تمر بنا خلال أيام ذكرى
معركة الكرامة ، التي شهدت صموداً مشتركاً لقوات الجيش العربي الأردني وقوات فتح
(العاصفة) أمام قوات العدو الصهيوني التي كانت تهدف الى السيطرة على الأغوار
الشرقية ، أدى هذا الصمود الى دحر القوات الغازية ، واجبارها على التراجع
والانسحاب تاركةً وراءها قتلاها من الجنود بعد فشل محاولاتها في سحب جثثهم ، لتكون
هذه المعركة أول انتصار عسكري للجيوش العربية أمام العدو الصهيوني ، بعد هزيمتي
النكبة والنكسة .
معركة الكرامة اكتسبت
اسمها من اسم القرية التي دارت بقربها المعركة ، ولكن التسمية ارتبطت في أذهاننا
بمعنى الكرامة ، فأصبحت اسماً على مُسمّى ، فمعركة الكرامة جاءت لتعيد لنا الكرامة
المفقودة ، وتفتح لنا باب الأمل من جديد في مقارعة العدو الغاشم والانتصار عليه
رغم الفجوة الكبيرة في العدة والعتاد ، ثم لحقها انتصار أكتوبر وتدمير خط بارليف ليكون
ذلك ايذاناً بقلب قواعد اللعبة وفرض اعادة ترتيب الأوراق في المنطقة بناءً على
معطيات الواقع التي تقول ان ارادة الشعوب والعزيمة والاصرار على التحدي تفوق بكثير
ترسانة الأسلحة الفتاكة التي يمتلكها العدو الصهيوني .
تمر بنا ذكرى معركة
الكرامة هذا العام وفي القلب غُصّة ، وفي
القلب جرحٌ نازف ، فعلى بعد كيلومترات قليلة عن قرية الكرامة ، تعرض أحد المواطنين
الأردنيين من أصول فلسطينية الى اهانة وسوء معاملة واعتداء بالضرب من قبل الجنود
الاسرائيليين في طريق عبوره من الحدود الأردنية الى أراضي السلطة الفلسطينية عبر
معبر الكرامة ، وعندما انتصر لكرامته ولانسانيته ، متحدياً بجسده العاري غطرسة
الجنود الاسرائيليين ، أردوه بوابل من الرصاص من فرط جُبنهم ، لتفارق روحه جسده
الطاهر ، ولتغادر معها ما تبقى من ذكرى للكرامة في أذهاننا .
لم يكن الاعتداء وحده
السبب الوحيد في شعورنا بالامتهان و "قلّة
القيمة" بل ان تعامل السلطات الاردنية والفلسطينية مع الحادثة يعكس
مدى الذل والهوان الذي وصلت له دول المنطقة ، ومدى العار الذي الحقته بشعوبها ، لا
يغرّنكم ما تسمعوه من تصريحات "عنترية"
هنا وهناك ، أوشجب واستنكار ، أو اعتذارات
، فلا قيمة للانسان العربي ولا لكرامته عند أنظمتنا العربية ، فما بالكم
عند جنود العدو !!
معبر الكرامة كان رمزاً
للكرامة العربية ، المار من هناك لا بد وأن يمر من قُبالة نصب " الجندي
المجهول " ليشدّه منظره حاملاً سلاحه رافعاً يده
وشامخاً برأسه ، يشعر المار من هناك بالعزة والكبرياء ، ويستشعر تضحيات من قضوا في
هذه المعركة ، ويستشعر صمود من قاتلوا وانتصروا ، وأبقوا باب الأمل مفتوحاً. لا
أدري أهي مصادفة أم أنها حُرقة الهزيمة ، التي دفعت جنود الاحتلال لينفذوا جريمتهم
قبل أيام قليلة من ذكرى المعركة !؟ أم هو القدر الذي يسخر من ضحاياه كما قال درويش
ذات مرة !!
معبر الكرامة أصبح منذ
الآن ، رمزاً للهوان العربي ، للانكسار والهزيمة ، قامتنا لن تنهض من بعدك يا رائد
، وحالنا لن يختلف كثيراً عن جثتك الهامدة التي تركها جنود العدو تنزف دماً حتى
جفت عروقها ، فالكرامة نزفت من عروقنا أيضاً وها هي تكاد تجف ، لا تقلق على من
تركت خلفك ، فمن عاشر الرجال لن يقبل أن يعيش في كنف أشباه الرجال ، ولن يقبل أن
يعيش بنصف حياة ، فلا تقلق ، دع هذا القلق لنا نحن ، فقد أنهيت حياتك كما يتمنى
جميعنا انهاءها ، بعزة وكرامة وشموخ ، أما نحن فما زلنا نحاول أن نعيش بكرامة قبل
أن نفكر كيف نموت بكرامة !!
في أحد أفلام أحمد حلمي
الذي يحمل عنوان "عسل أسود"
يجسد فيه شخصية مواطن مصري يحمل جواز سفر أمريكي ويعود لزيارة أهله في مصر بعد
غياب طويل ، فيختار أن يحضر جواز سفره المصري ظاناً أنه سيلاقي الاحترام الكافي من
سلطات بلده ، كما كان يلقى الاحترام من السلطات الامريكية باعتباره مواطناً امريكياً
، وعندما يكتشف الفارق الكبير في المعاملة ، بل لنقل سوء المعاملة التي يتلقاها
المواطن المصري في بلده (والمواطن العربي اجمالاً) يقرر أن يحضر جواز سفره
الامريكي ويستخدمه بدلا من المصري ، وبقدرة قادر تختلف معاملته 180 درجة مما يؤدي
به في النهاية الى قذف جواز سفره المصري في قاع النيل !! بالله عليكم لو كان
الشهيد رائد زعيتر يحمل جنسية أمريكية أو غربية ، هل كان سيتعرض لما تعرض له ، ولو
فرضنا جدلا أن ذلك قد حصل هل ستكون ردة فعل بلاده كما كانت ردة فعل الحكومة
الاردنية ؟! هل بتنا بحاجة الى بضعة أوراق مختومة ومزيّنة بشعار حكومة غربية لتحسبوا
حسابنا !؟
لا نطالبكم بالكثير ، ان
كنتم لا تستطيعون طرد السفير الاسرائيلي ، والغاء معاهدات السلام ، أو اطلاق سراح
الجندي الدقامسة ، فعلى أقل تقدير نريد اعترافاً صريحاً من حكومة العدو بالجريمة
والكف عن تلفيق التهم واطلاق الكذبات السخيفة حول ملابسات الجريمة ، نريد محاكمةً
عادلة لكل الجنود الذين تورطوا في الجريمة ، اليس هذا أقل ما يمكن المطالبة به ؟! نريد
أن يأتي رأس الهرم في نظام العدو ليقدم الاعتذار لأهل الضحية ، أسوة بالملك الحسين
الراحل الذي قدّم تعازيه واعتذاره لضحايا الباقورة ، أتستكثرون هذا علينا !؟ نريد
لجنة متابعة لشؤون المواطنين المسافرين الى الأراضي الفلسطينية لضمان تلقيهم
الرعاية الكافية ، والمعاملة الانسانية الحسنة ، أليس من مسؤولياتكم رعاية حقوق
مواطنيكم !؟ فان لم تقدروا على تحقيق أدنى
متطلباتنا ، فعليكم أن تسدلوا الستارة السوداء على نصب الجندي المجهول ، فالأسود
يليق بكم ، ولتذهبوا الى البنك الدولي وتستجدوا منه بعض الكرامة في يوم الكرامة ،
على أن تصرفوا لنا كوبونات دعم "بدل
كرامة" منذ اليوم وحتى يأذن المولى باستعادة كرامتنا المسلوبة.
أيمن أبولبن
15-3-2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق