*لماذا كان سيدنا إبراهيم أمّة بذاته وكان خليل الرحمن*
(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً
وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ
إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي
الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ) النحل
سبق القول في العام الماضي أن سيدنا محمد صلى
الله عليه وسلم بُعث على ملّة سيدنا إبراهيم (الحنيفيّة)
(ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ
حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) النحل/ 123
وذكرنا أن ما كان يعرف بجماعة "الأحناف"
كانوا ما يزالون على تعاليم سيدنا إبراهيم قبل مجيء سيدنا محمد وكانوا ينبذون
مظاهر الشرك والوثنية الدخيلة على هذا الدين.
فلماذا كان سيدنا إبراهيم أمّة بذاته؟
لأن سيدنا إبراهيم كان متفردّاً بسلوكه
متميزا عن باقي أفراد المجتمع بوحدانيته وحنيفيته. فسيدنا إبراهيم هو من تصدّى
لعبادة الأوثان ودعا لعبادة الله وحده، في وقت لم يكن يعبد الله أحد في تلك المجتمعات
التي عاصرها. لهذا وصفه الله سبحانه وتعالى بأنه أمّة لأن من صفات الأمة أن تجتمع
على سلوك معين ونمط حياة يميزها عن غيرها، فكان إبراهيم قائماً على سلوك الوحدانية
وعبادة الله وحده لذلك كان أمّة.
وفي الآية المذكورة توضيح لهذا المعنى
1.
(قانتاً
لله)
2.
(حنيفاً)
3.
(لم يكن من المشركين)
4.
(شاكراً لأنعمه)
5.
(اجتباه)
6.
(وهداه إلى صراطٍ
مستقيم)
لماذا اتخذ الله إبراهيم خليلاً؟
بالاضافة إلى كل ما ذكر فإن سيدنا إبراهيم
بدأ رحلة الايمان بالشك والبحث عن الله سبحانه وتعالى من خلال التفكر في الكون وفي
خلق الله، ومن قلب الشك وصل إلى قمة الايمان والتسليم لله وهو فردٌ واحدٌ أحد، ومن
هذا الفرد بدأ الاسلام (عبادة الله وحده لا شريك له) بعد إن انتشرت عبادة الأوثان
والكواكب وظهر الفساد، ومن نسل إبراهيم جاء الأنبياء (إسماعيل وإسحق ثم يعقوب
وصولاُ إلى سيدنا محمد).
(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ
قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً)
والخليل ليس المقصود به هنا الحبيب أو الصاحب
كما هو دارج، ولكن الخليل في اللغة هو صافي القلب والمحبة أي أن إبراهيم كان ولياً
لله ولم يتخلل في قلبه إيمان أو حبٌ لغير الله فكان خليلاً لله وحده.
ولهذا عندما رأى في المنام أنه يذبح إبنه
إسماعيل صارح إبنه بما رأى ثم قرر أن ينفذ المهمة التي ظن أنها تكليف من الله رغم
كل ما يكنه من حب لولده الوحيد حينها، وهذا برهان على أن قلبه "سليم" من
الشك أو من مخالطة حب أي مخلوق مع حب الله.
والله سبحانه وتعالى جعل من ملّة إبراهيم
مقياساً للايمان والعمل الصالح
(وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ
نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ
لَمِنَ الصَّالِحِينَ)
(يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم)
(وإن من شيعته لإبراهيم * إذ جاء ربه بقلب سليم)
ولنتذكر معاً رحلة تطور الايمان عند سيدنا
إبراهيم
(وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)
لاحظوا قوله تعالى عن الوحي الذي
أوحى به إلى سيدنا إبراهيم عن ملكوت السماوات والأرض لكي يزداد إيماناً ويقيناً.
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي
الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ
قَلْبِي)
مرة أخرى (وليطمئن قلبي)
وصولاً إلى
( فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ
أَن يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي
الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ )
إذاً خلاصة القول إن
سيدنا إبراهيم بدأ رحلته بالشك فيما حوله من أصنام وكواكب تُعبد وبدأ بالبحث عن الحقيقة، حقيقة الكون
وخالقه.
وبعد رحلة من التفكّر والبحث اجتباه الله وأرشده
إليه، فبدأ هنا رحلة التحقق من هذا الايمان وحقيقة الله، إلى أن وصل إلى درجة
اليقين فلما وصلها وتيقن قلبه، تملّك الايمان قلبه ووصل إلى أعظم درجة من الايمان
والتوحيد ليواجه بهذا الايمان الكهنة وعبدة الأصنام، ويقف في وجه النمرود، ويقضي
على عبادة الأوثان في جزيرة العرب ويؤذن في الناس للحج إلى بيت الله الواحد الأحد،
فكان حقاً خلو قلبه من أي حب غير حب الله، لهذا جاء قوله تعالى
(وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ
وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۗ وَاتَّخَذَ اللَّهُ
إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا)
هذا والله أعلم
أيمن يوسف أبولبن
8-5-2021
#آيات_استوقفتني_5