السبت، 5 أبريل 2014

السينما حين لا تثير الدهشة



   يقول أنتوني كوين الممثل الامريكي، والذي أشتهر بتجسيده شخصية "زوربا" اليوناني، و"عمر المختار" في فيلم  "أسد الصحراء" للراحل مصطفى العقاد، يقول أنه تعلم حكمة في بداياته الفنيّة، كان لها الدور الكبير في نجاحاته اللاحقة، وكانت بمثابة البوصلة التي عملت على توجيهه في اختياراته الفنية، هذه الحكمة أو النصيحة أخذها عن أحد عمالقة صناعة السينما حينها وتقول "يا بني، الجمهور لا يأتي الى السينما لتكرار مشاهد الحياة اليومية، بل للهروب من واقعهم؛ قدّم لهم شيئا مُدهشاً يهرب بهم الى حيث أحلامهم ".

  في بداية ظهور الأفلام السينمائية، كان مجرد مشاهدة شخصيات واقعية تؤدي أدواراً على الشاشة بالصورة ثم بالصوت والصورة، كافياً لخلق الدهشة والانبهار لدى الجمهور، ورويداً رويداً بدأت السينما باحتلال مرتبة أساسية للترفيه عن الشعوب، وتأدية دور ايجابي بالتأثير في المجتمع، ومن هنا بدأت الدوائر صاحبة القرار باستغلال الفن وصناعة السينما بالذات في بث رسائل للجماهير وتحقيق أهداف خفية من خلالها.

  ومع تقدم التكنولوجيا وصناعة السينما، أصبح المجال مُتاحاً لتجسيد أفكار خيالية، وتطويعها لتعرض على شاشة السينما فيتلقاها المشاهد و يصدقها ويتأثر بها، وتنجح بالتالي في اثارة الدهشة والاعجاب وتصل الى النجاح المنشود سواءً على مستوى الاقبال الجماهيري والايرادات، أو على مستوى المسابقات الفنية والجوائز. ولكن العنصر الأهم لنجاح أي فيلم وتميزه، هو تبنيه لفكرة غريبة ونادرة، تثير الفضول لدى المشاهد وتطلق العنان لمخيلته الفكرية، وتفتح له باب التأمل على مصراعيه، وتترك عنده بصمة عميقة ترتبط بهذا الفيلم، وأذكر هنا ثلاثة أفلام حُفرت ذكراها في ذهني خاصة، ويشاركني بها -على ما أعتقد-  متابعو الأفلام وعشاق الفن السابع، فيلم "الشبح “ Ghost ، " الحاسة السادسة 6th Sense " وأخيرا فيلم " الايحاءInception ".

   بعيداً عن ابهار الفكرة والابهار التكنولوجي، من اللافت للانتباه لدى معظم المتابعين أن أكثر الأفلام تأثيرا في الجماهير وأكثرها نجاحاً على مستوى تقييم النقاد والحصول على الجوائز الفنية وعلى رأسها الأوسكار، هي تلك الأفلام التي تنقل الواقع وتجسده بشكل درامي مؤثر، أو تلك الأفلام التي تحيك قصصاً تحاكي فيها الواقع وتُسقط الخيال السينمائي على أحداث واقعية فتصدم الجمهور وتثير الدهشة بصدقها وتحليلها للواقع بطريقة فنية، بحيث تجعلنا نرى الأمور من زاوية أخرى كانت غائبةً عنا وسط الضغوطات التي نعيشها في حياتنا اليومية، فتتيح لنا هذه الأفلام مجالا للتأمل والتفكير، أو مراجعة أنفسنا فيما نفعله.

   لعل فيلم "انقاذ الجندي رايان Saving Private Ryan " من انتاج واخراج ستفين سبيلبيرغ، أفضل مثال على هذه النوعية من الأفلام، بعد النجاح الكبير الذي حققه وجعله مرجعاً للأفلام الحربية بعد حصوله على 5 جوائز أوسكار، ولم يأت هذا النجاح من فراغ بل كان ثمرة عمل دؤوب من صانعي الفيلم حيث قام فريق الاعداد برسم الخط الدرامي للفيلم بصياغة قصة سينمائية مثيرة، ثم قاموا باجراء لقاءات مع عدد كبير من الجنود والضباط الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية ومن خلال هذه اللقاءات قام معدّو الفيلم بتوثيق تفاصيل أكثر من 20 معركة حقيقية، وأخيراً قاموا بربط شهادات المحاربين ونسجها مع القصة السينمائية المُفترضة، لتكون النتيجة قصة درامية مؤثرة بقالب فني ابداعي من حيث استخدام المؤثرات الصوتية والبصرية، والأداء التمثيلي الراقي، بالاضافة الى وجود مخرج مُبدع استطاع أن يستخدم الكاميرا بذكاء، فكانت النتيجة ابهار وادهاش للمشاهد ما بعده ابهار.

    في افتتاح الفيلم قال سبيلبيرغ "هدفي هو أن أعرض للناس ولأصحاب القرار بشاعة وفظاعىة الحروب على البشرية، وأن أجعلهم يفكروا جيداً قبل أن يؤيدوا حرباً أو يشاركوا فيها".

   ان أكثر ما يؤثر فينا كمُشاهدين، هو ربط أحداث الفيلم بمعاناتنا اليومية وبأحداث حدثت بالفعل لنا أو لأناس عايشناهم وخالطناهم، وبذلك يترك الفيلم بصمةً عميقةً في وجداننا. ما زلت أذكر والدي كيف كان يُبدي تأثره عند مشاهدته لأي فيلم يتحدث عن معاناة القضية الفلسطينية، وأذكر كيف كان يربط بين مشاهد فيلم "الرسالة"  على سبيل المثال و المعاناة التي عاشها في ظل المآسي التي ما زالت عالقة في ذاكرته عن التعذيب والقتل والتهجير والاضطهاد، كنت أراقبه وعيناه تدمعان بصمت، ثم أسأله بعد ذلك فيجيب: "تذكرت حالنا أيام البلاد" !!

  هذه هي الدهشة التي تحدث عنها أنتوني كوين، بأن نرى أنفسنا في شخصية معينة في الفيلم، أو أن نتفاعل مع الفيلم وكأننا نعيشه، وهذا هو الدور الذي يفترض أن يلعبه الفن في حياتنا عموماً والسينما خاصة، وهذا ما أفتقده أنا شخصياً
في السنوات الأخيرة، حيث غابت الدهشة وغاب الابهار عن الافلام السينمائية ولم تعد تعرض ما يبهرني او يشد انتباهي لا لشيء سوى أن حياتنا اليومية التي نعيشها باتت مليئة بالابهار والدهشة، بالانكسار وبالخوف، ولا تخلو من الكوميديا السوداء أيضاً.

   أذكر أني كنت حريصاً على تجنيب أبنائي مشاهدة الأفلام التي تحتوي على الكثير من العنف والقتل ومشاهد الدماء، ولكني وجدت نفسي لا أكترث لذلك مؤخراً، لسهولة اقناعهم بأن هذا مجرد تمثيل أو خداع سينمائي، ولكني صرت أكثر حرصاً على عدم متابعتهم لنشرات الأخبار، وصرت قلقاً من الأسئلة التي يمكن أن يطرحها ابني البكر من خلال متابعته لمواقع التواصل الاجتماعي، ماذا سأجيبه يا ترى ومن أين سأجد له مبررات لدوامة العنف التي نعيشها !!

   السينما برأيي باتت بحاجة الى ثورة وطفرة جديدة كي تستطيع أن تُدهشنا من جديد، وتجذبنا اليها، أو ربما تكون بحاجة للتركيز على أحلامنا الضائعة وحقوقنا المفقودة، كما قال أنتوني كوين، أعتقد أننا جميعا نصبو الى رؤية أحلامنا تتحقق حتى لو كان ذلك مجرد فيلم سينمائي، قد يكون هذا مُدهشا حقاً !

  كم أتوق الآن لمشاهدة المشهد الأخير من فيلم " Papillon  " ورؤية ستيف ماكوين وهو يقفز من أعلى الجبل باتجاه البحر محققاً حلم الحرية الذي أمضى سنين عمره وهو متمسكٌ به، متشبثٌ بالأمل في تحقيقه ولو بعد حين، فالحريه هي اخر وأفضل أمل على ظهر الارض، كما قال ابراهام لينكولن.


أيمن أبولبن
25-3-2014




الثلاثاء، 25 مارس 2014

الدقامسة ليس بطلاً ولكنه ضحية



   لو تجرّدنا من مشاعرنا الخاصة تجاه الصراع العربي الاسرائيلي ، وبحثنا في حادثة الباقورة بتجرّد لخلصنا الى نتيجة مفادها أن ما قام به الجندي الدقامسة لا يمكن تصنيفه من ضمن أدوار البطولة، فاطلاقُ النار على فتيات مدنيّات ليس من شيم الأبطال المغاوير وليس من شيمنا كعرب ولا من صفاتنا كمسلمين، ولكن الباحث في خلفيّات القضية لا بد وأن يقف على مجموعة من الاعتبارات والظروف المحيطة في الجريمة والتي تشير الى أن الدقامسة وان لم يكن بطلاً فانه وقع ضحيةً لهذه الظروف .

   الدقامسة كان ضحيةً للنظام السياسي في البلاد وضحيةً للنظام الديمقراطي المُوجّه، الذي أفرز نواباً لا يمثلون الشعب حقيقةً وانما يمثلون عشائرهم ومعارفهم ، هؤلاء النواب أجازوا تمرير معاهدة السلام التي رفضها وما زال أغلبية الشعب الأردني ، معاهدة السلام هذه مهّدت الظروف للتطبيع مع اسرائيل بل وفرضته على ارادة الشعب ، وكان الدقامسة أول ضحايا اتفاق السلام غير المتوازن.

   الدقامسة الذي يحمل على ساعده وشم فلسطين ،ويحمل في ذاكرته ما تعلّمه من حب الوطن ، تكوّنت لديه قناعة بأن من أغتصب الأوطان لا  يصلح الا أن يكون عدواً ونداً في المعركة وليس صديقاَ أو زائراَ مُكرّماَ ، وعندما التحق بالجيش كان هدفه أن يحمي الأوطان وأن يبذل روحه للذود عن حماه ، شاءت الأقدار أن تنتقل وحدته العسكرية الى أراضي الباقورة التي عادت الى الأردن بموجب اتفاقية السلام ، وعلى خط المواجهة مع العدو القديم -الصديق الحالي، لم يكتف القدر بهذا التناقض ، بل ان حظه العاثر وضعه في اختبار صعب في كيفية التعامل مع الغطرسة الاسرائيلية الصهيونية وجهاً لوجه ، بعد أن تعرّض لأقسى اختبارات التحمّل ، الا وهي السخرية من شعائره الدينية.  
   في خضم تجردنا وبحثنا عن الحقيقة علينا أن لا ننسى أن الفتيات الاسرائيليات جعلنَ من هذا الجندي البسيط أضحوكة ، ومن صلاته مصدر سخرية واستهزاء ، ولكن أحداً لم يوجه أصابع الاتهام الى الضيف الذي أهان مُضيفه!!

الدقامسة وقع ضحية دولة تحاكم شعبها ولا تملك الارادة لمحاكمة جلاديها ، وفي هذا مُخالفةٌ لنواميس الكون ولتعاليم الأديان السماوية كافة ، هذا اخلالٌ واضح في مبدأ العدل وتعميمه على الناس كافة .
يقول الله تعالى " وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" ، ويقول أيضاً " وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ" فان حققنا العدل في جانب وأخفقنا في تحقيقه في الجانب الآخر ، اختل ميزان العدل ،

  على النقيض تماماً نرى أن العدو الاسرائيلي حريصٌ كل الحرص على أبناء جلدته فالجندي الاسرائيلي-أو لنقل المواطن الاسرائيلي- محميٌ باسم القانون ما دامت الضحية غير يهودية ، وكل ما عدا ذلك فهو مباح !!

المطالبة بالافراج عن الدقامسة تستند الى أسباب قانونية كثيرة ، صحيح أن موجة المطالبات الشعبية الأخيرة اعتمدت على العاطفة ، ويمكن اعتبارها "فزعة" لمقتل القاضي زعيتر ، ولكن بالرجوع الى أهل الاختصاص يتبين لنا أن الدقامسة قد أنهى مدة الحكم منذ عامين ، ولا أحد يجرؤ على الخوض في هذا الحديث ، بل أنه من الواضح أن القرار الذي اتخده "السيستم" يقضي بأن لا يرى الدقامسة النور ، وأن يخرج من السجن الى قبره مباشرة ،

   الحكم المؤبد الذي ناله الدقامسة ينص على امضاء 20 عاماً في السجن ، والقانون الجنائي في البلاد ينص على أن المدة القانونية للعام الواحد يتم احتسابها على أساس 9 أشهر وليس 12 شهراً ، وبحسبة بسيطة تكون المحكومية في حالة الدقامسة هي 15 عاماً ، وها هو يدخل عامه الثامن عشر !! ليس هذا فحسب ، بل ان القانون يجيز اكمال المحكومية في مكان اقامة المحكوم اذا توافرت أسباب موجبة لذلك منها الحالة الصحية على سبيل المثال،

بعيداً عن البعد القانوني للمسألة ، هناك رسالة واضحة من جميع المُطالبين بالحرية للدقامسة الى العدو الصهيوني مفادها أننا سنعاملكم بالمثل ، ان انتصرتم لضحايانا انتصرنا لضحاياكم ، والا فاننا سنعامل مُجرمينا كما تعاملوا مُجرميكم . الحرية للدقامسة ليس لأنه بطل ولكن لأنه ضحيةٌ يُشبهنا ، ولأن ما فعله كان من الممكن أن أقوم به أنا أو أنت أو أي مواطن غلبان آخر .

أيمن أبولبن
22-3-2014






الثلاثاء، 18 مارس 2014

شويّة كرامة في يوم الكرامة !

   

   تمر بنا خلال أيام ذكرى معركة الكرامة ، التي شهدت صموداً مشتركاً لقوات الجيش العربي الأردني وقوات فتح (العاصفة) أمام قوات العدو الصهيوني التي كانت تهدف الى السيطرة على الأغوار الشرقية ، أدى هذا الصمود الى دحر القوات الغازية ، واجبارها على التراجع والانسحاب تاركةً وراءها قتلاها من الجنود بعد فشل محاولاتها في سحب جثثهم ، لتكون هذه المعركة أول انتصار عسكري للجيوش العربية أمام العدو الصهيوني ، بعد هزيمتي النكبة والنكسة .

    معركة الكرامة اكتسبت اسمها من اسم القرية التي دارت بقربها المعركة ، ولكن التسمية ارتبطت في أذهاننا بمعنى الكرامة ، فأصبحت اسماً على مُسمّى ، فمعركة الكرامة جاءت لتعيد لنا الكرامة المفقودة ، وتفتح لنا باب الأمل من جديد في مقارعة العدو الغاشم والانتصار عليه رغم الفجوة الكبيرة في العدة والعتاد ، ثم لحقها انتصار أكتوبر وتدمير خط بارليف ليكون ذلك ايذاناً بقلب قواعد اللعبة وفرض اعادة ترتيب الأوراق في المنطقة بناءً على معطيات الواقع التي تقول ان ارادة الشعوب والعزيمة والاصرار على التحدي تفوق بكثير ترسانة الأسلحة الفتاكة التي يمتلكها العدو الصهيوني .

   تمر بنا ذكرى معركة الكرامة هذا العام  وفي القلب غُصّة ، وفي القلب جرحٌ نازف ، فعلى بعد كيلومترات قليلة عن قرية الكرامة ، تعرض أحد المواطنين الأردنيين من أصول فلسطينية الى اهانة وسوء معاملة واعتداء بالضرب من قبل الجنود الاسرائيليين في طريق عبوره من الحدود الأردنية الى أراضي السلطة الفلسطينية عبر معبر الكرامة ، وعندما انتصر لكرامته ولانسانيته ، متحدياً بجسده العاري غطرسة الجنود الاسرائيليين ، أردوه بوابل من الرصاص من فرط جُبنهم ، لتفارق روحه جسده الطاهر ، ولتغادر معها ما تبقى من ذكرى للكرامة في أذهاننا .

   لم يكن الاعتداء وحده السبب الوحيد في شعورنا بالامتهان و "قلّة القيمة" بل ان تعامل السلطات الاردنية والفلسطينية مع الحادثة يعكس مدى الذل والهوان الذي وصلت له دول المنطقة ، ومدى العار الذي الحقته بشعوبها ، لا يغرّنكم ما تسمعوه من تصريحات "عنترية" هنا وهناك ، أوشجب واستنكار ، أو اعتذارات  ، فلا قيمة للانسان العربي ولا لكرامته عند أنظمتنا العربية ، فما بالكم عند جنود العدو !!

   معبر الكرامة كان رمزاً للكرامة العربية ، المار من هناك لا بد وأن يمر من قُبالة نصب " الجندي المجهول " ليشدّه منظره حاملاً سلاحه رافعاً يده وشامخاً برأسه ، يشعر المار من هناك بالعزة والكبرياء ، ويستشعر تضحيات من قضوا في هذه المعركة ، ويستشعر صمود من قاتلوا وانتصروا ، وأبقوا باب الأمل مفتوحاً. لا أدري أهي مصادفة أم أنها حُرقة الهزيمة ، التي دفعت جنود الاحتلال لينفذوا جريمتهم قبل أيام قليلة من ذكرى المعركة !؟ أم هو القدر الذي يسخر من ضحاياه كما قال درويش ذات مرة !!

   معبر الكرامة أصبح منذ الآن ، رمزاً للهوان العربي ، للانكسار والهزيمة ، قامتنا لن تنهض من بعدك يا رائد ، وحالنا لن يختلف كثيراً عن جثتك الهامدة التي تركها جنود العدو تنزف دماً حتى جفت عروقها ، فالكرامة نزفت من عروقنا أيضاً وها هي تكاد تجف ، لا تقلق على من تركت خلفك ، فمن عاشر الرجال لن يقبل أن يعيش في كنف أشباه الرجال ، ولن يقبل أن يعيش بنصف حياة ، فلا تقلق ، دع هذا القلق لنا نحن ، فقد أنهيت حياتك كما يتمنى جميعنا انهاءها ، بعزة وكرامة وشموخ ، أما نحن فما زلنا نحاول أن نعيش بكرامة قبل أن نفكر كيف نموت بكرامة !!

 
  في أحد أفلام أحمد حلمي الذي يحمل عنوان "عسل أسود" يجسد فيه شخصية مواطن مصري يحمل جواز سفر أمريكي ويعود لزيارة أهله في مصر بعد غياب طويل ، فيختار أن يحضر جواز سفره المصري ظاناً أنه سيلاقي الاحترام الكافي من سلطات بلده ، كما كان يلقى الاحترام من السلطات الامريكية باعتباره مواطناً امريكياً ، وعندما يكتشف الفارق الكبير في المعاملة ، بل لنقل سوء المعاملة التي يتلقاها المواطن المصري في بلده (والمواطن العربي اجمالاً) يقرر أن يحضر جواز سفره الامريكي ويستخدمه بدلا من المصري ، وبقدرة قادر تختلف معاملته 180 درجة مما يؤدي به في النهاية الى قذف جواز سفره المصري في قاع النيل !! بالله عليكم لو كان الشهيد رائد زعيتر يحمل جنسية أمريكية أو غربية ، هل كان سيتعرض لما تعرض له ، ولو فرضنا جدلا أن ذلك قد حصل هل ستكون ردة فعل بلاده كما كانت ردة فعل الحكومة الاردنية ؟! هل بتنا بحاجة الى بضعة أوراق مختومة ومزيّنة بشعار حكومة غربية لتحسبوا حسابنا !؟

   لا نطالبكم بالكثير ، ان كنتم لا تستطيعون طرد السفير الاسرائيلي ، والغاء معاهدات السلام ، أو اطلاق سراح الجندي الدقامسة ، فعلى أقل تقدير نريد اعترافاً صريحاً من حكومة العدو بالجريمة والكف عن تلفيق التهم واطلاق الكذبات السخيفة حول ملابسات الجريمة ، نريد محاكمةً عادلة لكل الجنود الذين تورطوا في الجريمة ، اليس هذا أقل ما يمكن المطالبة به ؟! نريد أن يأتي رأس الهرم في نظام العدو ليقدم الاعتذار لأهل الضحية ، أسوة بالملك الحسين الراحل الذي قدّم تعازيه واعتذاره لضحايا الباقورة ، أتستكثرون هذا علينا !؟ نريد لجنة متابعة لشؤون المواطنين المسافرين الى الأراضي الفلسطينية لضمان تلقيهم الرعاية الكافية ، والمعاملة الانسانية الحسنة ، أليس من مسؤولياتكم رعاية حقوق مواطنيكم !؟  فان لم تقدروا على تحقيق أدنى متطلباتنا ، فعليكم أن تسدلوا الستارة السوداء على نصب الجندي المجهول ، فالأسود يليق بكم ، ولتذهبوا الى البنك الدولي وتستجدوا منه بعض الكرامة في يوم الكرامة ، على أن تصرفوا لنا كوبونات دعم "بدل كرامة" منذ اليوم وحتى يأذن المولى باستعادة كرامتنا المسلوبة.

أيمن أبولبن
15-3-2014



الاثنين، 10 مارس 2014

عيد الحب بين الخرافة وعقدة الخواجا‎

   هل تذكر أول لقاء جمع بيننا ؟

   بعد انتهاء حُمّى الفالنتاين أوما يعرف ب "عيد الحب" وتناثُر الورود الحمراء في الطرُقات بعد انتهاء فترة صلاحيتها ، دعونا نتحدث بشيء من العقل والمنطق عن هذه المناسبة التي تدق أبوابنا كل عام ، وتستحوذ على اهتمام قطاعات كبيرة من مجتمعاتنا العربية ، بعيداً عن التعصب وتبادل الاتهامات بين المؤيدين والمُعارضين للاحتفال بهذه المناسبة، كما أرجو أن لا تبدأوا بكيل الاتهامات لي قبل أن تكملوا قراءة المقال.

   خدعونا حين أسموه " عيد الحب " ، فهو في الانكليزية Valentine’s Day نسبةً الى القديس فالنتاين ، وباستخدام موقع "جوجل" للبحث عن القديس فالنتاين ، بالامكان ايجاد العديد من القصص التي يكاد بعضها يصل الى درجة الخُرافة أو الأسطورة ، التي تفتقد الى التوثيق في مُعظمها ، أستخدمت جميعها لتوثيق حادثة اعدام القديس فالنتاين يوم 14 فبراير ، ومن هنا جاءت المُناسبة.

   لسنا هنا بصدد مناقشة أصل التسمية ، ولكني فقط أود الاشارة الى ضرورة الفصل بين الذكرى الأصلية التي يقوم الغرب بتخليدها في هذا اليوم ، وبين ما أبتدعه البعض باطلاق اسم عيد الحب أو عيد العُشّاق على هذه المناسبة كي تتلاءم مع مجتمعاتنا العربية ، بالرغم من أنه لا يمت للحب بصلة ، ولا يمت لمجتمعاتنا العربية بأي صلة كذلك. محاولة ربط هذه المناسبة بالتعبير عن الحب أو عن مشاعرنا تجاه من نحب ، محاولة يشوبها العديد من الاسقاطات غير المبررة ، ناهيك عن أن جميع الرموز والرسومات التي يتم استخدامها في هذه المناسبة ترمزُ الى " كيوبيد " آله الحب لدى الرومان ، فالمناسبة مُرتبطة بواقعة رومانية قديمة تم تجميلها ومحاولة اضفاء لمسة شاعرية عليها وتحميلها ما لا تحتمل ، وبآلهة كانت تُعبد في قديم الزمان ، فما علاقتنا نحنُ في هذا كلّه ؟!.

  لا شك بأن الحب جزءٌ لا يتجزأ من حياتنا البشرية ، فالحب هو فاكهة هذه الحياة ، وتاريخ البشرية بدأ بعلاقة حب جمعت بين آدم و حواء ، لا يمكن أبداً تصوّر هذا العالم بدون حب ، ولا يوجد عاقل ٌ يُنكر أهمية الحب والعواطف لنا كبشر ، كما ان جميع الأديان دعت الى الحب والمودة والرحمة ، فالسيد المسيح هو رمز للمحبة والرحمة والتسامح ، وسيدنا محمد هو أكثر الأنبياء الذين ورد عنهم وصايا بنشر المحبة بين البشر ، والحرص على تغليف الجو الأسري بالمحبة والمشاعر الايجابية ، بل ان حبّه للسيدة عائشة كان مصدر الهام لجميع المسلمين في كيفية التعبير عن مشاعرهم ، وتبادل العواطف مع شركائهم دون الاحساس بالخجل أو الشعور بأي حرج .

   محاولة حصر الحب أو التعبير عنه في هذه المناسبة بالذات غير مُبررة على الاطلاق ، ووجهة النظر التي تقول أن من لا يحتفل بهذه المناسبة لا يعترف بالحب ودوره في المجتمع ، فيها تجنّي كبير وقصر نظر ، وهذا ينطبق أيضاً على الشعور السائد بأن كل من يحتفل بهذه المناسبة هو مثال للمُحب المُخلص !

   اذا كان بالفعل مُرادنا ومقصدنا هو الاحتفال بالحب وتكريس مناسبة ما لاظهار امتناننا وحبّنا لأقرب الأشخاص الى قلوبنا ، فالمناسبات كُثُر ، منها على سبيل المثال أعياد ميلادنا ، ذكرى الزواج أو الارتباط بمن نحب ، فهذه المناسبات تُعطينا فرصةً لتبادل الهدايا والبطاقات والتعبير عن المشاعر ، واضعين بعين الاعتبار أن الحب لا يحتاج الى مناسبة بعينها لتكريسه وتخليد ذكراه .

     واذا كان لا بد من مناسبة عامة أو احتفالية عامة للمجتمع ، فلماذا لا نبحث في تاريخنا الممتد الى آلاف السنين عن مناسبة تخصنا ومرتبطة بثقافتنا بحيث نُكرّسها للحب ، فمجتمعاتنا الشرقية وأصولنا العربية والاسلامية زاخرةٌ وحافلةٌ بالعديد من الروايات والأحداث المرتبطة بالحب ، لماذا نحاول أن نقلّد الغرب بمناسباته واحتفالاته الخاصة ؟! لماذا لا نحافظ على هويتنا الثقافية ، أم أن هذا مرتبطٌ بعُقدة الخواجا المُزمنة ؟!

   مناسبة عيد الحب تحولت الى وسيلة للتبذير والتظاهر في مجتمعاتنا ، هل يُعقل أن نشتري الوردة الحمراء بثلاثة أضعاف
 سعرها للاحتفال بهذا اليوم ؟! هل يُعقل أن تُنفق الدول العربية وخاصة دول الخليج ملايين الدولارات في يوم واحد لتكريس ذكرى القديس فالنتاين ؟! هل يعقل أن يحدث هذا في الوقت الذي يموت فيه الناس جوعاً في بلادنا ؟! أعتقد جازماً أننا لو زرنا عاصمةً اوروبية في هذا اليوم لما وجدنا مظاهر الاحتفالات والبذخ التي نشهدها في العواصم العربية.

  
   في النهاية تبقى مسألة الاحتفال من عدمه بهذه المناسبة هي قرارٌ شخصي ، من واجبنا توضيح السلبيات المرتبطة بهذه المناسبة ، ولكل فرد حرية الاقتناع بهذا الكلام أو ردّه ، ولكن المهم هو عدم تبادل التهم بين هذا الطرف وذاك ، فهذا الأمر لا يعدو كونه حرية شخصية ، ولا ينبغي أن يتحول الخلاف في الرأي الى عداءات واتهامات متبادلة ، ولكن دعونا على الأقل نبتعد عن السلبيات المُرافقة لهذه الاحتفالية ، سواءً من حيث الاصرار على شراء الوردة الحمراء بعينها رغم استغلال التجّار الواضح ، أو الاسراف والمبالغة في الاحتفالات الى آخر ما ذكرناه آنفاً.
    
 وأخيراً و بمناسبة الحديث عن الذكريات ، وعن الحب ، هل تذكر تاريخ أول لقاء جمعكَ بمن تُحب ؟ أول يوم للتعارف ؟ النظرة الأولى التي برقت فيها عينُ الحبيب ؟ ماذا عن اليوم الذي عبّرت فيه عن مشاعرك واعترفتَ لشريكك بالحب ؟ هل تذكر الهدية الأولى التي قدّمتها ؟ أعتقد أن كل هذه المناسبات آنفة الذكر أحقُّ أن تحتفل بها من ذكرى فالنتاين ، ألا تتفق معي ؟


أيمن أبولبن
21-2-2014

رابط المقال على موقع القدس العربي


Ayman_abulaban@yahoo.com


الاثنين، 24 فبراير 2014

في انتظار السيسي .... لماذا أخفقت الثورة المصرية ؟


   بعد تطورات الأحداث الأخيرة على الساحة المصرية ، والمُنزلق الخطير الذي انزلقت فيه الثورة المصرية ، مما أدى بها للعودة الى مربع رقم 1 ، يجدر بكل المهتمين بالحال المصري ، التريث قليلاً والنظر الى الوراء لاستجماع الدروس المُستفادة ، من أجل المُضي قدماً في مشوار التغيير المنشود .

لماذا فشلت الثورة المصرية ؟

    أعتقد أنه بالامكان الاجماع على ثلاثة أسباب رئيسية أدت في النهاية الى فشل الثورة المصرية، السبب الرئيسي كان تفشي الفساد في أركان الدولة بدءاً من الجهاز الأمني والعسكري مروراً بجهاز القضاء والمحكمة الدستورية ، وصولاً الى أجهزة الاعلام ، ناهيك عن الشراكة المصيرية بين نظام مبارك و رجال الأعمال ، والممتدة الى يومنا هذا .

   هذا الفساد جعل من المستحيل القيام بحملة تطهير كاملة في الدولة لاستئصال النظام القديم ، عدا عن صعوبة تغيير المجتمع ومعالجة آفاته المزمنة في وقت قصير ، فلم يكن أمام الرئيس مرسي الا التعامل مع الأمر الواقع والعمل على تصحيح الأوضاع بسياسة النَفَس الطويل وهذا ما أثبت فشله في النهاية ، وعندما كان يحاول استغلال صلاحيات الرئيس وفرض ارادته ، كانت الثورة المُضادة تستغل هذا بكل ذكاء ، وتُصوّره في الاعلام بصورة "الديكتاتور الجديد".

     يُضاف الى هذا، فشل الأخوان في التعامل مع المتسجدات على الساحة وادارة الصراع والنزاع بما يتناسب مع أهداف الثورة، ومحاولتهم قطف ثمار النجاح مبكراُ ، متناسين أن المرحلة الحالية هي مرحلة انتقالية تهدف الى ترسيخ مبادىء الثورة والديمقراطية ، وليس تنفيذ برنامج سياسي بعينه. أخطاء الاخوان هذه كلفتهم خسارة شركائهم في الثورة ، وسهّلت مهمة الحرس القديم في امتلاك زمام الأمور مجدداً.

   السبب الأخير ، هو افتقاد الثورة المصرية لقائد مُلهم لديه كاريزما مميزة قادرة على جمع الناس وتوجيههم الى الايمان بمجموعة من الأهداف والعمل على تحقيقها، فلم تتوافر هذه الصفات في الرئيس المُنتخب ولا في أي مُرشح رئاسي آخر، وهذا يعود لسياسة مُبارك التي اتبعها خلال ثلاثين سنة من الحكم، حيث عمد الى قمع جميع المُعارضين وتلفيق التهم اليهم لتشويه صورهم، كما أنه لم يكن يسمح بأي مشاركة في الحكم أو ببزوغ نجم أي شخصية عامة ، ويكفي الاشارة الى أن مُبارك لم يعين نائباً له حتى اللحظات الأخيرة، ليس هذا فحسب بل أن نرجسيته لم تسمح له بمنح نجله "جمال" منصب نائب الرئيس طيلة فترة حكمه ، رغم التخطيط "غير المعلن" لتوريثه الحكم ، ولعل هذه المشكلة غير محصورة في مصر تحديداً ، بل هي مشكلة عامة في وطننا العربي ، فنحن نفتقد للقيادات من الصف الثاني ، ومن عدم وجود رموز مُعارضة تحظى بدعم الجماهير ، الا ما ندر !!

ما هي الدروس المستفادة وكيف السبيل في نهوض الثورة المصرية من جديد ؟

  على الثورة المصرية العودة الى نقطة الصفر، والاعتماد على شباب الثورة بعيداً عن أي رموز سياسية موجودة حالياً في الساحة ، والعمل على تكوين جبهة معارضة مدنية قوية ، وزيادة الوعي السياسي لفئة الشباب ، الذي يُعد رأس مال الثورة، ورويداً رويداً سيكون بمقدور هؤلاء الشباب اجادة العمل السياسي ومقارعة خصومهم ، ونشر فكرهم الاصلاحي للنهوض بالمجتمع من جديد.

  وعلى الاخوان اعادة تنظيم أنفسهم والاستفادة من أخطائهم السابقة ، والانضمام الى توليفة الثورة من جديد ، هذه التوليفة التي نجحت من قبل في قلب نظام مبارك،  لأنها جمعت المصريين جميعاً تحت مظلة واحدة ، مرددين شعاراً واحداً بسيطاً يخدم الوطن ويجمع المصريين " عيش ، حرية ، عدالة اجتماعية " .

   ولعل من المُفيد أيضاً ، أخذ العبرة من تحالف قوى شباب الثورة مع الأخوان خلال الثورة المصرية والتشديد على المصير المشترك الذي يجمع بينهما ، فلم يكن بامكان الثورة المصرية من ان ترى النور لولا دعم الاخوان لها، فالاخوان هم اكبر تنظيم مُعارض على الأرض ، وجذورهم ممتدة في الأرض المصرية منذ ثمانين عاماً ، وهم يتمتعون بتنظيم عال ، ولديهم قنوات تواصل مع كافة أبناء الشعب ، ولولا شعبية الاخوان لفاز مرشح الفلول بالرئاسة مبكراً ، ولكان ذلك ايذاناً بوأد الثورة في مهدها.

  ومما يُعزّز مبدأ الشراكة المصيرية هذه، هو فشل الاخوان في الاستمرار في الحكم ، رغم شرعيّة حكم مرسي ، ورغم أحقيتهم في ذلك ، بسبب تفكك أواصر هذه الشراكة ، ومن هنا نقول أنه لا يستطيع أي حزب الانفراد في الحكم حتى لو حظي بأغلبية الصناديق ، لأن الأصل في القيادة هو الشراكة وليس التفرد ، ولعل هذا كان أقسى الدروس التي تعلمتها الثورة المصرية ، ولكنه أفيدها.

في انتظار السيسي ، هل ترمي الثورة المصرية قُفاز التحدي ، أم تستفيد من عثراتها وتُعيد صياغة التاريخ من جديد ؟

أيمن أبولبن
23-2-2014
Ayman_abulaban@yahoo.com


الخميس، 13 فبراير 2014

ثلاث سنوات على تنحي مبارك

ثلاث سنوات على تنحّي مُبارك
(قراءة ما بين السطور)
   
   قبل أن نشرع في الحديث عن الثورة المصرية ومحاولة قراءة ما بين السطور، دعونا أولاً نعترف أن الثورة المصرية التي انطلقت في 25 يناير عام 2011 ووصلت ذروتها بتنحي الرئيس مبارك عن الحُكم يوم 11 فبراير من نفس العام ، قد انطوت صفحتها بالانقلاب على ارادة الشعب والقاء القبض على الرئيس المُنتخب "محمد مرسي" بفعل الثورة المُضادة التي قادها الحرس القديم وفلول النظام السابق بقيادة المجلس العسكري.
   
   الثورة المصرية كانت مُفاجئة للجميع بل وصادمة أيضاً، فلم يكن أحدٌ يتوقع أن تتطور الأحداث بهذه الصورة، وأن تستمر الثورة المصرية الشابة بهذه العزيمة والاصرار والذكاء ، وأن تحظى بدعم كافة القوى الشعبية والمدنية ، وبدعم الأحزاب السياسية بمختلف انتماءاتها ، بعد أن خلعت رداء الخوف ، وتجلّت بأجمل لُحمة وطنية عرفها التاريخ العربي المعاصر. الثورة المصرية كانت واعدة بالكثير ، سواءً للمصريين في الداخل أو للشعوب العربية التي تسمّرت أمام شاشات التلفاز وواصلت ليلها بنهارها وهي تتابع تطور الأحداث باهتمام بالغ وسط ارتفاع حاد في سقف الأمال والتوقعات بمستقبل مُشرق للمنطقة وانتشار للمُطالبات الشعبية المُنادية بالحرية والعدل والمساواة في معظم دول المنطقة ، ولكن للأسف فان هذه التوقعات والآمال سرعان ما خابت بسبب الثورة المُضادة التي قام بها نظام مبارك القديم.
   
   أولى علامات الثورة المُضادة كانت وصول "أحمد شفيق" أحد رجالات النظام السابق الى الجولة النهائية للانتخابات الرئاسية حيث حصل فيها على ما يزيد عن 48% من الأصوات ، وهذا كان بمثابة اعلان عن مدى صلابة وتماسك أركان النظام القديم، رغم الانهيار الدراماتيكي المُفاجىء لرأس النظام.
   
   استمر مسلسل الثورة المُضادة بعد أن تحالفت قوى الحرس القديم مع القوى المدنية والعلمانية المُناوئة للأخوان وتوحّدت أهدافها في اسقاط حكم الأخوان ، رغم تعدد الأجندات واختلاف الأسباب ، وكان لها في النهاية ما أرادت ، وها هي تتوج نجاحها اليوم بترشُّح "السيسي" للرئاسة أو بالأحرى "الاعلان المُبكر عن اسم الرئيس المصري القادم".
   
كيف نجحت الثورة المُضادة؟

   كما أشرنا فان الثورة المُضادة أثبتت فعاليتها سريعاً ، وبرهنت أنها قادرة على اعادة تصنيع رموزها وتجديد نفسها، فمع بدء الحراك الشعبي تصدّر عمر سليمان واجهة الأحداث ، وتم تقديمه على أنه رجل المرحلة، وعندما فشلت محاولة التجديد هذه تصدّر المجلس العسكري الصورة وقام بسحب البساط من تحت أقدام شباب الثورة ، وأستولى على الحكم المؤقت ، وسط فرحة عارمة بسقوط مبارك أنست الشعب أنهم استبدلوه بالمجلس العسكري.
   
   وبعد أن فشل المجلس العسكري في تقديم شخصية توافقية تحظى بدعم الجماهير ، وأصرّت قوى الثورة على الخروج من عباءة الحُكم العسكري ، تصدّر شفيق الأحداث واستطاع بديبلوماسيته وخبرته وحنكته أن يكون فرس الرهان ، ولكنه فشل في الأمتار الأخيرة أمام شعبية الاخوان ودعم شباب الثورة للدكتور مرسي.
   
   وبعد وصول الاخوان الى الحكم بدأت الثورة المُضادة باستغلال كل نفوذها لمحاربة نظام الحكم الجديد ، مُستخدمةً دعم مؤسسات الدولة التي ما زالت وفيّةً لها ، وكذلك دعم قطاع رجال الأعمال ، بالاضافة الى السلاح الأقوى والأكثر فعالية الا وهو (الاعلام) ، وبهذا استطاعت في النهاية أن تُفرّق بين الاخوان وشركاء الثورة ، ساعدهم في ذلك أخطاء الاخوان أنفسهم بالاضافة الى تنامي التيار العلماني في الدولة ، ورويداً رويداً خسرت حركة الاخوان مُناصريها وفقدت الكثير من شعبيتها ، فكان من البديهي أن يتم توجيه الضربة القاضية لها تحت شعار "مطالب الشعب لتجديد الثورة".
  
   ومع كثرة البدائل امام الثورة المُضادة خلال الأحداث الأخيرة وتشكيل ما يسمى ب "جبهة الانقاذ" أخذ السيسي زمام المباردة وأستغل نفوذ الجيش والقوى الأمنية الضاربة ليقدم نفسه بطلاً قومياً ، ويُعيد الهيبة للعسكر ، وللحرس القديم ، ويقدم أوراق اعتماده ، رئيسا قادماً للبلاد بعد حصوله على مباركة أركان النظام القديم.
  
   خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، قام نظام مُبارك بتطوير نفسه ، واستطاع أن يُجاري الأحداث وأن يتفوق في النهاية على الثورة المصرية ، بعد أن خسر الجولة الأولى بشكل سريع ومُفاجىء وها هو يعيد انتاج نفسه من جديد ، ويقدّم لنا نموذجا مُطورا وحديثاً من العهد القديم ، السيسي "آخر اصدارات الثورة المُضادة" ، أهلاً بالعهد الجديد !!

 أيمن أبولبن
11-2-2014




Ayman_abulaban@yahoo.com

السبت، 8 فبراير 2014

مأساة الشعوب العربية ومسلسل "الجريمة المُضاعفة"


   في حرب لبنان عام 82، قامت اسرائيل بجريمة مُضاعفة، الجريمة الأولى كانت استخدامها أسلحة مُحرّمة دولياً ،أما الجريمة الثانية أو المُضاعفة فكانت استخدام الأسلحة التقليدية بالاضافة الى الأسلحة المُحرّمة في قصف المدن الآهلة بالسكان، وبشكل عشوائي.
  
اسرائيل استخدمت القنابل العُنقودية لأول مرة في تاريخ المنطقة، وأستخدمت أيضاً قنابل النابالم، مما أدى الى سقوط ضحايا بأعداد كبيرة من المدنيين، عدا عن الدمار الكبير في البنية التحتيّة. وعند تصاعد الاحتجاجات على الصعيد الدولي من قبل الجهات ذات العلاقة، قالت اسرائيل انها كانت تستهدف الميليشيات الفلسطينية التي تتمترس في المدن وتستخدم المدنيين "دروعاً واقية" ، وتختبىء في المناطق الآهلة بالسكان ، وبالتالي فان المسؤولية تقع على عاتق المقاومة الفلسطينية أو بالأحرى "منظمة التحرير"، في محاولة منها لتحويل الضحية الى جاني، وهذا ما يُسمى في عُرفنا "عُذر أقبح من ذنب" !!

   هذه الأعذار استخدمتها اسرائيل لاحقاً في حربَيْ غزة، وفي حربها ضد حزب الله، كما استخدمتها أيضاً أبان قمعها للانتفاضة الفلسطينية الأخيرة. اللافت أن الادارة الامريكية أستخدمت ذات الأعذار في حروبها في المنطقة بدءاً من حرب الخليج الثانية فالثالثة مروراً بحرب افغانستان، بل انها أستخدمت أعذاراً أكثر وقاحة، عندما كانت تنسب جرائمها ضد المدنيين الى خطأ في توجيه الصواريخ، أو الى عدم دقة المعلومات المخابراتيّة التي تحصّلت عليها، هكذا بكل بساطة، كما حصل في ملجأ العامريّة على سبيل المثال لا الحصر، فالانسان العربي أو بالأحرى أي انسان من دول العالم الثالث لا يساوي عندهم سوى "برقية اعتذار" أو تصريح اعلامي مُقتضب !!

   وبما أن جميع الأنظمة القمعيّة في العالم أجمع،  تشترك بصفة ازدرائها لخصومها، واحتقارها لهم، فأن الأنظمة القمعيّة في منطقتنا أستخدمت نفس الأسلوب ونفس الأعذار، ولكن هذه المرة كان الخصم هو الشعب نفسه وليس أعداء الأمة !! ، فباتت مصيبتنا نحن الشعوب العربية مُضاعفة، لأن الجاني هذه المرة هو راعينا وحامينا والمُتربع على عروشنا.
  مُعمّر القذافي استخدم البطش والقصف والتدمير والحصار ضد شعبه تحت شعار " من أنتم؟!" أما النظام الانقلابي في مصر، فقام بقمع جميع المظاهرات وفض الاعتصامات المُناوئة له باستخدام القوة بل وبالرصاص الحي، تحت شعار "مكافحة الارهاب والحفاظ على نتائج الثورة" !!

   أما النظام السوري فحدّث ولا حرج، فمن استخدام استراتيجية الأرض المحروقة تحت شعار "المؤامرة الكونية" ، الى محاصرة المدن وقصفها بالصواريخ التقليدية ، فالقنابل العنقودية ثم البراميل المتفجرة مؤخراً، تحت شعار  "مكافحة الارهاب" ، واليوم يُحاصر مخيم اليرموك الفلسطيني، ويرميه بالبراميل المتفجرة بل ويستهدف جميع من يحاول الهرب منه ، عبر قنّاصته المرابطين على مداخل ومخارج المخيم ، كما يحاصر مدينة حمص ، ويقصف مدينة حلب بالبراميل المتفجرة يومياً. كل هذا من أجل مكافحة الارهاب !!

   تُهمة الارهاب هذه ، تعيد الى ذاكرتي ما قاله الشاعر السوري الكبير نزار قباني في قصيدته "أنا مع الارهاب":

متهمون نحن بالإرهاب ...
إذا رفعنا صوتنا
ضد كل الشعوبيين من قادتنا ...
وكل من قد غيروا سروجهم ...
وانتقلوا من وحدويين ...
إلى سماسرة !!

   الشعوب العربية ، عانت كثيراً من أعدائها وحُكامها على حد سواء ، وارتُكبت في حقها أبشع الجرائم ، ولكن مسلسل الجرائم المُضاعفة والمُركّبة لم يتوقف عند هذا الحد، بل لعلّه تعمّق وازداد ايلاماً عندما وقفت طائفة كبيرة من المثقفين والشخصيات العامة ورموز المجتمع الى جانب الطغيان ، على حساب الشعوب المسحوقة، بعدما انسلخوا من جلدهم وتنكّروا لكافة مبادئهم.

   كنا نعوّل عليهم الكثير، ونعلّق عليهم آمالاً كبيرة، و نظن أنهم سيكونوا لنا نبراساً مع بدء الحركات الشعبية ، خاصةً أنهم أمضوا السنوات الماضية وهم يتشدقون بالدعوة الى التغيير والثورة على الظلم والديكتاتورية ، واذ بهم ومع أول اختبار حقيقي ينحازون الى جانب الظلم والاستبداد ويساندون الطغاة !!

   هي فرصة اذاً ، للدعوة الى تغيير شامل في مفاهيمنا ، واسقاط كافة الرموز المصطنعة التي صنعناها بأنفسنا ، وكنا السبب في شهرتها ونجوميتها ، فالرمز الحقيقي هو الذي يقف في وجه الظلم في "عالمنا الحقيقي" ، وليس في وسائل الاعلام وخلف الكاميرات ، أو في العوالم الافتراضية ، أما من يقف مع الظلم والطغيان والديكتاتورية في اي مكان على حساب تطلعات الشعوب ومطالبها بنيل حريتها وكرامتها، فهو لا يعاني فقط من خلل في مفاهيمه ومبادئه، بل انه يعاني من مشكلة حقيقية في انسانيته.

أيمن أبولبن
1-2-2014