الجمعة، 30 أبريل 2010

ماذا تعني خسارة "البارشا"



   عندما يخسر فريقك المفضل احدى المباريات المهمة ، فإنك بالتأكيد ستكون عرضة للهجوم من أصدقائك " المتشمتين " والمتعصبين لفرق أخرى ، وهذا يعني أنك ستعاني طويلاً من "المسجات" المزعجة ، وامتلاء موبايلك بها ليلة المباراة ، وحتى صبيحة اليوم التالي ، وعندما تجلس أمام كمبيوترك الشخصي ، فإنك ستجد بالتأكيد عددا من الايميلات ، التي "تبارك" لك الخسارة ، وعندما تدخل على صفحتك على موقع الفيسبوك ، فستجدها مليئة بالمداخلات ، وبالتعليقات المستفزة.

  يقول هتلر : "لا تُقدّم التبريرات ، فعندما تكون منتصراً ، لن يطلب احد منك تبريرات للنجاح ، وعندما تكون مهزوماً ، فالأفضل لك أن لا تكون موجوداً ، كي لا تبرر هزيمتك ".  ولذلك لن اخوض في سرد تبريرات الهزيمة ، الموجودة بالفعل ، لأن ذلك لن يغير شيئاً من الواقع ، ولن يخفف من آثار  الهزيمة النفسية ، فبعد انتظار انطلاقة المباراة قبل أيام من انطلاقتها ، وانحباس الأنفاس طيلة تسعين دقيقة واكثر بعد انطلاقتها ، وما يتخللها من قفزات وتأوهات على كل فرصة ضائعة ، وما يجتاحك من عصبية على أداء سيء لأحد اللاعبين ، أو على قرار مجحف من حكم المباراة ، وما تشعر به من انقباضات في القلب مع مضي كل دقيقة ، وترقب مصحوب بجلسة القرفصاء في اللحظات الحرجة ، مع الدعاء بالتوفيق ، تأتي صافرة النهاية ، لتدق ساعة الحقيقة ، وتكتشف ان فريقك المفضل خرج خاسراً ، وفقد أحد أهم الألقاب لهذا الموسم .

   شعور بالإحباط ، وفقدان الرغبة بالكلام ، وشعور عارم بالهزيمة ، وفقدان الرغبة في التواصل مع الآخرين ، وميول جارف للوحدة ، هذا ما يسيطر عليك ، بعد سماعك لصافرة النهاية، وتستمر هذه الحالة لأجل ليس بقريب .

   وعندما يكون فريقك المفضل هو "البارشا" ، فإن هذه الخسارة ، ليست كأي خسارة ، وآثارها ستمتد لأيام ، وليس لمجرد ساعات .

   تقول لي زوجتي مُحاولةً اخراجي من هذه الحالة "انها مجرد مباراة !!"  ولكنها في الحقيقة أكثر من ذلك ، بالنسبة لي هي إدمان كروي جارف ، بدأ منذ زمن بعيد ، منذ الصغر ، ومنذ بدء عشقي لهذه الكرة ، ما زلت أذكر أول مباراة أتابعها لهذا الفريق ، كانت في بداية الثمانينات ، ضمن بطولة اوروبا (دوري ابطال اوروبا حالياً)، كنت صغيراً ، وكانت تلك الايام هي بدايات متابعتي لهذه اللعبة ، كان التلفزيون الأردني وقتها ينقل مباريات الدوري الألماني ، وبعض المباريات الاوروبية ، ما شدني في هذه المبارة ، هو اعلان التلفزيون الاردني ، انه سيقوم باعادة بث مباراة برشلونة ( ولا أذكر الفريق الآخر الآن ) بناءً على رغبة الجمهور في اعادة هذه المباراة المميزة ، شدّني هذا الاعلان ، وقررت متابعة المباراة ، وما زلت أذكر دهشتي ، وانبهاري بهذه المباراة ، وبأداء هذا الفريق الذي لم أكن أعلم عنه شيئا ، ولا اعرف أحدا من لاعبيه ، كان أداؤهم مبهراً بمعنى الكلمة ، كانوا يتمتعون بمهارات فردية خارقة ، ولكن الأجمل من ذلك ، أن هذه المهارات يتم تسخيرها لمصلحة الفريق ، وهذا ما لم يكن مألوفاً في عالم كرة القدم أنذاك ، أذكر أن المباراة كانت باللونين الابيض والاسود ، رغم ان التلفزيون الذي نملكه كان ملوناً حينها ، ولكن التلفزيون الاردني قام ببثها بالابيض والاسود ، ولم اعرف وقتها ما هو لون فانيلة هذا الفريق ، الذي اصبح الفريق رقم واحد في قلبي بعدها، لا يشاركه هذه المنزلة سوى المنتخب البرازيلي ، الذي أبهر العالم في عام 82 ، وما زال حتى الآن .

   ومن المفارقات أن برشلونة عندما أراد أن يحتفل بالذكرى المئوية على تأسيسه في عام 1999 ، قام بدعوة المنتخب الأول على العالم وقتها ، المنتخب البرازيلي ، وكانت فرصة نادرة ولم تتكرر حتى الآن ، لمشاهدة فريقي المفضل ، ضد المنتخب المفضل لدي ، وانتهت وقتها المباراة بالتعادل بهدفين .

 فريق برشلونة هو عبارة عن مدرسة كروية ، استطاعت ان تحافظ على ارثها ، منذ فترة السبعينات وحتى الان ، تقوم على اساس انجاب وتأهيل الناشئين من ابناء النادي ليصبحوا لاعبين مميزين ليس على مستوى النادي وحسب ، بل وعلى مستوى العالم ، واصبح هذا النادي يُقدم لنا جيلاً كروياً يتلوه جيلٌ كروي آخر ، يحمل نفس الرسالة ، اللعب الجميل الأخاذ والمحافظة على المتعة الكروية ، متبنياً مبدأ اللعب الهجومي المفتوح .
   على مدى السنوات الماضية لعب لهذا الفريق افضل اللاعبين على مستوى العالم ، امثال كرويف ، مارادونا ، روماريو ، رونالدو ، ريفالدو ، رونالدينهو ، وآخرين ، والشيء المميز ، ان هؤلاء اللاعبين عندما لعبوا للبارشا ، تطور اداؤهم للافضل ، وقدموا افضل ما لديهم ، وهذا دليل على قوة هذه المدرسة الكروية ، ولعل الظاهرة ميسي ، الذي نشأ وترعرع في مدرسة برشلونة منذ كان عمره ثلاثة عشر عاما ، ليصبح افضل لاعب في العالم ، هو اقوى دليل على نجاح هذه المدرسة . 

      قبل يومين ، خسر البارشا مباراة النصف النهائي لدوري ابطال اوروبا (في مجموع المباراتين) ، امام انتر ميلان الايطالي ،و قبل عام واحد وفي نفس الدور (النصف النهائي) ، تأهل برشلونة على حساب تشلسي في مباراة عصيبة ، ومثيرة للجدل وقتها ، في عدم احتساب الحكم لضربة جزاء لصالح تشلسي ، وكلنا نذكر كيف قام لاعبو تشلسي بالاحتجاج على الحكم ، بل وحاولوا الاعتداء عليه في الملعب وخارجه .

    قبل يومين ، تغاضى الحكم عن احتساب ضربة جزاء لبرشلونة ، وكلنا شاهدنا قميص ابراهيموفيتس الممزق نتيجة الشد من لاعبي الخصم ، وفي الدقائق القاتلة ، سجل برشلونة هدفاً ثانياً كان كفيلاً بنقله الى المباراة النهائية ، ولكن الحكم قام بالغاء الهدف ، وبعد الاعادة والتحليل (التحكيمي) على قناة الجزيرة الرياضية ، تأكدت صحة الهدف وصحة ضربتي جزاء لمصلحة البارشا ، وتأكد أن برشلونة حُرم من تأهل مستحق للمباراة النهائية .

  الفارق بين هاتين الحادثتين ، أننا لم نشاهد اي اعتراض من لاعبي برشلونة على الحكم ، لم يصرخوا في وجهه ، ولم يعتدوا عليه ، ولم يلاحقوه في جنبات الملعب ، ولم يهددوه ، لانهم يدركون انهم يمثلون ناديا ، هو اكثر من مجرد نادي ، انه برشلونة .

   عندما يخسر برشلونة امام فريق الانتر الايطالي ، والذي بالمناسبة لم يلعب له اي لاعب ايطالي في هذه المباراة ، ولكنه ما زال يحمل اسم " الايطالي " ، في احدى مفارقات الكرة العالمية الحالية ، التي اصبحت تعتمد على المادة والتسويق واصبحت صناعة وتجارة مقاولات . اقول عندما يخسر برشلونة ، فان هذه الخسارة ، هي خسارة للكرة الهجومية امام الكرة الدفاعية ، خسارة للمتعة ، امام القوة البدنية ، خسارة لجمال الكرة امام سلبية الفريق الآخر ، هي خسارة ليس لبرشلونة فقط ، انها خسارة لعشاق كرة القدم الحقيقية.

   عندما يتأهل فريق الى اهم مباراة نهائية في الموسم ، ولا يستحوذ على الكرة لاكثر من 30% ، ولا يقوم  بتمرير اكثر من 70 كرة خلال 90 دقيقة ، مقابل 555 تمريرة ، و 70% نسبة استحواذ على الكرة للفريق الآخر ، عندما يتأهل هذا الفريق دون ان يكون له اي هجمة على المرمى ، ولا يقوم بتسديد اي كرة على المرمى ، فهذا يعني ان أكبر خاسر في هذه المباراة هي لعبة كرة القدم نفسها ، وعشاق هذه الكرة .

   واذا خسر برشلونة بطولة الدوري الاسباني هذا العام لملصلحة مدريد ، فهذا يعني ايضا ، خسارة كرة القدم ، وانتصار التجارة والصناعة ، والمقاولات الرياضية ، التي يعتمدها النادي المدريدي ، والذي يعتمد على جلب اللاعبين القادرين على رفد خزينة النادي ، على حساب اللاعبين الذين يقدمون كرة قدم جميلة ، هذا ما تعنيه خسارة البارشا ، ولهذا ما زلت اشعر بالحزن العميق على هذه الخسارة .

   في النهاية ، أبارك لجميع من شعر بالسعادة الغامرة بخروج البارشا ، اقول لهم هنيئاً لكم خروج الكرة الجميلة ، اهنئكم بفوز فريق الانتر الايطالي الذي لا يلعب له اي لاعب ايطالي ، ابارك لكم اللعب السلبي ، واللعب الدفاعي ، وابارك لكم عنجهية المدرب مورينهو ، الذي لم يصدق نفسه عقب الانتصار ، لانه فاز على  الفريق الافضل والاجمل والاحلى ، فريق البارشا .

    وأخيرا أبارك لكم قدرتكم على البقاء متسمرين امام التلفاز طيلة 90 دقيقة دون ان يصل فريقكم المفضل الى المرمى ، ودون ان يُسيطرعلى الكرة ، ودون ان يمرر اكثر من تمريرتين او ثلاثة في المرة الواحدة ، ودون ان يسدد اي كرة على المرمى ، وأن تكونوا مستمتعين برغم كل ذلك ، فعلا أهنئكم على هذه المقدرة التي يفتقدها الكثيرون ، وافتقدها انا شخصيا.

 أيمن أبو لبن
30-4-2010

الأحد، 18 أبريل 2010

إحذروا الفتنة في الدين فإنها قد وصلت الى بيوتنا



   يتعرض الإسلام حالياً الى عدة هجمات ، تستهدف زلزلة الإيمان بهذا الدين ، وزحزحته عن مكانة الأديان السماوية الاخرى ، ويأتي هذا الهجوم على عدة أصعدة في وقت واحد ، بدءاً بمحاولة تشويه القرآن ووصفه بأنه ليس كلام الله ، مروراً بلصق صفة الإرهاب والدموية الى الإسلام ، وانتهاءً بالهجوم على شخص نبينا محمد ، وقد تم تخصيص قنوات فضائية ( عربية ) تتكلم بلغتنا من أجل تحقيق هذه الأهداف والتي تتلخص بالآتي :
  • محاولة تشويه القرآن ، بهدف زعزعة الايمان بأن القرآن هو كلام الله ، والمس بقدسية هذا الكتاب .
  • وضع الاسلام في قفص الاتهام ، والإدعاء بأن هذا الدين هو دين دموي قائم على القتل والإرهاب ، ليكون ذلك حاجزاً لكل من يريد أن يتعرف على الإسلام .
  • ثم تأتي الهجمة الأخيرة على شخص سيدنا محمد ، لمحاولة هدم القدسية عن شخصيته ، ومحاولة اثبات أن هذا الشخص ليس نبياً.
القرآن الكريم ، هل هو كلام الله ؟
    يدّعون أن القرآن هو مجموعة قصصٍ موجودةٍ في التوراة والإنجيل تم إدخال بعض التعديلات عليها ، من حيث الزيادة أو النقصان ، حيث أن محمداً تعلم التوراة والإنجيل وقام بتأليف القرآن بناءً عليهما ، وضمّنه الكثير من العنف والدعوة الى القتال والإرهاب .
 (1)
  لو أردنا أن نبحث عن كتاب سماوي يدعو الى توحيد الذات الآلهية ، دون شريك ، فما هو هذا الكتاب ؟ لا اله الا الله وحده لا شريك له ، لا تجدها في أي كتاب سوى قرآننا الكريم. التوحيد هو أصل الديانات ، التي جاءت من أجل تعريف البشر بربهم ، ودعوتهم الى عبادته والالتزام بأوامره ، وتجنب نواهيه ، هذا هو ببساطة ، هدف كل دعوة سماوية ، فهل يُعقل ان يُرسل الله لنا نبياً لنعبده دونه ، أو نُشركه في عبادته ؟!
   أصل الدين هو التوحيد ، وهذا لن نجده الا في كتابنا الكريم ، بكل وضوح وتجلٍ ، على عكس الكتب السماوية الاخرى التي تدّعي وجود شراكة في الالوهية ، كما يعتقد المسيحيون في أن المسيح هو الله ، او هو إبن الله ، وكما يعتقد اليهود بأن عزير هو إبن الله ، فمن يبحث عن الله ، وحده لا شريك له لن يجده الا في القرآن ، الذي يربط العلاقة بين العبد وربه مباشرة ، دون الحاجة لاي وسيلة توصله الى الله ، العبد ليس بحاجة الى رجل دين ، او ولي من الاولياء ، ليخاطب الله ، نحن نكلم الله كل يوم خمس مرات ، نخاطبه وندعوه بما نشاء ، لسنا بحاجة الى صكوك غفران ، ولا الى الاعتراف لرجل دين كي يغفر لنا الله من خلاله ، ذنوبنا التي اقترفنا ، علاقتنا بالله علاقة خاصة ، تربطنا به وحده.
(2)
   لو أردنا أن نقرأ قصص الأنبياء ، ونشعر بعظمهم ، وإجلالهم ، فأي كتاب سنختار؟ ، لن نجد سوى القرآن ، يحدثنا عن جميع الأنبياء بمستوى يليق بهم ، دون الإساءة الى أحد منهم ، ودون إنقاصٍ لدورهم ، قد تتشابه قصص القرآن مع قصص الأنبياء في الكتب الأخرى ، لأن المصدر واحد ، وهو مُنزل الكتب السماوية جميعها ، ولكن الإختلاف يكمن في أن الكتب السماوية الأخرى لم تحتفظ بما أنزله الله على انبيائه ، بل احتوت على إضافات وتعديلات من رجال الدين ، فهي تحتوي على أساطير ، وقصص خيالية مستفيضة ، بل وتتعدى ذلك الى الاساءة الى الانبياء والهجوم عليهم ، في كتبهم ، وهذا لا يصدقه عقل أو منطق ، أن يقوم الله سبحانه وتعالى بتقريع انبيائه ، والهجوم عليهم في كتاب سماوي ، أو أن ينقل لنا الله أفعالا وأحداثا غير لائقة عن أنبيائه .
(3)
   الحديث عن بداية الخلق ، وعن أحوال الدنيا ، عن الكون والكواكب والظواهر الطبيعية ، عن الحياة والموت ، عن الروح ، عن حياة البرزخ ، والحياة بعد الموت ، عن يوم القيامة بوصف دقيق اعجازي ، تكاد تتخيله حاضراً أمامك ، الحديث عن الحساب ، عن الجنة والنار ، والغيبيات ، مفصلاً وشاملاً وواضحاً دون لبس ، أين تجد كل هذا سوى في القرآن الكريم ، الذي يزودك بمفهومٍ شاملٍ للحياة ، منذ بدئها وحتى زوالها ، عن هدفك في الحياة وعن هدف البشرية في هذه الحياة ، لا تجد هذا الحديث سوى في القرآن الكريم ، ولهذا تجد أن أصحاب الديانات الأخرى لا يؤمنون بالغيبيات يقيناً ، ولا يمتلكون المعرفة اللازمة لها ، بل ان الشك يعتريهم في مسألة الجنة والنار ، والحياة الآخرة ، ولا يملكون أي مرجعية شاملة ومنطقية في هذا المجال .
 (4)
  لم يحصل أي كتاب سماوي على صفة "كلام الله" سوى قرآننا ، الذي أوحاه الله الى نبينا محمد بلفظه كما هو ، وكتبه كتبة الوحي ، وتم جمعه في زمن أبو بكر ، وما تزال النسخة الآصلية للقرآن الكريم محفوظة في متاحف تركيا ، عدا عن تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظ هذا الكتاب من أي تحريف ، أين نجد هذا في غير القرآن !!، كم نسخة إنجيل توجد حالياً ، وكم توراة ، وبأي لغة نزلت التوراة والانجيل ، والى أي لغة تم ترجمتها حتى وصلت الآن الى اللغة الانجليزية ؟! كفانا فخراً بأن قرآننا عربي ، نزل بلغتنا الأم ، المحفوظة في قلوبنا ، وأن كتابنا محفوظ من قبل الله تعالى ، لا يساوره شك .
 (5)
   منظومة الاقتصاد المتكامل ، لا تجدها سوى في قرآننا الكريم ، فهناك ما يسمى بالاقتصاد الاسلامي ، ولن تجد اقتصاداً آخراً ينتمي الى دين ، لأنه وبكل بساطة لا يوجد سوى قرآننا الكريم الذي يحتوي على منظومة اقتصادية متكاملة ، لو اتبعناها لما وصلنا الى ما وصلنا اليه الآن من أزمات اقتصادية . جميع الاقتصاديون الآن مهتمون بالاطلاع على الاقتصاد الإسلامي ، وعلى قوانين الميراث ، حتى أن فرنسا تدرس إدخال بعض التعديلات على قوانين الميراث المدني لديها بناء على دراسة قوانين الإرث الإسلامية .
 (6)
 القرآن الكريم الذي يساوي بين العباد ، ويدعو الى الرحمة في التعامل مع الآخرين ، والى حفظ الأنفس والأموال ، وأن لكل امرء نصيب من الجزاء والعقاب ، بما يفعله هو ، القرآن الكريم الذي لا يفضل أحداً على أحدٍ الا بدرجة ايمانه ، لا فضل لابيض على اسود ، ولا لشعب على بقية الشعوب ، القرآن الذي أنصف المرأة ، ونادى بحقوق الإنسان ، هو أحق كتاب يُتّبع .
(7)
 سيدنا محمد لم يعرف القراءة ولا الكتابة ، وهذا تدبير رباني مقصود ، لإثبات أن هذا النبي لا يتكلم على هواه وإنما هو وحيُ يوحى ، بل أن تحدي الله للبشر في الإتيان بمثل هذا القرآن ، هو أكبر إثبات أنه كلام الله ، وأضف الى ذلك نبوءة سيدنا محمد في التوراة ، (أن آخر الانبياء يبعثه الله ويضع كلامه في فمه ، ليعلمكم إياه)  وهذه النبوءة موجودة في الكتب لغاية الآن ، فلماذا نصم آذاننا عنها ؟! ها قد أتاكم نبينا محمد بكلام الله ، الا وهو قرآننا الكريم ، أنزله الله بترتيب رباني ، وجمع الآيات في سورها المحددة عن طريق الوحي ، ثم وضع ترتيب السور في القرآن ، ليكون بذلك كتاب الله الوحيد في الأرض ، الذي لا يأتيه الباطل ، بما يحتويه من معجزات لفظية ومعنوية وحسية ، وإعجاز علمي ، وعددي ورقمي ، من حيث تعداد الحروف والكلمات وتكرارها ، لا يدع مجالاً للشك ، في أن هذا الكتاب لا يمكن أن يصدر عن بشر ، ناهيك عن أن يصدر من رجل لا يعرف القراءة والكتابة .
 (8)
  الحديث عن الجنين وتطوره في بطن أمه ، والتحدث عن كل مرحلة من مراحل النمو ، لم يأتِ على ذكره أي كتاب سماوي آخر ، بل أن العلم لم يستطع معرفة هذه الآطوار ، الا حديثاً باستخدام التقنيات الحديثة ، فمن أخبرنا بهذا قبل 1400 عام ؟!
   أنا لست برجل دين ، ولم أحصل على شهادة في الأديان ، تخولني أن أتصدى أو أقوم بحملات معاكسة ممنهجة ، توضح طبيعة الاسلام وحقيقته ، ولكن من جهة أخرى ، أشعر كما يشعر كلُ مسلمٍ واعٍ بضرورة إظهار الحقيقة وعدم الوقوف مكتوف اليدين ، وأنا أؤمن بأن هناك واجبٌ على كل مسلمٍ بالتصدي لهذه الإدعاءات ، وإظهار حقيقة هذا الدين بما يستطيع وبما يملك من علم ولو كان قليلاً ، كما أن نشر هذا الدين ، ومناصرته ، هو واجبٌ أيضاً ، ليس من باب إثبات أن ديننا صحيح وأن دين الآخرين خطأ ، ولكن من باب حبنا لله ودين الله ، ومن باب محبتنا للناس الآخرين الذين لا يعرفون حقيقة الإسلام ، وفوق كل هذا ، من أجل المسلمين الذين يرتابون حيال هذا الهجوم الجارح ، ولا يدركون حقيقة ديننا الصحيح ، وتجدهم يتأثرون بما يقرأون ويتابعون ، ولا يجدون ما يقولون ، وأكرر مجدداً أن هذا المجهود هو مجهود شخصي ، قد يعتريه بعض النقص ، ولكني أحببت أن أقوم بالإجتهاد ، وهذه دعوة للآخرين للإدلاء برأيهم حول هذه المواضيع ، والله الموفق.

أيمن أبولبن
18-4-2010

الأحد، 11 أبريل 2010

كلُّ الأشياءِ كانت.... مُوَدِّعة



      كانت النظراتُ كلُّها  مُودِّعة ، والعيونُ التي رافقتني ، وهي تستجمعُ آخر الصور لي لتُبقيها في ذاكرتها الحيّة ، كانت أيضاً مُودِّعة ، كلُّ الأيادي التي صافحتني كانت مُودِّعة ، تمدُّ يدايَ بدفىءِ الوداع ، و تذيبُ بعضاً من المشاعرِ المتجمّدة.
   كلُّ الأحضانِ التي غمرتني كانت مُودِّعة ، كلُّ الأيادي التي لوّحت لي كانت مُودِّعة ، كلُّ النسماتِ التي داعبت شعري ، كلُّ الاشجارِ التي اصطفّت على جانبِ الطريقِ ، كلُّ الابتساماتِ التي ارتسمت على الوجوه ، كلُّ الكلماتِ ، كلُّ الاشياء ، كانت مُودِّعة.

    مضى عامانِ  على الطائرة التي أقلّت جُروحي ، وحملت همّيَ المزروعَ في حقيبتي ، مضى عامانِ  على مرورِ شريط ذكرياتي كومضاتِ نورٍ متلاحقةٍ أمامي ، تتراءى لي عبر نافذةِ الطائرة ، هناك في المدى البعيدِ .

 مضى عامانِ على رجفةِ قلبي في إنتظار ساعةِ الرحيل ، مضى عامانِ على كلماتِ الوداع ، سنشتاق لك ، لا تنسى أن تُطمأننا عنك ، لا تقلق على شيءٍ وراءكَ .

 مضى عامانِ على التنهّداتِ والحسراتِ ، مضى عامانِ ، على إنفطار القلب ، على البُعد ، على فُراق الأهل والأصدقاء ، مضى عامانِ على أُمسية الوداعِ ، مضى عامانِ على رحيلي عن أخوتي ، وأصدقائي ، مضى عامانِ عليّ هنا.

 مضى عامانِ على بُكاء ولدي الصغير ، متسائلاً لماذا تودّ السفر يا أبي !؟ ، غيرَ مقتنعٍ بكل الأسبابِ التي ذكرتها له ، مضى عامانِ على دمعات أمي ، وبكائها ، وصوتها المتقطِّع حُزناً ، مضى عامانِ على وداع زوجتي لي ، غير مصدقةٍ أن ساعةَ الوداع قد حانت .

 مضى عامانِ على وداع ابنتي شهد ، كانت قد جاوزت الرابعة من عُمرها بقليل ، ولم تكن تعي ما يحصل ، لا معنى للسفر عندها ، طلبت مني ان أحملها ، وأرفعها لتلمِسَ السقف ، حملتها وقبّلتها ، ثم سألتني متى ستأتي الطائرة الى بيتنا لتأخذنا عندك ؟

 هل ما زالت العصافيرُ تزرو شباّك غرفتي ، هل ما زالت تذكُرني ؟ هل ما زالت أشعة الشمس تخترق الشبابيك وتزعج النائمين كل صباح ، ماذا حلّ بالحمامة التي وضعت بيضها على شباّك حمّامنا ؟ هل خرج صغارها الى النور ؟ كيف هو حيُّنا ؟  هل ما زالت رائحةُ المناقيشِ اللذيذة تفوحُ منه صباح كل يوم جمعة ؟ هل ما زالت الاشياءُ الجميلةُ التي تركناها ، جميلةً كما كانت ؟ هل يفتقدني احبائي كما أفتقدهم ، أم أن عجلة الحياة لم تُفسح لهم المجال للشعور بالفقدان ، هل يذكرني أصدقائي كما أذكرهم ، هل يحتفظون بصورتي في قلوبهم  كما أفعل أنا ؟ أم أن البُعد يُغيُّر ما في القلوب ؟

غريبةٌ هي الدنيا ، عندما تتحكّم في مشاعرنا وفي أحاسيسنا ، غريبةٌ هي !!

  كان الطريقُ الى المطارِ موحشاً ، الوقت يمضي مُسرعاً ، وسيارة أخي هي الأخرى تنطلقُ مسرعةً ، تخترق الأزمان نحو نقطة اللا عودة ، كلّ شيء مضى بسرعة ، وها أنذا أقف على مدخل المسافرين ، نظرتُ الى ورائي ، نظرة الوداع الأخيرة ، تلك النظرة التي كنت أشاهدها في الأفلام السينمائية ، وأكتشفت عندها ، في تلك اللحظة ، أنها شيءٌ مُختلفٌ عما نراه على الشاشة ، لا أكادُ أجد لها وصفاً.

  شققتُ طريقي بسرعة وجلستُ في الطائرة ، مقعدي كان بجوار النافذة ، لحظاتٌ قليلة وأصبحت النافذةُ سوداءَ مُظلمة ، منظرٌ يُضيفُ الى الحُزن ، كآبةً اضافيةً ، كانت الساعةُ قد جاوزت التاسعة والنصف مساءً ، رويداً رويداً اقتربنا من هدفنا ، مدينة الرياض ليلة 12 ابريل عام 2008 .

  عندما اقتربت الطائرة من الأرض هالَني منظرُ المدينة ، كان منظراً رائعاً ، أزال بعض ما في نفسي من التعاسة ، كانت الساعة تقترب من منتصف الليل ، الاّ أن المدينةَ بدت مُشعّةً ، كانت الأنوارُ تشكّلُ لوحة فنّان مرسومةٍ بدقة ، مربعات كبيرة ، وداخلها مربعات أصغر ، رويداً رويداً أصبحت الأنوار أوضح وأصبحت المباني والشوارع باديةً للعيان ، كانت الشوارع ممتدّة ، وتتقاطع بدقة لافتة ، نحن في الرياض ، بلاد الذهب الأسود ، والجبال السوداء ، بلاد السماء الضبابية ، بلاد الخير والحرّ ، بلاد الصحراء والعُمران ، تركتُ ورائيَ الفصول الأربعة ، وذهبت الى بلاد اللا فصول ، ففصول العام هنا ليست كما نعرفها ، نحن هنا نفتقد للربيع ، كما نفتقد للخريف ، ولدينا ما يشبه الشتاء ، والصيف هنا ليس كأي صيف ، انه صيف حار الى درجة الغليان، انها بلاد .......... بلاد الخليج .

  والان وبعد عامين ، ما الذي حصل ؟ قد يكون الشيء الوحيد الذي واساني في غربتي ، قدوم عائلتي الصغيرة لتشاركني شعوري بالغربة ، أصبحنا نتبادل المواساة ، والهموم فيما بيننا ، وعندما يغرق أحدنا في بحور الوحدة والاضطراب ، نمد له يدنا ونحثه على الاستمرار في السباحة ضد التيار، ونذكر أنفسنا دوماً أننا سنعود يوماً الى أهلنا . ومع إشراقة كل يوم ، يزداد الحنين في قلوبنا ،  و يزداد حبّنا لأحبائنا ، وحبنا للوطن ، أصبحنا ندرك قيمة جميع المقرّبين منّا ، لانهم لم يعودوا قريبين كما تعودنا .

  في هذين العامين ، فقدنا أحباءً لنا ، ولم يُسعِفُنا القدرُ أن نُلقيَ عليهم نظرةَ الوداع الأخيرة ، أو أن نواكبهم الى مثواهم الأخير . في هذين العامين فقدنا تلك الحميميةَ في علاقاتنا ، وأبدلناها بقوالب من الجُمود ، فقدنا القُرب من أحبائنا ، وشعورنا أن مكالمةً هاتفيةً واحدة ستخوّلنا رؤيتهم ، زيارتنا لهم او زيارتهم لنا ، أصبحت المسافةُ اكثر بكثيرٍ من هذا ، إنهم على بُعد إجازةٍ صيفيةٍ قادمة .

    في هذين العامين فقدنا الكثير من التواصل الإنساني ، وانشغلنا بأمور الحياة الأخرى ، في هذين العامين ، لم نعد نحسب أعمارنا ، فأعمارنا توقفت هناك ، لحظة أن فارقنا الوطن .

   أيمن أبو لبن
11-4-2010
   مضى عامانِ  يا أمّي
على الولدِ الذي أبحر
برحلتهِ الخرافيّه
وخبّأَ في حقائبهِ
صباحَ بلادهِ الأخضر
وأنجمَها، وأنهُرها، وكلَّ شقيقها الأحمر
وخبّأ في ملابسهِ
طرابيناً منَ النعناعِ والزعتر
وليلكةً دمشقية..
نزار قباني