ثلاث
سنوات على تنحّي مُبارك
(قراءة
ما بين السطور)
قبل
أن نشرع في الحديث عن الثورة المصرية ومحاولة قراءة ما بين السطور، دعونا أولاً نعترف
أن الثورة المصرية التي انطلقت في 25 يناير عام 2011 ووصلت ذروتها بتنحي الرئيس
مبارك عن الحُكم يوم 11 فبراير من نفس العام ، قد انطوت صفحتها بالانقلاب على
ارادة الشعب والقاء القبض على الرئيس المُنتخب "محمد مرسي" بفعل الثورة المُضادة التي قادها الحرس
القديم وفلول النظام السابق بقيادة المجلس العسكري.
الثورة المصرية كانت مُفاجئة للجميع بل وصادمة أيضاً، فلم يكن أحدٌ يتوقع
أن تتطور الأحداث بهذه الصورة، وأن تستمر الثورة المصرية الشابة بهذه العزيمة
والاصرار والذكاء ، وأن تحظى بدعم كافة القوى الشعبية والمدنية ، وبدعم الأحزاب
السياسية بمختلف انتماءاتها ، بعد أن خلعت رداء الخوف ، وتجلّت بأجمل لُحمة وطنية
عرفها التاريخ العربي المعاصر. الثورة المصرية كانت واعدة بالكثير ، سواءً
للمصريين في الداخل أو للشعوب العربية التي تسمّرت أمام شاشات التلفاز وواصلت
ليلها بنهارها وهي تتابع تطور الأحداث باهتمام بالغ وسط ارتفاع حاد في سقف الأمال والتوقعات
بمستقبل مُشرق للمنطقة وانتشار للمُطالبات الشعبية المُنادية بالحرية والعدل
والمساواة في معظم دول المنطقة ، ولكن للأسف فان هذه التوقعات والآمال سرعان ما
خابت بسبب الثورة المُضادة التي قام بها نظام مبارك القديم.
أولى علامات الثورة المُضادة كانت وصول "أحمد شفيق" أحد رجالات النظام السابق الى الجولة
النهائية للانتخابات الرئاسية حيث حصل فيها على ما يزيد عن 48% من الأصوات ، وهذا
كان بمثابة اعلان عن مدى صلابة وتماسك أركان النظام القديم، رغم الانهيار الدراماتيكي
المُفاجىء لرأس النظام.
استمر
مسلسل الثورة المُضادة بعد أن تحالفت قوى الحرس القديم مع القوى المدنية والعلمانية
المُناوئة للأخوان وتوحّدت أهدافها في اسقاط حكم الأخوان ، رغم تعدد الأجندات
واختلاف الأسباب ، وكان لها في النهاية ما أرادت ، وها هي تتوج نجاحها اليوم بترشُّح
"السيسي" للرئاسة أو بالأحرى "الاعلان المُبكر عن اسم الرئيس المصري القادم".
كيف
نجحت الثورة المُضادة؟
كما أشرنا فان الثورة المُضادة أثبتت فعاليتها سريعاً
، وبرهنت أنها قادرة على اعادة تصنيع رموزها وتجديد نفسها، فمع بدء الحراك الشعبي
تصدّر عمر سليمان واجهة الأحداث ، وتم تقديمه على أنه رجل المرحلة، وعندما فشلت
محاولة التجديد هذه تصدّر المجلس العسكري الصورة وقام بسحب البساط من تحت أقدام
شباب الثورة ، وأستولى على الحكم المؤقت ، وسط فرحة عارمة بسقوط مبارك أنست الشعب
أنهم استبدلوه بالمجلس العسكري.
وبعد
أن فشل المجلس العسكري في تقديم شخصية توافقية تحظى بدعم الجماهير ، وأصرّت قوى
الثورة على الخروج من عباءة الحُكم العسكري ، تصدّر شفيق الأحداث واستطاع
بديبلوماسيته وخبرته وحنكته أن يكون فرس الرهان ، ولكنه فشل في الأمتار الأخيرة
أمام شعبية الاخوان ودعم شباب الثورة للدكتور مرسي.
وبعد
وصول الاخوان الى الحكم بدأت الثورة المُضادة باستغلال كل نفوذها لمحاربة نظام
الحكم الجديد ، مُستخدمةً دعم مؤسسات الدولة التي ما زالت وفيّةً لها ، وكذلك دعم
قطاع رجال الأعمال ، بالاضافة الى السلاح الأقوى والأكثر فعالية الا وهو (الاعلام)
، وبهذا استطاعت في النهاية أن تُفرّق بين الاخوان وشركاء الثورة ، ساعدهم في ذلك
أخطاء الاخوان أنفسهم بالاضافة الى تنامي التيار العلماني في الدولة ، ورويداً
رويداً خسرت حركة الاخوان مُناصريها وفقدت الكثير من شعبيتها ، فكان من البديهي أن
يتم توجيه الضربة القاضية لها تحت شعار "مطالب الشعب لتجديد الثورة".
ومع
كثرة البدائل امام الثورة المُضادة خلال الأحداث الأخيرة وتشكيل ما يسمى ب "جبهة الانقاذ" أخذ السيسي زمام المباردة وأستغل نفوذ
الجيش والقوى الأمنية الضاربة ليقدم نفسه بطلاً قومياً ، ويُعيد الهيبة للعسكر ،
وللحرس القديم ، ويقدم أوراق اعتماده ، رئيسا قادماً للبلاد بعد حصوله على مباركة
أركان النظام القديم.
خلال
السنوات الثلاثة الأخيرة، قام نظام مُبارك بتطوير نفسه ، واستطاع أن يُجاري
الأحداث وأن يتفوق في النهاية على الثورة المصرية ، بعد أن خسر الجولة الأولى بشكل
سريع ومُفاجىء وها هو يعيد انتاج نفسه من جديد ، ويقدّم لنا نموذجا مُطورا وحديثاً
من العهد القديم ، السيسي "آخر اصدارات الثورة المُضادة" ، أهلاً بالعهد الجديد !!
أيمن أبولبن
11-2-2014
Ayman_abulaban@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق