يوميات مواطن عربي. هذا هو العنوان الذي اخترته لمدونتي ، والذي يمثل محتويات هذه المدونة ، من يوميات وخواطر ونثر أعبر من خلالها عن آرائي وأفكاري تجاه ما يدور من حولي كمواطن عربي . أنا مهتم بالسياسة والوطن ، والمجتمع ، وكل القضايا الشائكة ، ولكن هناك دائماً متسع للحب ، والأدب ، والفن ، والرياضة. اتمنى ان تستمتعوا ، وأن لا تبخلوا علي بتعليقاتكم على كتاباتي ، التي تجدونها تحت بند "أرشيف المدونة الالكترونية" الى أسفل و يمين هذه الفقرة
الثلاثاء، 8 أكتوبر 2019
حلُّ الدولتين فرصة سلام أم خدعة استراتيجية؟
الثلاثاء، 1 أكتوبر 2019
من يحكمُ العالم؟
انشغل السياسيون والكُتّاب والمثقفون في كل عصر في دراسة الأوضاع السياسية والاقتصادية في العالم، سعياً وراء فهم التحالفات الدولية والإقليمية، وموازين القوى المختلفة، في محاولة لاستشراف مستقبل العالم والتنبؤ بالقوى الصاعدة وقدرتها على تغيير قواعد اللعبة، بما يُفضي إلى بزوغ نجم زعامات جديدة.
في المقابل ينشغل العالم الثالث (البعيد عن مراكز التأثير في العالم) في الحديث والبحث عن مراكز القوى الخفيّة (اللوبيات والحركات السرية التي تقود العالم في الخفاء) والتي تؤثر في نهج السياسة الدولية، وكل ذلك ينضوي ضمن ما يُعرف ب "نظرية المؤامرة" التي يُفضّل أصحابها توجيه أصابع الاتهام إلى المؤامرات والقوى الخفية بدلا من الاعتراف بالفجوة الحضارية القائمة، ومعالجة أسبابها الحقيقية.
في عصرنا الحاضر، أشار الكثير من المُفكّرين والباحثين إلى تصاعد قوى جديدة في العالم مثل الصين واليابان والهند وتركيا والبرازيل، واقتصاديات شرق آسيا، مقابل أزمات حقيقية تعيشها أوروبا الغربية وأمريكا، إضافة إلى أزمات روسيا القديمة المتجددة. فيما يتصاعد الجدل حول دور وواجبات المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد ومجلس الأمن ومحكمة العدل العليا، ومدى إسهام هذه المؤسسات في ضمان هيمنة الدول المتقدمة، بل واستمرار استغلالها لباقي دول العالم ومصادرة ثروات تلك الدول وقراراتها السيادية.
ولكن ثمّة قطعة ناقصة في هذه الأحجية، لا تكتمل الصورة بدونها ألا وهي ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وبالأخص البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي، وتأثير ذلك على تغيير قواعد اللعبة وقلب موازين القوى في المستقبل القريب.
إن الاستحواذ على البيانات والمعلومات وتحليلها ثم ربط الخيوط بعضها ببعض للوصول إلى فهم أفضل لسياسات الدول ورغبات وتوجهات مجتمعاتها، مع النجاح في اختراق وعي تلك المجتمعات والتأثير على رؤيتها وقراراتها ورغباتها وأهدافها، يُعتبرُ اليوم القوة الأكثر تأثيراً في السياسة العالمية، بل تكاد تكون القوة المستقبلية التي ستحكم العالم بلا منازع.
ففي الوقت الذي انحسرت فيه الحروب الكلاسيكية بالنظر الى فاتورتها الباهظة (لك أن تتخيل أن تكلفة الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة منذ عهد بوش الابن الى نهاية عهد أوباما قد وصلت إلى 4.4 تريليون دولار) ناهيك عن الخسائر البشرية، فقد وجدت الدول الكبرى أن أفضل بديل هو الاستثمار في التكنولوجيا ووسائل التواصل إضافة إلى الاعلام التقليدي، من أجل التأثير في الوعي المجتمعي، واستخدام البروباغندا الموجهة لفض النزاعات السياسية أو فرض توجهات سياسية معينة، وقد أثبت هذا التوجه نجاحاً باهراً في العقد الحالي.
فعلى سبيل المثال لعبت شركة كامبريدج أناليتيكا دوراً رئيسياً في التأثير على تصويت الناخبين في الانتخابات الأمريكية عام 2016 من خلال شراكتها مع حملة ترامب، حيث قامت بدراسة بيانات الناخبين "المسروقة" وتخصيص رسائل موجهة وأخبار كاذبة عبر شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام، من أجل تحفيز الدوافع اللاشعورية لدى هؤلاء الناخبين ودفعهم للتصويت لترامب وإسقاط منافسته كلينتون، مستفيدة من تجربتها السابقة مع "أشقياء بريكست" الذين فعلوا الشيء نفسه لدفع البريطانيين إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي، من خلال تغذية شعور المواطنة "المزيّف" والتخويف من المهاجرين، إضافة إلى انتقاد قوانين الاتحاد الأوروبي، وهو ما يُثبت بما لا يدع مجالاً للشك، أن امتلاك القدرة على الوصول إلى البيانات ومعالجتها ثم التخطيط الاستراتيجي بناء على تحليل تلك البيانات، هو القوة الخفية التي تدير شؤون العالم اليوم.
في السابق كانت دول العالم تنفق ملايين الدولارات وتستثمر في مخططات استخباراتية تجسّسيه تتطلب العمل المُضني لعدة سنوات، من أجل الحصول على معلومات حيوية عن الدول أو المجتمعات المستهدفة، وكان ذلك كله محفوفاً بالمخاطر.
ولكن اليوم، وبفضل الثورة الرقمية تتوافر جُلّ البيانات والمعلومات في العالم الرقمي (بما في ذلك السرية منها)، وما على الدول الراغبة، سوى الولوج إلى هذه المعلومات (أو قرصنتها) واستخراجها وتحليلها والاستفادة منها في بناء الخطط الاستراتيجية.
في ظل هذا الاختراق الكبير لوعي المجتمعات، يتساءل الناشطون والحقوقيون، عن مستقبل الديمقراطية والتصويت الحر، في ظل هذا الكم الهائل من المعلومات المغلوطة والأخبار الموجهة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والبروباغندا السياسية المبنية على عوامل الخوف والأمن والاعتزاز بالعرق واللون والانتماءات الطائفية!
لم يكن أحد يتصوّر أن تقوم أجهزة الاستخبارات، باستغلال التكنولوجيا وأجهزة الحواسب الشخصية والهواتف النقالة للتجسس على خصوصيات الأفراد حول العالم، بل والتجسس على مواطنيها في بعض الأحيان. كنا نتصور أن يحدث هذا في أفلام الجاسوسية فقط، ولكن بعد تسريبات سنودن ووثائق ويكيليكس، تبيّن ان الواقع أكثر إيلاماً من أفلام السينما، وأن حياتنا تحاكي تلفزيون الواقع مع اختلاف بسيط اننا لا نعلم بأننا أبطال المشهد!
ونحن في العالم العربي لسنا ببعيدين عن تأثير هذه الحروب الالكترونية الجديدة، ويكفي أن نشير إلى التراجع الحاد الذي شهدته ثورات الربيع العربي بفعل التخويف من الإرهاب والجماعات المتطرفة (نظرية الأمن والأمان واستقرار البلد) والذي أدى في النهاية إلى ترجيح كفة الزعامات السلطوية والديكتاتورية في مواجهة المطالبات الشعبية للإصلاح.
أضف إلى ذلك استغلال نظرية المؤامرة الصهيونية والتي تم توجيهها من قبل ذات الأنظمة لدعم مواقفها "الوطنية" وضمان استمرارها في الحكم، أو في بعض الحالات العودة للقبض على السلطة مجدداً.
ناهيك عن نشوء مؤسسات "الذباب الالكتروني" التي تقوم ببث رسائل موجهة، وأخبار زائفة وملفقة للتأثير في الرأي العام، ورسم سياسات عامة للمجتمع.
في النهاية يمكن القول إن ما قامت به شركة كامبريدج اناليتيكا من الناحية التكنولوجية البحتة هو عمل إبداعي بكل معنى الكلمة (بعيداً عن جريمة خرق الخصوصية التي اقترفتها ودفعت ثمنها غالياً بإعلان إفلاسها)، إذ أن تسخير التكنولوجيا لتحليل بيانات مستخدمي الشبكات الاجتماعية وفهم سلوكهم، ثم بناء أنماط سيكولوجية لهم والتنبؤ بنوازعهم وتوجهاتهم، ومن ثم تحديد الشرائح القابلة للتغيير منهم، واستهدافها من خلال بروباغاندا موجهة، ثم النجاح في دفعهم لاتخاذ القرار المراد لهم اختياره (في بعض الدول كان الهدف هو إقناع الناخبين بمقاطعة الانتخابات) لهو قفزة هائلة في علوم التكنولوجيا والسيكولوجيا وعلوم الاجتماع، وكل ما نأمله أن تخدم هذه القفزة التكنولوجية خير البشرية وحقوق الانسان لا أن تكون سلاحا جديداً في يد الطغاة.
كما نأمل أيضاً ان تقوم مؤسساتنا التعليمية والفكرية وشركات التكنولوجيا في عالمنا العربي بالاستفادة من هذه الثورة التكنولوجية الرقمية، وتسخيرها لخير البلاد والعباد، لعلّنا نرتقي إلى سلّم الحضارة مجددا، ونصبح من المؤثرين في هذا العالم!
أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
29-9-2019
الأربعاء، 11 سبتمبر 2019
أزمة المُعلّمين تدقُّ ناقوس الخطر في الأردن
من يراقب الوضع في الأردن عن كثب يدرك أن الأزمة القائمة حالياً بين نقابة المعلمين والحكومة، قد حركت المياه الراكدة، وأظهرت انقساماً كبيراً بين توجهات الحكومات المتعاقبة وسياساتها العامة وبين نبض الشارع وتوجهاته.
هذا الانقسام الجلي أدى بدوره إلى تعميق حالة السوداوية التي يعيشها المواطن الأردني منذ عدة سنوات، وحاول التعبير عنها أكثر من مرة، ولكن الحلول كانت دائماً ما تأتي مؤقتة وأقرب ما تكون الى مسكنات الألم، وجرعات من الوعود المستقبلية.
لا أذكر أني قد عاينت هذه الدرجة من التشاؤم والقراءة السلبية لكل ما يحدث لدى مختلف فئات المجتمع، بقدر ما أعايشه هذه الأيام، ولعله من المؤسف أن تسمع ذات الجملة بصياغات مختلفة (البلد إلى أين؟!).
من المُقلق أن يشعر المواطن بعجز رئيس الوزراء عن الإيفاء بوعوده الإصلاحية والقيام بالمسؤوليات التي تم تكليفه بها في قرار التكليف السامي وما تلا ذلك من توجيهات وأوراق نقاشية، ولكن الأنكى من ذلك أن يوقن المواطن الأردني أن تغيير الحكومات والاتيان بطاقم حكومي جديد لن يحل مشاكل البلد، ولن يقدّم او يؤخر في شيء، فالمشاكل الاقتصادية والانقسامات في المجتمع، وأبواب الفساد المفتوحة على الجحيم، وتوغل الحيتان والمنتفعين في البلد، وقيامهم بنهب الثروات والاعتداء على مقدرات الوطن، إضافةً إلى فشل مجلس النواب في القيام بواجباته الرقابية والتشريعية، بل ودخوله في صراعات فئوية واحادية، كل ذلك جعل الصورة العامة مظلمة ولم يعد الأمر مرتبطا بأشخاص وأسماء بل أصبح فساداً مؤسساتياً ومنهجاً عاماً.
من الواضح أن الحكومة اختارت معالجة أزمة المعلمين (وأي مطالب إصلاحية أخرى) بالعقلية الأمنية، والتأكيد على أن زمن الاعتصامات والمطالب والاحتجاجات قد ولّى، وأن الدولة لن تخضع لأي ضغوطات شعبية أو نقابية.
فقامت وزارة الداخلية بالزج بقوات الدرك وأفراد الأمن في مواجهة المعلمين والمعتصمين، وأغلقت الطرق المؤدية الى مقر رئاسة الوزراء، وهو ما أدى في النهاية إلى جعل العاصمة عمان مكاناً شبه مغلق بالكامل.
ولم تراعي وزارة الداخلية مصلحة الوطن والمواطن وتأثير تعطيل الأعمال واغلاق الشوارع الرئيسية على حيوات المواطنين ومصالحهم، بل إنها ألقت باللائمة على نقابة المعلمين لعدم اختيار مكان آخر (غير حيوي) للاعتصام ولعدم اختيارها يوم عطلة لتنفيذ الاعتصام!
وأعلن وزير الشؤون السياسية والبرلمانية ان علاوة المعلمين تكلف خزينة الدولة 120 مليون دينار في العام الواحد، ولكن الوزير لم يوضح بالأرقام والإحصاءات كيف توصل الى هذا الرقم، كما تناسى الوزير ان مطالب المعلمين جاءت نتيجة اتفاق بين الحكومة والنقابة عام 2014، وأن على الحكومة ان تلتزم باتفاقياتها مع النقابات تماماً كما تلتزم مع المؤسسات الدولية، فهل يا ترى ستستنكف الحكومة عن دفع فوائد الديون الخارجية لأنها تكلف خزينة الدولة مبلغاً وقدره؟ وهل فشلت الحكومة (منذ عام 2014) في وضع خطة لتوفير هذا المبلغ أم انها لم تضعه في الحسبان أصلاً، على مبدأ كلام الليل يمحوه النهار؟
المفارقة أن مشاريع حكومية عدّة مثل القطار السريع والمدن الاقتصادية والمفاعل النووي، تكلف خزينة الدولة أموالا باهظة، ولا يتم الاعتراض على تلك المشاريع بسبب ميزانياتها الضخمة، ولكن على ما يبدو فإن تحسين حال المواطن ورفع مستوى معيشته ليس من أولويات الحكومات، ناهيك عن التقصير في محاربة الفاسدين وتحصيل الأموال المنهوبة والذي يؤدي إلى عجز أكبر في خزينة الدولة.
لقد أعلنت الحكومة قبل نحو شهر أن خط الفقر في الأردن يبلغ مائة دينار للفرد الواحد، في حين ان راتب المعلم بعد نحو عشر سنوات من الخدمة لا يصل الى 500 دينار، وهو خط الفقر لأسرة من خمس أفراد، ورغم ذلك لا ترى الحكومة من واجبها ان تجلس مع نقابة المعلمين وتعمل على رفع المستوى المعيشي للمعلمين!
لقد انحدر مستوى التعليم في الأردن بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وبدلاً من الوقوف على أسباب هذا الانحدار ومعالجتها والدفع بالعلم والتعليم في البلد إلى الأمام، تُصرّ الحكومة على معالجة الموضوع بالتنصّل من المسؤوليات والتذرّع بعجز الميزانية، وتغض الطرف عن أن سوء حال المعلمين سيؤدي إلى انهيار قيم التعليم والعلم في المجتمع بأكمله.
لقد دفعت الداخلية باتجاه صدام بين أبناء المجتمع، فهذا يشيد بموقف المعلمين وذاك يدافع عن أفراد الدرك، وعن مصالح الطلاب، وآخر يهاجم نقابة المعلمين بسبب أزمة السير الخانقة، وكأن القضية هي قضية خلافية بين أبناء الشعب، وليست قضية مبدئية لتحصيل حقوق أساسية كفلتها الحكومة الأردنية قبل أعوام.
الحكومة الحالية كباقي الحكومات السابقة تعيش في عزلة عن المواطن وتتعامل معه بعلو واستكبار وتهميش ونبذ حقيقي، بل انها تفتعل المواجهات معه، وتخلق أعداءً لها من داخل الوطن، كل ذنبهم أنهم يعبّرون عن رأيهم وينتقدون ويمارسون حقوقهم الدستورية.
وجاءت ازمة المعلمين لتُعرّي خداع الحكومة وتكشف عن تدني مصداقيتها، ومحاولتها خلط الأوراق ودفع المواطنين لمواجهة بعضهم البعض، في خلافات جانبية، فيما الأصل أن تقوم مؤسسات الدولة بتقديم الحلول بالطرق السلمية والقانونية، وكل هذا يؤكد من جديد عجز الحكومات المتوالية عن علاج المشاكل الأساسية، ومحاولاتهم المستمرة لإطالة أمد المواجهة الحقيقية للمشاكل، وكل هذا على حساب الوطن والمواطنين.
نشرت جريدة الغد الأردنية مقالاً الأسبوع الماضي، يتساءل فيه كاتبه عمّن يقود الحكومة، هل هو رئيس الوزراء د. عمر الرزاز أم نائب الرئيس د. رجائي المعشر بصفته المسؤول عن الملف الاقتصادي، ولكن السؤال الأهم الذي بات يتردد الآن في الشارع الأردني: من يقود الحكومة هل هو رئيس الوزراء أم وزير الداخلية سلامة حمّاد؟
أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
10-9-2019