يتعامل الإعلامُ الغربي مع حوادث الإرهاب بناءً على
قاعدة غير مُعلنة تقول (إن المُتّهمُ بريءٌ حتى يثبُت إسلامُه!)، فبمجرد ثبوت أن
أصول منفذ الاعتداء هي شرق أوسطية أو إسلامية، يتم مباشرة إطلاق توصيف "إرهابي"
به، ويتم تغطية الحدث على نطاق واسع في جميع وسائل الإعلام الغربي.
ولكن إذا ما ثبت خلافُ ذلك، فإن الحادث يعتبر حادثة
"مؤسفة" قام بها أحد المرضى النفسيين أو أحد الذين يعانون من اضطرابات
اجتماعية، فهو قاتل أو معتدٍ ولكنه ليس إرهابيا بأي شكل من الأشكال!
إشكالية تعريف الإرهاب، تعود في الأساس إلى حملة مكافحة
الإرهاب التي أطلقها الرئيس بوش الابن في أعقاب أحداث سبتمبر، تلك الحرب المطّاطة
ذات الأهداف الهُلامية، والتي تم إطلاقها تحديداً للقضاء على التطرف الإسلامي الذي
أعتبر حينها عدو الحريات والعدو الأول للحضارة الغربية، ومن هنا اقترن تعريف
الإرهاب بالإسلام والإسلام فقط.
المؤسف أن معظم الدول العربية والإسلامية قد انضمت الى
هذا التحالف سواء عسكريا أو سياسيا أو على الأقل تضامنت معه، رغم ضبابية المشهد
حينها، واستمرت في التعاون الأمني واللوجستي بناءً على هذا التعريف أيضاً، دون أن
يطالب أحدٌ في المقابل أجهزة الاستخبارات الغربية بالتعاون الأمني للكشف عن
العمليات الإرهابية التي يقوم بها غربيون ضد المسلمين في أنحاء العالم، وكأنهم
مكتفون بمقاومة الإسلام الراديكالي الذي يعتقدون أنه يقلق بلادهم.
كما لم يطالب أحدٌ باتخاذ إجراءات أكثر صرامة لحماية
المسلمين المقيمين في الغرب من التهديدات التي تهدّد حياتهم، وتقوّض من حريتهم
الدينية والشخصية، بل إن مسألة لبس الحجاب باتت مسألة شائكة بالنسبة للجاليات
المسلمة وقد تجلب لهم التحرّش والمضايقات والمنع من دخول المدارس والجامعات وفقدان
فرص العمل.
ولعل حادثة نيوزيلندا الأخيرة قد أوضحت تلك المفارقة
العجيبة في التغطية الإعلامية، فلم يجرؤ أحد في الإعلام الغربي على وصم المعتدي
بأنه إرهابي إلا بعد أن قامت الحكومة النيوزيلندية نفسها بوصف العمل بانه إرهابي
وأن من قام به هو إرهابي متطرف، ورغم ذلك وجدنا بعض الوسائل الإعلامية تُصرّ على تبييض
صورة المعتدي من خلال نشر صورته وهو طفل بريء، لتقول إنه ولد طبيعي حنون ولطيف
"مثلنا"!
في دراسة نشرت حديثاً، تؤكد نتائجها أن كثافة التغطية
الإعلامية في الغرب تتعاظم بنسبة اربعمئة بالمئة حين ترتبط بمنفذين من أصول شرق
أوسطية او إسلامية.
يذكرني هذا بجدلية الفُسطاطين التي ذكرها أسامة بن لادن
في خطاباته، وقابلها بوش بعبارته (إذا لم تكن معنا فأنت ضدنا)، وهكذا فإن الغرب
ينظر الى عالمنا العربي والإسلامي من منطلق أنتم معسكر ونحن معسكر آخر، حتى لو كان
هذا الكلام غير معلن أو غير معترف به، إلا أنه ينطلق من اللاشعور الغربي، فالإرهاب
من وجهة نظره هو استهداف الآخرين للحضارة الغربية، والإرهابي هو ذاك الوحش "الخارجي"
الذي يستهدف أمن واستقرار الحضارة الغربية، وليس أي شيء آخر، وما أكد هذا الشعور
لدى الغرب هو قبولنا بذلك بل وتضامننا المعلن مع ضحاياهم وجلدنا للذات أمام
ناظريهم، دون أن نكلّف أنفسنا عناء وضع معيار أخلاقي مشترك لتعريف الإرهاب.
ولعلكم تذكرون مسيرة شارلي الشهيرة تضامناً مع ضحايا
الاعتداء رغم استفزاز جريدة شارلي لمشاعر المسلمين واساءتها المعلنة لرموز الإسلام
ولنبي هذه الأمة، في الوقت الذي لم يجرؤ أحد على مطالبة رؤساء الدول الغربية على
إبداء تضامنهم مع ضحايا نيوزيلندا ومختلف الاعتداءات التي ارتكبها غربيون ضد
مسلمين وعرب!
بعدٌ آخر في التغطية الإعلامية الغربية لحادثة نيوزلندا
هو أن الغرب عموماً ينظر الى البلاد الغربية على أنها مركز الكون، وكل ما يحصل
فيها يستحق تغطية إعلامية كثيفة، في حين أن ما هو خارج هذا الإطار، ثانوي لا يستحق
التركيز الكبير، ومن هنا كان البعد الجغرافي لنيوزيلندا سبباً في تواضع التغطية
الإعلامية، إضافةَ إلى كون الضحايا هم مسلمون لا ينتمون الى الحضارة الغربية.
وهذا يقودنا للحديث عن سبب اختيار نيوزلندا مسرحاً
لارتكاب الجريمة بالنظر الى أن منفذها هو استرالي، ولعل السبب في ذلك هو استقرار
البلاد أمنيا وعدم التواجد الأمني الكثيف في الشوارع والأماكن العامة، مما سهّل من
تنفيذ العملية دون اعتراض أمني.
يُضاف الى ذلك، ما ذكره المُنفذ في رسالته التي نشرها
حين أشار الى أنه أراد توجيه رسالة للمسلمين بأنهم لن يكونوا آمنين حتى ولو في
أصقاع العالم البعيدة.
ولكن هناك سبب أهم من وجهة نظري، هو معرفة القاتل بأن
القانون النيوزيلندي سيضمن له عدم مواجهة حكم الإعدام، وأن العقوبة المتوقعة هي
اثنتا عشرة سنةً في السجن قابلة للتخفيض، وهو ما دعاه للاستهتار بالمحاكمة وإعلان عدم
حاجته لمحام!
عندما تتزاحم أقلامنا على شجب كل اعتداء يرتكبه مسلم في أنحاء
العالم وإعلان التضامن مع الضحية وكأننا نحاول درأ التهمة عن أنفسنا بالقول (إحنا
مش معاهم)!
ودوام مهاجمة
المتدينين منّا وتحميلهم وزر أخطاء العالم أجمع وتخلّف مجتمعاتنا دون النظر الى
جرائم الآخرين في حقّنا والخطاب العنصري ضد الإسلام والمسلمين، ودون امتلاك الجرأة
على المطالبة بالمعاملة بالمثل ولا الجرأة على اتهام الآخرين بالإرهاب والتطرف
الديني والغلوّ، فإننا حينها لا نستحق أن يُنظر الينا كمجتمعات كفؤة تستحق التضامن
بل إننا نضع أنفسنا في حظيرة مهجورة تستحق ما يحصل لها!
وعدما يتقافز مسؤولونا ليتبوؤوا صدارة المشهد في التضامن
مع الغرب ومكافحة الإرهاب المرتبط بنا وبنا فقط دون الجرأة على تحديد معيار دولي
لمكافحة الإرهاب، حينها لا تنتظروا أن يتعامل المسؤولون الغربيون معنا على أننا
بشر أصحاب كرامة!
وعندما لا يجد المسلمون المقيمون في الغرب دعماً سياسياً
أو شعبياً لنيل حقوقهم الأساسية في الحرية الدينية والدفاع عن حرية المعتقد لهم،
ودرء تهم الإرهاب والتطرف عنهم، فلا تتساءلوا لماذا أصبحوا فريسةً سهلة المنال لكل
متعصب يعتقد أنه سيجعل العالم أفضل بقتله لهؤلاء الغرباء!
أيمن يوسف أبولبن
كاتب ومُدوّن من الأردن
23-3-2019