الاثنين، 5 ديسمبر 2016

الجنرال مشهور حديثة



برنامج وثائقي يتحدث عن الجنرال مشهور حديثة الجازي "الحويطات" قائد معركة الكرامة، وأحد الأبطال النشامى الذين حموا أرض الأردن وساندوا ثوار فلسطين في نضالهم، وسعوا معهم لتحرير فلسطين، وتحقيق حلم الوحدة العربية.
من أقوال الجنرال مشهور
 (أنا أحب الأردن كما أحب فلسطين)  
(انا قائد ميداني وعندما أرى من المناسب أن أطلق النار، أتخذ القرار وأبلغ القيادة ولكن لا أسألهم أطلق النار أو لا أطلق، فأنا لست "ناطور" ولكني مقاتل، لن أقول ماكو أوامر، بل هاكو أوامر)
(المرحلة الحالية سيئة للأمة العربية، ولكن المستقبل سيحمل انتصار هذه الأمة، ولن تستطيع إسرائيل تحقيق حلمها)  
مرت الذكرى الخامسة عشرة لوفاة البطل مشهور الشهر الماضي حيث توفي في السادس من تشرين الثاني عام 2001


السبت، 3 ديسمبر 2016

المفصومون فكريا في مجتمعاتنا

علّق أحدهم على حادثة سقوط رافعة في الحرم قبل نحو عام بالقول أن هذا عقاب من الله للسعودية وحكامها !

وقبل يومين علّق على موجة الأمطار التي اجتاحت دول الخليج ، تحت عنوان السعودية وقطر تغرقان، قائلا أن هذا عذاب من الله!

نفس هذا الشخص ، يقوم وبشكل شبه يومي التعليق على المتدينين الذين يربطون بين أمور الدنيا و المعجزات الإلهية ، وعندما يفسرون الظواهر الطبيعية بربطها بغضب الرب او رضاه، ويصفهم بالجهل والتخلف.

عزيزي ، أنت مفصوم . وبحاجة ملحة لمراجعة صحتك الفكرية، ولكن اذا كان هناك من عزاء لك ، فأنت لست وحدك، فمثلك مثايل.

أيمن يوسف ابو لبن
2-12-2016

الخميس، 1 ديسمبر 2016

عبّاس والربيع العربي



محمود_عباس يقول انه ضد ثورات الربيع العربي، الذي يعتقد أنها تُمهّد لسايكس بيكو جديد في المنطقة، ضمن خطة لتقسيم الوطن العربي.

ليس الغريب أن يقول عباس ذلك، إذ لا يوجد في تاريخه أي سجل للنضال الوطني والسعي لنيل الحرية، وهو ما زال يُقدّم التنازلات للعدو الصهيوني ويعتبره حليفاً، ويحرص على حماية الشريط الأمني والتنسيق مع هذا العدو لضمان عدم المساس بأمنه.

ولكن الغريب أن يأتي هذا الإعلان في مؤتمر فتح، الذي يُفترض فيه أن يرفع شعار حرية الشعوب وحقها في تقرير مصيرها، و التعبير عن رأيها.

كيف يُمكن لحركة تدّعي أنها ثورية وتحرريّة، تُناضل من أجل حرية شعبها، أن تصادر هذا الحق من بقية الشعوب العربية ! بل وتساند الظلم والقتل والتعذيب باسم مقاومة مشروع سايكس بيكو الجديد!

أيمن يوسف أبولبن
1-12-2016

الأحد، 27 نوفمبر 2016

منصّات التواصل الاجتماعي .... حكي ما عليه جُمرك!



من منّا من لم يمتعض من بعض رسائل "الواتس أب" التي تصله يومياً وتملأ بريد هاتفه الجوّال بسبب محتواها غير الدقيق أحياناً وغير العلمي أحياناً أخرى. من منّا من لم يتابع بعض البوستات التي لا تمت للواقع بصلة بل وتتعارض مع المنطق والعقل، ومن منّا من لم يندهش من بعض التغريدات المُضلّلة والمزعومة والتي لا تحتاج سوى بعض التحرّي والتدقيق لاكتشاف زيفها وخداعها.

أستطيع أن أُشبّه منصّات التواصل الاجتماعي هذه ب "هايد بارك" هذا العصر حيث باتت مَطيّةً لمن يعتليها كائناً من يكون، تلينُ له كي يستخدمها للتفوّه بما يريد ويهوى دون مراقبة أو مراجعة، وكما يقول المثل الشعبي (الحكي ما عليه جُمرك!)!

المشكلة أننا بتنا نعيش في عالم إفتراضي كبير لا يمكن التحكم بأدواته، ولا نملك الصلاحيّة أو الإمكانيّة كأفراد لمراقبته وفرض القوانين والإجراءات عليه، صحيح ان بعض الدول أصبحت تراقب هذه الشبكات وتتابع ما يُنشر عليها، ولكن من منظور الدولة او السلطة، بمعنى انها تنظر بعين المراقب السياسي أو المُخابراتي للمشهد، ولكن ماذا عن الصحّة النفسيّة والسلوكيّة للمجتمع التي تتأثر سلباً بكل ما يُروّج له عبر هذه المنصّات من حقائق مزيّفة وادعاءات باطلة وصور مُفبركة، وإشاعات غير صحيحة ... الخ القائمة الطويلة. أعتقد أن المسؤولية تقع على عاتق الأفراد أنفسهم، سواءً كانوا مشاركين او متابعين، كما أني أعتقد أيضاً اننا بحاجة الى هيئات إجتماعيّة مستقلة تعمل على مراجعة وتصحيح المعلومات المتداولة.


إن أول عمل ينبغي على أي ناشطٍ على هذه المنصّات عمله هو التحقّق قبل ان يُصدّق ما يُنشر ويعيد نشره، والمشكلة هنا أن من يُعيد النشر يعتقد أنه لا يقترف خطأ بل إنه يقوم بالنشر على ذمة الراوي، وهو غيرُ مُطالبٍ بتدقيق ما ينقُل (علماً أن الراوي مجهول في معظم الأحوال!). يا عزيزي، كيف لك أن تنقل خبراً أو معلومة دون أن تكون واثقاً من صحتها ودون التدقيق فيها بل ودون التحقّق من المصدر، ثمّ تدّعي أن لا يد لك في انتشارها وتأثيرها السلبي على المجتمع! عندما طلبت من أحد الزملاء مصدراً لمعلومة أوردها في أحد رسائله، قال لي لستُ وكالة أنباء! وردّ آخر تجدها على النت!

إذا كنا نلوم على المستخدم العادي والمواطن البسيط، فماذا نقول في حق بعض المثقفين والإعلاميين، وبعض النشطاء السياسيين والاجتماعيين، الذين لا تخلو صفحاتهم الاجتماعية من معلومات مغلوطة وغير دقيقة! أي تغيير إيجابي نرجوه لمجتمعاتنا في ظل هذه "الهوجة" من الخداع والمواربة؟!

من المُلاحظ أن معظم مستخدمي منصّات التواصل الاجتماعي يفتقدون لواحدة من أهم أساسيات عمليات التواصل ونقل المعلومة، وهي (التحقّق والتوثيق)، ناهيك عن عدم الاستشهاد بمصادر "موثوقة" للمعلومة، وعدم الحياديّة في الطرح، وعدم إعطاء الفرصة للرأي الآخر، بالإضافة الى عدم الإشارة الى النص المنقول أو المُقتبس. حين عاتبتُ أحدهم على نقل نص كامل لي مع وضع معلوماته الشخصية عليه، قال لي: اعتقدت أنك نقلته أنت عن غيرك!

 يقول عالِمُ الاجتماع الشهير "غوستاف لوبون" في كتابه ذائع الصيت "سيكولوجيّة الجماهير"، إن العواطف والأفعال لدى الجمهور هما مُعديان بطبيعتهما، وإن الفرد المُنضوي وسط جمهور إنفعالي، سُرعان ما يسقط في حالة من الإنجذاب الشديد الذي يشبه الى حدٍ كبير حالة التنويم المغناطيسي، بحيث تصبح إرادة الفهم والتمييز مُلغاةً تماماً!

وهذا يفسّر حالة الغوغائية التي نجدها في كثير من الأحيان عبر صفحات التواصل الاجتماعي، بحيث لو أعاد نفس الشخص النظر الى تعليقاته أو الموضوعات التي كتبها او شاركها بعد برهة من الزمن وبعد استعادة شخصيته "الواعية" من جديد، لدُهش منها!

ويضيف لوبون أيضاً أنه بمجرد تشكّل جمهورٍ ما، يتساوى أذكى الأذكياء مع أقل الأفراد وعياً، ويصبح الجاهلُ والعالِمُ عاجِزَيْن عن الملاحظة والتدقيق، ذلك أن مَلَكَة الملاحظة والروح النقدية التي يمتلكها كل فردٍ على حدة، تضمحلّ وتتبخّر!

وهذا يُفسّر لنا انتشار الأخبار والشائعات على أوسع نطاق دون تحقٌق أو تدقيق، حيث يصبح الفرد مجرّد مُوزّع وناشرٍ دون تحمّل أية مسؤوليّة أخلاقيّة او اجتماعيّة تجاه مصداقيّة ما ينقل، ناهيك عن ظاهرة التقليد المتفشيّة في مجتمعاتنا والتي تُعدّ ظاهرة مُحيّرة قامت عليها عدّة أبحاث إجتماعية ونفسيّة سلوكيّة ولم تجد لها سبباً رئيسياً بل وفشلت في ربطها بأي عوامل إجتماعية أو فسيولوجيّة خاصة، ويكفي أن يقف أحد المارة في أحد الشوارع ويركّز نظره الى أعلى لبضع دقائق  ليجد بعض الأفراد الذين تجمهروا حوله وفعلوا ما يفعل مع تبادلاتٍ للهمسات والنظرات والإشارات، فما بالكم لو قام أحدنا بوضع بوست جذّاب مع صورة لافتة وأضاف له الكثير من الحقائق المُزيّفة "المحبوكة"؛ أعتقد جازماً أن هذا البوست سينتشر ويلاقي رواجاً جماهيرياً كبيراً لمجرد ان موضوعه يروق للكثيرين ويُحاكي رغباتهم الدفينة ويتوافق مع عقلهم الباطني أو اللاواعي !

جاء رجلٌ الى الفيلسوف "سقراط" وقال له: هل تدري ما سمعتُ عن أحد طلابك؟ فردّ عليه سقراط هل انت واثقٌ أن ما ستقوله لي صحيح؟ رد الرجل بل سمعته من أحدهم، فقال سقراط حسناً هل ما ستخبرني به هو شيء طيّب؟ فقال له بل على العكس تماماً، فقال سقراط هل ما ستخبرني به سيُفيدني؟ رد الرجل لا وإنما هي مجرّد أحاديث!؛ فقال سقراط حكمته الشهيرة (إذا كنت ستخبرني بشيءٍ ليس صحيحاً ولا بطيّبٍ ولا ذي فائدة أو قيمة، فلماذا تُخبرني به من الأصل ؟!)

تُرى لو طبّقنا إختبار الفلاتر الثلاثة لسقراط، كم من الرسائل والبوستات والتغريدات التي سنختصرها من قاموس عالمنا الإفتراضي؟! فما بالكم لو تمعّنا في قول الله تعالى واستحضرنا معانيه (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)

أيمن يوسف أبولبن
18-11-2016
كاتب ومُدوّن من الأردن

الثلاثاء، 22 نوفمبر 2016

قواعد الحصار الأربعون

عبد الله الخطيب، شاب فلسطيني في السابعة والعشرين، من مخيم اليرموك في دمشق، كان يدرس علم الإجتماع في جامعة دمشق، أما الآن فهو كما يصف حاله " كائن تحت الحصار يُحصي الذين ماتوا جوعاً والذين سقطوا برصاص القنّاصة في مخيم اليرموك ويوثّق ما يجري فيه ".

تم تكريم عبد الله الشهر الماضي بمنحه جائزة "Per Anger" السويدية لحقوق الإنسان، وللأسف لم يستطع “عبد الله” السفر الى السويد لاستلام الجائزة، ولكنه أرسل رسالة قُرأت أثناء استلام الجائزة.
قيل عن هذه الرسالة أنها من أجمل ما كُتب عن الثورة السورية … وعن الوجع السوري والفلسطيني والإنساني عامة …

سيداتي سادتي: لقد مرّ وقت طويل على آخر مرّة واجهت فيها جمهوراً أمامي وجهاً لوجه، هذا لحسن الحظ يجعل الكلام أسهل بالنسبة لي ولكنه في الوقت نفسه ودون أن أدري لماذا، يجعلني في كل مرة أشعر بنفسي كعجوز يكتب رسالته الأخيرة في هذه الحياة.
على كلٍّ
أكتب لكم أحبتي -اسمحوا لي بأن أناديكم بأحبتي دون سابق معرفة، فالحصار يحول المُحاصَر لشخص هش عاجز عن الكلام إلّا مع من يحبهم-أكتب لكم من جنوب العاصمة دمشق المحاصر وكلّي أمل أن تصلكم مشاعري الحقيقة رغم أنف هذا الحصار الذي منعني أن أكون معكم هذا اليوم.
السيدة وزيرة الثقافة
هذا البلد لم يخض حرباً منذ مئتي سنةهذه الجملة وجدتها مكتوبةً في أغلب النصوص التاريخية التي قرأتها عن بلدكم قبل أن أبدأ بكتابة خطابي هذا، لم أصدق هذه الجملة في البداية، كيف يكون شكل هذه البلاد التي لا تخوض الحروب!
بداية حاولت جاهداً البحث عن المشترك بيننا كي أتحدث به، لكنّ التاريخ بلسانه الساخر دفعني باتجاهٍ آخر..
سيداتي سادتي في البلاد التي لم تخض حرباً منذ مئتي سنة، سأحكي لكم قصتي
قبل سبعٍ وعشرين عاماً تماماً ولدت في مخيم للاجئين الفلسطينيين يسمى مخيم اليرموك، يقع على هذا الكوكب هو ذات الكوكب الذي تعيشون فيه، ورغم أنّي من لحظة ولادتي سميّت لاجئاً، لكنّ والداي أيضاً لم يبخلا علي باسمٍ كما كلّ الأطفال، فسميت عبدالله و دخلت المدرسة سعيداً كما كلّ الأطفال رغم أنني كنت مجبراً في هذه المدرسة -التي تحمل علماً أزرقاً- على تناول زيت السمك الذي كنت أكره طعمه و أظنكم لم تجبروا على تناوله في مدارسكم، و لم يمنعني غياب الملاعب في المخيم أن تكون كرة القدم من هوايتي، وأدّعي أنني أعرف السباحة جيداً مثلكم مع أن زياراتي للبحر تعدّ على أصابع الكف الواحدة، ورغم أنني لا أملك الحق بامتلاك جواز سفر، لكنّي تعرفت على هذا العالم ليس لأني رأيته بعيني مثلكم، بل لأني كنت أحب الاستماع لحكايا المسافرين و من ثم أحلق في أحلامي حول عالمكم.
كان لي حبيبة مثل كل المراهقين، صحيح أنني كنت أبتعد عن طريق أبيها الغاضب دوماً، لكنّ ابتسامة أمها حين تراني كانت تعطيني الاحساس بالأمان، دخلت الجامعة لأدرس علم الاجتماع مدفوعاً برغبتي لفهم هذا العالم القاسي –المليء بالحروب تلك التي لم تعرفونها من مئتي سنة-وربما هي الصدفة فقط من جعلتني امتلك الدرجات الكافية لدراسة هذا الاختصاص.
وللأمانة أجد نفسي هنا مضطراً لأخبركم بأنّنا لسنا متشابهين تماماً، فأنا لا ألعب الغولف، ولم أر المترو في حياتي وحتّى الآن لم أصدق بأنّ السيارات أصبحت تسير بواسطة الكهرباء، ولا أتخيل كيف ولماذا تسير القطارات في باطن الارض، لم أمتلك يوماً بطاقةً مصرفية، ولا بطاقة سنويةً لدخول السينما.
ويحتم عليّ الواجب أيضاً أن أخبركم بأنني لم أتخرج من الجامعة، ليس لأنني كنت مهملاً في الدراسة، بل لأنّ حرباً طارئةً استوطنت هذا المكان.
سيداتي سادتي
سأخبركم شيئاً عن الحرب التي لم تعرفونها منذ مئتي سنة، كنت أمشي في شوارع المخيم صباحاً في يوم من أيام الحصار الطويلة، شاهدت طفلاً لا يتجاوز عمره التاسعة، من الغريب أن ترى الأطفال يمشون في الشوارع وحدهم في هذه الساعة من الصباح الباكر، كان منحنياً على الأرض يبحث عن شيء ما، اقتربت منه أكثر وحين وصلت إليه تماماً قبض راحة يده التي لا يتجاوز حجمها حبة جوز على ما بداخلها، سألته ماذا تخفي لم يجبني فوراً، في الحقيقة لم يجبني أبداً، اكتفى فقط بفتح راحة يده، ورغم دموعي التي انهمرت وقتها لكني استطعت تمييز تسعة حبات من الرز هي التي استطاع جمعها بعد تعب.
نعم أيّها السادة هذا الطفل كان يجمع طعامه، كانت وجبات الطعام في المخيم المحاصر تحصى بعدد حبات الرز.
هل تعرفون ما اسم هذا الطفل؟
بالمناسبة لا يهم، حتّى أنا لا أعرف، في الحصار خسرنا أسمائنا التي اكتسبناها في الطفولة كما أخبرتكم قبلاً، وأصبح لنا جميعاً اسم واحد “كائن تحت الحصار


سيداتي سادتي
لم يخطر يوماً ببال أحدٍ من مجموع السوريين الذين عشت بينهم أنهم سيصبحون مشهورين على مستوى الكوكب، كما هم الآن، كانوا يعيشون حياتهم ببساطة كما أغلب الشعوب، يعملون في حقولهم ومصانعهم، يذهبون إلى مدارسهم، يتزوجون ينجبون للحياة أطفالاً ويحملونهم آمالهم كما كلّ البشر، لكنها كانت لحظة فاصلة في حياة السوريين حين شعروا بحرارة الحرية تعصف بمنطقتهم، كان الجميع في سرّهم يقولون نحن أيضا نستحقها، لم يكن أحد منهم يتخيل أنّ القرن الواحد والعشرين سيحمل لهم هذا الجحيم الذي يعيشون فيه،
طالب السوريون بحريتهم و أيّدتهم في هذا كل شعوب الأرض تقريبا وكل الحكومات وكل الإعلام، كلهم كانوا ينادوا بحرية السوريين ولكن حين جاءت لحظة الحقيقة تخلى عنهم الجميع.
ولأن الفلسطيني يحمل في أعماقه ذاكرةً لم تُشفَ بعد من آلام الموت والفقد والتهجير من أرضه، كان من المستحيل عليه الوقوف بعيداً عن الكارثة التي حلّت بالشعب الذي استضافه حين طُرد من أرضه إثر قيام دولة اسرائيل، ولأن السوريين لم يطلبوا أكثر من الحرية كان الواجب الأخلاقي يفرض على شعب حُرم أيضاً من الحرية أن يساند السوريين في رغبتهم بالحرية، فكنت أنا الفلسطيني السوري والسوري الفلسطيني في آن واحد.
لكنّ أحداً لم يتوقع حجم الكارثة، كانت الجريمة أكبر من قدرة البشرية على الاستيعاب، مدنٌ بأكملها دمّرت، أطفالٌ قُتلوا في أرحام أمهاتهم و نساء اغتصبوا حتّى الموت و رجال قتلوا تحت التعذيب.
سيداتي سادتي هل صادف أن كان لكم صديق ومات بالتعذيب
هل جربتم هذا الشعور؟
أنا جربته كان لي صديق اسمه حسّان مات بعد التعذيب، هل تعرفونه؟ حسّان كان يعمل بالكوميديا، كان قادراً حتّى على إضحاك الشياطين لكنّه لم يستطع إضحاك قاتله لحظة قتله، وخالد صديقي أيضاً مات بالتعذيب و غيرهم كثيرون.
مئات الألاف من المدنيين سُحقوا تحت الأنقاض، تحولت المدارس لمراكز اعتقال والمستشفيات لثكنات عسكرية والحدائق منازل للنازحين المشردين الهائمين على وجوهم، أمّا مخيم اليرموك الذي أخبرتكم عنه ذلك المكان الذي ولدت فيه، الذي كان يضج بالحياة، فقد تحول لمركز استقبال للنازحين.
في البداية عشرات الألاف من النازحين الهاربين من الحرب في أحياء العاصمة دمشق توجهوا نحو المخيم، فُتحت المدارس والمساجد لاستقبال النازحين، و في لحظة مفاجئة تغير خطّ الحياة الذي كنت أرسمه لنفسي، لم أكن وحدي، الكثيرون أيضاً هجروا أحلامهم ، لقد تخلوا عن كل شيء، و احترفوا صناعة الحياة بطريقتهم المذهلة ، لقد كانوا يتصرفون كالأنبياء.
ولأنّ الطائرات من كلّ جنس ولون استولت على حناجر الأطفال، أقاموا لهم المدارس والملاعب
و لأنّ نيران الصواريخ تعرف خرائط أشجارنا وبيوتنا المفتوحة كقصيدة نثر، أطفأوها بأكفّهم العارية
ولأنّ الشهيد وحده من يستطيع أن يكون شاهداً، سقطوا يحملون آلات تصويرهم بأيديهم
ولأن الطغاة استسهلوا تجويع الأطفال لكسر الإرادة الكبار، حولوا مزابلهم لبساتين تكسر إرادة الحصار.
كانوا يدرسون الطب والهندسة والآداب ولكنهم فجأة تحولوا مُسعفين وإعلاميين وعُمّال نظافة وفلاحين ومعلمين للأطفال، لكن الموت لم يمهلهم كثيراً، كان متربصاً بهم عند كل زاوية و أمام كل باب، لقد سقط معظمهم شهداء .. وكلما خطف الموت أحدهم تولى غيره المهمة، لقد حمل المتبقون مكنسة بيد وكاميرا في اليد الأخرى، حملوا كيس طحين وكتاب لم يفكروا أن يكونوا أبطالاً، لكنهم لم يملكوا خيار التخلي عمّن بقي حياً من الأهالي هناك، علمتني الحرب الكثير من الخبرات السيئة الكثير الكثير لكنها علمتني في الوقت ذاته معنى أن نعمل معا، أن نصحو جميعا في الصباح ونتوجه نحو الأرض لنزرعها كي نأكل، وأن نصدح بالحقيقة بأعلى صوتنا حتى ولو كانت طلقة في رأس نهاية للرحلة، كما جرى لفراس
هل تعرفون فراس؟
كانت الحياة تنبع من بين أصابعه، فراس الذي بقي في بيته وحيداً لأنه لا يستطيع النوم قبل أن يقرأ قصيدة شعر، فراس الذي درس علم النفس لكنّه فضّل العمل بإطفاء النيران قبل أن تلتهم بيوت الفقراء، فراس كان يطفئ النيران بكفّي يديه الخشنتين حين لا يجد الى الماء سبيلا
فراس يا سادتي هو الفلاح الذي كان يغني للأرض قبل رمي البذور فيها، باغته الموت بطلقة في الرأس.
الحياة التي لا يكون الانسان فيها صوتاً للحق وللضعفاء ليست حياة هي أشبه بحلبة مصارعة رومانية يسقط فيها الضعيف ولأننا ضعفاء جميعاً من لحظة الولادة قررنا أن نرفض الهروب ونستمر بالمقاومة، كنا ندافع عن حق أطفالنا في غد أفضل فقط غير آبهين بأيّ معنى للبطولة.
في فترات الحصار الشديدة التي مرت على مخيم اليرموك والمنطقة الجنوبية، لم يكن يمرّ يومٌ دون سقوط خمسٍ من ضحايا الجوع، كانت الرجال تتساقط على الأرض كأوراق الشجر في فصل الخريق من شدة الهزال، في أحد تلك الأيام، أوقفتنا إمرأة عجوز وسألتني:
متى ستدخل المساعدات الإنسانية إلى المخيم؟
أجبتها بثقة، قريباً جداً
كنت أعرف أنني أكذب والمرأة العجوز أيضاً تدرك أنني كاذب، كلانا كان يحتاج الأمل لنعيش عليه يوماً آخر، هل تعلمون ماذا يعني أن يعيش الانسان على أمل الحصول على حفنة رز أو قمح ليس من أجله هو لكن من أجل طفله الرضيع أو أمه المسنّة.
كان التحديّ الأصعب لديّ أن أقول للناس حول العالم أنّ هناك بشر مثلكم يموتون من الجوع، كنت أستغرب هل يستطيع أي إنسانٍ على هذه الكرة الأرضية النوم إذا سمع أنّ هناك أطفالا تموت من الجوع،
عملنا المهم يا سادتي كان أن نوثق هذا، أن نسجل لأبنائنا وأبنائكم أن بشراً يموتون من الجوع في القرن الواحد والعشرين، هناك أدميون يموتون من الجوع على مرأى مسمع العالم أجمع بأشخاصه و منظماته
أصدقائي الطلبة الحاضرين معنا
لا تصدقوا كل ما تنشره وسائل الميديا لكم، هناك ميلُ خبيثٌ لدى سادة هذا العالم الاستهلاكي لإعطائكم صورة افتراضية أكثر جمالا عن العالم حولكم، لكنّها بالتأكيد أقل حقيقة. يميل العالم المتحضر لإعطاء المسكنات للضمير الانساني، ليس بهدف التقليل من بشاعة المشهد خوفاً على مشاعر المواطنين، بل لأن هذا يعطي صانعي السياسة حول العالم حرية أكبر لتحقيق مصالح يقال أنها تهدف لخدمة البشرية لكنها في الحقيقة لا تفعل أكثر من تكديس الثروات للأقوياء على حساب الضعفاء في هذا العالم الكبير، جربوا أن تشاهدوا الحقيقة بأم أعينكم، هناك شعوب تعاني الظلم والقهر و تنعدم فيها حقوق الانسان بالمطلق بما فيها حقهم الأساسي بالحياة، هناك بشر يقتلون فقط لأنهم ينتمون لثقافات أخرى أو لأن لون جلدهم لا يشبه لون بقية البشر.
هنا في بلادي أطفال تفاجأوا عندما شاهدوا الشوكولا لأول مرة في عمر الخمس سنوات، بعد أن قيل لهم أنّها موجودة فقط في الجنة.
سيكون شيئاً رائعاً في حياتكم أن تقولوا لأنفسكم عندما تكبرون، لم نكن حياديين في هذا العالم، نحن أيضاً بشر و سنضع بصمتنا الشخصية في هذا العالم.
أصدقائي الطلبة
الفساد ينتشر في هذا العالم كالعفن، فلنقاومه بأقصى ما نستطيع، فلنقاوم جميعاً


المقاومة هي الحب
هذه العبارة قيل لي أنّها مكتوبة بأحرف ضوئية على أحد مداخل الجزر في عاصمتكم ستوكهولم، لا أدري ماذا قصد من كتبها, لكنني أعتقد أنها تُلخص ما أودّ قوله.
لنقاوم الظلم في هذا العالم لأن المقاومة هي حب الانسان لكل ما هو جميل و استعداده للدفاع عن معنى الحياة في هذا العالم المتوحش، ربما لن نستطيع ايقاف المذبحة لكن لنحاول معاً بأقصى ما نستطيع أن لا نعتاد الموت، أن لا تصبح أخبار القتل اليومية خبراً عاديا في نشرات الأخبار.
شاعر فلسطيني قال ذات مرة “على هذه الأرض ما يستحق الحياة نعم هناك الكثير على هذه الأرض يستحق الحياة لكنّه بحاجةٍ للدفاع عنه، لنحاول هذا سويةً.
سألني ذات يومٍ صحفي في جريدة الغارديان:
_
ماذا تفعل بالمخيم حتى الآن .
_
أزرع الأمل على شكل خضروات في ما تبقى من مساحات محدودة صالحة للزراع، أدرّب الأطفال على التعلق بالحياة من خلال اللعب، أوثق المجزرة التي أنا جزء منها. أكتب تاريخنا كي لا يُنسى ونموت حتى بدون عزاء، أدرّس الطلبة مادة الفلسفة، أحدثهم عن "كانط" ومدرسته، أستعين به دون وعي كي أقول لهم أنّ الموت أهون من غياب العدالة، أوثّق الحقيقة كي تبقى راسخة في عقول أبنائنا الذين سيولدون حتماً وهم أحرار.
_
وماذا تكتب؟
_
قواعد للحصار كي يستفيد منها المُحاصَر القادم في هذا العالم وكي لا تضيع التجربة سُدى، سأجمعها في كتاب وأسميه قواعد الحصار الأربعين ليكون وجهاً أخر للبشر
_
هل تعتقد بأن حصار أخر سيكون في العالم؟
_
ردّ فعل العالم على هذا الحصار تجعلني أعتقد بأنّ العالم يمضي نحو الهاوية
_
ماذا تقرأ؟
_
وصايا أصدقائي ورسائلهم كيلا أموت مهزوماً
_
ماذا تحلم لنفسك؟
رغم كل المحاولات الفاشلة لإخراجي من هنا لكني لازلت أحلم بالحياة، بأن أمتلك شهادة عليا في علم الاجتماع كي لا أضيع ظنّ من وثقوا بي، أحلم بكتابة سيرة جميع الشهداء، أفكر كثيراً بالموت، لا أتمناه، و بعكس ما أقول أحياناً، أنا أخاف الموت وأعرف أنني أنتظره.

أصدقائي السوريين والفلسطينيين الحاضرين معنا
أهلي وعائلتي الكبيرة المتواجدة في مملكة السويد، نساء و رجالاً كباراً في السن وأطفال، باسمكم جميعا أدعو الله أن تنتهي الحرب في بلداننا وأن تعودوا جميعا لبيوتكم و أهلكم و أصدقائكم، نحن نشتاقكم هنا، ننتظر عودتكم لحظة بلحظة، سيكون هناك من جديد متسع لقوس قزح ليملأ سماءنا بدلاً من دخان الطائرات، سيجد الفلاح وقتاً كافياً ليسقي حقله ويلهو مع ماشيته بدلاً من حمل السلاح، و ستعود سيدة المنزل لتقليم ورود حديقتها بدلاً من البكاء على أطلال بيتها الذي بنته قطعة قطعة، أملي كبير بأن تعود مدارسنا التي تحولت لسجون كبيرة مملوءةً بالتلاميذ و أن ينعم كل المعتقلين بالحرية.
لازلت أحلم بأن اسمع صوت أمي يدعوني لفنجان قهوة على شرفة منزلنا دون الخوف من مرور طائرة مجهولة الهوية أو سقوط قذيفة عمياء، لنحلم معاً بهذا اليوم الذي نستطيع فيه دعوة أصدقائنا السويديين الذين أغاثونا واستقبلونا لنشكرهم على حسن ضيافة لاجئنا.
لازال أملي كبيرا بانتصار ارادة الحياة على ارادة الموت والقتل بانتصار الثورة السورية ثورة الحرية والكرامة وأن تصبح سوريا دولةً مدنيةً حقيقيةً مبنية على أساس الديمقراطية لكل مواطنيها،
أحلم بذلك اليوم الذي سيعود فيه مخيم اليرموك مكاناً لبناء الابداع والحب كما كان و يعود أطفاله للرسم على جدران شوارعهم المحطمة.
أملي كبير أيضاً بالسلام لذلك المكان الذي جاء منه أبي “فلسطين” و أن ينال الفلسطينيون حريتهم و أن يتوقفوا عن كونهم مشردين في هذا العالم بلا جوازات سفر محرومين من حقوقهم الأساسية و أن يتوقفوا عن كونهم لاجئين من لحظة ولادتهم معرضين للقتل بلا حساب و أن تنتهي عذاباتهم الممتدة منذ أكثر من سبعين سنة.
أما على صعيدي الشخص فأنا أحلم بذلك اليوم الذي أستطيع فيه لقاء من بقي من الحياة من الأصدقاء معتقلين كانوا أم مهجرين، سنلبس ثياباً جديدة كأطفال و نمضي بهدوء لنزرع الورد حول قبور الغائبين

سيادتي سادتي
هذه الأرض تتسع لنا كلنا فقط عندما يقرر الجميع أن يصرخوا بصوت واحد في وجه القتلة -جميع القتلة-: فلتوقفوا القتل.

شكرا لكم حضوركم و شكراً لكلّ من استمع و انتبه أو تثاءب
شكرا لكم جميعا و في الأخير الشكر لسليم الحاضر نيابة عني والذي يتكلم بلساني في كلّ مكان.
شكرا لمعلمي أحمد عمرو الذي كتب جلَّ ما في الخطاب
‏‏(عبدالله الخطيب)

السبت، 5 نوفمبر 2016

قناديل ملك الجليل



رواية لإبراهيم نصرالله

رواية تسرد أحوال فلسطين وبلاد الشام في نهاية العهد العثماني من خلال سرد سيرة " ظاهر العمر " أحد القياديين الذي حمل حلم الإستقلال العربي ورفع الظلم عن السكان العرب والدفع نحو كيان عربي موحد مستقل يدير شؤؤونه الخاصة ويحقق الأمان لسكانه .
الرواية مليئة بحكايا الأجداد والوطن ورائحة البحر والتراب، وضاربة في تحليل الشخصيات ووصف الأرض والربط بين الإنسان والطبيعة، تحمل بين ثناياها الكثير من القصص والقيم الإنسانية .
المثير في هذه الرواية أن الكاتب إبراهيم نصر الله، إستطاع الحفاظ على الموروث التاريخي وبناء حبكة درامية متجانسة دون المساس بواقعية الرواية وحفاظها على نسقها الأدبي.
الرواية كغيرها من الروايات التاريخية تحمل في ثناياها الكثير من المآسي والقصص المؤلمة، من خيانة ومؤامرات وظلم وبطش، كما انها تحتوي على لحظات سعادة وحب، انتصارات وأحلام تتحقق، وهي بالتالي تكتسب صفة الرواية الأدبية الواقعية.
(الإنسان قضية) كما قال غسان كنفاني، وفي هذه الرواية يتمثل لنا القائد العربي الذي حمل همّ الوطن على كتفيه وعاش من أجله فاتحاً الباب على مصراعيه للأجيال القادمة لإكمال المسيرة.

الاثنين، 31 أكتوبر 2016

الإنتخابات الأمريكية...أمريكا تخسر !


أثار السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض هذا العام لغطاً وجدلاً لم يسبق له مثيل في تاريخ الإنتخابات الأمريكية التي يمتد تاريخها الى ما يقرب من 200 عام، ولا يقتصر هذا اللغط على ما أثاره المُرشّح الجمهوري "دونالد ترامب" من مواضيع مثيرة للجدل أحياناً وللسخرية أحياناً كثيرة، بل يشمل كذلك المُرشّحة الديمقراطية "هيلاري كلينتون"، التي أثارت هفواتُها الأمنية الرأي العام في أمريكا، بدءاً من تقصيرها في حادثة إقتحام السفارة الأمريكية في بنغازي وصولاً الى تسريبات بريدها الإلكتروني. هذه الحالة غير المسبوقة في تاريخ الإنتخابات الأمريكية أثارت العديد من الشكوك حول سلامة ونجاعة النظام السياسي في البلاد، الذي فشل في فرز أي مرشح قوي يُمثّل المبادىء التي تزعم البلاد الإلتزام بها من جهة، ويُلبّي طموحات وتطلعات المجتمع الأمريكي من جهة اخرى.

  بالعودة الى مرحلة ما قبل الإنتخابات، نجد أن شعبية الرئيس أوباما قد انخفضت مع قرب إنتهاء ولايته الثانية، وتنامت حالة من عدم الرضا عن السياسة الخارجية للبيت الأبيض خصوصاً مع عودة الدُبّ الروسي الى الواجهة العالمية من جديد وتنامي صعود نجم "بوتين"؛ فبات المزاج العام في الولايات المتحدة مُهيئاً أكثر من ذي قبل لإستقبال رئيس جمهوري "قوي" يُعيد الأمور الى نصابها، وظهر ذلك جلياً في فوز الحزب الجمهوري بالإنتخابات التشريعية عام 2014 وسيطرته على الكونغرس، ولكن من سوء حظ الجمهوريين أن مُرشّح هذا العام كان "دونالد ترامب"!، في حين كان من المُتوقع لأي مُرشّحٍ جمهوري متوسط الإمكانيات أن يستغل الظروف السياسية ويستثمر سلبية أداء الإدارة الحالية لحسم الإنتخابات، وهنا يبرز السؤال لماذا ترامب ؟

   دونالد ترامب الذي أثارت حركات جسده وتعابير وجهه موجات من السخرية في وسائل الإعلام، وأصبح على أثرها مادة دسمة لبرامج الترفيه والتسلية، وأثار الجدل بتصريحاته العنصرية تارةً وهجومه على النساء تارةً أخرى، هو في الحقيقة الإبن "اللقيط" للزواج غير الشرعي بين السلطة والمال !، فدونالد ترامب هو رجل أعمال ناجح وملياردير يمتلك العديد من الأبراج التجارية والفنادق والمنتجعات السياحية بالإضافة الى إمتلاكه العديد من الكازينوهات كما أنه عمل في مجال الإعلام كمُنتج ومُقدّم برامج، اقتحم عالم السياسة مدعوماً بثروته وبسلطة المال واستطاع اختراق الصفوف صعوداً الى أعلى وكأنه لاعب محترف في لعبة "السُلّم والثعبان" حيث أصبح في يوم وليلة المرشح الأقوى في الحزب الجمهوري في الوقت الذي تراجع فيه عديد من السياسيين في الحزب لا لنقصٍ في مؤهلاتهم ولكن خضوعاً لسلطة المال وكما يقال في أمريكا Money Talks.

وبالنظر الى الجهة المقابلة، نجد أن هيلاري كلينتون رغم أنها باتت على وشك الفوز بالرئاسة الأمريكية بعد ان استفادت من ضعف مُنافسها وهفواته المتكررة في مجال حقوق المرأة والأقليّات وتهرّبه الضريبي، إلا أنها لم تكن المُرشّحة المثالية أيضاً، فوزيرة الخارجية السابقة عانت من فضيحة هجوم بنغازي والتقصير الواضح في قيام الخارجية الأمريكية بواجباتها، كما أنها أبدت عدم مسؤولية قلّ أن تتكرر في استخدامها لبريدها الشخصي في مراسلات رسمية وحساسة مما عرّض العديد من الوثائق الرسمية والسرية للتسريب، ناهيك عن حالتها الصحية المُثيرة لكثيرٍ من التساؤلات بعد أن تعرضت لموجة من الوعكات الصحية مؤخراً بل لحالات إغماء متكررة كذلك، دون الإعلان عن حقيقة مرضها، وبات الشك قائماً حول قدرتها على النهوض بمسؤولياتها وإمكانية تفاقم أزمتها الصحية مما يضع البلاد في حالة قلق وتوتر هي في غنى عنها.

بالنظر الى وضع المُرشّحين الرئيسيين للإنتخابات الأمريكية لهذا العام، يبدو واضحاً أن السباق الرئاسي قد أزاح الستار عن التصدّع الداخلي للنظام السياسي في أمريكا وأماط اللثام عن عيوب المجتمع الأمريكي الذي أفرز هذا النظام، ويبدو أن تنافس مُرشّحة (آيلة للسقوط) تفتقد للحِس الأمني، ضد مُرشّح لا يتورّع عن المُجاهرة بعُنصريّته وعِدائه لكل ما هو ليس "أنجلوساكسوني"، في أعرق الديمقراطيات في العالم، وفي الدولة التي تتربع على عرش قيادة العالم، ما هو إلا رأس جبل الجليد الذي يُخفي تحته ماهو أعظم!

بغض النظر عمّن يفوز الأسبوع القادم، فالخاسر في الحالتين هو الشعب الأمريكي، الذي سيجد نفسه وجهاً لوجه مع الحقيقة المُرّة، وسيكون مُرغماً على إجابة أسئلة شديدة الحرج عن الأسباب التي أدت إلى فشل النظام السياسي في إيصال النخبة السياسية الى البيت الأبيض وترشيح قادة حقيقيين يمثلون طموحات المجتمع الأمريكي، وهذا سيقوده بالتالي الى مراجعة مُدخلات هذا النظام السياسي وأهمها المجتمع الأمريكي نفسه ! فإذا أضفنا الى ما سبق، الجدل القائم حول قِدَم الأجهزة المُخصصة للتصويت واحتمالية خطأها، ومحاولات القرصنة الروسية لنظام الإنتخابات، وتشكيك المرشح دونالد ترامب في نزاهة نظام الإنتخابات نفسه، وإذا استرجعنا الشكوك التي حامت حول الكيفيّة التي خسر فيها "آل جور" إنتخابات عام 2000 لصالح "بوش الإبن"، حينها سيبدو من الواضح للعيان مدى سريالية المشهد الإنتخابي في أمريكا هذا العام !.

 في الوقت الذي أثبت خيار "أوباما" (إمساك العصا من الوسط) فَشَلهُ وعدم تحقيق المأمول منه (على صعيد السياسة الخارجية على أقل تقدير)، يبدو أن الإدارة الأمريكية القادمة ستكون على مفترق طرق، إما الإستمرار في تبنّي سياسة "الكاوبوي" التي أسّس لها "رونالد ريغان" في بداية الثمانينات، وعزّزها "بوش الإبن" في العقد الماضي أو أن يتحول من النظرة التوسعيّة لإمبراطوريته العالمية الى إعادة بناء بيته الداخلي والإنكفاء على ذاته، وفي الحالتين تبدو الإدارة الأمريكيّة أنها تُخاطر بمكانتها وأسباب إستمرارها، فهل سيكون التاريخ على موعد مع كتابة الأسطر الأخيرة في كتاب هذه الإمبراطورية لتلحق بسابقاتها، وتُفسح المجال بالتالي لإمبراطورية جديدة ناشئة ؟!.  

أيمن يوسف أبولبن
30-10-2016
كاتب ومُدوّن من الأردن
للتواصل عبر تويتر @ayman_abulaban