الاثنين، 9 أبريل 2018

الفلسطينيون، حين يكسرون حاجز الصمت





تستمر فعاليات "مسيرة العودة الكبرى" للأسبوع الثاني على التوالي، بمشاركة واسعة من كافة أطياف الشعب الفلسطيني، الذين اتّحدوا جميعاً، في سبيل إعلان استمرار تمسّكهم بحقهم في العودة الى أراضيهم التي سلبت منهم قسراً، رغم كل ارهاصات "صفقة القرن" المشبوهة، وتردّي الأوضاع السياسية في المنطقة والأراضي المحتلّة على حد سواء.
النشطاء القائمون على مسيرة العودة الكبرى كانوا قد قرّروا استمرار فعاليات المسيرة لغاية ذكرى النكبة (15-أيار)، بعد انطلاق فعالياتها بالتزامن مع ذكرى يوم الأرض (30 آذار)، وهم مستمرون بهمّة عالية ومشاركة شعبية واسعة، رغم كل محاولات الترهيب التي يقوم بها العدو الصهيوني، ورغم افتقادهم إلى دعم رسمي وعلني من السلطة الفلسطينية وحكومات دول الجوار.

المهم اليوم، هو أن الفلسطينيين قد حطّموا جدار الصمت ورفضوا القبول بالأمر الواقع، لقد أعلن الفلسطينيون أن هاجس العودة الى وطنهم الأصلي هو شغلهم الشاغل، وأنهم ما زالوا يحتفظون بحقوقهم التاريخية، وذكرياتهم ورائحة أرضهم، وأن أحداً لن يسلبهم هذا الحق.

لدي حلم، قال مارتن لوثر كينغ ذات يوم، (أنه في يوم ما سيعيش أطفالي في مجتمع لا يُحكم فيه على الفرد من لون بشرته)؛ اغتيل مارتن لوثر كينغ على يد مُتعصّب أبيض، ولكن أحداً لم يستطع أن يغتال حلمه، في الحقيقة لقد انتصرت أحلامه في النهاية، ولقد عاش أبناؤه في ظل أمّة تؤمن بالتعددية، كما أراد، ليس هذا فحسب، بل إن هذه الأمة ستختار بكامل إرادتها الحرّة، رئيساً لها من أبناء البشرة الملوّنة، وما كان ذلك ليحصل لولا إيمان مارتن لوثر كينغ وحركة مناهضة العنصرية بقدرتهم على تحقيق أهدافهم وصناعة التاريخ، ولولا تشبّثهم بحقوقهم.

عندما ناضل عمر المختار ورفاقه بما توفّر لديهم من إمكانيات بسيطة، ووقفوا في وجه دولة عظمى تحكمها الفاشيّة، وترتعد من لفظ اسم قائدها "موسوليني" فرائص جنرالات العالم، لم يكن أحدٌ يظن أنهم يملكون أي فرصة حقيقية في الانتصار، بل إن بعض المتخاذلين وصفوهم بمجموعة من المتهورين الذين يدفعون بأبناء الشعب الليبي الى الموت "المجاني"، تماماً كما حصل مع عبد القادر الجزائري في نضاله ضد الاستعمار الفرنسي، وكما يحصل اليوم مع حركات المقاومة الفلسطينيّة.
أُعدم عمر المختار، ومات عبد القادر في منفاه، ولحق بهما العديد من رفقاء السلاح ومن الضحايا المدنيين كذلك، ولكن الفكرة لم تمت، ومطالب التحرّر لم تخفت، وفي النهاية انتصرت الفكرة، انتصر الحلم، وهزمت الضحيةُ جلاّدها.

لن أنسى ما حييت، كيف زحف مواطنو ألمانيا الشرقية نحو الجدار الفاصل بين برلين الشرقيّة والضفة الغربية من برلين، وتمكّنوا بما يشبه المعجزة، من اجتياز هذا الجدار بل وهدم أجزاء كبيرة منه (قبل أن يتم هدمه بشكل كامل بعد ذلك) ليعلنوا سقوط المعسكر الشرقي في أوروبا، والذي أدّى في النهاية إلى تفكك الاتحاد السوفياتي وسقوط الشيوعية الاشتراكية.
قبل أن يتمكن هؤلاء الألمان من إسقاط جدار برلين، كان عليهم أن يهدموا جدار الخوف في نفوسهم، وأن يهزموا الخوف من الطغاة في داخلهم، كان عليهم التغلّب على عجزهم عن الوقوف في وجه الظلم والتمييز والفساد.

لقد انتقل اليوم الخوف من قلب الضحية الى قلب الجلاّد، تشنّ إسرائيل اليوم حرباً إعلاميّة مسعورة ضد مسيرة العودة، وقد استشهد الناطق الرسمي باسم جيش الاحتلال بعدّة فتاوى سابقة من علماء دين مسلمين تُحرّم الخروج في المظاهرات وتعريض الأنفس للتهلكة، يا لسخرية القدر!
تعيش دولة الاحتلال في كابوس ليس بسبب جيوشٍ تُرابط على حدودها، ولكن بسبب تهاوي فكرة الدولة الصهيونية نفسها، فالفلسطينيون ما زالوا يرفضون أن ينهزموا، يموتون ولكنهم لا ييأسون، يخسرون المعركة تلو الأخرى ولكنهم لا ينهزمون، يسقطون ولكنهم يعاودون النهوض، تخذلهم قياداتهم، تتآمر عليهم قوى الغرب، تتآكل بلدان جيرانهم من حولهم، يرون الدمار والقصف والتقتيل وقد حلّ في دول الشرق الأوسط ولكنهم يرفضون أن يتنازلوا عن وطنهم!
لقد مات الجد، وهاجر الأب، ووُلد الابن خارج الوطن، وما زال الفلسطيني يحلم بالعودة!، ألا يقضّ هذا، مضاجع أعتى دول العالم!

الطفل محمد عيّاش، ابن غزة، التي اجتاحت صورته شبكات التواصل، بعد أن ابتكر كمّامةً للوقاية من قنابل الغاز أثناء مشاركته في مسيرة العودة، هذا الطفل وأمثاله، قادرون على قذف الرعب في صدر جيش الاحتلال، أكثر بمئة مرة من قادةٍ فلسطينيين وسياسيين عرب لا يبتكرون سوى فقّاعات إعلاميّة، وكلامٍ أجوف عن المحافل الدولية وتطبيق قرارات الأمم المتحدة.

أبناء هذا الشعب، ممّن يخرجون في هذه المسيرات ويتحدّون جنود الاحتلال، يقاومون الرصاص بجسدهم العاري، ويصرخون بأعلى صوتهم (فلسطين حرّة)، هم من سيهزمون دولة الاحتلال، وقَبْلها سيهزمون جدار صمت الضحايا، وسيؤرشفون في التاريخ سجلاً للخذلان، لكل من تقاعس عن نُصرتهم.

لقد كسر الفلسطينيون اليوم حاجز الصمت والقبول بالأمر الواقع، لقد رفضوا الرضوخ لإملاءات التنازل عن الحقوق التاريخية في فلسطين، والقبول بأنصاف الحلول. لقد رفضوا منطق التنازلات والحلول المرحليّة، وأعادوا القضية الى المربع الأول، فلسطين، كلّ فلسطين، بِقُراها ومُدنها وبلداتها، هي حق لأبناء فلسطين، مهما طال الزمان ومهما طال أمد الغدر والمؤامرات.
هل تفهمون الآن سبب هذا السُعار الذي أصاب جيش الاحتلال وجعله يفتك بهؤلاء الفتية المدنيين رغم أنهم لم يرموا حجراً؟ إن دولة الاحتلال في هذه اللحظة تُعاني من دويّ (اختراق حاجز الصمت)!

للفلسطينيين حُلْم، لن تسرقه منهم كل قوى العالم، ولن يحرمهم من تحقيقه، زعامات الخذلان والعار. وأنا كغيري من أبناء هذا الشعب، الذين وُلدوا خارج حدود الوطن، أنقل لأبنائي قصص جدّهم عن قريتنا، مسقط رأس آبائي وأجدادي، عن مخيمات اللجوء، ومدارس الوكالة، عن النكبة والنكسة، وحرب بيروت، وصبرا وشاتيلا، وانتفاضة الحجارة، أعلّمهم أدب غسّان كنفاني، وشعر محمود درويش، وأقول لهم: لدي حُلْم، أن أراكم تعيشون في القدس المحرّرة، وتنعمون بالسلام في وطن السلام، فإياكم أن تخذلوا الحلم، وإن جار الجائرون.
  
 أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

6-4-2018


الاثنين، 19 مارس 2018

بوتين "القاتل الصامت" من غروزني إلى حلب



يستأثر بوتين على المشهد السياسي في روسيا منذ عام 2000 متنقلاً بين رئاسة الدولة ورئاسة الوزراء، وهو اليوم على أعتاب الفوز بدورة رئاسية جديدة تمتد لست سنوات.
الكثير يُقال عن الرئيس فلاديمير بوتين، المُصاب بجنون العظمة وأدوار البطولة، دائم الظهور في وسائل الاعلام والمجلات، تارة وهو يمارس رياضة الجودو، وركوب الخيل، والغطس، وتارة وهو يستعرض عضلات جسده (عاري الصدر)، حتى أنه ظهر في عدد من القصص المصورة بشخصية "سوبر بوتين" التي تحاكي شخصيات الأبطال الخارقين.
كما أنه انفرد بعلامة تجارية تحمل اسمه، من أشهر منتجاتها "فودكا بوتين". ولكن أهم ما يجب أن يُقال عنه في نظري، هو تاريخه في الخدمة العسكرية والسياسية، والذي يخفى على الكثيرين.

بدأ بوتين خدمته العسكرية ضابطاً في المخابرات السوفياتية لمدة ستة عشر عاماً، ترقّى بعدها ليصبح أميناً لمجلس الأمن في روسيا الاتحادية ثم رئيساً للوزراء عام 1999 في عهد الرئيس يلتسين، وقد دشّن عهده بحرب الشيشان التي تولّى إدارتها شخصياً، بعد اندلاعها إثر سلسلة من حوادث التفجير التي طالت عدة بنايات سكنية في روسيا، والتي أثيرت العديد من الشكوك حولها، بضلوع طبقة الأقلية الحاكمة في روسيا "الأوليغارشيا" في تدبيرها، من أجل تهيئة الأجواء لتولي بوتين للسلطة بعدما هبطت شعبية يلتسين وبعد أن أصبح إدمانه للكحول عائقاً أمام قيامه بواجباته.

اللافت هنا أن ضابط المخابرات الروسي المنشق "اليكسندر ليتفينينكو" والذي اغتالته المخابرات الروسية عام 2006 بالبولونيوم المُشعّ في لندن، كان قد ذكر في كتابه "تفجير روسيا، الإرهاب من الداخل" أن المخابرات الروسيّة هي التي دبّرت تفجيرات المباني السكنية ذريعةً لخوض الحرب في الشيشان.
ومما يعزّز هذه المعلومات، أن طبقة الأوليغارشيا نفسها قامت (بعد اندلاع الحرب على الشيشان) بنقل السلطة من يلتسين الى بوتين دون الحاجة الى انتخابات، وبعدها بعام جرت انتخابات رئاسية فاز فيها بوتين مستفيداً من إحكام قبضته العسكريّة على الانفصاليين الشيشان، ثم كرّر فوزه عام 2004.

مع تولّي بوتين السلطة بداية القرن الواحد والعشرين، كانت روسيا تعاني من آثار الصدمة الاقتصادية التي رافقت تفكك الاتحاد السوفياتي، ورغم ارتفاع أسعار الغاز والنفط لاحقاً إلا ان الحالة الاقتصادية الروسية ما زالت تعاني من اختلال تام في الأحوال المعيشية لعامة الشعب والأحوال المعيشية لطبقة الأثرياء الحاكمة، وتعكس التقارير الاقتصادية والصحفية مظاهر الثراء الفاحش والحماية العسكرية لتلك الطبقة، مع استمرار خلق فرص الاستثمار الأجنبية وازدياد جذب الاستثمارات الغربية، خاصة من طبقة المدراء والاقتصاديين، فيما تبدو أحوال القرويين وعامة الشعب وكأنهم يعيشون في زمن آخر لا يمت بصلة الى القرن الحادي والعشرين!

وفي عام 2008 تحايل بوتين على الدستور الذي ينص على عدم جواز خوض الرئيس لأكثر من دورتين متتاليتين، بدعم المرشّح "ميدفيديف" لمنصب الرئيس مع توليه هو منصب رئيس الوزراء.
ومع سيطرته على مراكز القرار وضمان دعم الأوليغارشيا له، كان هو الحاكم الفعلي للبلاد، قبل أن يعود للفوز في انتخابات عام 2012.
وعادة ما تثار الاحتجاجات والاعتراضات من المعارضة على نتائج الانتخابات التي يحسمها بوتين لصالحه ويُتهم فيها بالتزوير والتلاعب بالنتائج، كما أن سياسته الداخلية تعتمد على قمع الأصوات المعارضة، حيث تعرّض جميع منتقديه للعقاب الشديد الذي وصل احياناً الى الإعدام أو السجن، أو النفي، وفي أحسن الأحوال الإقامة الجبرية، ولم يستثنى من ذلك الصحفيون ولا الاعلاميون، وهو يفعل كل ذلك في صمت وبرود شديدين، في تجسيد حقيقي لشخصية الجاسوس الذي نشاهده في أفلام السينما وهو يقتل ضحاياه ويتخلص منهم بكل برود.

في حربه ضد الشيشان استخدم بوتين سياسة "الأرض المحروقة"، واعتمد على القصف الجوي المكثف لقتل كل ملامح الحياة على الأرض، وقد بقيت عاصمة الشيشان "غروزني" مثالاً حيا لهذه السياسة بعد أن روّعت الصور التي تناقلتها وسائل الاعلام للمدينة التي اقتحمتها القوات الروسية بعد حصار طويل العالم بأجمعه، ووصفتها تقارير الأمم المتحدة بانها أكثر مدن العالم دماراً. وتشير دراسات حديثة أن عدد ضحايا هذه الحرب يصل الى مائة ألف مدني!


أما في منطقتنا العربية، فقد استغل بوتين التردد الأمريكي، وسياسة النأي بالنفس، لفرض الوجود الروسي من جديد، فاندفع عسكرياً لملء الفراغ في سوريا، وقام بتعزيز قواعده العسكرية هناك، بل وانشاء قواعد جديدة، تعزز من الحضور الروسي في المنطقة، وتؤسس لديمومة هذا الحضور.

وخلال خوضها الحرب في سوريا، قامت الطائرات الروسية بما معدله 250 ضربة في اليوم الواحد، وطالت ضرباتها مباني المدنيين ومرافق عامة ومستشفيات ومدارس وسيارات اسعاف، ومحطات مياه. كما قامت أذرعتها الإعلامية بنشر صور وهمية وأخبار زائفة وملفقة عن اهداف عسكرية تابعة لجهات إرهابية، مع استخدامها المتكرر للأسلحة المحرمة دوليا مثل القنابل العنقودية والنابالم، ناهيك عن تسترها على الهجمات الكيماوية التي قام بها النظام السوري.
ورغم صعوبة إحصاء عدد الضحايا في سوريا، إلا ان الأرقام تشير الى مقتل أكثر من 6000 مدني بينهم 1500 طفل و 900 سيدة من قبل النظام والقوات الروسية مع تدمير أكثر من مئة مسجد ونحو 140 مدرسة أو مركز تربوي، ونحو 120 مستشفى.
وقد أدى التدخل الروسي في سوريا الى ميلان كفة النزاع لصالح النظام السوري بشكل لافت، ولكن الأسوأ من ذلك، هو الارتفاع اللافت في عدد الضحايا وتوسيع رقعة الدمار والخراب على الأرض.

في هذا العالم الذي نعيش، والذي يتولى قيادته، قاتل صامت من جهة، يتلذذ بممارسة لعبة الجواسيس، وإصدار أوامر القتل والاعتقال والقصف الدموي، وتستهويه مشاهد الدمار، في الوقت الذي يمارس فيه التنمّر على ضيوفه من رؤساء الدول باستعراض حيواناته "غير الأليفة" أو استعراض صوره الشخصية وهو يمارس فنون القتال، أو باصطحابهم الى حفلات الصيد وقتل الطرائد.
فيما على الطرف الآخر، رئيس متطرف ينظر الى العالم نظرة السيد للعبد، ويعتقد أن من حقه استعباد باقي الدول والشعوب وتجريدها من ثرواتها، بل ونهب مقدراتها في سبيل تحقيق سياسة "أمريكا أولاً"، تبدو الأمور -في هذا العالم-سوداوية أكثر مما ينبغي، بل وتبشّر بمستقبل مظلم، بعيد عن كل قيم الإنسانية والسلام والأمان، ووسط هذه الصورة القاتمة، يتهافت بعض مثقفينا على التصفيق والتطبيل والتهليل لهذا "البطل" أو ذاك، بل إنهم يمارسون طقوس التبشير به، وكأنه المهدي المنتظر!
  
 أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
18-3-2018

 http://www.alquds.co.uk/?p=899850


الاثنين، 12 مارس 2018

الإنسانية حين تدمّر ذاتها




من حُسن المصادفة أن تترافق مشاهدتي لفيلم “Mother” للكاتب والمخرج الأمريكي "دارين أرونوفسكي"، مع قراءتي لكتاب الفيلسوف الألماني وعالم الاجتماع "أيريك فروم" "الإنسان بين الجوهر والمظهر". ورغم الفارق الزمني بين العَمَلين، واختلاف أرضية الأفكار والرؤية، إلا إنني وبشكل ما، وجدت أن جوهر العَمَلين هو واحد، فكلٌ منهما يحاول إرسال رسالة قوية لبني البشر: عليكم أن تقوموا بتغييرات جذرية في كيفية تعاملكم مع الطبيعة والبيئة وباقي إخوانكم في الانسانية، عليكم نبذ عقيدة التملّك والاستهلاك وتدمير الآخرين، والعودة إلى المبادئ الإنسانية الأساسية (المشاركة والتفاعل والايجابية) التي قامت عليها كل الحضارات الإنسانية والحركات الفلسفية والأديان، فهي ما يجلب السعادة الحقيقية، كونها ثمرة النشاط الإنساني الفعّال، بينما الكآبة هي ثمرة من يتشبث بالمقتنيات وبغريزة التملّك والاستهلاك.
يقول الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا))

عنوان الفيلم المذكور يرمز إلى "الطبيعة"، ويلقي الضوء على هذه العلاقة الشائكة بين الأم وأبنائها منذ خلق آدم الى عصرنا الحاضر، من خلال قصة رمزية تتوالى فيها المشاهد التي تختزل تاريخ البشرية وجرائم البشر في حق الطبيعة والبيئة، وفي حق بعضهم البعض، بل وادعاء كل فئة منهم تجسيد إرادة الله في الأرض.

يمكننا القول إن الصراع البشري على حق التملّك وادعاء القرب الى الله قد بدأ منذ خلق البشرية، حيث تجلّى في قصة هابيل وقابيل، ومنذ تلك اللحظة الى يومنا هذا استمر الصراع بين مجتمع محوره جوهر الإنسان والقيم الإنسانية، ومجتمع آخر محوره الممتلكات والنَهَمْ الاستهلاكي. يؤمن المجتمع الأخير بأن قيمة الفرد تتعاظم بمقدار ما يقتنيه ويمتلكه وبهذا تكون حلبة المنافسة على أشدّها بين جميع أفراده.
 بينما يؤمن الأول أن تحقيق الرغبات الإنسانية في حدود، والعمل على تحقيق الاحتياجات الاجتماعية، والقيم الإنسانية العليا، يؤدي في النهاية إلى السعادة المأمولة، وإلى تحقيق حياة راقية ذات جودة.

من المؤسف ملاحظة أن البشرية بمعظمها الآن قد تحوّلت إلى مجتمعات استهلاكية، تطغى عليها لذّة التملّك المادي، بحيث انحصرت أهداف أفرادها، في الحصول على وظيفة تدر دخلاً ضخماً، وشراء منزل فاخر، وسيارة فارهة. (يعلّق إيريك فروم على هذا بالقول إننا ودون أن نشعر نعبّر عن عقيدة التملّك لدينا بالقول "لدي" زوجة وأطفال!)
وفي الجهة المقابلة، خفتت عقيدة المشاركة والعطاء، التي تؤمن بالتكافل الاجتماعي والقيام بالأعمال التطوعية الخيرية، والسعي من أجل المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية.

وبالعودة الى الفيلم، لفت نظري مشهدين مؤثرين، أولهما مشهد تخريب الضيوف منزل بطلة الفيلم (التي ترمز الى الطبيعة)، وتصرفهم بأغراضه ومقتنياته كأنها حقٌ صرفٌ لهم، متناسين أنهم في النهاية "ضيوف" وأن تواجدهم هو من باب الكرم والجود، في إشارة إلى كيفية تعامل البشر مع موارد الطبيعة، على أنها مكسب وحقٌ خاص، وهذا ينسحب على تصرفاتنا جميعاً اليوم، سواء كحكومات رسمية، أو مؤسسات عامة أو حتى بصفتنا أفراداً.

وثاني المشاهد، هو مشهد الحروب المتتالية التي تدور رحاها بين البشر، حيث نقتل بعضنا بعضاً، ونُمعن في الخراب والتدمير، وفي داخل كل واحد فينا، شعور متوهج بأنه يمثل الحق والحقيقة، وأنه في فعلته تلك يُرضي الله ويستحق على هذا الثناء والتمجيد، متناسين أن الله لم يخلقنا كي نقتل بعضنا أو نتعارك ونتخالف، بل خلقنا كي ننعم بالسلام والطمأنينة ونتعاون ونتكافل فيما بيننا، ونتشارك في نعمه وهباته، بعيداً عن العنصرية والطائفية بكل أشكالها.

للأسف، باتت أفكار المشاركة والتفاعل والتعاون، أفكاراً ساذجة في عصرنا هذا، فالدول القوية تريد أن تستأثر بالمصادر الطبيعية والموارد دون غيرها، وتخوض الحروب كي تستطيع تأمين الوصول الى هذه الموارد واستغلالها، وتعتمد في صناعتها ورقيّ مجتمعاتها على الإضرار في البيئة والمُناخ دون حسيب أو رقيب، بل إنها تقوم بتطوير أسلحة الدمار الشامل التي تهدد البشرية جمعاء، فيما تعجز الدول الفقيرة عن استغلال مواردها الطبيعية، وتظل رهينة الاستغلال السياسي والنهب الاقتصادي.

وفي داخل كل دولة معاصرة، تقوم الطبقة الغنية باستغلال الطبقات الدنيا لضمان حصولها على المادة والثروة، كي تشبع نهمها ورغباتها الدفينة في التملّك والاقتناء، فيما تُحرم الطبقات العاملة من حقوقها الأساسية.

وينطبق الأمر على رجال الدين، فكل متعصب، يعتقد بأن رسالة الله التي يؤمن بها هي ملك لطائفة من الناس، وأن الله قد حباهم بميزة التفضيل عن غيرهم، وبالتالي فإن من حقهم أن يتعاملوا معها كأداة قابلة للتملّك، كي يحققوا هدفهم في نيل رضا الله، بينما يتجاهلون ويتناسون أن الرسالة السماوية في أساسها تقوم على المشاركة والتفاعل مع الإنسانية جمعاء، وحسن الخلق في المجتمعات، والإحسان الى الحيوان والنبات والطبيعة.
ونتيجةً لسوء الفهم المتوارث هذا، يتحوّل الدين في النهاية إلى مادة استهلاكية، ومجرد مقتنيات نقتنيها ونعلّقها على جدران منازلنا أو نضعها ميدالية في يدنا أو وساماً نزين به ملابسنا، ثم لا نلبث أن نتنازع على هذه "الهوية" فنقتل بعضنا بعضاً، كي ننال نصيبنا من جنان النعيم، ونرسل "عدونا" الى الجحيم!

أما طبقة المثقفين والمفكرين، فقد أصبحت حواراتها تتمحور حول إثبات صحة أفكارها، وليس بهدف الوصول الى الحقيقة أو بنيّة خدمة الإنسانية والمجتمعات أو القضايا الإنسانية العامة، فكلّما أثبت هذا الفرد أو ذاك أن آرائه صحيحة زادت قيمة ما يملك من أفكار، وبالتالي زادت قيمته هو!
وما لبثت هذه الأفكار أن أصبحت خالية من كل القيم، ولا تحمل من مضمونها سوى الاسم والكلمات التي نرددها دون وعي أو منطق أو اقتناع حقيقي.

عندما تصبح قيمة الانسان مرتبطة بما يقتنيه وما يملكه وليس بأخلاقه وأفكاره، والقضايا الإنسانية التي يتبناها ويؤمن بها ويعمل من أجلها، فإننا نكرّس بوعي أو دون وعي هذا الخلل بين جوهر الانسان ومظهره، وهذا بدوره يؤدي إلى تعاظم مستويات القلق والخوف في مجتمعاتنا والشعور بعدم الأمن والأمان، لأن شخصياتنا قد تحولت في النهاية إلى مجرّد أشياء، عرضةً للضياع والخسران!


 أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن

11-3-2018

الاثنين، 5 مارس 2018

نتائج جوائز الأوسكار لعام 2018




 قائمة الأفلام الفائزة بجوائز الأوسكار لعام 2018:

حصد فيلم "The Shape of Water" جائزة أفضل فيلم.


وفاز مخرجه غييرمو ديل تورو بجائزة أفضل مخرج.
وفاز غاري أولدمان بجائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم "Darkest Hour"
فازت الممثلة الأمريكية فرانسيس ماكدورمند بجائزة أفضل ممثلة عن فيلم "Three Billboards Outside Ebbing, Missouri".
وذهبت جائزة أفضل ممثل في دور مساند إلى سام روكويل عن فيلم "Three Billboards Outside Ebbing, Missouri".
بينما ذهبت جائزة أفضل ممثلة في دور مساند إلى الممثلة أليسون جايني عن فيلم "I, Tonya".
جائزة أفضل فيلم قصير لفيلم "The Silent Child".
- جائزة أفضل فيلم وثائقي لفيلم "Icarus".
- جائزة أفضل فيلم وثائقي قصير وفاز بها فيلم "Heaven is the Traffic Jam on the 405".
جائزة أفضل فيلم أجنبي للفيلم التشيلي "A Fantastic Woman"، متفوقاً على الفيلم اللبناني "القضية 23".
جائزة أفضل فيلم رسوم متحركة "Coco".


The full list:
Best Picture
Call Me By Your Name
Darkest Hour
Dunkirk
Get Out
Lady Bird
Phantom Thread
The Post
The Shape of Water
Three Billboards Outside Ebbing, Missouri
Best Actor
Timothee Chalamet, Call Me By Your Name
Daniel Day Lewis, Phantom Thread
Daniel Kaluuya, Get Out
Gary Oldman, Darkest Hour
Denzel Washington, Roman J. Isreal, Esq
Best Actress
Sally Hawkins, The Shape of Water
Frances McDormand, Three Billboards Outside Ebbing, Missouri
Margot Robbie, I, Tonya
Saoirse Ronan, Lady Bird
Meryl Streep, The Post
Best Supporting Actress
Mary J. Blige, Mudbound
Octavia Spencer, The Shape of Water
Allison Janney, I, Tonya
Laurie Metcalf, Lady Bird
Lesley Manville, Phantom Thread
Best Supporting Actor
Willem Dafoe, The Florida Project
Woody Harrelson, Three Billboards outside Ebbing, Missouri
Richard Jenkins, The Shape of Water
Christopher Plummer, All the Money in the World
Sam Rockwell, Three Billboards outside Ebbing, Missouri
Best Director
Dunkirk, Christopher Nolan
Get Out, Jordan Peele
Lady Bird, Greta Gerwig
Phantom Thread, Paul Thomas Anderson
The Shape of Water, Guillermo del Toro
Best Animated Feature Film
The Breadwinner
Coco
Ferdinand
The Boss Baby
Loving Vincent
Original Screenplay
The Big Sick
Get Out
Lady Bird
The Shape of Water
Three Billboards Outside Ebbing, Missouri
Best Adapted Screenplay
Call Me By Your Name
The Disaster Artist
Logan
Molly’s Game
Mudbound
Original Song
“Mighty River,” Mudbound
“Mystery of Love,” Call Me By Your Name
“Remember Me,” Coco
“Stand up For Something,” Marshall
“This is Me,” The Greatest Showman
Best Foreign Language Film
The Insult, Lebanon
Loveless, Russia
On Body and Soul, Hungary
The Square, Sweden
A Fantastic Woman, Chile
Best Documentary Short Subject
Edith and Eddie
Heaven is a Traffic Jam on the 405
Heroin(e)
Knife Skills
Traffic Stop
Best Documentary Feature
Abacus
Faces Places
Icarus
Last Men in Aleppo
Strong Island
Best Production Design
Beauty and the Beast
Bladerunner 2049
Darkest Hour
Dunkirk
The Shape of Water
Best Cinematography
Blade Runner 2049
Darkest Hour
Dunkirk
Mudbound
The Shape of Water
Best Costume Design
Beauty and The Beast
Darkest Hour
Phantom Thread
The Shape of water
Victoria & Abdul
Best Sound Editing
Baby Driver
Bladerunner 2049
Dunkirk
The Shape of Water
Star Wars: The Last Jedi
Best Sound Mixing
Baby Driver
Bladerunner 2049
Dunkirk
The Shape of Water
Star Wars: The Last Jedi
Best Animated Short Film
Dear Basketball
Garden Party
Lou
Negative Space
Revolting Rhymes
Best Original Score
Dunkirk
Phantom Thread
The Shape of Water
Star Wars: The Last Jedi
Three Billboards Outside Ebbing, Missouri

Best Visual Effects
Blade Runner 2049
Guardians of the Galaxy Vol2
Kong: Skull Island
Star Wars: The Last Jedi
War for the Planet of the Apes
Best Film Editing
Baby Driver
Dunkirk
I, Tonya
The Shape of Water
Three Billboards Outside Ebbing, Missouri
Best Makeup and Hairstyling
Darkest Hour
Victoria & Abdul
Wonder
Best Live Action Short
DeKalb Elementary
The Eleven O’Clock
My Nephew Emmett
The Silent Child
Watu Wote/All of Us