هل
تذكر أول لقاء جمع بيننا ؟
بعد انتهاء حُمّى الفالنتاين
أوما يعرف ب "عيد الحب"
وتناثُر الورود الحمراء في الطرُقات بعد انتهاء فترة صلاحيتها ، دعونا نتحدث بشيء
من العقل والمنطق عن هذه المناسبة التي تدق أبوابنا كل عام ، وتستحوذ على اهتمام
قطاعات كبيرة من مجتمعاتنا العربية ، بعيداً عن التعصب وتبادل الاتهامات بين
المؤيدين والمُعارضين للاحتفال بهذه المناسبة، كما أرجو أن لا تبدأوا بكيل
الاتهامات لي قبل أن تكملوا قراءة المقال.
خدعونا حين أسموه "
عيد الحب " ، فهو في الانكليزية Valentine’s
Day نسبةً الى القديس فالنتاين ، وباستخدام موقع
"جوجل" للبحث عن القديس فالنتاين
، بالامكان ايجاد العديد من القصص التي يكاد بعضها يصل الى درجة الخُرافة أو
الأسطورة ، التي تفتقد الى التوثيق في مُعظمها ، أستخدمت جميعها لتوثيق حادثة
اعدام القديس فالنتاين يوم 14 فبراير ، ومن هنا جاءت المُناسبة.
لسنا هنا بصدد مناقشة أصل
التسمية ، ولكني فقط أود الاشارة الى ضرورة الفصل بين الذكرى الأصلية التي يقوم
الغرب بتخليدها في هذا اليوم ، وبين ما أبتدعه البعض باطلاق اسم عيد الحب أو عيد
العُشّاق على هذه المناسبة كي تتلاءم مع مجتمعاتنا العربية ، بالرغم من أنه لا يمت
للحب بصلة ، ولا يمت لمجتمعاتنا العربية بأي صلة كذلك. محاولة ربط هذه المناسبة
بالتعبير عن الحب أو عن مشاعرنا تجاه من نحب ، محاولة يشوبها العديد من الاسقاطات
غير المبررة ، ناهيك عن أن جميع الرموز والرسومات التي يتم استخدامها في هذه
المناسبة ترمزُ الى " كيوبيد
" آله الحب لدى الرومان ، فالمناسبة مُرتبطة بواقعة رومانية قديمة تم تجميلها
ومحاولة اضفاء لمسة شاعرية عليها وتحميلها ما لا تحتمل ، وبآلهة كانت تُعبد في
قديم الزمان ، فما علاقتنا نحنُ في هذا كلّه ؟!.
لا شك بأن الحب جزءٌ لا
يتجزأ من حياتنا البشرية ، فالحب هو فاكهة هذه الحياة ، وتاريخ البشرية بدأ بعلاقة
حب جمعت بين آدم و حواء ، لا يمكن أبداً تصوّر هذا العالم بدون حب ، ولا يوجد عاقل
ٌ يُنكر أهمية الحب والعواطف لنا كبشر ، كما ان جميع الأديان دعت الى الحب والمودة
والرحمة ، فالسيد المسيح هو رمز للمحبة والرحمة والتسامح ، وسيدنا محمد هو أكثر
الأنبياء الذين ورد عنهم وصايا بنشر المحبة بين البشر ، والحرص على تغليف الجو
الأسري بالمحبة والمشاعر الايجابية ، بل ان حبّه للسيدة عائشة كان مصدر الهام
لجميع المسلمين في كيفية التعبير عن مشاعرهم ، وتبادل العواطف مع شركائهم دون الاحساس
بالخجل أو الشعور بأي حرج .
محاولة حصر الحب أو
التعبير عنه في هذه المناسبة بالذات غير مُبررة على الاطلاق ، ووجهة النظر التي
تقول أن من لا يحتفل بهذه المناسبة لا يعترف بالحب ودوره في المجتمع ، فيها تجنّي
كبير وقصر نظر ، وهذا ينطبق أيضاً على الشعور السائد بأن كل من يحتفل بهذه
المناسبة هو مثال للمُحب المُخلص !
اذا كان بالفعل مُرادنا
ومقصدنا هو الاحتفال بالحب وتكريس مناسبة ما لاظهار امتناننا وحبّنا لأقرب الأشخاص
الى قلوبنا ، فالمناسبات كُثُر ، منها على سبيل المثال أعياد ميلادنا ، ذكرى
الزواج أو الارتباط بمن نحب ، فهذه المناسبات تُعطينا فرصةً لتبادل الهدايا والبطاقات
والتعبير عن المشاعر ، واضعين بعين الاعتبار أن الحب لا يحتاج الى مناسبة بعينها
لتكريسه وتخليد ذكراه .
واذا كان لا بد من
مناسبة عامة أو احتفالية عامة للمجتمع ، فلماذا لا نبحث في تاريخنا الممتد الى آلاف
السنين عن مناسبة تخصنا ومرتبطة بثقافتنا بحيث نُكرّسها للحب ، فمجتمعاتنا الشرقية
وأصولنا العربية والاسلامية زاخرةٌ وحافلةٌ بالعديد من الروايات والأحداث المرتبطة
بالحب ، لماذا نحاول أن نقلّد الغرب بمناسباته واحتفالاته الخاصة ؟! لماذا لا
نحافظ على هويتنا الثقافية ، أم أن هذا مرتبطٌ بعُقدة الخواجا المُزمنة ؟!
مناسبة عيد الحب تحولت
الى وسيلة للتبذير والتظاهر في مجتمعاتنا ، هل يُعقل أن نشتري الوردة الحمراء بثلاثة
أضعاف
سعرها للاحتفال بهذا اليوم
؟! هل يُعقل أن تُنفق الدول العربية وخاصة دول الخليج ملايين الدولارات في يوم
واحد لتكريس ذكرى القديس فالنتاين ؟! هل يعقل أن يحدث هذا في الوقت الذي يموت فيه
الناس جوعاً في بلادنا ؟! أعتقد جازماً أننا لو زرنا عاصمةً اوروبية في هذا اليوم
لما وجدنا مظاهر الاحتفالات والبذخ التي نشهدها في العواصم العربية.
في النهاية تبقى مسألة
الاحتفال من عدمه بهذه المناسبة هي قرارٌ شخصي ، من واجبنا توضيح السلبيات
المرتبطة بهذه المناسبة ، ولكل فرد حرية الاقتناع بهذا الكلام أو ردّه ، ولكن المهم
هو عدم تبادل التهم بين هذا الطرف وذاك ، فهذا الأمر لا يعدو كونه حرية شخصية ، ولا
ينبغي أن يتحول الخلاف في الرأي الى عداءات واتهامات متبادلة ، ولكن دعونا على
الأقل نبتعد عن السلبيات المُرافقة لهذه الاحتفالية ، سواءً من حيث الاصرار على
شراء الوردة الحمراء بعينها رغم استغلال التجّار الواضح ، أو الاسراف والمبالغة في
الاحتفالات الى آخر ما ذكرناه آنفاً.
وأخيراً و بمناسبة الحديث
عن الذكريات ، وعن الحب ، هل تذكر تاريخ أول لقاء جمعكَ بمن تُحب ؟ أول يوم
للتعارف ؟ النظرة الأولى التي برقت فيها عينُ الحبيب ؟ ماذا عن اليوم الذي عبّرت
فيه عن مشاعرك واعترفتَ لشريكك بالحب ؟ هل تذكر الهدية الأولى التي قدّمتها ؟ أعتقد
أن كل هذه المناسبات آنفة الذكر أحقُّ أن تحتفل بها من ذكرى فالنتاين ، ألا تتفق
معي ؟
أيمن أبولبن
21-2-2014
رابط المقال على موقع القدس العربي
Ayman_abulaban@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق