات النفط يذهب الى تسليح الجيش !؟ لو افترضنا صدق هذا الحديث، الا يفترض ان يكون هذا الجيش حالياً من أفضل الجيوش استعداداً وعتاداً وتسليحاً وتطوراً، اليس كذلك !؟ اذا كان هذا الجيش غير قادر على استعادة أراضيه المحتلة منذ 40 عاماً فما هي فائدة هذا الجيش !! النظام السوري يقول أنه ينفق مجمل عائدات النفط على تسليح جيشه منذ عام 1973 وهو على أرض الواقع لم يطلق رصاصة واحدة، بل انه لم يسمح بأي عملية تسلل الى الاراضي السورية المحتلة، وفرَضَ على الفصائل الفسطينية المتواجدة على أرضه العمل السياسي فقط دون العسكري كشرط لاستضافتها على الاراضي السورية، وبرغم كل ذلك ما زال الرئيس بشار الأسد يتبجح ويقول أن سوريا هي بلد مقاومة ومُمانعة، أَتَمُنّ علينا عدم توقيعك على معاهدة سلام مع اسرائيل، واسرائيل تنعم بكل السلام التي تريده لحدودها الشمالية معك !!
   
 الحسنة الوحيدة للنظام السوري هو خوض غمار حرب أكتوبر 73، ومحاولة استعادة الجولان المحتل، وقد نجحت القوات السورية في استعادة الجولان بعد يومين فقط من اندلاع الحرب، ولكن الهجوم المضاد الاسرائيلي اعاد السيطرة لاسرائيل، وجاء وقف اطلاق النار ليفرض الأمر الواقع على سوريا، ولكن السؤال أين هو دور المقاومة والممانعة بعد هذه الحرب !؟ دور المقاومة والممانعة يكون في خوض حرب استنزاف طويلة الأمد مع العدو، تنفيذ عمليات مقاومة هنا وهناك وضرب خاصرة العدو وفرض حل استعادة الأرض مقابل تأمين الحدود، المقاومة والممانعة تؤدي الى زيادة تكلفة الاحتفاظ بالأراضي وتأمين الحدود الجديدة من قبل العدو الاسرائيلي، مما يدفعه للبحث عن حلول أخرى، تماماً كما حدث في جنوب لبنان والانسحاب الاسرائيلي منها وهي مُجبرة، ودون توقيع أي معاهدة أو الحصول على أي مقابل، هذه هي المقاومة سيدي الرئيس .

   أما الحديث عن الداخل السوري والحريات العامة ، فهو حديثٌ ذو شجون ، أتركه للمقال القادم ان شاء الله …… 

أيمن أبولبن
22-2-2012

الجمعة، 17 فبراير 2012

حقيقة الوضع في سوريا (1)



   من أجل الوصول الى صورة شاملة عن حقيقة ما يجري حالياً في سوريا، يجب علينا باعتقادي أن نلقي الضوء على أربعة مواضيع غاية في الأهمية وأن نضعها في الحسبان، وهذه المواضيع هي :

§                                       كيفية وصول بشار الى الحكم في سوريا
§                                       الوضع الداخلي في سوريا تحت حكم حزب البعث
§                                       وضع سوريا الاقليمي، وتحالفاتها في المنطقة
§                                       المصالح الدولية المتضاربة في سوريا والمنطقة
   دعونا نبدأ بكيفية وصول بشار الى سدة الحكم بعد أن كان طبيباً وبعيداً كل البعد عن السياسة.
   كيف وصل بشار الى منصب رئيس الجمهورية ؟
   
   كان حافظ الأسد يمهد الطريق لأبنه البكر "باسل" لتولي الحكم من بعده، ولكن حادثا مأساويا في منتصف التسعينات أودى بحياة باسل وخلط الأوراق في يد حافظ  مما دفعه الى الاستعانة بابنه "بشار" طبيب العيون واسناد بعض المهام اليه، تمهيدا " فيما يبدو"  لتهيئته لمنصب الرئيس مستقبلاً، ولكن القدر لم يعطِهِ الفرصة الكاملة لتهيئة بشار، ففي مساء العاشر من حزيران من عام الفين ميلادية، تم الاعلان عن وفاة الرئيس حافظ الأسد بعد ان أمضى ثلاثين عاما في الرئاسة.

 الغريب في الأمر أن الوفاة حصلت باكراً ذلك الصباح، فما هو السر في تأخير اعلان الوفاة و ماذا حصل في الكواليس خلال هذه الساعات القليلة !؟
  
  بعد تأكيد الوفاة، اجتمع كبار القادة والمسؤولين في حزب البعث وقرروا ان يتولى بشار الأسد نجل الرئيس الراحل منصب الرئيس، مستبعدين بذلك خيار تولي نائب الرئيس "عبدالحليم خدام" الحكم برغم أنه الأقرب دستورياً، بل انه الأكثر خبرة وحنكة سياسية في الحزب، و تم ايضا استبعاد رموز اخرى من الحزب أبرزها "فاروق الشرع" من دائرة الترشيح، وهو المعروف على الساحتين الداخلية والخارجية .
  
 ولعل المعضلة التي واجهت قادة حزب البعث في سبيلهم لتنصيب بشار رئيساً كانت تكمن في نقطتين اساسيتين، النقطة الأولى هي أن الدستور السوري ينص بشكل صريح على الشروط الواجب توفرها في الرئيس السوري او بالأصح " المرشح لمنصب الرئيس" وهذه الشروط لا تتوافر في بشار الأسد ومن أهمها العمر، أما النقطة الثانية فتكمن في أن الدستور ينص على الاحتكام الى الانتخابات الديمقراطية لتسمية الرئيس.
    
 وبما ان " لكل مشكلة حل" فقد تم الالتفاف على الدستور وعلى الشعب وعلى حق الشعب في اختيار الرئيس، حيث قام حزب البعث الحاكم بجمع اعضاء مجلس الشعب السوري في جلسة غير اعتيادية، تم التصويت فيها بالاجماع على تعديل الدستور بشكل يسمح لبشار تولي مسؤوليات الرئاسة، وتم الاعلان رسميا عن ترشيح بشار الأسد كمرشح أوحد، وتم توليه منصب الرئاسة بعد استفتاء عام ودون الحاجة الى انتخابات رئاسية !! في سابقة لعلها الاولى في العالم من حيث توريث الحكم في دولة جمهورية تعتمد في الأساس على انتخاب الرئيس من قبل الشعب، على غرار ما يحصل من توريث الحكم في الأنظمة الملكيّة .
   
  من المعروف أن مجلس الشعب يسيطر عليه حزب البعث وهو الحزب الحاكم بنص الدستور، كما أن مجلس الشعب مهمش أصلا، وليس له أي أهمية تذكر في الحياة السياسية في سوريا، ومجلس الشعب هذا هو نفسه من قال لبشار في بداية التظاهرات في العام الماضي أن عليه أن يحكم العالم وأن حكم سوريا قليلٌ عليه.
    هذا يعيدني الى ما ذكرته في مقالة سابقة لي عن حكومات الظل العربية، حيث تتجلى الصورة هنا بكل وضوح، في كيفية ادارة شؤون البلاد من قبل بعض المتنفذين في حزب البعث الحاكم الذين يتحكمون في القرار السياسي، دون الرجوع الى الدستور او الشرعية او القانون، وهذا يوضح ايضا تهميش مبدأ "حكم الشعب للشعب" .
    أثار تولي بشار الأسد الحكم بهذه الطريقة اصداءً واسعةً من الاستهجان داخلياً وعربياً ودولياً، مما أنذر ببداية انقسام داخل حزب البعث وأدى فيما بعد الى اختلافات في الرؤى، وكانت من نتائجه انشقاق عبدالحليم خدام أحد رموز الحزب وتوجهه الى اوروبا، وأدى أيضا الى استبعاد فاروق الشرع عن دائرة صنّاع القرار، والاكتفاء بتوليه منصب نائب الرئيس شكلياً، واختفائه عن الأنظار كليا .
    
    ولكن المفاجاة كانت بان الرئيس الشاب استطاع أن يثبت للجميع أنه على قدر الرهان، وأن رهان صناع القرار في الحزب عليه كان بمكانه، حيث سرق الأنظار سريعا واستطاع في فترة قصيرة من استعادة هيبة الرئاسة، واعطائها بعداً آخرا كان غائبا عن فترة حكم أبيه "حافظ"، فهو مُتحدّثٌ لبق يتقن فن الخطابة، ويتحدث الانجليزية بطلاقة على عكس أبيه المُقلّ في الكلام، والذي لا يتحدث الانجليزية اطلاقاً. سرعان ما اكتسب بشار شعبيةً واسعة، واستطاع ان يكسر حالة الجمود التي تعاني منها سوريا دولياً وعربياً على حد سواء بتحركاته وخطاباته ولقاءاته الاعلامية .
    
   بدأ بشار في ادخال بعض الاصلاحات المهمة في الاقتصاد والتعليم ومجالات اخرى تخص معيشة المواطن السوري، بدأت سوريا عهد الانفتاح " الخجول" وبدأت في الانتقال الى الرأسمالية " المقنّنة " ولكن الشريحة الأكثر استفادة من جميع هذه الاصلاحات كانت مقتصرة على عائلة الأسد وعلى دائرة ضيقة من مسؤولي الحزب، نتيجة اقتران السلطة بالمال، وهي الخطيئة التي لا تغتفر في عالم السياسة، وظهر على الساحة اسم رامي مخلوف وهو النسخة السورية من شخصية "أحمد عز" المصرية.
   كان بشار الأسد يعلم جيداً الخطوط الحمراء التي لا يستطيع ان يتخطاها، فلم يحاول فتح ملفات الفساد الداخلي، وترك الملف الأمني لأخيه ماهر الذي يعتبر أهم شخصية أمنية في الحزب، ولم يحاول التغيير في التحالفات السورية الدولية، فبقيت سوريا على ولائها لايران وعلى دعمها لحزب الله، كما حاولت الابقاء على سيطرتها على الأوضاع في لبنان ولم تخرج منه الا مُرغمة بعد تداعيات اغتيال رفيق الحريري، كما انه لم يضف جديدا الى الملف السوري الأمريكي، ولم يغيّر من وضع اللا سلم واللا حرب مع اسرائيل، وبقي معتمداً على روسيا ومن بعدها الصين في تحالفاته مع الغرب .
  
    لم تشهد فترة حكم بشار اصلاحات حقيقية كما وعد في بداية حكمه، كانت انجازاته هامشية وسطحية، لم يتغلغل الى الأسباب الحقيقة للفساد وبالتالي لم يعالجها، لم يتمكن بشار من ادخال اصلاحيات ديمقراطية حقيقية، فأحكام الطوارىء أو الأحكام العرفية استمرت في حكمه، وبقي الدستور كما هو دون تعديلات حقيقية، كان واضحاً منذ البداية ان الرئيس بشار لن يكون بمقدوره السيطرة على مفاتيح صنع القرار السياسي في البلد، وأنه سيبقى دوماً رهينةً لمن أوصله الى سدة الحكم، والى أولئك الذين مهدوا له الطريق ليصبح واجهةً للحزب الحاكم، ويلعب دور "الماكياج الجميل"  لوجه العجوز "القبيح" .

وللحديث بقية ، حتى نستكمل المواضيع الأخرى ……..

أيمن أبولبن
17-2-2012 

الخميس، 9 فبراير 2012

من لَهُ ثمن …… لا يُؤتَمَن



   في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، توجهتُ الى دمشق حاملاً معي شهاداتي وآمالي في أن يحالفني الحظ في الحصول على مقعدٍ جامعيٍ في احدى جامعاتها، وفي طريقي الى دمشق رأيت العجب العُجاب، وعُدت بخُفّي حُنين .
   بدايةً وعلى الحُدود السورية شاهدت بأم عيني موظف الحدود وهو يُقلّب جوازات السفر بحثاً عن ورقة الخمسين ليرة، رأيته يُكدّس أمامه جميع الجوازات التي لا تحتوي على "كرت غوار"، ويقوم بتختيم الجوازات "المحترمة" بأداءٍ عالٍ وهمّة متناهية، رأيت موظف تفتيش الجمارك يتلقّى الهدايا وباكيتات الدخان ويغُضّ النظر عن حمولة السيارة ولو كان فيها قتيلاً !!
    وقفتُ على الدور لأصادق على شهاداتي أمام احدى الوزارات الرسمية المختصة، واكتشفت اني كنت ساذجاً جداً لاعتقادي ان الأمور تتم على طبيعتها وأن موظف تصديق الشهادات يؤدي عمله بنزاهة. جاءني ولدٌ صغير وطلب مني مبلغاً على ما أذكر انه كان مئة ليرة من أجل تختيم الشهادة، نهرتُهُ وظننت أنه يريد استغفالي، سخر مني وقال : هل تعتقد انك بوقوفك في هذا الصف ستصل الى الموظف وتختم شهادتك هكذا "مجانا" ؟! قلت له ولِمَ لا، ألسنا في وزارة حكومية رسمية وأوراقي سليمة !! تبسّمَ وحاله يقول :انتظر وسوف ترى، وبالفعل في نهاية الأمر لم أصل الى داخل المبنى، ولم أرَ وجه الموظف، ولكني حصلت على تصديق الشهادة !!!
     
 تَذكّرتُ المثل الشعبي "من لهُ ثمَن لا يُؤتَمَن" وأدركت أن نظاماً يقومُ على الفسادِ والرشاوى والأتاوات، لا يُؤمّل عليه، وتساءلت ببراءة ما دام تصديق الشهادة يتم بمائة ليرة سورية، فكم يكون يا ترى ثمن الحصول على شهادة جامعية دون الجلوس على مقاعد الدراسة !؟ ماذا عن الحصول على وظيفة !؟ كل شيء وله ثمن في هذا البلد.

   عندما تكون سائحاً في دمشق سيتهافت عليك البائعون من كل مكان، كلٌّ له بضاعة ويريد ان يروّجها، شقة مفروشة، بائعات الهوى، ملاهي ليلية، أطلب وتمنى وعيش حياتك، وعلى الطرف الآخر تجد المواطن السوري "الغلبان" الذي يُصارع الحياة من بزوغ الشمس حتى غروبها ليبحث عن لقمة عيشه، المواطن السوري الذي تركَته دولته يلهث وراء الرشاوى والأتاوات وأكل الحرام، حتى يستر على نفسه وعلى عائلته.
  
 في طريق العودة، راجعتُ ما شاهدت هناك،وكم شعرت بغُصّة في الحلق من أحوال هذا البلد، وكم شعرت بالسخط على نظامه وعلى حزب البعث الأوحد، وكم شعرتُ بالأسى على حال مواطنيه البسطاء، وتذكرت ذلك الشاب الذي التقيت به في احدى الحافلات، وأخبرني أنه طالبٌ في النهار وعاملٌ في أحد المطاعم ليلاً، وبرغم حاجته الا أنه دفع تذاكر تلك الحافلة عني، وأصرّ على دعوتي أنا وزملائي الذين رافقوني في الرحلة الى المطعم الذي يعمل به، كم أنت رائع ببساطتك ايها الشعب السوري.

  عندما وصلت بنا الحافلة الى منطقة الشميساني – العبدلي، كان معنا في الباص بعض السوريين الذين يأتون الى عمان لأول مرة، وشاهدت المفاجاة على أعينهم عندما رأوا السيارات الحديثة في الشوارع، وعندما رأوا بنايات عمان ذات الحجر الأبيض المميز، وزادني ذلك المشهد غصة فوق غصة.
   
في اوائل التسعينات، هبت عاصفة السلام على المنطقة برعاية امريكية، وجَلَست جميعُ الأطراف على الطاولة، وبعدها بسنوات قليلة، تم توقيع معاهدات السلام بين جميع دول المنطقة باستثناء سوريا " الأبيّة " سخرت وقتها في سرّي وقلت : يبدو أن الثمن المطلوب هذه المرة باهظٌ للغاية ويتجاوز الميزانية الامريكية المرصودة لهذه العملية !!!! ولكني لا أُخفي أني سُررت بنشاز سوريا عن الخطة الامريكية للمنطقة، نكاية في امريكا وفي اسرائيل .
  
في اواخر التسعينات، عدت الى سوريا من جديد، في رحلة سياحية الى دمشق والمصايف، كان بادياً للعيان أن الأحوال في تحسن، على الأقل في الأمور الظاهرية، ولكن النظام هو النظام، والسيستم ما زال يعمل ويدور كالطاحونة الهولندية، ما زالت ملامح البؤس تطغى على المكان والأناس، هناك شيءٌ مفقود، هناك حاجة ملحة في أذهانهم ما زالوا يبحثون عنها، وعندما ضاق بهم الأمر، أعلنوها مدوية في شوارع درعا وانتقلت كالنار في الهشيم الى باقي المناطق، حريّة …. حريّة و بس .

  وللحديث بقية ……

 أيمن أبولبن
9-2-2012